< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد جواد أرسطا

43/03/21

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم الله الرَّحمَن الرحيم

درس خارج الفقه الإجتماعي؛ الأستاذ محمد جواد أرسطا.

تقریر الدرس الواحد والثلاثين؛ 21 ربیع الثاني 1443.

عنوان البحث: شرح وتفسير عهد مالك الأشتر / الجملة الأولى (2).

"هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين مالك ابن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاه مصر".

إن صفة العبد، هي صفة مشتركة، لا تنطوي على امتياز لفئة معينة. ففي الحكومات المختلفة قد تنشأ طبقات تتمتع بعضها بامتيازات خاصة (الأعيان والأشراف..).

إلا أن الاسلام وضع معايير للتفاضل يمكن بلوغها، وهذا يدل على أنه يمكن للدين أن يكون عالميا.

وقد تمت الاشارة إلى أن الله تعالى هو من يُقَيِّم التقوى الحقيقية، فلا يحق لأحد أن يتخذ التقوى الحقيقية ذريعة للانتقام من الافراد، أو تحقيرهم، مع التسليم بأن التقوى التي يمكن للأفراد أن يحكموا عليها هي التقوى الظاهرية المرتبطة بالسلوك، إلا أن هذا السلوك لا يمكن أن يكشف عن ميزان التقوى الدقيق والحقيقي.

على اية حال فإن معيار انتخاب واختيار الأفراد الأصلح هو الحكم على سلوكهم الظاهري، وهذه المفاضلة لا تعني أن من لم يتم اختياره فاقدا للتقوى.. بل قد تكون اعتقاداته اقوى لكن هذا الأمر غير قابل للقياس وهو ما يعلمه الله دون سواه.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله في يوم فتح مكة: "يا أيها الناس إن الله قد اذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها، إن العربية ليست بأب ووالدةٍ، وإنما هو لسان ناطق، فمن تكلم به فهو عربي، ألا إنكم من آدم وآدم من تراب وأكرمكم عند الله أتقاكم[1] ".

وردت هذه الرواية في كتب متعددة، وقد ورد في بعض النسخ "ليست بأب والد"، و "ليست بأب وجد " بدل عبارة "ليست بأب ولا والدة".

وقد فسر العلامة المجلسي "ليست بأب ولا والدة": "أي ليست العربية التي هي فخر وكمال بالنسب، ولكنها لسان ناطق بالشهادتين وبدين الحق، فالعرب من كان على الدين القويم وإن كان من العجم[2] ".

إن هذه العبارة لا تنسجم مع ظاهر الرواية، وإن كان ورد في بعض الروايات أن العربية فخر، وليس المقصود من العربية القومية الخاصة أو التكلم بلغة خاصة.

١. في هذه الرواية يريد رسول الله صلى الله عليه وآله أن العربية لا تنتقل من النسب، بل إن العربية لغة ولو لم يكن والداه عربا: "فمن تكلم به فهو عربي"، اي من تكلم بهذا اللسان هو عربي.

٢. بعد أن بين رسول الله هذه النقطة، قال "ألا إن كم من آدم وآدم من تراب". فالعربية أو غيرها لا توجب الفخر كون جميع الناس يرجعون إلى أب واحد هو آدم وآدم من تراب.

وفي النتيجة فإن العربية لغة إلى جانب اللغات الأخرى الموجودة، فلا العربية ملاك للتفاخر ولا غيرها.

عن ابي جعفر عليه السلام قال: "كان سلمان جالسا مع نفر من قريش في المسجد فأقبلوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتى بلغوا سلمان، فقال له عمر بن الخطاب: أخبرني من أنت ومن أبوك وما أصلك؟، فقال: أنا سلمان بن عبد الله كنت ضالا فهداني الله عز وجل بمحمد (صلى الله عليه وآله) وكنت عائلا فأغناني الله بمحمد (صلى الله عليه وآله) وكنت مملوكا فأعتقني الله بمحمد (صلى الله عليه وآله) هذا نسبي وهذا حسبي.

قال: فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلمان (رضي الله عنه) يكلمهم، فقال له سلمان: يا رسول الله ما لقيت من هؤلاء جلست معهم فأخذوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتى إذا بلغوا إلي قال عمر بن الخطاب: من أنت وما أصلك وما حسبك؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله) فما قلت له يا سلمان؟ قال: قلت له: أنا سلمان بن عبد الله كنت ضالا فهداني الله عز ذكره بمحمد (صلى الله عليه وآله) وكنت عائلا فأغناني الله عز ذكره بمحمد (صلى الله عليه وآله) وكنت مملوكا فأعتقني الله بمحمد (صلى الله عليه وآله) هذا نسبي وهذا حسبي.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا معشر قريش، إن حسب الرجل دينه، ومروءته خلقه، وأصله عقله وقال الله عز وجل: (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله) لسلمان: ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوى الله عز وجل وإن كان التقوى لك عليهم فأنت أفضل"[3] .

فقد وضع رسول الله صلى الله عليه وآله ضوابط وملاكات أن حسب الرجل دينه وليس عن طريق آبائه، ومروءته خلقه، وأصله عقله، أي أساس وجوده عقله.

وقد نقل الشيخ المفيد في بيان فضل سلمان الفارسي:" بلغنا أن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - دخل مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم فعظموه وقدموه وصدروه إجلالا "لحقه وإعظاما " لشيبته واختصاصه بالمصطفى وآله، فدخل عمر فنظر إليه فقال: من هذا العجمي المتصدر فيما بين العرب، فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فخطب فقال: إن الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط، لا فضل للعربي على العجمي ولا للأحمر على الأسود إلا بالتقوى، سلمان بحر لا ينزف، وكنز لا ينفد، سلمان منا أهل البيت، سلسل يمنح الحكمة ويؤتى البرهان[4] ".

ما يمكن استفادته بلحاظ الفقه الاجتماعي أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يؤجل هذا المطلب إلى وقت آخر، فلم يسمح أن يمر هذا الكلام (الذي يحوي مفاضلة بين العربي وغيره) دون أن يوجه، ذلك أن الأمور الاجتماعية تؤثر تدريجيا ومن خلال التكرار، فإن تم ترك التعقيب على الموضوع لتراكمت آثاره، ولوقعت نتائجه ما يمنع أو يصعب حينها من معالجة الموضوع.

فلو نظرنا للمسألة من منظور الفقه الفردي، لقلنا بعدم وجود مشكلة من وقوع هذه الحادثة لمرة واحدة، لكن الفقه الاجتماعي يرى أن الدفعات التي لا تكون آثارها محسوسة، تظهر آثارها جلية متراكمة بعد مدة بصورة دفعية.

فالفقه الاجتماعي يأخذ بعين الاعتبار الحالة الراهنة والحالات المستقبلية لأن إدارة المجتمع لا تقتصر على الأجيال الحالية بل تطَّلع لإدارة للأجيال المستقبلية أيضا. (كإدارة المنابع الطبيعية).

هذه الامور التي تحتاج إلى تدبير لا يمكن إيلاءها للناس كونهم ليس لديهم إحاطة بكل جوانب الموضوع.

فرسول الله صلى الله عليه وآله واجه مباشرة سلوك القائل "من هذا العجمي المتصدر بين العرب ". لأن عدم مواجهة هذا السلوم سيؤدي إلى تكرار، هذا التكرار سيحدث أثرا تدريجيا، ما يؤدي إلى تشكل ثقافة في المجتمع قائمة على احترام العرب وتقديمهم على من سواهم.

فالتقوى هي النسب المعتبر في الإسلام؛ روى الشيخ الطبرسي عن النبي صلى الله عليه وآله "يقول الله يوم القيامة أمرتكم فضيعتم ما عهدت إليكم فيه ورفعتم أنسابكم، فاليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم. أين المتقون، إن أكرمكم عند الله أتقاكم[5] ". فنسب الله التقوى.

وقد نقل الشيخ الصدوق أنه من الفاظ رسول الله صلى الله عليه وآله الموجزة التي لم يسبق إليها: "الناس كأسنان المشط سواء[6] ".

في الدرس التالي سيتم الاشارة إلى سبب ذكر صفة أمير المؤمنين.


[1] تفسير قمي ج٢ ص٣٢٢.
[2] مرآة العقول، ج٢٦ ص٢١٤.
[3] الكافي، ج٨ (روضة الكافي) ص١٨١، (طبعة الإسلامية).
[4] الشيخ المفيد، كتاب الاختصاص ص٣٤١ في بيان فضل سلمان الفارسي.
[5] الشيخ الطبرسي، مجمع البيان ج٩ ص١٣٨.
[6] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص379.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo