< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد جواد أرسطا

43/03/20

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم الله الرَّحمَن الرحيم

درس خارج الفقه الإجتماعي؛ الأستاذ محمد جواد أرسطا.

تقریر الدرس التاسع عشر؛ 20 ربیع الأول 1443.

عنوان البحث: تقريب في دلالة الرواية على الحكم الإلزامي.

عند التأمل بالرواية لا بد من الإجابة عن كيفية تحليل مضمونها.

1. التحليل الاول يتمسك أن التدريج والتكرار الوارد يدل أن الرسول صلى الله عليه وآله لم يرد من الرواية التحريم على الولاة، إنما أراد أن يدق ناقوس الخطر، في أنه من المستحسن تجنب سلسلة من الأفعال، كترك احترام كبار المسلمين، احتجاب الوالي عن الناس، افقار الناس..

فكأن الرسول يحذر من التوالي الفاسدة لهذه الامور التي لا تحصل من مرة واحدة بل من خلال التكرار وبالتدريج. فرسول الله بحسب هذا التحليل لم يرد تحريم كل عمل من هذه الأعمال؛ فلم يرد القول إن عدم احترام كبار المسلمين لمرة واحدة حرام، وأن افقار المسلمين حتى لبرهة صغيرة حرام. بل أراد القول إن هذه الامور تحرم عند تحقق تواليها الفاسدة، وفي المرات التي لا تتحقق التوالي الفاسدة فإن هذه الاعمال غير محرمة.

هذا التحليل يتوافق مع نظرة الفقه الفردي، وقد تبناه كثير الفقهاء، إذ أن كثيرا منهم لم يشر أن هذه الرواية تدل على الحرمة وهو ما يشكل قرينة على أنهم يتبنون احتمال الكراهة، كالملا صالح المازندراني في شرحه للكافي حيث أورد تعبيرا يفهم منه أن ارتكاب هذه الافعال لا يشكل حرمة: "إن الوالي لا ينبغي له أن يسوق الجيش إلى العدو سوقا شديدا، بل ينبغي أن يسوقهم سوقا ليناً".

عبارة لا ينبغي الواردة في كلام الفقهاء لا تدل على الحرمة بل على الكراهة، وينبغي تدل على الاستحباب.

٢. التحليل الثاني: أراد رسول الله تحريم هذه الأفعال لما فيها من المفاسد العظيمة.

إن قلت أن قيام الوالي بهذه الأفعال لمرة واحدة او بضع مرات قليلة لا يرتب تلك التوالي الفاسدة، فكيف نحرمها قبل وصولها إلى حد التكرار الذي ينتج التوالي الفاسدة؟

قلنا أن الموضوعات الاجتماعية تمتاز أن أثرها يتحقق عن طريق التكرار وبصورة تدريجية، لكن لا يمكننا أن ننتظر حتى تظهر آثار هذه الموضوعات ثم نواجهها، لأنه عندها سنكون قد فوتنا فرصة مواجهة هذه التوالي الفاسدة، فيلزم الوقوع حينئذ فيما يلزم الاحتراز عنه من المفاسد المهمة، تلك المفاسد التي لا يرضى الشارع بوقوع المجتمع الاسلامي فيها قطعا.

وفي بيان آخر فإن كل مرة يحصل أمر من هذه النواهي، فإنه على الاقل يترك أثرا في أمرين:

أ. تترتب نسبة مئوية ولو قليلة من ذلك التالي الفاسد، مثلا إن لم يحترم كبار السن لمرة واحدة فإن نسبة من الأثر، ولو قليلة جدا، ستتحقق، ستتهيأ الأرضية للأثر (مثلا سلطة الأقوياء على الضعفاء، مثلا إذلال المسلمين). فسيكون لهذا السلوك سهم بقدره في تحقق النتيجة.

ب. في كل مرة يتم القيام بأي من هذه الأعمال، فإن قبحه سيضمحل، وبالتالي قد يتمسك الوالي التالي أن الوالي السابق قام بهذا العمل، وقد صرح امير المؤمنين في الخطبة الشقشقية أن الخليفة الاول والثاني والثالث قاموا بسن سنة سيئة.

مثال معاصر هو موضوع الحجاب في ايران، ففي المرات الاولى لم ينتج عن عدم مراعاة الحجاب الإسلامي توالي فاسدة ظاهرة، إنما اضمحل قبح هذا العمل نسبيا، إلى أن وصل الوضع لحالته الراهنة حيث ظهرت التوالي الفاسدة والآثار غير المطلوبة.

فالرسول والائمة في الأحاديث المتعلقة بالأمور الاجتماعية يوجهون الناس أن عدم معالجة المخالفات التي تظهر آثارها تدريجيا وعن طريق التكرار، سيؤدي لأن تكون المعالجة اللاحقة متعثرة أو متعذرة. فعلاج الواقعة يجب أن يكون قبل الوقوع.

هذا المطلب يمكن صياغته في عدة تقريبات:

١. إن عدم التوجه بمنع الاضرار بالمسلمين، عدم التوجه إلى إفقار المسلمين و.. هي مقدمات مفوتة للوقوع في التوالي الفاسدة والوقوع في المفاسد. فترك المقدمات المفوتة من شأنه أن يفوت ذي المقدمة، كحجز بطاقة سفر قبل حلول موسم الحج. وإلا سيفوت الحج. فترك تجنب الاضرار بالمسلمين وترك عدم إفقار المسلمين واحتجاب الوالي عن المسلمين سيؤدي إلى فوات ذي المقدمة، وهي هنا عدة امور كعزة المسلمين، استمرار تدين المسلمين، بقاء نسل المسلمين. وبما أن الشارع المقدس لا يرضى بوقوع هذه المفاسد فلا يرضى قطعا بوقوع الاسباب والعوامل التي تؤدي إلى تحققها.

٢. إن النتائج الفاسدة هي قطعا أمر منكر، ودفع المنكر كرفعه واجب، ولا يمكن دفع هذه المنكرات إلا بتحريم أسبابها من أول الأمر، وإلا يلزم وقوع أحد امرين إما الوقوع في تلك المفاسد التي يبغضها الشارع (مذلة المسلمين، تسلط الاقوياء..)، وإما التعثر في إصلاحها وصرف مبالغ كبيرة من بيت مال المسلمين لهذا الأمر. وواضح أن الشارع لا يرضى بأي من هذين الامرين.

٣. إن ارتكاب هذه الأمور من الإضرار بالمسلمين وإفقارهم والاحتجاب عنهم، يعتبر مقدمات موصلة إلى محرمات، مثل إذلال المسلمين وتقريبهم إلى الكفر وتسليط أقويائهم على ضعفائهم. والمقدمة الموصلة إلى الحرام حرام، فارتكاب هذه المقدمات حرام.[1]

نحن نرى في عدة روايات أن الائمة عليهم السلام ينهون عن أعمال يؤدي تكرارها إلى ظهور توالي فاسدة تدريجيا، وهم عليهم السلام ينهون عن فعلها من المرة الأولى.

مثالها الاول ما تم التعرض إليه من نهي أمير المؤمنين لعثمان ابن حنيف من المشاركة في مأدبة للأغنياء خاصة: ".. وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو وغنيهم مدعو". فرغم أن المأدبة لا تحوي طعاما محرما، وليست في أجواء محرمة (غناء او..) بل بحضور مجموعة من المواطنين وهم الأغنياء، إلا أن أمير المؤمنين طالب واليه، لأن ذلك يترك في الأذهان العمومية شك في أن أصحاب هذه المأدبة يتقربون من الوالي ليحصلوا منه على امتيازات خاصة بهم، ما يؤدي إلى غفلته عن حاجات الفقراء. فأمير المؤمنين لم يرد حتى أن يخطر هكذا احتمال عند الناس.


[1] وجوب المقدمة الموصلة:ضياء الدين العراقي، نهاية الافكار ج١ ص٣٥٧، آية الله مكارم الشيرازي، طريق الوصول إلى مهمات علم الاصول، ج٢، ص٨٠.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo