< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد جواد أرسطا

43/03/19

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم الله الرحمن الرحیم

درس خارج الفقه الإجتماعي؛ الأستاذ محمد جواد أرسطا.

تقریر الدرس الثامن عشر؛ 19 ربیع الأول 1443.

عنوان البحث: مناقشة دلالة رواية الكافي حول حق الناس بقيام الدولة بمداراتهم.

"ولم يغلق بابه دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم": إن قيام الحاكم بإغلاق الباب دون رعيته كناية عن عدم معرفة أخبارهم وأحوالهم، فواجب الحاكم أن يطلع على أحوال الناس، وذلك عن طريق تشكيل جلسات مباشرة مع الناس فالرسول صلى الله عليه وآله يؤكد على نقطتين:

١. إطلاع الحاكم على أحوال الناس.

٢. عقد جلسات مع الناس ليتواصل ويرتبط معهم بشكل مباشر.

فالهدف هو معرفة أحوال الناس ووسيلته وطريقته التواصل المباشر معهم.

فنتيجة عدم وجود هذا الارتباط هو غلبة الاقوياء على الضعفاء وإضاعة حقوق الضعفاء، وبالتالي تعرض الضعفاء لظلم كبير في المجتمع.

من أين استنبطنا أن عبارة لم يغلق بابه دونهم تتعدى الاطلاع على أحوال الناس لتشمل الارتباط معهم ايضا؟

عند مراجعة الروايات الأخرى التي تتناول هذا الموضوع نفهم أن محض الارتباط المباشر مع الناس ليس له طريقية بل لها نحو موضوعية في تحقق الهدف. مثلا كلام امير المؤمنين في عهد مالك الأشتر: "واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ فيه لهم شخصك وتجلس لهم مجلسا عاما فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتبعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك حتى يكلمك متكلِّمهم غير مُتَتَعتِع، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في غير موطن لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف من القوي حقه غير مُتَتَعتِع". فأمير المؤمنين يشير إلى مالك بتخصيص وقت لمن يحتاجون إليه، وأصحاب الحاجات قد يكونوا فقراء وقد يكونوا أغنياء لكن لديهم مشاكل تحتاج إلى حلول، وذلك من خلال تخصيص وقت لمتابعة هذه الحاجات، في مجلس يجمع الناس المحتاجين إليك، وإن لم تتواضع في هذا المجلس فكأنك لم تتواضع لله وتكبرت عليه. فإن هذا المجلس هو لقضاء حاجات وحقوق الناس وإذا لم تتواضع فإنه لن يتجرأ أحد على المطالبة بحقه. فالله هو من يراقب متابعتك لأمور الناس. وفي هذا المجلس أبعد معاونيك وحراسك حتى لا يخشى الناس من عرض مسائلهم (طبعا إن كان هناك مخاوف أو تهديدات أمنية فإن ذلك يتم علاجه بطرق عدة كتفتيش الوافدين، أو تواجد عناصر أمنية بلباس مدني وبشكل مخفي بين الناس..).

فأمير المؤمنين يعلل سبب ضرورة إبعاد المرافقين، حتى يتكلم صاحب الحاجة دون خوف وبطلاقة لسان، فإن الخائف لا يتمكن من الإفصاح عما لديه.

والتعليل الاصلي يذكره أمير المؤمنين من كلام رسول الله، ولذلك يعطي حكمه لمالك الأشتر أن:

١. فرغ وقتا للناس.

٢. لا يجب أن يحضر المرافقون بصورة علنية في هذا المحضر كي لا يخاف الناس.

٣. أن يعرض الناس لك حاجاتهم دون خوف وبطلاقة لسان.

فنفهم من هذه الرواية التي تشرح ما ورد في روايات أخرى، أن أمير المؤمنين يعلمنا التفريع (علينا إلقاء الأصول وعليكم أن تفرعوا)، فمن لوازم تعليم رسول الله لأمير المؤمنين ألف باب من العلم أن يفرع أمير المؤمنين القواعد الكلية والضوابط العامة التي تعلمها من رسول الله صلى الله عليه وآله.

بناء على كل ما تقدم نستنتج أن عقد اللقاءات المباشرة مع الناس ليس له قيمة طريقية فقط، إنما يؤمن جزءً من الهدف، لأن الحاكم إذا أراد الاستعلام عبر وسائط فإن من شأنها أن تزيد أو تنقص من الواقع، فقد لا يكون النقل مطابقا أو يأتي متأخرا. فاللقاء المباشر مع الناس له موضوعية لأن دون ذلك لا يؤمن للوالي الاطلاع بصورة صحيحة ودقيقة على أحوال الناس.

النقطة الثانية التي نقلها أمير المؤمنين عن رسول الله أنه "لن تقدس أمة":

١. فالأمر لن يقتصر على من ينتهك حقوق الضعفاء بل سيشمل الأمة التي سكتت عن ذلك الوضع القائم ليشملها ذلك اللوث. فالمقدس هو المنزه من الرذائل.

٢. إن شرط تحقق الأمة المقدسة والنظام المقدس هو وجود جهاز قوي لإنفاذ العدالة في المجتمع، والإمام القائد يكرر أننا لا زلنا في حال الحركة باتجاه نظام إسلامي تكون فيه القيم الاسلامية مطبقة في المجتمع، وهذا ما نقله المراجع أخيرا عندما زارهم رئيس مجلس الشورى عن اعتراضهم حول عدم انتظام الوضع الاقتصادي.

"ولم يخبزهم في بعوثهم فيقطع نسل أمتي":

صورتان للقراءة:

الأولى بال "خاء"، لم يَخبِزهم في بعوثهم، من الخبز وهو السوق الشديد (كتاب العين)، وهو تشبيه بالخباز الذي يحرك العجين بقوة. ولهذه الصورة معنيان:

١. تحذير من أن يرسل الولاة الجنود بشدة وبسرعة إلى ميدان الحرب، فهذا العمل يؤدي إلى قطع نسل أمتي. فلا ينبغي أن يسوق الجيش إلى العدو سوقا شديدا، إنما باللطف، عبر توجيه الجيش الى طرقات تحوي مياها وطعاما، بل تأمين احتياجات الجيش حتى يخزنوا طاقتهم لملاقاة العدو وقتاله.

٢. ان يكون قصد الرسول صلى الله عليه وآله أنه لا يجب إرسال كل الجند دفعة واحدة إلى الحرب، لألا يتعرضون لضرر يؤدي إلى شهادتهم أجمعين وبالتالي إلى انقطاع نسل المسلمين.

 

القراءة الثانية على ما ورد في قرب الاسناد:[1] "لم يجمِّرهم في ثغورهم".

جمر الجيش اي حبسهم في الثغور وحبسهم عن العود إلى أهلهم. فتصبح نهي الولاة عن حبس الجيش في الثغور وعدم إرجاعهم إلى أهلهم لفترة طويلة مما يوجب قطع نسل الأمة الاسلامية.

على اية حال فرسول الله يحذر الولاة من التعامل مع الجيش بطريقة تؤدي إلى قطع نسل المسلمين. هذا السلوك قد يكون التعامل القاسي مع الجيش، قد يكون إرسال عدد كبير إلى الجبهة دفعة واحدة، بحيث يتأذوا جميعا إذا حصل حادث أو ضرر كبير وقد يكون حبس الجيش في الجبهة لفترة أطول من الحد.

في كل جملات هذا الحديث نهى رسول الله الولاة عن القيام بأعمال تؤثر عبر التكرار وتدريجيا وتؤدي إلى العواقب السيئة التي ذكرها صلى الله عليه وآله. فالآثار المحسوسة لا تتحقق دفعة واحدة.

تحليل الجمل: إن النواهي السابقة تحتمل معنيان الأول هو إرادة التحريم والثاني عدم إرادته.

١. لم يرد رسول الله صلى الله عليه وآله تحريم هذه الأمور على الولاة، إنما يريد تنبيههم من الخطر.

٢. رسول الله صلى الله عليه وآله أراد تحريم هذه الأمور على الولاة، لما فيها من المفاسد العظيمة التي لا يرضى الشارع المقدس بتحققها في المجتمع الإسلامي.

هذا ما سيتم البحث به ومناقشته في الجلسة المقبلة.


[1] عبد الله ابن جعفر الحميري، من فقهاء ورواة الشيعة في القرن الثالث، من أصحاب الامام العسكري ومن المشايخ الكبار للشيخ الكليني.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo