< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد جواد أرسطا

43/03/18

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم الله الرَّحمَن الرحيم

درس خارج الفقه الإجتماعي؛ الأستاذ محمد جواد أرسطا.

تقریر الدرس الثلاثين؛ 18 ربیع الثاني 1443.

عنوان البحث: شرح وتفسير عهد مالك الأشتر / الجملة الأولى.

كانت تسع دروس من الدروس العشر السابقة (٢٠ لل ٢٩) مختصة بسند عهد أمير المؤمنين لمالك الأشتر والدرس العاشر كان مختصا بصفات مالك، لبيان أهمية المخاطب الذي يتلقى هذا العهد.

فبعد الوصول إلى نتيجة مفادها عدم وجود اي مشكلة من حيث السند، سيتم البدء بشرح وتفسير دلالة العهد.

قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: "هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين مالك ابن حارث الأشتر في عهده إليه حين ولاه مصر، جباية خراجها وجهاد عدوها واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها".

١. إن كلام أمير المؤمنين بدأ ببسم الله، وقد وردت روايات متعددة في هذا المجال، في وسائل الشيعة، تتمة كتاب الصلاة، أبواب الذكر، باب ١٧، باب استحباب الابتداء بالبسملة (ج ٧ ص ١٦٩). في الحديث الأول من هذا الباب عن الإمام الحسن العسكري عن آبائه عن علي عليه السلام: "إن الله يقول انا أحق من سئل وأولى من تضرع إليه فقولوا عند افتتاح كل أمر صغير وعظيم بسم الله الرحمن الرحيم.. ".

الرواية الرابعة. عن علي عليه السلام "... إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدثني عن الله عز وجل أنه قال كل أمر ذي بال لا يذكر اسم الله فيه فهو أبتر".

عن الإمام الصادق عليه السلام: "لربما ترك بعض شيعتنا في افتتاح أمره بسم الله الرحمن الرحيم فيمتحنه الله بمكروه لينبه على ذكر الله والثناء عليه". (هداية الأمة، الحر العاملي، ج٣ ص ١٣٤).

     هل يكفي ذكر الله في ابتداء الحديث أم لا بد من ذكر بسم الله؟

بحسب ما يتبين من الروايات وعمل المعصومين فإن المطلوب هو ذكر الله والابتداء بالبسملة هو من هذا القبيل، فيمكن البدء بتمجيد الله، فبعض الأدعية بدأت بتمجيد الله والثناء علبه ولم تبدأ ببسم الله، ويبدو أنهم عليهم السلام لم يروا حاجة للبدء بالبسملة.

في رواية هداية الأمة، ورد "لينبهه على ذكر الله"، وذكر الله ممكن أن يكون بدون ذكر البسملة، فيمكن أن يكون في قالب الحمد الإلهي، فكلمة بسم الله، لا خصوصية لها.

وعند مراجعة كلام الائمة عليهم السلام نفهم ذلك، فبعض أدعية مفاتيح الجنان لا تبدء بالبسملة بل تبدأ بالحمد الذي يشمل ذكر الله والثناء عليه.

     لماذا أمير المؤمنين عليه السلام لم يذكر الحمد الالهي في بداية عهد مالك؟

ظاهرا إن البدء بالحمد واعتبار عدمه أبترا، هو مختص بالدعاء ولا يشمل كل الأمور.

فبحسب بعض الروايات ان "كل أمر ذي بال لم يبدأ بحمد الله فهو ابتر". هذا التعبير المطلق الذي يشمل الدعاء وغيره. وبالتالي بناء على ذلك فإنه كان من الجدير أن يبدأ عهد مالك بالحمد

لكن ما يهون الخطب أن هذا الحديث ورد في مصادر أهل السنة، أما من الطرق الشيعية فقد ورد "كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه ببسم الله.. "؛ فقد وردت البسملة وليس الحمدلة.

وما ورد من طرق الشيعة فيما خص الحمد هو:"كل دعاء لا يكون قبله تحميد فهو ابتر" (كافي ج٢ ص ٥٠٤)، لذلك فإن ما ورد يرجع إلى الدعاء خاصة وليس لكل الأمور، وبذلك يخرج عهد أمير المؤمنين لمالك من دائرة تلك الرواية، وبالتالي لم يترك هذا العهد أمرا راجحا.

يمكن أن يقال لعل البدء ببسم الله الرحمن الرحيم في العهد تستلزم ايضا الحمد الإلهي.

هل يمكن ان يكون العهد ابتدأ بالحمد لكن النساخ حذفوها؟

الجواب أن ظاهر الأمر ليس كذلك، لأن ما قام السيد الرضي بحذفه من نهج البلاغة، جاء بعده من أورد كل ما هو محذوف في كتاب سمي "تمام نهج البلاغة"، وعند مراجعة ذلك الكتاب لا نجد الحمد.

بعد البسملة، "هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين ".

إن أول وصف لنفسه عليه السلام هو العبودية، عبد الله، وهي تذكر بكلمة اخرى قالها الإمام الباقر عليه السلام: "كان من دعاء أمير المؤمنين عليه السلام كفى بي عزاً أن أكون لك عبدا وكفى بي فخرا أن تكون لي رباً، إلهي انت لي كما أحب فوفقني كما تحب"

بحار الانوار ج٩١، ص ٩٤. "كفى بي عزا ان أكون لك عبدا".

كفى لي فخرا بحار ج ٣٨، ص ٣٤٠.

فأمير المؤمنين عندما يتكلم مع أحد ولاته لا يستخدم التعابير التي يستعملها السلاطين، بل يعتبر نفسه عبد الله، وفي هذه المقولة والعهد الخالد تعليم لمالك وللناس.

وأمير المؤمنين تعلم من رسول الله، الذي نذكره صلى الله علیه وآله في الصلاة أنه "عبده ورسوله". فنشهد أن عبودية رسول الله لله هي مقدمة للوصول إلى الرسالة، ولذلك يستخدم القرآن عبارة عبد للدلالة على رسول الله والأنبياء السابقين عليهم السلام: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى[1] ". "إنه من عبادنا المؤمنين[2] ". "لم يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله[3] ".

إن العبودية تكون فخرا عندما تنفي جميع ما سوى الله، تنفي جميع القدرات الأخرى، وتكون حقيقية خالصة، فالإخلاص في العبودية هو المهم. هذه العبودية ممكنة للجميع بصرف النظر عن النسب والعرق. فالإسلام ليس لمجموعة خاصة بل هو عالمي بخلاف المدارس الفكرية الأخرى (القوميات، العرقيات..).

فميزة الاسلام أنه يستند إلى الله فقط ولا يستند إلى إرادة الناس، وهذه الاختلافات هي لإيجاد التآلف والتعايش بين الناس: "يا ايها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا[4] ". فلا يمكن الافتخار بالأمور غير الاختيارية (النسب، لون البشرة..). "إنا خلقناكم"، "وجعلناكم " "لم يشهد أحدا حين خلق السماوات والأرض".

"من ذكر وأنثى فالكل مشترك من أب وأم آدم وحواء".

لتعارفوا اي ليتعرف بعضكم على بعض وليس لتتفاخروا.

"إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، فالملاك هو التقوى الحقيقية والكاشف عنها هو الله، فلا يمكن للناس تقييم الشخص الاكثر تقوى من الأقل، فنحن نرى فقط ظاهر الأعمال، لكن التقوى الحقيقية تنكشف في الميزان الإلهي.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله في يوم فتح مكة: "يا أيها الناس إن الله قد اذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها، إن العربية ليست بأب ووالدةٍ، وإنما هو لسان ناطق، فمن تكلم به فهو عربي، ألا إنكم من آدم وآدم من تراب وأكرمكم عند الله أتقاكم".


[4] شورة الحجرات، الآية 13.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo