< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد جواد أرسطا

43/03/16

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم الله الرحمن الرحیم

درس خارج الفقه الإجتماعي؛ الأستاذ محمد جواد أرسطا.

تقریر الجلسة السابعة عشر؛ 16 ربیع الأول 1443.

عنوان البحث: مناقشة دلالة رواية الكافي حول حق الناس بقيام الدولة بمداراتهم.

إن رسول الله صلى الله عليه وآله في هذه الرواية يشكل رأيا عاما يدفع الناس إلى مطابة الحكام باتباع سياسة المداراة.

وفي استكمال لشرح عبارات الرواية:

١. ولم يضر بهم فيذلهم: يحظر رسول الله من قيام الولاة بإضرار الناس ما يؤدي إلى إذلالهم. فالإضرار بمعنى إهانتهم او عدم إعانتهم وعدم رفع الظلم عنهم (بحسب العلامة المجلسي)، فالإهانة والظلم يمكن أن يتحققا في مجالات عدة، كالظلم الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي.. فوظيفة الحكام المسلمين ألا يسمحوا بظلم الناس وبالتالي الإضرار بهم الذي يؤدي إلى إذلالهم.

تجدر الاشارة إلى أن رواية لا ضرر الصادرة عن النبي الأعظم في قضية سمرة ابن جندب لم تكن تتناول الضرر المالي بل الضرر الذي يلحق بماء الوجه فلم يكن الضرر ماديا بل كان الضرر معنويا (بحسب التعبير المعاصر).

فالضرر الممنوع لا ينحصر بالضرر المادي إنما يشمل المعنوي، بل إن هذه الرواية صدرت لتمنع عن الضرر المعنوي.

كما أنه بالعودة إلى الرواية محل البحث يتبين أن عبارة الإضرار عامة فهي تشمل كافة الجوانب

٢. ولم يفقرهم فيكفرهم: يمكن من خلال هذه الجملة أن نفهم أمور عدة:

أولًا: إن الحكومة الإسلامية لها مساهمة كبيرة في إفقار أو إغناء الناس، ولذلك حذر رسول الله الولاة من إفقار الناس، إذ إن سياسات وقرارت الدولة الإسلامية من شأنها أن تنهض بالاقتصاد وتهيئ الأرضية لإغناء الناس، ويمكن من خلال قراراتها الخاطئة أن تهيئ الارضية لإفقارهم. هذا الفقر الذي ذمه المعصومون ذما شديدا، "كاد الفقر أن يكون كفرا"، "الفقر هو الموت الأحمر" أو "الموت الأكبر". كل ذلك للدلالة كم أن الفقر يشكل آفة اجتماعية، وأنه لا يجب أن يكون المجتمع الاسلامي فقيرا، اذ من شأن الفقر أن يشكل أرضا خصبة للجرائم، الذي بدوره يبعد المجتمع عن القيم الدينية، كما أنه يرفع من الإنفاق العام في سبيل مكافحة الجرائم. وفي النهاية فإن المجتمع الذي يكثر فيه الفقر والجريمة والمعاصي لا يصدق عليه أنه مجتمع إسلامي. فعلى حكام المسلمين ألا يسمحوا بحصول هذه الأمور.

 

ويمكن أن نلاحظ خصائص الفقه الاجتماعي (التكرار ،التدريج، التدبير) من خلال ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله في هذه الرواية:

أ. التكرار: إن الإذلال الحاصل للمجتمع الذي يكون نتيجة الضرر لا يتحقق من مرة أو مرتين. إن الكفر الحاصل من الفقر لا يتحقق من ضعف القدرة الشرائية للناس في بعض الأعوام. وإن بُعد الحاكم عن الناس لمرة او بضعة مرات ليس موجبا ليأكل القوي حق الضعيف.

رغم ذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وآله يحذر الحكام من هذه الممارسات لأن الإضرار، الإفقار والبعد عن الارتباط بالناس، سيهيئ الأرضية لتحقق تلك المفاسد.

ب. التدريج: فإذا تهيأت الأرضية فإنه رويدا رويدا سيقل قبح هذا العمل ففي الأمور الاجتماعية لا يمكن انتظار تحقق النتائج الفاسدة حتى نواجهها، نقول إن المنكر لم يتحقق بعد، ننتظر حتى يتحقق فنواجهه، وندَّعي أن الادلة القرآنية والروائية أوجبت النهي عن المنكر برفعه، واذا لم يقع المنكر فلا معنى لرفعه. وبالتالي تكون الأدلة ناظرة إلى رفع المنكر وليس دفعه.

هل يمكن التمسك بهذا الدليل والقول أن الآيات والروايات ناظرة إلى رفع المنكر وليس دفعه؟

إذا أردنا الاكتفاء برفع المنكر فإنه كثيرا ما سنقع في المنكر، فإن لذلك توالي فاسدة لا يرضى الشارع للمجتمع الاسلامي الوقوع بها. فالهدف من النهي عن المنكر هو منع الوقوف بوجه المفاسد في المجتمع، وعندما نرى أن الأرضية متهيئة للمفاسد لا بد من منع ذلك. فلا بد من فهم كلمات المعصومين بصورة عقلائية، فإذا فهمنا من كلام المعصوم أن المنكر لا بد بداية أن يتحقق في المجتمع ثم نقدم على النهي عنه، عندها سيخالف هذا التفسير فهم العقلاء، فالعقلاء يعتبرون أن ضابطة المقنن لحرمة المنكر هي منع المنكر في المجتمع، فلا بد من الحؤول دون استمرار الأرضية التي يبتني عليها المنكر.

مثلا في حال رأينا شخص يحمل السلاح وأحواله النفسية تشير أنه بصدد قتل شخص آخر أو بصدد إلحاق ضرر معتد به لشخص بريء. هل ننتظر ونقول إن المنكر لم يقع بعد باعتبار أن الشخص لم يطلق النار بعد وبالتالي ليس علينا تكليف تجاهه؟ إن لم نفعل شيئا إزاء هذه الحادثة فإن ذلك يعرضنا لمذمة العقلاء كما أن الشارع المقدس أصدر خطاباته على اساس أسلوب التفهيم والتفاهم بين العقلاء، فماذا يفعل العقلاء من أوامر النهي عن المنكر؟ هل يفهمون أن النهي عن المنكر يكون بعد تحقق المنكر؟ أم يفهمون أن النهي عن المنكر هو لتحقق مقصد، وهو الحؤول دون تحقق المنكر في المجتمع الإسلامي؟

حتما العقلاء يفهمون الملاك والمناط بأوامر الشارع، ولو كان غرض الشارع فقط وفقط رفع المنكر بعد تحققه لكان لزم عليه أن يوجه العقلاء إلى هذا القصد، لأن العقلاء بحسب موازين فهم الكلام يفهمون أن المقصود هو دفع هذا المنكر فإذا قام أحد الأشخاص بشهر سلاحه وكان بصدد أذية شخص بريء فإن على مراقب هذه الحادثة مسؤولية قبل إطلاق النار.

فالعقلاء لا يرون فارقا بين التصدي لمن كان بصدد فعل المنكر وبين من فعل المنكر. وبالتالي يجب على الناظر القادر أن ينهاه، فيجب دفع المنكر كما يحب علينا رفع المنكر.

نعم الكلام عن تحقق مقدمات المنكر، وليس عن الوسائط المتعددة الموجودة لتحقق المنكر، فالكلام عن الحالة التي يكون فيها الشخص بصدد ارتكاب المنكر وقد طوى مقدماتها، وتحققت معها الأرضية لارتكاب المنكر، لكن في غير هذه الصورة لا يجب النهي عن المنكر.

بالعودة إلى الفقه الاجتماعي نشير إلى نقطة تتعلق بالموضوع، وهي أنه في الفقه الاجتماعي في كل مرة يتحقق موضوع غير مطلوب في المجتمع فإنه بإزائه وبحجمه تتحقق نتيجة فاسدة.

فكما قال الرسول صلى الله عليه وآله في هذه الرواية أنه عندما لا يقوم والي المسلمين بإجلال كبار السن او عدم رحم الضعفاء أو إذلال المسلمين لمرة أو مرتين فإن ذلك سيكون له أثره الاجتماعي بقدره. فيمكن لذلك أن يترك أثرا في أن يسقط قبح هذا الفعل في أنظار الناس، فيصبح عدم الإجلال أمرا غير مستهجن.

فإذا أردنا عدم تحقق التوالي الفاسدة يجب من البداية الوقوف أمام هذه الممارسات. وهذا ما يدخل في موضوع الفقه الاجتماعي.

فالأمور الاجتماعية تتحقق آثارها بالتدريج ورويدا، لذلك لا يمكن القول إن الفعل لمرة واحدة لا يؤثر، بل يؤثر بقدره، فلا يمكن تصور أن المرة الواحدة لا أثر لها بل إن عدم مراعاة والي المسلمين لهذه الامور يؤثر بالحد الأدنى في تدني قبح واستهجان هذا الفعل. هذا من جهة ومن جهة أخرى يهيئ الأرضية للتوالي الفاسدة، فلا يمكن انتظار التوالي الفاسدة ذلك أن قضايا الفقه الاجتماعي أثرها تدريجي يحصل بالتكرار. فاذا انتظرنا التالي الفاسد للتدخل فإن كثيرا من المصالح ستفوت، فيجب على الحكومة الاسلامية أن تمنع من تفويت هذه المصالح عن هذا الطريق، وهي من المقدمات المفوتة، فإذا لم تقدم الحكومة على التدخل فإن المصلحة ستفوت، لذلك منذ البداية اشار رسول الله إلى ضرورة هذا الموضوع والالتفات إلى هذه الأمور وتنبيه ولاة المسلمين بعدم ضرر الناس الموجب لإذلالهم وعدم إفقارهم الموجب لكفرهم، وهذا مما لا يرضى الشارع بتعطيله، وهو من مصاديق الامور الحسبية (حيث لا يرضى الشارع بتركها وتعطيلها).

ج. التدبير: الأمور الاجتماعية تحتاج إلى تدبير من قبل الحكومة وهنا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وآله يوجه إلى ما يجب على ولاة المسلمين فعله. هذه الأوامر نجدها ايضا عند المعصومين فعندما علم أمير المؤمنين عليه السلام أن واليه على البصرة شارك في وليمة للأغنياء دون الفقراء، وبَّخ عليه السلام واليه عثمان ابن حنيف، مع أن هذه الحادثة حصلت مرة واحدة ولم تتكرر، إلا أنه عليه السلام لو سكت أمام هذا الأمر لتهيأت الارضية للتالي الفاسد، وهو انكسار قبح هذا العمل، فقد يتمسك لاحقا أحدهم بسكوت أمير المؤمنين ويقوم بتكرار هذا العمل، ما يؤدي الى التالي الفاسد وهو ابتعاد الناس عن قادتها وعدم الثقة بهم وانخفاض مقبولية الحكومة الاسلامية. بإذن الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo