< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد جواد أرسطا

43/03/15

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم الله الرحمن الرحیم

درس خارج الفقه الإجتماعي؛ الأستاذ محمد جواد أرسطا.

تقریر الجلسة السادسة عشر؛ 15 ربیع الأول 1443.

عنوان البحث: مناقشة دلالة رواية الكافي حول حق الناس بقيام الدولة بمداراتهم.

بعد أن تم الفراغ من مناقشة سند الرواية والقرائن الحافة بها، وصل البحث للبحث في دلالة الرواية.

تكمن أهمية هذه الرواية في كونها آخر خطبة لرسول الله صلى الله عليه وآله (آخر ما تكلم رسول الله صلى الله عليه وآله على منبره).

لا شك أن جميع أحاديث المعصومين عليهم السلام مهمة، إلا أن لبعضها أهمية أكبر بلحاظ المكان أو الزمان أو بلحاظ مفادها.

فالجهة الأولى التي تدل على أهمية هذا الحديث هو كونه جاء بعد أن نعى إليه جبرائيل نفسه اي في اواخر عمره الشريف، فإن ذلك يقتضي أن يقوم صلى الله عليه وآله بتبليغ الأهم خصوصا أنه خاتم النبيين ورحمة الله للعالمين.

والجهة الثانية أنه صلى الله عليه وآله أمر المهاجرين والانصار بالسلاح، ولذلك احتمالات واحد منها ما ذكره العلامة المجلسي أن السلاح للتحرز من إقدام المنافقين على ايجاد خلل اثناء خطبته صلى الله علیه وآله ويكون في ذلك قطع للطريق على مثل هذا التجرؤ. كما أن العلامة المجلسي احتمل ان تكون هذه الرواية اطول مما ورد في الكافي، وهي تتعرض لخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله من بعده، ما يعطي مبرر أكبر لجلب السلاح.

توضيح العبارات:

نُعيت إلى النبي نفسه: نعاه لي أي أخبرني بموته، وهنا بمعنى أُخبر النبي بموته.

الصلاة جامعة: بمعنى احضروا الصلاة، إما عليكم بالصلاة في حال كونها جامعة لكل الناس فتكون عبارة "جامعة" هي حال للصلاة، كما يقال المسجد الجامع والقصد أنه يجمه الناس للصلاة. وقد يراد منها معنى ثالث مجازي، أن اللفظ وضع لصلاة الجماعة ثم أريد منه كل أمر يراد الاجتماع له. فالظاهر استعمالها في هذه الرواية في هذا المعنى المجازي.

أُذكر الله الوالي من بعدي على أمتي: يعني يذكر الولاة الذين سيأتون من بعده أن يضعوا الله نصب أعينهم، وشبيه هذا التعبير ورد في نهج البلاغة عندما كان يقول أمير المؤمنين عليه السلام "الله الله في القرآن لا يسبقكم في العمل به غيركم". فهنا بمعنى أذكر الولاة من بعدي بالله.

ألا يرحم على جماعة المسلمين: هذه الجملة ممكن قراءتها على ثلاث صور:

١. ألا يرحم. حرف تحضيض للتشويق والترغيب.

٢. ألّا يرحم. أصلها أن لا واللام زائدة فتكون أذكر الله الوالي من بعدي أن يرحم. كاللام الزائدة في سورة الأعراف "ما منعك ألا تسجد"، بمعنى ما الذي منعك أن تسجد. وإن كانت ألا غير زائدة فيكون المعنى أنه صلى الله علیه وآله يذكر في عدم الرحمة ووجوب الخوف والحذر من ذلك.

٣. إلّا يرحم. هذا الاحتمال بعيد لكن له توجيهين الأول أن يكون تخفيف ل "إن" الشرطية وال "لا" النافية. يعني اذكرهم أنه في حال عدم رحمتهم، عليهم تذكر الله، والخوف من عذاب الله وجزاؤه. التوجيه الثاني أن تكون "إلا" استثنائية فيصبح المعنى أني أذكر الله الوالي على أمتي في جميع الأحوال الا في حال الرحم على جماعة المسلمين، فإنهم في هذه الحالة لا يحتاجون إلى هذا التذكير.

فأجلَّ كبيرهم: من الإجلال والتعظيم. في بدو الأمر ممكن أن نتصور أن العبارة تشير إلى أمر واحد وهو احترام الولاة للكبار، لكن بعد التأمل يتضح أنه يمكن الاستفادة من هذه العبارة في نواح عدة:

١. احترام الولاة للكبار، تؤدي إلى تحقق الأمن النفسي للكبار. فالكبار في السن، الذين يتمتعون بخبرة وتجربة كبيرة، لا بد من احترامهم وإلا فإن أمانهم النفسي سيتعرض للخطر، مع حاجتهم الكبيرة للاحترام والتقدير.

٢. إن احترام الكبار، يؤدي إلى الاعتدال في المجتمع، فكل مكوِّن للمجتمع يجب أن يكون في موقعه حتى يتحقق الاعتدال الاجتماعي، فيجب أن يكون الكبار في منزلة المحترمين.

٣. إن احترام الحاكم لكبار السن هو درس عملي أن احترام وتقدير كبار السن واجب.

في النتيجة فإن واحد من أكبر العوامل الاجتماعية التي يؤدي إلى الضبط التلقائي هو الاحترام والاستفادة من علم وتجربة كبار السن. لا يمكن القول إن كل الأعمال والمسؤوليات تقع على عاتق الدولة الاسلامية بل لا بد من أفراد المجتمع القيام بها، وذلك لتقوية هذه الأعمال من جهة (كونها لا تتم عن طريق الفرض والزجر)، ولتخفيف العبء عن ميزانية الدولة من جهة أخرى.

٤. نقل التجربة: هذه التجربة هي نتاج عمر كامل، فلا يجب تفويتها ودفنها مع أصحابها، فعند احترام كبار السن تتهيأ الأرضية لانتقال هذه التجربة إلى الشباب.

٥. حفظ الألفة بين المسلمين: ما لذلك من أهمية كبيرة "لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم"، هذه الألفة على أهمية بمكان أن أفضل مدير في العالم وأفضل مخلوقات العالم صلى الله علیه وآله، لو أنفق كل موارد الأرض لن يستطيع أن ايجاد الألفة بين الناس، بل هذه الألفة هي عطاء إلهي لا بد من حفظها، وواحدة من طرق حفظها هي أن يقوم الولاة باحترام كبار السن.

٦. التخفيض من الإنفاق العام: نرى كم هناك دور للعجزة في البلدان المتعددة، وكم أن هذا العدد يزداد، وهذا مؤشر كم أن هؤلاء محرومين من حماية ودعم أبنائهم، ما يشكل لهم ضررا روحيا ونفسيا، ينعكس سلبا على هؤلاء الأبناء، الذين عليهم انتظار عواقب تلك الأفعال عليهم خصوصا عندما يصبحوا في سن آبائهم، "إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها". كما أن هذا الانفاق الحكومي لن يقتصر على الامور المادية، بل سينعكس على حالة المجتمع النفسية، فعلم النفس الاجتماعي يقضي أنه في حال عدم الاهتمام بكبار السن فإن المجتمع سيصاب بأضرار كبيرة.

النتيجة أن اجلال كبار المسلمين، مع ما له من الفوائد، يجب أن يصنف من الواجبات بحسب الفقه الإجتماعي وليس من المستحبات، فمن يقبل كونه مستحبا يذعن بإمكانية تركه مع أن تركه يؤدي إلى انتفاء او اضمحلال فوائده ما يؤدي إلى الإضرار بالمسلمين.

ما نقوم به هو تشخیص الموضوع، فإن لم يحكم فقيه معين بوجوب احترام كبار السنة، فإن ذلك يعني أنه لم يشخص الموضوع بشكل صحيح؛ فإذا تمت دراسة فوائد احترام كبار السن، والضرر الحاصل من إهمال هذا الموضوع فلن يبقى شك للحكم أن تركه يضر بالمسلمين وبالتالي الحكم بوجوب قيام ولاة المسلمين بإجلال كبار السن، بنحو الوجوب الإجتماعي.

وليعلم أن هاهنا وجوبين الأول وجوب عيني على عاتق الحكام المسلمين، الذين يجب أن يكونوا القدوة لبقية المسلمين، فإن لم يلتزموا بالاحترام فإنه سيزول تدريجيا من المجتمع، هذا الاحترام هو أمر عرفي لا يتحقق بعبارات الاحترام فقط بل لا بد أن يقترن بالأفعال وإلا سيكون استهزاء، لا يقترن بمراعاة حقوقهم وخدمتهم.

الوجوب الثاني هو وجوب كفائي يقع على المجتمع الإسلامي، فاحترام شيبة المسلم احترام لله عز وجل، وهذا الاحترام يتحقق عندما يُعتبر قيمةً عرفية في المجتمع، بمعنى أن من ينقض هذه القيمة يتعرض لذم أفراد المجتمع. (وسيتم مستقبلا توضيح معنى الوجوب الكفائي الموجه للمجتمع). هذا الوجوب ليس موجها إلى كل فرد من أفراد المجتمع، بل يكفي أن يكون المجتمع متصف وملتزم بإجلال أكابر المسلمين.

سيتم استكمال تحليل مفاد الرواية في الجلسة القادمة بإذن الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo