< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد جواد أرسطا

43/03/11

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم الله الرحمن الرحیم

درس خارج الفقه الإجتماعي؛ الأستاذ محمد جواد أرسطا.

تقریر الجلسة الخامسة عشر؛ 11 ربیع الأول 1443.

عنوان البحث: التكفير + مناقشة رواية الكافي حول حق الناس بقيام الدولة بمداراتهم.

إن ما يجري في افغانستان من قيام داعش بقتل الناس لهو أمر مؤسف ومخل بحق الكرامة الإنسانية، وتشتد إدانته اذا كان المستهدفون من المؤمنين الذين يحظون بالكرامة الإكتسابية إضافة للكرامة الإعطائية لجميع الناس.

والسؤال هل استعمال سلاح التكفير يُعتبر حكيمًا؟ وماذا يترتب عنه؟

إن سلاح التكفير ذو حدين فوجوده في المجتمع الديني خطير جدا، ولذلك نبه رسول الله منه في حجة الوداع: "ايها الناس إني خشيت الا القاكم بعد موقفي هذا بعد عامي هذا فاسمعوا ما اقول لكم وانتفعوا به، أي يوم أعظم حرمة؟! قالوا هذا اليوم يا رسول الله، قال فأي الشهور اعظم عند الله حرمة، قالوا هذا الشهر يا رسول الله، قال فأي بلد اعظم حرمة قالوا هذا البلد يا رسول الله. قال فإن حرمة أموالكم عليكم وحرمة دمائكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، إلى أن تلقوا ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد اللهم اشهد".

فواحدة من المسائل التي أحس رسول الله الخطر منها هي أن يقوم المسلمون بتكفير بعضهم وإباحة دم بعضهم.

كما أن هذا الهاجس كان لدى المعصومين عليهم السلام فأمير المؤمنين عليه السلام أوصى "يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دم المسلمين خوضا تقولون قتل أمير المؤمنين ألا لا تقتلن بي الا قاتلي (نهج البلاغة ٤٧). ونفس هذا الهاجس هو الذي جعل أمير المؤمنين يصبر إزاء سلب حقه.

"دعوني والتمسوا غيري فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان.... إن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلي أسمعكم وأطوعكم إلى من وليتموه أمركم، " (٩٢ نهج البلاغة) فالملاك لجميع هذا الكلام هو المسالمة بين جميع المسلمين، والحؤول دون تكفير المسلمين لبعضهم، فالرسول الأكرم والمعصومين عليهم السلام لم يريدوا أن يشهر المسلمون سلاح التكفير بوجه بعضهم ويقتتلوا.

فأمير المؤمنين يقول إنه في حال نصبتم إماما عليكم، فأنا الإمام المعصوم المنصوص لن اكتفي بعدم الاعتراض إنما قد اكون الأطوع. وذلك يهدف لعدم إثارة الخلاف بين الناس وحفظ وحدة المسلمين، فذلك بدرجة من الأهمية تفوق حق الإمام المعصوم المنصوص. فالتكفير يمنع الأخوة بين المسلمين. فكيف يمكن ان نقبل بالتكفير ونعتبره أمرا حكيما؟ فرسول الله أراد، رغم وحود الاختلافات في الآراء بين المسلمين، أن يتحاوروا ليرفعوا اختلافاتهم ويصلوا إلى نقاط الاشتراك فهم مشتركون في الدين والقبلة والاعتقاد بالنبوة والمعاد. فالإسلام عندما يخاطب المشركين أن "تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا" فمن باب اولى ان تكون هذه الدعوة للمسلمين، فالتكفير يؤدي إلى اضمحلال اجتماع المسلمين.

فلا يمكن لأي قائد حكيم أن يقبل لاتباعه استعمال سلاح التكفير لأن ذلك سيوجد طرفا تكفيريا مقابلا، مما سيؤدي إلي اضمحلال العلاقات الإنسانية بل اضمحلال الإنسانية.

فمواجهة الأحداث التي تجري (في افغانستان مثلا) يقتضي القضاء على منشأ هذه المدرسة التكفيرية، وذلك لا يمكن إن يتم من خلال الاقتتال والسلاح، بل على جميع العلماء، بعد أن يدركوا خطورة هذا السلاح على جميع المسلمين، أن يصدروا فتاوى تحرم التكفير، وتدعو إلى التعايش السلمي.

العودة إلى البحث: وظيفة الحاكم الاسلامي في مداراة الناس.

كما سبق فإن واحدة من واجبات الحاكم الاسلامي هي مداراة الناس الذين لهم الحق في أن يتم مداراتهم، وهذا الأمر لا يقتصر على المواطنين المسلمين إنما بقية الناس ايضا لهم هذا الحق.

ورد في الكافي ج١ ص ٤٠٦، رواية عن الإمام الصادق وقد مر أن سندها ضعيف لوجود عبد الرحمن ابن حماد الكوفي الذي رمي بالضعف والغلو ولم تثبت وثاقته. وقد تم إفراد ست دروس (من الدرس التاسع للرابع عشر) للإجابة عن كيفية التعامل مع مثل هذه الأحاديث.

وبالعودة إلى تحليل هذا الحديث هل يمكن الوثوق بصدوره بطرق اخرى غير السند؟

هناك قرائن في هذا الحديث تؤدي للوثوق بصدوره عن المعصوم عليه السلام:

١. وجود الحديث في كتاب الكافي: إن كتاب الكافي من أهم كتب الحديث وقد صرح الكليني اعلى الله مقامه أن جميع الأحاديث التي جمعها في الكافي هي أحاديث معتبرة. كما أن العلامة النائيني قال بحسب ما نقل السيد الخوئي عنه أن "المناقشة في أسناد الكافي حرفة العاجز"، بمعنى أن الفقيه لا يناقش في أسناد الكافي بل في دلالته.

٢. كل واحدة من هذه الأمور التي أوردها الإمام بحسب الرواية هي مصداق من مصاديق المداراة مع الناس، وهو ما يوافق القرآن والروايات قطعية الصدور.

أ. في القرآن الكريم" فما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر"، فهذه الرحمة هي العامل الاساسي لهذا الخلق العظيم لرسول الله، وهذا الخلق العظيم تجلى في التعامل مع الناس إلى درجة أن الله نسب هذه الرحمة لنفسه، فاللين هو مصداق بارز للمداراة، اذ أن المداراة، كما مر، هي ملاينة الناس وحسن صحبتهم، واحتمال اذاهم لألا ينفروا عنك.

فهذه الرواية توافق مضمون القرآن من خلال هذه الاية الشريفة.

ب. كما أنها موافقة ايضا للسنة القطعية فلدينا أحاديث كثيرة بلزوم مراعاة الناس مثلا "أمرني ربي لمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض".

٣.موافقة بناء العقلاء، بل موافقة حكم العقل المبني على السلوك الحكيم مع الناس. بمعنى أن العقلاء عندما يرون أن دولة تريد الاستقرار وتريد نيل المقبولية لدى الناس ولتحقيق أهدافها الإنسانية في المجتمع فإن عليها أن تداري الناس.

فتصور هذه الرواية الشريفة يوحب تصديقها، وهي جزء من محاسن كلام المعصومين عليهم السلام.

متن الرواية:

عدة من أصحابنا عن احمد ابن محمد عن عبد الرحمن ابن حماد الكوفي وغيره عن حنان ابن سدير الصيرفي يقول سمعت ابا عبد الله علیه السلام يقول: "نُعيت إلى النبي صلى الله عليه وآله نفسه وهو صحيح ليس به وجع، قال نزل به الروح الأمين ،قال فنادى صلى الله علیه و آله الصلاة جامعة وأمر المهاجرين والأنصار بالسلاح واجتمع الناس فصعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فنعى إليهم نفسه، ثم قال أذكر الله الوالي من بعدي على أمتي، ألا يرحم على جماعة المسلمين فأجل كبيرهم ورحم ضعيفهم ووقر عالمهم ولم يضر بهم فيضلهم ولم يفقرهم فيكثرهم ولم يغلق بابه دونهم فيأكل قويهن ضعيفهم ولم يخبزهم في بعوثهم فيقطع نسل أمتي، ثم قال قد بلغت ونصحت فاشهدوا. قال ابو عبد الله عليه السلام هذا آخر كلام تكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله على منبره.

سيتم تحليل مفاد الرواية في الجلسة القادمة بإذن الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo