< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد جواد أرسطا

43/02/18

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم الله الرحمن الرحیم

درس خارج الفقه الإجتماعي؛ الأستاذ محمد جواد أرسطا.

تقریر الجلسة التاسعة؛ 18 صفر 1443.

عنوان البحث: حق المداراة وطريقة التعامل مع الأحاديث ضعيفة السند (١).

إن المباحث المتعلقة بالسند والدلالة هي مباحث مهمة لذلك سيتم في الدروس القادمة التعرض لهذا الموضوع.

عن عدة من أصحابنا عن احمد ابن محمد، عن عبد الرحمن ابن حماد وغيره عن حنان ابن سدير الصيرفي قال سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول: "نُعِيَت إلى النبي صلى الله عليه وآله نفسه وهو صحيح ليس به وجع، قال نزل به الروح الأمين قال فنادى صلى الله علیه وآله الصلاة جامعة وأمر المهاجرين والأنصار بالسلاح واجتمع الناس فصعد النبي صلى الله عليه وآله المنبر فنعى إليهم نفسه ثم قال أذكر الله الوالي من بعدي على أمتي ألا يرحم على جماعة المسلمين فأجلَّ كبيرهم ورحم ضعيفهم ووقر عالمهم فلم يضر بهم فيذلهم ولم يفقرهم فيكفرهم ولم يغلق بابه دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم ولم يخبزهم في بعوثهم فيقطع نسل أمتي ثم قال قد بلغت ونصحت فاشهدوا. وقال ابو عبد الله علیه السلام هذا آخر كلام تكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله على منبره".

في السند:

إن في السند عبد الرحمن ابن حماد الكوفي، الذي رُمي بالضعف والغلو ولم تثبت وثاقته (رجال النجاشي ٢٣٩).

عادة ما يتم بحث السند قبل الدلالة وفي حال كان السند ضعيفا فإنه لا يُعتنى بالرواية بل يتم الذهاب إلى رواية أخرى.

فهل يجب استبعاد كل حديث ضعيف السند؟

للإجابة لا بد من الاشارة إلى نقاط وفوائد للخديث الضعيف:

١. الحد الأدنى لفائدة الحديث الضعيف هي اتخاذه مؤيدا، فحتى مجموعة الفقهاء الذين يعملون وفق مبنى صحة السند، يستفيدون من الحديث الضعيف ليس كدليل بل كمؤيد. فالدليل بفرده يكفي لإثبات المدعى بينما المؤيد لا يكفي بمفرده بل هو يقوي الدليل، أو يكون ضمن مجموعة مؤيدات تؤدي للاطمئنان تصل بمجموعها إلى قوة الدليل.

٢. طبقا للمبنى الرائج لدى الفقهاء فإنه بحال انجبر ضعف السند بطريق معين (كالشهرة العملية، أو الوثوق بالصدور) يصح التمسك به.

وهنا لا بد من نقل كلام مهم للعلامة الوحيد البهبهاني (في كتاب الفوائد الحائرية ٤٨٨ و٤٨٩) "لا شبهة أن عشر معشار الفقه لم يرد فيه حديث صحيح، والقدر الذي ورد فيه الصحيح لا يخلو ذلك الصحيح من اختلالات كثيرة بحسب السند وبحسب المتن وبحسب الدلالة ومن جهة التعارض بينه وبين الصحيح الآخر أو القرآن أو الإجماع أو غيرهما". عشر معشار يعني واحد في المئة، وذلك بمعنى أنه في الفقه أقل من واحد بالمئة منه يستند إلى حديث صحيح.

 

كيف يكون الحديث صحيحا وهو لا يخلو من اختلالات سندية؟

جواب العلامة الوحيد البهبهاني على هذا السؤال المقدر يأتي في استكمال كلامه:" ملاك القدماء في تعديل الرواة هو أن الحديث الصحيح هو ذلك الذي يكون رواته إماميون وعدول. هل كان ملاك التعديل هو وجود ملكة العدالة أم أن ملاكه هو حسن الظاهر أم عدم ظهور الفسق؟ فقد يكون تشخيص الرجالي يختلف عن تشخيص الفقيه في هذه المسألة. كما أن العادل هو الذي لا يرتكب أيا من الكبائر. فقد يختلف تصنيف الكبائر بين الرجالي والفقيه، فيقوم الرجالي بتعديل راوٍ معتبرا أن ذنبا معينا ليس كبيرا فيما يعتبره الفقيه كبيرا.

المشكلة الاولى في تعديل الرواة والمشكل الثاني هو سند الرواية فهل هناك إسقاط في الحديث؟ فقد يتفق وجود راوٍ معاصر للإمام لكنه لم يسمع الحديث مباشرة من الإمام بل سمعه من راو آخر فأسقط ذكر الراوي الاخر عند نقل الرواية، فقد يكون هذا الوسيط غير معتبر. كما أن احتمال التصحيف في اسم أحد الرواة غير منتف أيضًا.

وعليه فإن الرواية صحيحة السند قد لا تخلو من الاختلال في السند، كما أنها قد لا تخلو من اختلال في المتن أو الدلالة.

بناء عليه لا بد من معالجة الاختلالات وذلك عبر البحث عن شواهد وقرائن تجبر هذا الاختلال تؤدي لوثوق المجتهد واطمئنانه بالصدور. وإذا قلنا بانسداد باب العلم فإن هذه القرائن تعطي ظنا قويا بصدور هذه الرواية عن المعصوم. وهذا لا يعني تعطيل الفقه إنما معناه أنه كم يعطي الحديث صحيح السند نسبة من الاطمئنان مع الاخذ بعين النظر الاختلالات التي قد ترد على سنده ومتنه ودلالته وتعارضه مع روايات صحيحة أخرى؟

فالوحيد البهبهاني يريد القول إنه لو سلمنا بانسداد باب العلم فنسبة الظن الموجودة في الحديث صحيح السند، هي نفسها الموجودة في غيره من الحديث الذي يملك طرقا لجبران ضعف السند (كالشهرة) فالفقه الشيعي هو فقه مستمر لا انقطاع فيه منذ زمن المعصوم مع كثرة تورع الفقهاء وشدة احتياطهم في عدم نقل مطلب عن غير المعصوم ورغم ذلك نراهم يتناقلون رواية معتمدين على الشهرة العملية. فالعلامة الوحيد البهبهاني لم يرد أن يقول بترك الروايات غير الصحيحة إنما أراد القول أن فقهنا يعتمد على نسبة قليلة جدا من الروايات الصحيحة، فسيرة علمائنا استقرت على عدم إهمال الروايات الضعيفة بل على جبران ضعف السند للوصول إلى الاطمئنان أو الظن القوي بالصدور. "وبدون العلاج كيف يمكن الاعتماد به إلا إذا لم يكن العلاج حجة وكون الخبر الصحيح أو مختصا به بديهي البطلان إذ لا شك في أن العلاج هو ظن المجتهد ولا خصوصية له بالصحيح، بل ظنه من الخبر المنجبر بالشهرة أقوى من الصحيح من غير المنجبر بمراتب شتى".

بعض الفقهاء لم يتلق مطلب الوحيد البهبهاني بشكل صحيح، فأشكل أنه إذا لم يكن في الفقه إلا واحد بالمئة من الأحاديث الصحيحة فكيف لنا أن ننسب هذا الفقه لأهل البيت؟

والعلامة البهبهاني يجيب بنفسه أنه كما يتم نسب الخبر الصحيح للمعصوم فيتم ايضا نسب الخبر غير الصحيح المنجبر له ايضا بنفس نسبة الاطمئنان أو الظن القوي الذي يترتب عنه، بل بطريق أولى كونه تم الوثوق بالصدور من خلال القرائن.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo