< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد جواد أرسطا

43/02/14

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم الله الرحمن الرحیم

درس خارج الفقه الإجتماعي؛ الأستاذ محمد جواد أرسطا.

تقریر الجلسة الخامسة؛ 14 صفر 1443

عنوان البحث: العلاقة بين البحث في القانون وحقوق الإنسان.

لأجل اتضاح صورة الفقه الاجتماعي أكثر في الأذهان فإنه يتم تناول نماذج متعددة من الأمثلة.

يقول أمير المؤمنين عليه السلام في عهده لمالك الأشتر:

"إن أفضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور مودة الرعية وأنه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم".

فالولاة يفرحون عندما يقيمون العدل وتحبهم الناس (المواطنون) وتلك المودة لا تظهر إلا عندما يرفع الناس سوء الظن من قلوبهم.

الرعية في المصطلح الديني: هم الناس الذي يكون الحاكم مسؤولا عن رعاية حقوقهم والعطف عليهم ومداراتهم. (أشعر قلبك الرحمة للرعية). فالرعية هم الناس إضافة من لهم حق في أن يرعاهم الحاكم هذان الأمران هما من أكثر ما يوجب سرور الولاة، وعندما يتأملون يعرفون أن هذان الأمران هم الأهم لبقاء ولايتهم:

١. استقامة العدل في البلاد: يعني استقرار ورسوخ (استحكام) العدل، فلا يكفي وجود العدالة فقط إنما استقرارها، وكما جاء في الحديث النبوي أن "الحكم يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم". فأمير المؤمنين يوجه مالك الاشتر ومن خلفه جميع الحكام، وبالأخص الحكام المسلمون أن هناك أمران يشكلان أولوية عن الأمور الأخرى أولهم استقامة العدل.

٢. وظهور مودة الرعية: فمودة الرعية لا بد وأن تكون علنية ظاهرة، فلا يكفي وجود المحبة في قلوب الناس إنما يجب أن تزيد هذه المحبة لتصل إلى مرحلة تظهر فيها. والشرط لظهور هذه المودة هو سلامة صدور وقلوب الناس، سلامتها من سوء الظن بالحكام. فالحكام يصلوا إلى درجة من الشفافية ومن إنفاذ العدالة في البلاد بصورة ملموسة ومحسوسة، حتى لا يبقى أي مجال لسوء الظن في صدور الناس، فيظهروا مودتهم.

استخراج عناصر الفقه الاجتماعي من الحديث:

أ- إن استقرار العدالة في المجتمع يحصل عند التكرار وتدريجيا واعتمادا على التدبير.

فالعدالة لا تحصل من مرة ومرتين، فالاستقرار يحصل بالتكرار وبمراعاة العدالة في كل الأمور. ولا بد من الحكام أن يعلموا أن هذا الاستقرار بعد التكرار لا يحصل بصورة دفعية إنما يحصل تدريجيا. كما أن الحكام لا بد أن يقوموا بالتدبير الحكيم الذي يؤدي إلى استقرار العدالة، فمجرد مساعدة الناس لا يكفي بل لا بد أن يكون عادلا؛ فإذا قامت الدولة الاسلامية بمساعدة الناس في منطقة معينة من البلاد وقامت بالمساعدة بشكل أقل في نقطة أخرى، فإن هذا الأمر لن يكون عادلا ولن يوجب رضى الناس. فاستقرار العدالة منوط بالتدبير.

ب- ظهور مودة الرعية: هذه المحبة تظهر عند التكرار وبشكل تدريجي، ولكي يتحقق ذلك لا بد من تدبير الحكام لتتحقق سلامة صدور الناس (اي طهارة قلوب الناس من سوء الظن). فالناس سترى بوضوح أن الحكام يعملون لأجل المجتمع ولا يعيشون حياة مرفًّهة، ما يوجب سوء الظن لدى الناس، فيجب الابتعاد عن أقل سلوك قد يوجب سوء ظن الناس، وهذا السلوك قد يكون في قبول دعوة مأدبة مرفهة، للأغنياء فقط ما يوجب سوء الظن في أذهان للناس.

ومن هنا تظهر أهمية الاهتمام بالرأي العام وبإرضائه، هذا الرأي العام مهم ليس لكونه وسيلة إنما في حال لم يتم استمالة الرأي العام فإن المجتمع الديني سوف ينحرف، فلا يمكن حكم الناس بالإجبار والقوة (وسيتم التعرض لهذا الأمر في المباحث المقبلة بإذن الله).

علاقة مباحث حقوق الإنسان بالفقه الاجتماعي:

لا بد من الإشارة إلى أن عهد امير المؤمنين عليه السلام لمالك الاشتر يحوي الكثير من مباحث حقوق الإنسان، سيتم التعرض لها في وقتها.

إن واحد من أهم الحقوق الإنسانية هي حق الأمن، وهو مبحث تم التعرض له بصورة تفصيلية في دروس العام الماضي (مراجعة ابحاث فقه حقوق الانسان، دروس الحق في الأمن، 18 جلسة).

الأمن يعم في المجتمع عندما يتوفر قانون واحد جامع وحاكم.

في الجلسات السابقة كان محور البحث أن الفتوى بمفردها غير كافية إنما نحن بحاجة إلى جانبها للقانون (جهاز التقنين). فالأمن يستقر في المجتمع عند وجود قانون يحظى بخاصيتين:

١. أن يعلم الناس بمفاد القانون ويكون بمتناول ايديهم معرفته والوصول إليه وألا يكون مخفيا.

٢. أن يكون القانون واحدا، فاقتضاء العدالة أن يكون القانون واحدا. بمعنى أن يحكم قانون واحد جميع الأفراد الذين يتشاركون بخصائص مشتركة. فلا يستفيد شخص من قانون كونه ينتمي لحزب أو مجموعة معينة بينما لا يستفيد آخر كونه لا ينتمي لهذه الجهة نفسها، إنما القانون لا بد أن يشمل الجميع وهو ما عبر عنه امير المؤمنين عليه السلام في عهده لمالك أن "أشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم"، وهؤلاء الناس ليسوا جميعهم مسلمين "فإنهم صنفان إما اخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق ". وبالتالي فإن الجميع يجب أن تشملهم محبتك الواسعة سواء كانوا مسلمين أو غير ذلك.

فالعلاقة بين القانون وحقوق الإنسان هي أن واحدة من لوازم تأمين حق الأمن (الذي يعتبر من اهم الحقوق) هو وجود قانون واحد وعادل وشامل، يمكن للناس الاطلاع عليه لجهة معرفة حقوقهم وواجباتهم (هذه المعرفة تكفي أن تكون بالقوة بمعنى توفر إمكانية أن يطلعوا، حتى لا يلزم من عدم معرفتهم قبح العقاب بلا بيان)، وأن يطمئن الناس إلى إمكانية الادعاء لدى الجهات المختصة حال تعرضت حقوقهم للانتهاك. "فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في غير موطن لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متتعتع ".

الإمام من خلال هذه الكلمات يعلِّمنا:

١. أنه في أي مجتمع قد يحصل ظلم، وهذا لا يؤدي الى القول بعدم وجود عدالة في هذا المجتمع، إنما تُفتقد العدالة عندما يبقى الظلم ولا يتم العمل على رفعه. فالمجتمع العادل قد لا يخلو من أفراد مخالفين وظالمين، إنما ما ينزع صفة العدالة عن المجتمع هو عدم رفع الظلم، وعدم إعادة الحق إلى صاحبه.

٢. إن صرف إعادة الحق لأصحابه ليس هو المهم إنما المهم هو إعادته بقاطعية وشجاعة إلى حد يكون فيه الضعيف مواجها للقوي ويطالب بحقه دون خوف، يعني ألا يستفيد الأقوياء والاغنياء من اية امتيازات بحيث يُحرم الضعيف من مواجهته ويخشى من أن يقوم القوي باستغلال علاقاته ونفوذه.

٣. إذا لم يكن المجتمع يتمتع بهذه الخصوصية فإن التقصير لا يقع فقط على عاتق الذين يظلمون إنما العذاب والمسؤولية ستقع أيضا على الأمة (لن تقدس أمة) التي لم تأخذ للضعيف والمظلوم حقه.

٤. إن هذا المطلب على درجة من الأهمية أن رسول الله صلى الله عليه وآله كرره مرارا (في غير موطن).

بناء عليه فإن وجود قانون واحد حاكم على جميع امور البلد هو واحد من المقدمات القطعية لتأمين الأمن، ومقدمة الواجب واجبة.

والقاعدة في باب الفقه الاجتماعي أن وجود مثل هذا القانون هو من لوازم مداراة الناس (سيتم تفصيل ذلك عند الحديث عن قواعد الفقه الاجتماعي)، فالمداراة هي واحدة من وظائف الحاكم مع الناس؛ فمفهوم المداراة هو اللطف واللين (ملاينة الناس وحسن صحبتهم واحتمال أذاهم). وللتوسع في باب الروايات حول المداراة يكفي مراجعة كتاب الكافي ج ٢ ص ١١٦ باب المداراة. عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض".

سيتم في الجسلة المقبلة الاشارة إلى رواية تتناول مفهوم المداراة دون الاصلاح، كما سيتم التعرض لأهمية موضوع الحديث في الأبحاث الفقهية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo