< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد جواد أرسطا

43/02/13

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم الله الرحمن الرحیم

درس خارج الفقه الإجتماعي؛ الأستاذ محمد جواد أرسطا.

تقریر الجلسة الخامسة؛ 13 صفر 1443

عنوان البحث: ضرورة البحث عن الفقه الاجتماعي (5)

نطاق المباحث الاجتماعية:

استنادا للتوسع المستمر للمسائل الاجتماعية وتعقيد الحياة البشرية (العلاقات البشرية)، وورود الدولة في أخص مسائل الحياة الشخصية، فإن نطاق الفقه الاجتماعي قد توسع كثيرا.

بناء على ما تقدم هل يمكن الاستنتاج بانتفاء الحاجة للفقه الفردي؟

الجواب منفي فأكثر مسائل الصلاة، البيع، الإرث، الدين، الحج، الدين، الوكالة و ... هي من مسائل الفقه الفردي بمعنى أن المكلف بعنوان شخص حقيقي ملزم برعاية هذه الضوابط الفقهية.

ولذلك لا بد من التأكيد مجددا أن الفقه الفردي إلى جانب الفقه الاجتماعي (وليس مقابله) يشكلان فقهاً إسلاميا كاملا، مع الاشارة إلى أنه قد يتفق أن يكون للفقه الفردي بعدا اجتماعيا.

لكن لكي يكون الموضوع تابعا للفقه الاجتماعي لا بد أن تجتمع فيه الخصائص الثلاثة التي تمت الاشارة إليها سابقا (تدريج تكرار تدبير).

إن ما نقوم به هو تدوين سلسلة من الضوابط الموجودة في القرآن والسنة، التي لم تحظ بالاهتمام الكافي من الفقهاء لعدم توفر الارضية اللازمة لملاحظة هذه الموضوعات سابقا.

لا بد أن نلاحظ تاريخ الفقه والأصول، فآية الله العظمى البروجردي كان يؤكد على تحليل تاريخ المسائل الفقهية والأصولية، فإن قمنا بتحليل تاريخ الفقه الشيعي فإننا سنرى أنه في ظل عدم وجود دولة شيعية مستقلة في أكثر الأزمنة فإن كثيرا من مسائل الفقه الاجتماعي لم تكن مطروحة حتى يقوم الفقهاء بتأملها واستخراج أحكامها من مصادرها الشرعية.

في العصر الصفوي، تم الالتفات بشكل نسبي إلى هذه الامور لذلك نجد مدونات قريبة للفقه الاجتماعي.

بعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران تم تقوية الالتفات الى المسائل الاجتماعية بصورة نسبية لكن هذا الالتفات لم يصل إلى حد تأسيس جهاز فقهي، وأصبحنا في هذه السنوات الاخيرة نسمع بمصطلح الفقه الاجتماعي في بعض الابحاث إلا أنها تفتقد لضوابط تحدد سمات وخصائص الفقه الاجتماعي، وهذا الأمر لا يشكل ايرادا على الباحثين في هذا المجال، فأي تأسيس لاختصاص جديد قد تشوبه بعض النواقص والإبهامات التي تتم معالجتها مع تقدم هذا الاختصاص، فعلي سبيل المثال يمكن مقارنة علم الاصول منذ ٣٠٠ سنة مع علم الاصول الموجود حاليا، فالمرحوم الوحيد البهبهاني كانت لديه إسهامات كبيرة في توسع علم الاصول، صاحب الفصول ايضا، الميرزا القمي ايضا، وصولا للشيخ الأنصاري ثم الآخوند الخرساني، إلى الاصوليين الذين أتوا بعدهم في تدقيق وتنقيح المباحث الاصولية وتحديد حدودها ونطاقها.

والعمل الذي يجري الآن في هذه المباحث المرتبطة بالفقه الاجتماعي شبيه بذلك العمل الذي تم في علم المنطق الذي دونه ارسطو (طبعا كان شخصا جليل القدر إلى درجة تأثر ابن سينا به، وهنا لسنا في مقام المقارنة بين عمل العظماء كأرسطو والشيخ الانصاري وبين ما نقوم به، إنما نحن كطلاب ندعو الله بحق محمد وآله أن يهدينا للتزود من القرآن وعلوم أهل البيت)، فابن سينا في كتاب الشفاء[1] في قسم المنطق في اشار إلى أن أرسطو قال أن القدماء في باب القياسات لم ينقلوا لنا غير القوانين المجملة والضوابط غير المفصلة، استخراج الضروب وشروط اي قياس، وشرح وتفصيل أحكامهم وبيان وتميز المنتج منه والعقيم، هو أمر حصلنا عليه بعد المعاناة الكبيرة، فإن جاء أحد في المستقبل ووجد زيادة في المباحث التي استخرجناها عن القدماء فليصلحها، وإن وجد نقصانًا فليجبره.

الفقه الاجتماعي في الروايات:

بعد أن تم تعريف الفقه الاجتماعي سيتم التعرض لأمثلة منه في الروايات، حيث سيساعد التأمل فيها في الجاهزية للدخول في تفسير عهد أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر.

١. عن مفضل ابن عمر قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك تفوتني صلاة الليل فأصلي الفجر، فلي ان أصلي في صلاة الفجر ما فاتني من الصلاة وأنا في مصلاي قبل طلوع الشمس؟ فقال الامام عليه السلام نعم ولكن لا تعلم به أهلك، فتتخذونه سنة، فيبطل قول الله عز وجل والمستغفرين في الاسحار". [2]

إن العناصر الثلاثة للفقه الاجتماعي موجودة في جواب الامام عليه السلام (تكرار تدريج تدبير).

فالإمام يقول للمفضل أنه في حال أخبرت أهلك فإنهم سيكررون ذلك، وعندها بالتدريج سيحصل أن ينقص مصداق "والمستغفرين بالأسحار"، والآخرين سيسمعون ذلك منك ومن عائلتك بحيث يصبح هذا الفعل الجديد رائجا، وكون قضاء صلاة الليل بعد صلاة الصبح أسهل من إتيانه ليلا فسيتكرر هذا العمل وسيؤثر بشكل تدريجي حيث سيقل عدد من يقومون لأداء صلاة الليل في وقتها إلى أن يبطل قول الله" والمستغفرين في الاسحار "، فالمطلوب صلاة الليل في الاسحار والقيام بهذا العمل بعد صلاة الصبح يؤدي إلى زوال هذا الامر المطلوب في المجتمع.

فالإمام عليه السلام بعد أن لحظ التكرار (تتخذونه سنة)، ولحظ الأثر (فيبطل قول الله عز وجل..) قام بإجراء تدبير (لا تعلم به أهلك) وذلك للحؤول دون هذا الأثر غير المطلوب. وحتى يكون الأثر أمضى، قام عليه السلام بدايةً بإعلام التدبير ثم أوضح أسبابه الموجبة (الأدلة).

فائدة:

ينقل علماؤنا أنه قبل انتصار الثورة كانت أكثر غرف المدرسة الفيضية مضاءة عند وقت صلاة الليل وهذا يدل أن أكثر الطلاب يستيقظون لأداء صلاة الليل أو للمطالعة، حتى أنه بعض الدروس كانت تبدأ قبل صلاة الفجر، كما أن هذه السنة الحسنة كانت موجودة بين الناس.

وإن أردنا المقارنة بين الوضع السابق والوضع الحالي فإن النتيجة لن تكون مرضية.

فالحفاظ على إقامة المستحبات هو أمر مهم، وأهميته ليست فقط في أنه يتم أداؤه وما ينتج عنه من حفظ للفضائل الأخلاقية وما ينتج عنها من بركات، وما لصلاة الليل من آثار فردية واجتماعية، إنما عندما يكون المجتمع الاسلامي ملتزم بمجموعة من المستحبات التي تقرب الى الله فإن ميزان الجريمة والاختلاف بين الناس سيتناقص بنفس هذه النسبة، وبالتالي فإن النزاعات القضائية ستنخفض وتنخفض معها التكاليف التي تتكبدها الدولة لحل النزاعات من بيت المال. فلا يمكن للدولة الاسلامية الا أن تلتفت لهذه الأمور لأن ايجاد الألفة وقلة النزاعات بين الناس هو أمر مؤثر وهو ما يجب أن يدخل في مسألة وضع السياسات والتخطيط، وهو الأمر الذي قام به الإمام فهو عندما قال لا تخبر به أهلك كان عليه السلام يضع السياسات كي لا يخبو التقيد بصلاة الليل.

٢. مؤاخذة أمير المؤمنين لعثمان ابن حنيف الانصاري عامل الامام على البصرة: "يا ابن حنيف فلقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة قد دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان وتنقل لك الجفان، وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو وغنيهم مدعو.."[3] .

هل كان في هذه الضيافة طعام محرم؟ حتما لا، لكن كانت تحوي على أطعمة وأشربة متعددة، لكن مآخذة الإمام كانت في أن ابن حنيف لبّى دعوة قوم يستقبلون الأغنياء على مائدتهم دون الفقراء.

فالإمام آخذ عامله وهو واحد من خواص أصحابه، لحضوره في مجلس للأغنياء خاصة دون الفقراء، ما خيَّب ظن أمير المؤمنين به، فالوالي في الحكومة العلوية عندما يحضر في مثل هذه الأماكن كيف سيكون تلقي الناس لذلك؟ سيقولون أن هذا الوالي يتردد إلى الأغنياء ولا خبر له بأحوال الفقراء، ما يؤدي إلى ابتعاد عامة الناس عن هكذا والي، وبالتالي فإن القاعدة الشعبية لهذه الحكومة ستضعف، فالناس سيتصورون أن هناك ما يحاك بين هؤلاء والسلطة (الوالي) ما سيؤدي إلى نشوء سوء ظن بين الشعب والحكومة.

طبعا إن هذه النتائج تظهر عند تكرار هذه الممارسات، فمشاركة عثمان ابن حنيف لمرة واحدة في هكذا مأدبة لن يؤدي الى تلك النتيجة، إنما تكرار مثل هذه الواقعة سيؤدي إلى تلك النتائج بصورة تدريجية، لكن أمير المؤمنين ينظر إلى المسألة من زاوية الفقه الاجتماعي فهو يقوم، من خلال التدبير، بصد هذه الممارسة قبل تكرارها وظهور آثارها تدريجيا. فالمرة الواحدة لن تنتج التوالي الفاسدة لكنها تؤسس لذلك المسار.

ويكمل الإمام لعثمان ابن حنيف أني لا أحيى حياة مترفة، وذلك للدلالة على أنه عليه السلام لا يكتفي بالتوجيه، إنما هو عليه السلام متقدم جدا في مراعاة هذه المسائل لدرجة أنه لا يستطيع أحد على تحمله "ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد". فليس المطلوب أن يكون الولاة كأمير المؤمنين لكن المطلوب هو الورع والاجتهاد والعفة والسداد.


[1] ابن سينا، كتاب الشفاء، السفسطة، ص113، من عبارة "فلهذا لم نستفد ممن سلف صناعته" وما يليها.
[2] تفسیر العياشي، ج١، ص١٦٥.
[3] نهج البلاغة، الرسالة ٤٥.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo