< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد جواد أرسطا

43/02/12

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم الله الرحمن الرحیم

درس خارج الفقه الإجتماعي؛ الأستاذ محمد جواد أرسطا.

تقریر الجلسة الخامسة؛ 12 صفر 1443

عنوان البحث: ضرورة البحث عن الفقه الاجتماعي (4)

بداية نؤكد أن الفقه الاجتماعي لا يريد أن يأخذ مكان الفقه الفردي لكنه يريد بالتكامل معه أن ينتج مجموعة كاملة للفقه الإسلامي لإدارة الإنسان من المهد إلى اللحد.

والفقه الاجتماعي ليس إبداع فقيه معين بل هو مستخرج من الروايات، عندما نتأمل بالقرآن والروايات نصل إلى بعد آخر وهو ليس فقه جديد، بل تأمل بناء لدعوة القرآن "أفلا يتدبرون القرآن "، عندما تقول لنا الروايات أنها مبينة للقرآن فهي دعوة للتأمل في كلامهم عليهم السلام، فإذا أعلمنا التدبر والتأمل فإننا سنصل إلى جانب جديد من الفقه. الجوانب المتنوعة من القرآن ترشدنا إلى ابعاد جديدة.

سيتم في هذه الجلسة استعراض أمثلة تتضمن بعدا جديدا من الفقه وهذا البعد هو ما نسميه الفقه الاجتماعي.

هل مفهوم وضع السياسات (التخطيط) يستقيم على ضوء الفقه الاجتماعي؟

جواب إجمالي: حتما هو مورد قبول بدليل أنه حين نراجع نهج البلاغة في الخطبة ٤٠ فإن أمير المؤمنين عليه السلام بين بالحد الادنى ٧ وظائف للدولة.

الاستدلال:

لما كانت الدولة واحدة من مخاطبي الفقه الاجتماعي بعنوان مؤسسة بعنوان شخصية حقوقية مع ما لها من الأجهزة التابعة (السلطة القضائية، السلطة التشريعية، مجمع تشخيص مصلحة النظام..) وليس بعنوان شخص حقيقي (كشخص الامام المعصوم أو الولي الفقيه في عصر الغيبة).

هذه الدولة لديها ٧ وظائف على الاقل بحسب الخطبة ٤٠ من نهج البلاغة:

"لما سمع قولهم لا حكم إل لله قال عليه السلام كلمة حق يراد بها باطل نعم لا حكم إلا لله لكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله".

وإنه لا بد للناس من امير بر او فاجر: والأمير هنا ليس بمعنى الشخص الحقيقي إنما بمعنى صاحب المنصب بمعنى المقام والمنصب الحقوقي اي قائد الإمارة او امير الإمارة، وعليه إجراء هذه الوظائف.

١."يعمل بإمرته المؤمن": وهذه الوظيفة يمكن إعمالها في ظل الحكومة. يعني أن على الحكومة أن تهيئ الأرضية ليقوم المؤمن بوظيفته، وإذا لم تكن الامور منظمة في الحكومة الاسلامية فإن المؤمن سيصرف وقته لحفظ نفسه وعائلته ولن تبقى لديه فرصة لينجز وظائفه الأخرى. فلا بد للمؤمن في ظل الحكومة أن يطوي مسير تقربه إلى الله؛ يعمل في إمرته المؤمن ليس بمعنى يعيش حياته العادية فقط إنما معناه أن يستطيع المؤمن القيام بوظائفه الالهية وذلك يتحقق بوجود الأمن، العدالة النسبية (الثقافية، الاقتصادية..).

٢. يستمتع بها الكافر: فالكافر ايضا يستفيد من الموارد المالية الموجودة، فالكافر يريد الدنيا ومتاعها المادي، هذا المتاع يمكن أن يتحقق عندما يكون هناك نظام وانتظام عادل من قبل الدولة.

٣. "يبلغ الله فيها الأجل": الهدف الذي يتحقق من خلال تشكيل الحكومة (الدولة) أن الله يعطي الناس فرصة أن يعيشوا حياة طبيعية في ظل هذه الحكومة، بمعنى أنهم ينعمون بسلامة نسبية، فيحيون حياة طبيعية تضمن لهم أن يحيوا عمرا كاملا، فيأمنوا من انعدام الأمن والنزاعات الداخلية التي تؤدي إلى سفك الدماء، أو شيوع الأمراض الشائعة التي تقصِّر الأجل.

٤. "يُجمع به الفيء": هذا الأثر يترتب على وجود الحكومة، حيث تقوم بجمع أموال بيت المال، فلولا وجود الحكومة التي تقيم العدل النسبي فإن المال سيضيع ولن يصل إلى مستحقيه، والفيء هنا عبارة عن كل الأموال العمومية التي تقوم الدولة بجمعها في خزينة الدولة (بيت المال) لأجل التصرف بها ضمن خطة عامة شاملة.

٥. "يُقاتل بها العدو": يعني لا بد من وجود قائد واحد يكتشف ويشخص العدو، ويأخذ القرار المناسب حيال التصدي للعدو.

٦. "تأمن بها السبل": فبواسطة الحكومة الاسلامية تأمن الطرقات، فيمكن للناس التجول بأمان في الطرقات، سابقا في كثير من النواحي الإسلامية لم تكن الطرقات آمنة بحيث كان من يريد السفر يكتب وصيته قبل الانطلاق، كما أن الطرقات لا بد لها أن تكون مجهزة بالإمكانات المناسبة من تعبيد الطرقات إلى أماكن للاستراحة و ...

٧. "يؤخذ منه للضعيف من القوي": عند مراعاة هذه النقطة فإن العدالة ستتحقق بشكل واسع في المجتمع الإسلامي.

والنتيجة النهائية من هذه النقاط السبعة:

"حتى يستريح بر ويستراح من فاجر"؛ فالمحسنون سيحييون حياة سعيدة، وسيكون المجتمع بمأمن من الفجار في كل المجالات (اقتصادية، سياسية، ثقافية، رياضية..). والأمان يكون عندما لا يجرؤ أي فاجر على التجاوز والاعتداء. فلا بد للدولة من وضع الخطط والسياسات لكيفية التعامل مع المجرمين والفجار بحيث لا تكتفي بالتعامل المنفعل وبحسب ردّات الفعل على تلك الأفعال المخالفة، بل أن تلجأ إلى سياسات فعالة، فتضع خططا وسياسات للحؤول دون وقوع الجرائم. فإن لم تضع الدولة السياسات والخطط واكتفت بردات الفعل في مقابلة الجريمة، فإن المجرم سيجد طرقا للتحايل على القانون وبالتالي للإفلات من العقاب.

وبعد التأمل في هذه الوظائف السبع نستنتج أن لها مقدمة من باب مقدمة الواجب وهي أن تقوم الدولة بوضع السياسات قبل وقوع الجريمة عبر التخطيط لهداية المجتمع باتجاه أعمال الخير، حتى ينتشر حب الخير بصورة كبيرة في المجتمع لدرجة يتم فيها الوصول إلى مرحلة الاستراحة من الفاجر، الاستقرار النفسي إلى جانب الأمن الاقتصادي والاجتماعي.

علاوة على ذلك فإن هناك عناوين أخرى تُظهر وجوب قيام الدولة بوضع السياسات ومن تلك العناوين الأمور الحسبية وهي الأمور التي لا يرضى الشارع بتركها أو تعطيها وذلك للمفاسد المترتبة عن تركها (كالعناية بالأشخاص الذين ليس لهم متولي، كالصغير أو المجنون) أو الاموال التي ليس لها متول خاص.

فكما أن الله لا يرضى ألا ينعم الناس بالأمن. فمن باب أولى أن لا يرضى تعالى بالمفاسد المترتبة عن هذه الأمور (انعدام الأمن النفسي، الأمن الوظيفي.. ) التي تفوق بمراتب الفاسد المترتبة عن عدم إدارة شؤون الصغير الذي لا ولي خاص له.

مثال يؤكد عليه الامام الخميني والسيد القائد هو أهمية ألا تهاجر الأدمغة والنخب.

والحؤول دون هجرة الأدمغة يحصل عندما يتم تأمين الأمان (الاستقرار) الوظيفي والاقتصادي والعلمي لهذه النخب.

تجدر الاشارة إلى أن وضع السياسات ليس محصورا بالولي الفقيه، بل يتعداه إلى بقية المسؤولين، فعلى المسؤولين أن يسيِّلوا خطابات وتوجيهات القائد.

الجواب الإجمالي على إشكال الثاني حول الفجوة بين الفقه الفردي والأخلاق:

إن القيم الأخلاقية في الفقه الاجتماعي هي واجبات كفاية، متوجهة للدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي.

١.فالتعاليم الفقهية مستندة إلى القيم الأخلاقية.

٢.والقيم الأخلاقية هي واجبات كفائية متوجهة للمجتمع الإسلامي.

٣.وسياسات الدولة لترويج وإقرار هذه القيم هي واجبات عينية على الدولة الإسلامية.

وتفصيل ذلك يأتي في المباحث القادمة حين تناول علاقة القانون بالأخلاق.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo