< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد جواد أرسطا

43/02/09

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم الله الرحمن الرحیم

درس خارج الفقه الإجتماعي؛ الأستاذ محمد جواد أرسطا.

تقریر الجلسة الرابعة؛ 9 صفر 1443

عنوان البحث: ضرورة البحث عن الفقه الاجتماعي (3)

الفتوى في الفقه الفردي لا يمكن لها أن تكون بديل عن التقنين وهي لها ثلاث خصائص:

١. التكثر والتعدد بمعنى وجود عدة آراء لعدة فقهاء مجتهدين جامعين للشرائط أما في القانون فلدينا قانون واحد ينطبق على الجميع.

٢. إن الفتوى في كثير من الموارد لا تظهر كيفية إجراء الحكم بل تترك تشخيصه للمكلف، في حين أن هذا الأمر في الأمور الاجتماعية يوجب عدم الانتظام. مثلا في الأمور الفردية يقال للمكلف أنه في حال وجدت أن الصوم يشكل ضررا معتدا به فلا تصم. اذا شخصت أن اللون الأحمر على ثياب الصلاة هو دم فطهره قبل الصلاة.. فالأمر يتعلق بنفس المكلف ولا يتعداه إلى سواه. فإجابات الفقه الفردي في هكذا موارد هي الإجابات الفاعلة والكفوءة، وليس لذلك آثار اجتماعية. لكن في الفقه الاجتماعي لا يمكن القول للمكلف أنه في حال شخصت أن عملك لن ينتج عنه اختلال للنظام فلك أن تقوم به، أو إذا شخصت أن عملك يزاحم مصالح الآخرين فاجتنبه... لأنه في كثير من الموارد سيخطئ المكلفون في التشخيص لسببين إما لتساهلهم وإما بسبب معلوماتهم الناقصة ما يؤدي إلى التالي الفاسد وهو اختلال النظام او فوت مصلحة عامة.

٣. أن هناك سلسلة من الموضوعات التي لا تملك حكما شرعيا ثابتا، لأنها لا تقبل الحكم الثابت حيث إنها متغيرة دائما او غالبا؛ امثلتها كثيرة جدا بدءً من السلطات الحاكمة في الدولة هل هي ثلاثة ام أكثر أم أقل وشكل الحكم هل يكون رئاسيا او برلمانيا او.. إلى عدد الوزارات مرورا بمراحل التعليم الأساسي فنظام الخدمة العسكرية ... هذه الأمور ونظائرها ليس لها حكم شرعي ثابت لأنها تابعة للمصالح في زمان معين. وفي الفقه كثير من الاحكام التابعة للمصالح كانعقاد عقد الهدنة او الصلح مع الدول غير الإسلامية وهي تابعة للمصلحة بمعنى أنها تتغير بتناسب الزمان والمكان فأحيانا تقتضي المصلحة الصلح وأحيانا أخرى لا تقتضيها.

وبالتالي بما أن مجموعة من الموضوعات فاقدة لحكم ثابت فلا يمكن إصدار فتوى اتجاهها فلا يمكن أن تقول أن السلطات في الدولة تكون ثلاثة مثلا، إنما غاية الموضوع أن الفتوى تقول أن هذا الأمر تابع لتشخيص المصلحة التي تكون على عهدة الحاكم الإسلامي (القائد). ولمزيد من الاطلاع على الأحكام الثابتة والمتغيرة مراجعة الكتاب القيم للعلامة النائيني "تنبيه الأمة وتنزيه الملة" (تحقيق السيد جواد ورعي ص ١٣٣ و١٣٤).

فالفتوى لا تدخل في الموضوعات المتغير بينما القانون لا بد له وأن يتدخل فيها فيشخص عدد السلطات ونظامها، و...

بعد أن تم استعراض الطائفتين الاولتين التي في الدروس السابقة سيتم التعرض للمجموعة (الطائفة) الثالثة من الأمثلة التي تبين عدم فاعلية الفقه الفردي في إدارة المجتمع الإسلامي؛ هذه الطائفة مرتبطة بالعلاقة بين القانون بالأخلاق:

إن الإشكالات التي توجهت إلى الفقه بعد انتصار الثورة كانت عبارة عن أن الادارة الفقهية هي إدارة غير فاعلة، وذلك يرجع إلى الفقه ووضع الخطط والسياسات من جهة والعلاقة بين الفقه والأخلاق من جهة ثانية.

١. إن الفقه غير مطلع على وضع السياسات: فإذا أردنا إدارة الدولة على اساس الفقه وقابلتنا عملية سرقة، فإن تم إثبات التهمة على السارق فإنه يقام عليه الحد بقطع الأصابع الأربعة من يده. مثال آخر أنه إن كان في معرض ارتكاب السرقة او ينوي ارتكاب سرقة في المستقبل فإنه بناء على الفقه الفردي لا يتم التعرض له. وهل هذا الاحتمال يمكن الاخذ به؟ وعلى اية حال فهو لم يقم بالمنكر حتى يتم نهيه عنه، بل يمكن نصيحته ألا يقوم بالسرقة من باب فعل الخير لا أكثر، فهذا المستحب ليس وظيفة القضاء ولا هو واجب على الناس.

فالفقه الفردي ليس لديه طريقة للتقليل من احتمال وقوع الجرائم، غير تلك التوصيات الاخلاقية غير الالزامية، في الوقت الذي يتم وضع سياسات في الدول للحؤول دون وقوع الجريمة، فالوقاية خير من العلاج، وهذا الأمر مفقود في الفقه الفردي في حال أراد إدارة المجتمع.

٢. علاقة الفقه والأخلاق: قالوا أن الفقه والأخلاق مجالان منفصلان عن بعضهما حيث يمكن الصلاة خلف شخص عادل لكنه فاقد للفضائل الأخلاقية. مثال على ذلك الشخص الذي يأتي بالواجبات ويترك المحرمات، لكنه لا يقوم بالمستحبات (ليس من باب التهاون). فهو يؤدي الحقوق المالية الواجبة من خمس وزكاة لكنه لا يعطي الصدقة المستحبة، لا يواسي الآخرين، لا يبتدئ الآخرين بالسلام. لا يتعاطى بسوء خلق مع زوجته لكنه يكتفي بواجباته فقط من نفقة وغيرها. هو يقوم بواجباته الفقهية لكنه لا يتحلى بالفضيلة.

فبحسب الفقه الفردي يمكن أن يتشكل مجتمع يراعي الواجبات الدينية ويترك المحرمات لكنه لا يتحلى بالفضائل الأخلاقية.

والإشكال هو أنه في حال تشكل مثل هكذا مجتمع إسلامي هل يكون هو المجتمع المطلوب؟ هل هذا هو المجتمع الذي جاء رسول الله صلى الله عليه وآله لتأسيسه، وأين هو من حديثه "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "؟ حتما ليس هذا المجتمع (الذي يكتفي بالواجبات) هو المجتمع المطلوب، هذا المجتمع لا يقوم بالأعمال الأخلاقية إلا بالقدر الذي تكون هذه الأفعال واجبة فقهيا كالعدالة التي هي قيمة أخلاقية وفي الوقت عينه واجبة فقهيا (بحسب الفقه الفردي)؛ فعلى القاضي أن يراعي العدالة بين المتخاصمين، وعلى الشاهد أن يكون عادلا وهكذا.. ففي الحالات التي تكون الفضيلة الأخلاقية لازمة المراعاة عندها يجب الإتيان بها. وهذه يعني قطع العلاقة بين الفقه والأخلاق، والفقه الذي يوصل إلى مجتمع يخالف مقصد رسول الله (إتمام مكارم الأخلاق) هو مجتمع غير مطلوب، وهو فقه غير فعال وبالتالي لا ينطبق على المجتمع الذي يحكمه أنه مجتمع إسلامي.

الجواب:

يمكن للفقه الاجتماعي أن يجيب على الاشكالين فهو يضع السياسات من جهة، ويبين العلاقة بين الفقه والأخلاق. وهذا ما سيتم توضيحه بصورة إجمالية في الجلسة القادمة.

توصية:

ورد في الحديث أن العلم خزائن ومفاتيحه السؤال، وحسن السؤال نصف العلم.

لذلك لا بد من السؤال الحسن، الذي يوسع آفاق البحث والسؤال في الدراسة لا بد وأن تسبقه مراحل ثلاث: تأمل بالمطلب، مطالعة حول الموضوع، مباحثة.

في الدروس القادمة سيتم التطرق إلى ماهية الفقه الاجتماعي، آثاره، فقه النظرية وفقه الاحكام، الفتوى المعياري، وضع السياسات، القواعد الفقهية للفقه الاجتماعي والنتائج المترتبة عنه.

كتاب للمطالعة: كتاب الفقه الاجتماعي للأستاذ.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo