< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد جواد أرسطا

43/02/06

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم الله الرحمن الرحیم

درس خارج الفقه الإجتماعي؛ الأستاذ محمد جواد أرسطا.

تقریر الجلسة الثانية؛ 6 صفر 1443

عنوان البحث: ضرورة البحث عن الفقه الإجتماعي

إن إجابة الفقه الفردي عن بعض المسائل إما قاصرةٌ مطلقًا أو أنها تجيب بشكل غير فعال وناجع. فمن الممكن أن يكون السكوت عن الإجابة هو في حد ذاته ما يريده الإسلام. فكيف لنا أن نستكشف أن هذه الإجابات غير فعالة وناجعة؟

الجواب:

لم يأت الإسلام لعصرٍ أو لمكان واحد، إنما هو دين عالمي وخالد. إن الدين الذي يملك هذه الخصائص، ومع مرور حوالي 1200 سنة على عصر الغيبة الذي لا يزال مستمرًّا، فإن السكوت أمام بعض المسائل وعدم إعطاء أجوبةً عنها لا يمكِّن ذلك الدين أن يكون كاملًا، رغم التسليم أن هناك مصادر لا يمكن الوصول إليها. فكيف يمكن أن نواجه أصحاب الأديان والتيارات الفكرية الأخرى ونُثبت لهم حقانية الإسلام بل نطرح أنه الدين الكامل، وندعي أننا لا نملك الإجابة عن بعض المسائل کوننا فی زمان الغيبة؟!!

إن ذلك خلاف الحكمة في أن يقول تعالى أن هذا هو الدين الخالد والكامل لكن لا يضع أجوبةً لمسائل في عصر الغيبة. والصحيح أن هناك أجوبة في زمن الغيبة لهذه المسائل غايته أنه في عصر حضور المعصوم تكون الإجابة أعمق. إن الله تعالى شرّع أحكامًا ظاهرية للموارد التي لا يمكن الوصول لأحكامها الواقعية، وبالتالي فإن جملة أجوبة تم لحاظها للإنسان في عصر الغيبة، مع الفارق أنه في عصر الحضور تكون الإجابات أعمق، فلا بد من وجود إجابات في كل العصور ليتحقق هدف الهداية من الإسلام. والكمال يكون عندما يستطيع الإنسان أن يجيب عن جميع حاجات الإنسان المتعلقة بالهداية، فالمرتقب من الإسلام أن يجيب عن سلسلة الحاجات الفردية والاجتماعية المتعلقة بالهداية، وهذا هو مقتضى الهداية.

هذا المطلب فضلًا عن كونه يستند إلى الهداية وكمال دين الإسلام فإنه يتلاءم مع الواقع الخارجي، فيكفي أن ننظر إلى الحاجات المطروحة لنعلم أن المصادر المتوفرة غير قاصرة عن الإجابة عن تلك الحاجات. وكمؤيد على ذلك فإن آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي يقول أنه مقابل كل الأسئلة التي وردته من جميع أنحاء العالم لم يصدف أن كان هناك سؤال مرتبط بالحاجات الفردية أو الاجتماعية ولم يجد له جوابًا.

من أي طريق يمكن استكشاف أن جواب الفقه الفردي لبعض المسائل غير فعال؟

لا بد من التذكير أن جواب الفقه الفردي لمجموعة من المسائل التي تشكل حاجات الإنسان هو أمرٌ ضروري ومطلوب كونه يشكل جزءً من مسائل الدين الإسلامي لكن الفقه الفردي لا يمكنه بمفرده أن يبني ذلك الفقه الذي يشكل النظرية الكاملة للإنسان، فهو لازم لكن غير كافٍ، ولا بد أن يكون الفقه الاجتماعي بجانبه لتتشكل مجموعة كاملة. فهناك مجموعة أسئلة يكون جواب الفقه الفردي لها إما غير ناجع أو غير موجود.

 

فکیف یمکن استنتاج أن الجواب ليس فعالًا بشكل جزئي أو كامل؟

 

الجواب:

في كل مرة يكون الجواب يوجب اختلال النظام أو يوجب البعد عن المسائل الشرعية (أهداف الشارع المقدس) يُعتبر ذلك الجواب غير فعال وغير ناجع. عبر بيان أمثلة متعددة يتشخص المقصود كالتالي:

    1. إن العبادات والمعاملات في المجتمع الإسلامي بحاجة إلى مقررات شرعية تحكمها، وهذه المقررات بعهدة "مؤسسة الإفتاء"؛ ففي عصر الغيبة يكون النظم بيد المؤسسة الدينية التي تتكفل تأمين المقررات الشرعية، وعلى امتداد عصر الغيبة كان الشيعة يرجعون إلى الفقهاء الجامعين للشرائط، ويأخذون منهم الفتوى لإدارة مجتمعهم الديني. وبعد أن تم حاليًّا تشكيل دولة إسلامية وفق المذهب الشيعي، فهل يمكن الاستمرار في هذا النحو من الإدارة؟ سنرى أنه لا يمكن إدارة المجتمع السياسي الشيعي بنفس "مؤسسة الإفتاء"، بمعنى أنه عند وجود دولة، ومع غياب مؤسسة أو جهة للتقنين، وعند الاكتفاء بمؤسسة الإفتاء لإدارة البلد فإن ذلك سيؤدي إلى اختلال النظام.

فلنفترض وجود جهات متعددة في بلد معين كالمصارف والوزارات، ولنفترض عدم وجود مؤسسة أو جهة مُقَنِّنة، وفقط يتم الاكتفاء بمؤسسة الإفتاء، فعندها إما أن يقوم مدير كل جهة بتقليد نفسه أو بتقليد أحد الفقهاء الجامعين للشرائط ليدير الجهة التي يديرها. فهل هذا النحو من الإدارة هو مناسب أم أننا سنقع في اختلال النظام؟ مثلًا شخصٌ يقول أن المصرف بحسب فتوى السيد الخوئي ليس مالكًا، وعليه فإن جميع الأموال الموجودة داخله تصبح أموالًا مجهولة المالك وبالتالي فإن التصرف بها غير مجاز إذا بإذن الحاكم الشرعي، وعليه فإن الشخص الذي وضع ماله في المصرف قام بإتلاف المال كونه لا يحق له استعادته. مثال آخر عن شخصٍ مسؤول في إحدى الجامعات أو الشركات مثلًا، إن كان يعتبر أن الشخصية الحقوقية لا تملك، فإن كل هذه الجهات (الجامعة أو الوزارة أو الشركة) تكون مجهولة المالك ولا يمكن التصرف بها، وفي مقابله مدير آخر يعتبر أن الشخصية الحقوقية تملك، فما الذي سيحصل في هذه الحالة غير فقدان النظم.

بناءً عليه فإن مؤسسة الإفتاء لا يمكنها بمفردها إدارة هذا المجتمع الشيعي، وبالتالي إن لم ينوجد التقنين فلا يمكن الاكتفاء بالفتوى إذ يلزم ذلك اختلال النظام.

    2. التلقيح الاصطناعي هل يحظى بمشروعة أم لا؟ إذا أردنا إدارة المجتمع عبر نظام الإفتاء فإن الجواب هو توجيه الناس إلى مرجع تقليدهم، فالبعض يجيز والبعض الآخر يمنع، ما يُعطي مجموعة ويحرم أخرى. بل أكثر من ذلك يأتي السؤال أنه في حال استلزم التلقيح الاصطناعي لوازم محرمة كاللمس ونظر غير المحرم بل وتلقيح نطفة الأب لابنته هل يبقى جائزًا؟ إذا كان الجواب مثبتًا، خصوصاً في حالة جواز تلقيح الأب لابنته فسيعاني المولود من أزمة في الهوية وما يستلزم ذلك من هرج ومرج واختلال في النظام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo