< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد جواد أرسطا

43/02/05

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ترجمة وتقرير درس الفقه الاجتماعي (محورية عهد مالك الأشتر).

عنوان الدرس: تعريف الفقه الاجتماعي وخصائصه. التاريخ: 5صفر 1443.

 

يقول الإمام الخميني (قده) أن "الفقه هو نظرية واقعية وكاملة لإدارة الإنسان من المهد إلى اللحد".

والفقه الكامل لا بد وأن يلحظ جنبتان فردية واجتماعية.

تعريف علم الفقه: هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية؛ هذا العلم يحصل عن طريق الاستنباط، وليس عن طريق التقليد. كما أن موضوع علم الفقه عبارة عن أفعال المكلفين من حيث الاقتضاء أو التخيير، فالفعل إما يقتضي الفعل أو الترك وهذا الاقتضاء إما يكون بنحو الإلزام أو عدمه، فما يقتضي الفعل بنحو الإلزام يكون وجوبًا وما يقتضي الفعل بنحوٍ غير ملزم يكون استحبابًا...

المقصود بالمكلف: بحسب الفقه الرائج (الفردي) فإن المكلف هو شخص حقيقي، وهو الإنسان بصرف النظر عن العناوين الأخرى، نعم، يمكن أن يكون الإنسان ذكرًا أو أنثى، ويمكن من حيثيات أخرى أن تُطلق عليه عناوين أخرى كأن يكون ابنًا أو أبًا أو أمًّا، وليًّا، مولًا عليه..

الفقه الاجتماعي: هو بعدٌ أخرٌ من أبعاد علم الفقه، بعدٌ تكميليٌّ للبعد الأول (الفردي)، حيث يشكلان سويًّا فقهًا كاملًا وجامعًا؛ وهو يتميز بميزتين الأولى متعلقة بأنواع المكلفين والأخرى متعلقة بأفعالهم. فليس المقصود من الفقه الاجتماعي تلك المباحث المرتبطة به في الفقه الرائج (الفردي) كالقضاء والأمر بالمعروف والجهاد لأن جميعها يبحث عن استنباط واستخراج أحكام الشخص الحقيقي بعنوان المكلف الوحيد. وليس المقصود بالفقه الاجتماعي هو علم الاجتماع فموضوع الفقه الاجتماعي ليس العلوم الاجتماعية رغم ارتباط مباحثهما.

    1. أنواع المكلفين في الفقه الاجتماعي: إذا كان المكلف في الفقه الفردي هو الشخص الطبيعي أو الحقيقي، فإننا أمام أربعة مكلفين في الفقه الاجتماعي هم:

     المواطن: وهو الشخص الحقيقي مع لحاظ خصوصية وهي أنه إنسان يرتبط مع دولةٍ، يحمل جنسيتها، له حقوق عليها وعليه واجبات تجاهها. والجنسية عبارة عن رابطة حقوقية، سياسية، معنوية للشخص مع دولة معينة؛ حقوقية لأنها توجب إيجاد حقوق وتكاليف تجاه الطرفين. سياسية لأن أحد الطرفين (الدولة) لا بد أن يُعمل حاكميته وقدرته، بمعنى أن الدولة تصدر الأوامر (القوانين والمقررات) وعلى المواطن أن يتقيَّد بتنفيذها. معنوية لأنه غالبًا تنشأ علاقة عاطفية للمواطن تجاه الدولة (وطنه).

     الشخصيات الحقوقية: هو اجتماع المنافع، يرتب عليها العقلاء حقوق وواجبات، كالوزارات والجامعات والمؤسسات والشركات.. وفيما يتعلق بأدلة مشروعية الشخص الحقوقي فيمكن الإشارة إجمالًا إلى هذا المطلب في طيات البحث.

     الدولة: تنظم الشأن العام للمجتمع، فلا يمكن لأي اجتماع سياسي أن يستمر دون دولة، إذ "لا بد للناس من إمام بر أو فاجر"[1] ، والأمير تلزمه الإمارة وهي الدولة. صحيح أن الدولة شخصية حقوقية لكنها تشكل قسمًا مستقلًّا بسبب وضعيتها الخاصة وهي تنظيم وتدبير الشأن العام للمجتمع.

     المجتمع: هل يشكل المجتمع وجودًا مستقلًّا عن الأفراد الذين يشكلونه؟ هناك نظريتان الأولى أن الجامعة لا تشكل وجودًا متميّزًا عن أعضائها والنظرية الأخرى أنها تشكل وجودًا مستقلًّا. والصحيح أن المجتمع لا يشكل وجودًا تكوينيًّا مستقلًّا عن أعضائه، فنحن لا نشير إلى أفراد المجتمع ثم نشير إلى المجتمع المتشكل من هؤلاء الأفراد على حدىً، لكن كيفما كان فإن للمجتمع وجودًا عرفيًّا مستقلًّا عن أعضائه، يمكن تشخيصه من آثاره، فالشخص الذي يعيش في المجتمع يتأثر بأعراف وعادات وتقاليد وثقافة ذلك المجتمع. ولذلك كان الأمر بالهجرة من بلاد الكفر إلى دار الإسلام، لتأثير دار الكفر على الإنسان، فالفرد الذي يحيى في ذلك المجتمع سيتأثر به، وهذا التأثير قد يظهر في الاختلاف بين منطقة وأخرى في نفس البلد.

ومن خلال الآيات الكريمة يظهر أن الله تعالى جعل للمجتمع وجودًا مستقلًّا عرفيًّا عن الأشخاص الذين يتشكل منهم فقال تعالى "لكل أمّةٍ أجل" هذا الأجل غير أجل الأفراد "إنك ميت وإنهم ميتون"، "كل نفس ذائقة الموت"، فآجال الأفراد تختلف عن آجال الأمم. ويؤيد ذلك ما يحصل في المجتمعات المعاصرة فقد يضمحل بعضها دون موت أفرادها، كتفكك الاتحاد السوفياتي، مع بقاء أفراد هذا المجتمع وتشكيلهم لمجتمعات جديدة، فانتهاء أجل المجتمع لا يستلزم بالضرورة موت أفراده.

    2. أفعال المكلفين في الفقه الاجتماعي: إن موضوع علم الفقه هو أفعال المكلفين من حيث الاقتضاء والتخيير، والفقه الاجتماعي يتضمن خصوصيات ثلاث فيما يتعلق بأفعال المكلفين، هي:

     قابلية التكرار: إن أفعال المكلفين في الفقه الاجتماعي تتكرر وليست من قبيل أنها تصدر لمرات محدودة من المكلفين، بناء عليه لا بد عند استنباط الحكم لاشرعي من مراعاة هذه النقطة، وهي أن يكون الحكم الشرعي الصادر في الفقه الاجتماعي له قابلية التكرار.

     الأثر التدريجي لهذه الأفعال: إن أفعال المكلفين في الفقه الاجتماعي لديها أثر تدريجي، فلا يمكن توقع الأثر الفوري للفعل من المرة الأولى، فعلى الفقيه عند استنباطه أخذ هذه الخصوصية بعين الاعتبار.

     الحاجة إلى التدبير: هذه الأفعال بحاجة إلى تدبير بمعنى أن تدبيرها ليس بيد المكلفين فالأمور التي تحتاج إلى تدبير اجتماعي (كالفعل الصادر عن المواطن) لا بد وأن تكون إدارته وتنظيمه بيد الدولة.

 


[1] بحار الأنوار، ج72، ص358.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo