< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

43/05/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب

لازال الکلام في صحيحة الثانية لزرارة وفي الاشکال الوارد علی تطبیق ما استفید منه قاعدة الاستصحاب علی المورد، فإنَّ السائل وهو زرارة یسئل بأنَّه إذا ظننتُ أنَّه وقع علیه، ففحصت ولم أجده، ثمَّ رأيته بعد الصلاة، قال:« تغسله ولا تعید» فلما سأل عن علة ذلک قال :« لأنک کنت علی یقین من طهارتک ثمَّ شککت ولیس ینبغي لک أن تنقض الیقین بالشک» وکان الاشکال هو أنَّ زرارة بعد الفراغ من الصلاة علم یقیناً بالنجاسة فلم یکن علی یقین ثمَّ شک، وإنما کان علی یقین ثمَّ صار علی یقین آخر، فهذا یکون من باب نقض الیقین بالیقین، ولیس من باب نقض الیقین بالشک، وذکرنا بعض الاجوبة کجواب صاحب الکفاية وجواب شریف العلماء وجواب المحقق النائيني وخلاصة کلام المحقق النائيني: یقول: بأنَّ النجاسة مانع في الصلاة ولیست الطهارة شرطاً وعلیه فهو یشکّ في حدوث النجاسة فیستصحب العدم فإنَّک کنت علی یقین من طهارتک ثمَّ شککت، ولیس ینبغي لک أن تنقض الیقین بالشک فهنا یتناسب مع هذا المبنی وهو مانعية النجاسة في الصلاة واستصحاب العدم عند الشک، هذا نتيجة الکلام وتقدم الکلام مفصلاً.

الشیخ الاستاذ حفظه الله أجاب وذکرنا ثلاثة أجوبة: ملخص الجواب الاول: بأنَّ شرطية طهارة اللباس والبدن أو مانعيته یحتمل فیها احتمالات ثلاثة: إما أن یکون العلم طریقاً محضاً للطهارة أو أن یکون العلم بها جزء الموضوع و الجزء الآخر هو الطهارة أو أن یکون العلم هو تمام الموضوع.

أما علی الامر الاول- إذا کان العلم طریقاً محضاً-: فالأمارات تقوم مقامه بلا اشکال، والاصول المحرزة ایضاً تقوم مقامه، ولکن لما علم بالنجاسة هنا علم بعدم تحقق الشرط سواء قلنا بأنَّ الطهارة شرط أو قلنا بأنَّ النجاسة مانع، بعد انکشاف النجاسة ینکشف وقوع الصلاة في النجاسة یعني ینکشف الصلاة فاقدة للشرط علی القول بالشرطية أو واجدة للمانع علی القول بالمانعية وهو مشتملة علی النجاسة، فعلی التقدیرین تکون باطلة، بعبارة أخری: أنَّه علی التقدیر الاول ، یعني إذا کان العلم طریقاً محضاً یعني جعل تمام الشرط وجود الطهارة أو تمام المانع النجاسة فالمطلوب عدمها. فمن هذه الجهة لا إشکال، إنما الاشکال في أنَّه لما انکشف وجود النجاسة انکشف عدم تحقق الشرط أو انکشف وجود المانع ، فإذن الصلاة مطلوب فیها أن تکون عن طهارة علی فرض الشرطية أو تکون علی عدم المانع علی فرض أنَّ النظر إلی کون النجاسة مانع، هذا لم یتحقق لأنک تقول هذا طریق محض لم یتحقق، إذن الغرض او العمدة هي وجود الطهارة خارجاً، أو عدم النجاسة خارجاً، لما انکشف وجود النجاسة لم یتحقق، فالمفروض أن تبطل الصلاة.

علی الفرض الثاني بأن نقول العلم یکون جزء الموضوع والطهارة تکون الجزء الآخر نفس الکلام ایضاً یأتي؛ الصلاة تکون باطلة لأنَّه فقدت الشرط ولو کان بنحو الجزء تقول: العلم تقوم مقامه الأمارة أو الاصل، ولکن الجزء الآخر وجود الطهارة، وجود الطهارة لم یتحقق.

ایضاً علی التقدیر الثالث الذي یکون العلم هو تمام الموضوع فلا یعقل أساسا الجریان وجریان الاستصحاب غیر معقول، لأنَّ موضوع الاستصحاب یقین ثمَّ الشک، بینما تفرض أنَّ العلم هو تمام الموضوع لم یتحقق العلم حتی یکون هناک مجال للاستصحاب.

هذا حاصل الاشکال الاول الذي أورده الشیخ الاستاذ حفظه الله.

نقول: یخطر إلی الذهن عدم ورود هذا الاشکال: لأنَّ المحقق النائيني قدس سره بعد مقدمة طويلة وبعد اختیار أنَّ النجاسة هي مانع ولیست الطهارة هي شرطاً، هو أختار أمراً وهو : أن یکون الشرط هو الأعم، من الطهارة وإحرازها حتی لو قلنا بکون النجاسة مانعة، الشرطية أو المانعية أعتبرها الأعم من الطهارة وإحرازها. إذا قلنا بأنَّه الأعم من الطهارة ومن الإحراز یعني بعبارة أخری: إذا قلنا الطهارة شرط، الشرط هو الأعم من الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية، فمع عدم إحراز النجاسة لم یفقد الشرط، والشرط علی حاله، یقول الصحيحة دالة علی أهمية الشرط من نفس الطهارة و إحرازها، إذا احرزتَ الطهارة بنحو الیقین فتحقق الشرط ، أحرزتَ الطهارة الظاهرية أیضاً تحقق الشرط، فالشرط هو الأعم، لما یکون الشرط هو الأعم لا تأتي لنا هذه التفاصیل؛ أن یکون العلم طریقاً محضاً للطهارة الواقعية أو أن یکون العلم بها جزء الموضوع والجزء الآخر هو الطهارة أو أن یکون العلم بها و تمام الموضوع، نقول لا : یمکن أن نقول نختار الأول من الإحتمالات ولکن یکون بهذا المعنی : أن یکون العلم طریقاً محضاً للطهارة الأعم، من الواقعية والظاهرية ، بما أنَّه استفادنا من الصحيحة الدالة علی أعمية الشرط من نفس الطهارة أو من إحرازها ، یعني من الطهارة الواقعية أو من الطهارة الظاهرية إذا جعلنا الشرط هذا المعنی، فهنا العلم و الأمارة والاستصحاب کلها طرق إلیه. فعلیه هذا الاشکال لا یرد علی المحقق النائيني.

نعم، یرد علیه ما ذکره مؤخراً من أنَّ إذا کان عدم النجاسة هي المطلوبة، لماذا لم یعلل بها؛ یعني إذا کان المانع هو العلم بالنجاسة ویکفي في الصحة عدم العلم بها، فالسوال هنا: لماذا الامام علیه السلام لم یعلل الصحة به فیقول : لا تعد الصلاة لأنک لم تعلم بالنجاسة، لماذا یقول لأنک کنت علی یقین من طهارتک ثمَّ شککت، ولیس ینبغي لک أن تنقض الیقین بالشک. لا معنی لأن یکون مناط الصحة أمراً عدمیاً والتعلیل بالأمر الوجودي، بل ینبغي أن یکون التعلیل بالأمر الوجودي ایضاً لماذا علل بالشئ الآخر.

وحاصل الاشکال الثاني : نقول أنَّ ما أفدته خارجاً عن مدلول الرواية ولاتدل علیه الرواية فإنَّ الرواية عللت بشئ آخر غیر ما ذکرته.

وهناک اشکال اخر یمکن أن یورد علی المحقق النائيني ولم یتعرض إلیه الشیخ الاستاذ حفظه الله، وهو : أنَّه إذا کان المانع العلم بالنجاسة فلا نحتاج إلی جریان الاستصحاب لإحراز عدم النجاسة بل یکفي مجرد الشک، المانع من الصلاة هو العلم بالنجاسة و إحراز النجاسة، مجرد حصول الشک في النجاسة وعدمها لم یثبت المانع هذا المقدار کافي، لماذا نحتاج إلی الاستصحاب، ونحرز ما هو محرَز؟ یعني نحرز عدم النجاسة ونستصحبها. المانع هو ثبوت النجاسة ومجرد شکک في النجاسة کافٍ لعدم ثبوت النجاسة فلا تحتاج إلی إثبات عدم وجود النجاسة عن طریق الاستصحاب اساسا لا حاجة إلیه.

الجواب الآخر ، ما أجاب به السید الخوئي رحمه الله، في الفرض الذي هو محل الکلام، یقول: السوال عن الشک في إصابة النجاسة و عدم اصابة النجاسة للثوب، الامام علیه السلام حکم بعدم الإعادة ، الامام علیه السلام عندما سئله عن العلة وعلل ، هو علل بصغری الأمر الظاهري، لأنک کنتَ علی یقین من طهارتک ثمَّ شککت، أما الکبری وهو: إجزاء الأمر الظاهري عن الأمر الواقعي في خصوص باب الطهارة فهو أمر معلوم لزرارة، فعلیه یتمّ التعلیل.

توضیحه: زرارة یقول: أنا ظننتُ أنَّه أصابه ونظرتُ لم أرَ، فإذن هو کان یشکّ في إصابة وعدمها، الامام علیه السلام یقول: أنت تحرز عدم الإصابة عن طریق الاستصحاب، هذا المعنی یشکل لک ثبوت حکم ظاهري بالطهارة، عندنا طهارة ظاهرية وعندنا أمر ظاهري، علّل هذا المقدار. أنت شککت وبحثت ولم تر کنت علی یقین من طهارتک ثمَّ شککت فإبقی علی الیقین . أثبت أنک عندک طهارة ظاهرية وعندک أمر ظاهري . هذا المقدار الذي علله الامام علیه السلام.

هذا المقدار لا ینفع في عدم الإعادة ، والذي ینفع في عدم الإعادة هو تطبیق الکبری علی هذا، هذه الکبری : إجزاء الأمر الظاهري عن الأمر الواقعي في خصوص باب الطهارة لا مطلقاً، لماذا لم یذکر الامام علیه السلام هذا التعلیل؟ یقول: لأنَّ إجزاء الأمر الظاهري عن الواقعي في باب الطهارة أمر مفروغ عنه، فیعرفه زرارة.

إذن کلام السید الخوئي رحمه الله، یقول: نحن عندنا في المسألة کبری وصغری؛ الصغری: ثبوت الحکم الظاهري الکبری: إجزاء الحکم الظاهري عن الواقعي ، بالنسبة إلی الصغری فالامام علیه السلام عللها وأثبتها وهي : «لأنک کنت علی یقین من طهارتک ثمَّ شککت ولیس ینبغي لک، هنا علل أنت عندک حکم ظاهري بالطهارة ، والکبری لم یذکرها الامام علیه السلام وهو: إجزاء الحکم الظاهري عن الحکم الواقعي؛ لأنَّه شئ مفروغ عنه في باب الطهارة بالخصوص عند زرارة ولا حاجة إلی ذکره. فالتعلیل وافق المورد.

هذا ما أفاده السید الخوئي رحمه الله، ویقول الشیخ الاستاذ حفظه الله في هذا الکلام: أنَّ هذا الوجه تامّ في حدّ نفسه، بمعنی أنَّ إجزاء الحکم الظاهري عن الحکم الواقعي في باب الطهارة بالخصوص أمر صحیح، ومفروغ عنه فعلا، ولکن مَن یقول بأنَّ هذا المسلّم عندنا هو کان زرارة علی علم به؟ والامام علیه السلام أعتمد علی علمه فلم یذکر له ذلک.

بیانه: في موارد متعددة یذکر، بأنَّ السائل فلان؛ فیذکر السائل زرارة أو السائل هو محمد بن مسلم أو السائل هو أبو بصیر، أو السائل هو برید أو أحد هؤلاء الأکابر، بما أنَّ السائل فلان لا نتصور منه أن یسئل عن أمر سهل وواضح، بل هو یسئل عن أمر آخر، فیعدّ ذلک قرینة مفیدة للمعنی من المعاني في الرواية یعني نستعین بوضعية الراوي والسائل من حیث الفقاهة علی إرادة المعني، فزرارة من أجلاء الفقهاء والسید الخوئي هنا یقول أمرٌ مفروغ عنه أنَّ في باب الطهارة نکتفي في الحکم الظاهري لأنَّه من الأجلاء.

لکن عندنا أمران:

الأمر الاول: الذي أشار إلیه الشیخ الاستاذ حفظه الله وهو : أنَّه من این علمنا بأنَّ زرارة یعلم ذلک ولا طریق لنا للعلم بأنَّ زرارة کان یعلم هذه الکبری. لا سیما المسؤل عنه وهو الامام الباقر علیه السلام کما یظهر من طریق علل الشرائع، زرارة في ذلک الوقت مَن یقول من الأکابر والأجلاء؟ نعم، هو کان کذلک في زمان الامام الصادق علیه السلام ولکن في زمان الامام الباقر علیه السلام لم یعلم ذلک لأنَّ کان في حداثة سنه. هذا، إلاّ أن یدعی یستفید من نفس الرواية ، یعني هذه الرواية مع طولها مع تشقیقات الموجودة فیها وهذه الأسئلة المتنوعة فیها نستفید أنها لا تصدر من أي واحد بل تصدر عن شخص له باع واسع في الإطلاع.

الأمر الثاني: أنَّ بعض المسائل التي صارت واضحة عندنا، لم تکن واضحة في أول الأمر، متی کان إجزاء الحکم الظاهري عن الحکم الواقعي في باب الطهارة أمراً مسلماً؟ هذا إنما حصل بعد الروایات والأسئلة التي صدرت من أصحاب الأئمة علیهم السلام، إذن في بادئ الأمر زرارة أو غیره یحتاج أن یسئل الامام علیه السلام حتی یتضح له الحکم، فسئل الاصحاب رضوان الله تعالی علیهم بعد ذلک تجمعت هذه الروایات صارت عند الفقهاء واضحة. فالوضوح تحقق بعد ما سئلوا أما حین سوالهم لم یکن واضحاً.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo