< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

43/05/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب

الجواب الثالث عن الاشکال الذي أورد علی تطبیق الرواية عن الاستصحاب، لأنَّه کما قلنا بأنَّ « لأنک علی یقین من طهارتک ثمَّ شککت ولیس ینبغي لک أن تنقض الیقین بالشک» کیف نطبق هذه الجملة التي هي مفاد الاستصحاب، علی مورد الکلام ویقول أنّه شکَّ وظنَّ بالإصابة ثمَّ نظر ولم یجده ثمَّ بعد الصلاة وجده فهنا من باب نقض الیقین بالیقین فکیف نطبق الاستصحاب علی المورد؟ تقدّم جواب صاحب الکفاية وما فیه کما تقدم جواب شریف العلماء، وایضاً الاشکال الموجود فیه.

الان نطرح الوجه الثالث من الأجوبة: ما أفاده المحقق النائيني قدس سره قد بینه في عدة صفحات وخلصه الشیخ الاستاذ حفظه الله بنحو مختصر ونحن نعتمد علی ما لخصه الشیخ الاستاذ حفظه الله یقول: عندنا طائفتین من الروایات مدلول أحدی الطائفتین هو أنَّ من علم بنجاسة ثوبه أو بنجاسة بدنه وصلّی فصلاته باطلة، وإن کان عن النسیان، بمعنی أنَّه علم بالنجاسة ولم یطهرها ثمَّ نسي وصلّی ، هنا مدلول هذه الطائفة من الروایات بطلان صلاته. مدلول الطائفة الثانية: أنَّ من لم یعلم بنجاسة ثوبه أو بدنه وصلّی ثمَّ بعد الصلاة علم بالنجاسة فهنا یحکم بصحة صلاته انکشفت النجاسة بعد الانتهاء من الصلاة، فصلّی في النجاسة ولم یعلم بها فصلاته صحيحة. هذان المدلولان لهاتین الروایتین ثابتان ومسلمان، بلا فرق ان نقول بأنَّ الطهارة شرط في الصلاة أو نقول بأنَّ النجاسة مانع، علی حسب الخلاف الموجود بین الفقهاء في هذه الجهة، وأطال السید الخوئي رحمه الله هنا الکلام حول هذا الموضوع، ولکن فعلاً هو خارج عن أصل البحث عندنا. فالمحقق النائيني یقول سواء قلنا أنَّ الطهارة شرط في الصلاة أو قلنا بأنَّ النجاسة مانعة في الصلاة علی کلا التقدیرین هذان الأمران ثابتان. فإذا صلّی بعد علمه بالنجاسة في النجس صلاته باطلة، وإذا صلّی جهلا بالنجاسة ولم ینکشف إلاَّ بعد الإنتهاء صلاته صحيحة علی کلا القولین.

نتيجة ذلک: أنَّ مدار الصحة والبطلان علی العلم، العلم بالطهارة علی القول بالشرط، هو مدار الحکم ببطلان الصلاة إذا علم النجاسة، العلم بالنجاسة علی القول بالمانعية ایضاً مداره العلم. ثمَّ قال: أنَّ أخذ العلم في موضوع الحکم یکون علی أنحاء ثلاثة: قبل ذکر هذه الأنحاء نقول: العلم هو في حدّ نفسه انکشاف للشئ، وطریقیته ذاتیة وهو منجز، هذه خصوصیات العلم، إذا علمتَ بشئ وحکم فهنا انکشف لک ذلک الحکم ، أنَّ هذا العلم طریق إلی ذلک الحکم وطریقیته ذاتیة، و أنَّه منجز علیک. إذا اتضح ذلک نأتي الان إلی الأنحاء الثلاثة: العلم عندما یؤخذ في موضوع الحکم : النحو الاول: أن یؤخذ في موضوع الحکم بما هو صفة خاصة، هذه الصفة التي هي درجة یقین أخذ العلم في الموضوع بما هو صفة خاصة کأن یقول مثلاً: إذا علمتَ بمجیئ زید فتصدق، فهنا أخذ العلم في الموضوع، فإذا أخذ العلم بما هو صفة خاصة لا یقوم مقامه شئ.

النحو الثاني: أن یوخذ العلم في موضوع الحکم بما أنَّه طریق و کاشف و محرز، لا بما أنَّه صفة ، علی هذا الفرض تقوم الطرق و الأمارات والاصول المحرزة مقامه، لأنَّ العلم أخذ بما هو طریق والأمارة طریق، وبما هو محرز والاستصحاب محرز، فتقوم الطرق والأمارات والاصول المحرزة مقامه. لوجود حيثية الإحراز في خبر الثقة وفي قاعدتي التجاوز والفراغ وفي الاستصحاب.

النحو الثالث: أن یؤخذ في موضوع الحکم بما أنَّه منجز و معذر لأنَّه قلنا من آثار العلم هو التنجیز والتعذیر، أخذ في موضوع الحکم بما هو منجز بما هو معذر، فعلی هذا الفرض تقوم الاصول الأخری غیر المحرزة مقامه، کالبرائة مثلاً بما أنَّه أصل غیر محرز ولکنه معذر، والاحتیاط أصل غیر محرز ولکنه منجز فیقوم مقامه. هذا التنجیز والتعذیر هو الفرق بین هذا النحو والنحو الثاني. النحو الثاني فیه طریقية والإحراز أما البرائة والاحتیاط لیس فیهما الإحراز بل فیهما التنجیز والتعذیر. فإذا أخذ العلم بما هو منجز وبما هو معذر، فالاصول غیر المحرزة تقوم مقامه.

المستفاد من الروایات في المقام، أنَّ الموضوع هو کون العلم بالطهارة شرط علی هذا المبنی، أو العلم بالنجاسة مانع، فأخذ في الموضوع العلم، یعني العلم بالطهارة علی القول بالشرطية العلم بالنجاسة علی القول بالمانعية، یعني أن تعلم بالطهارة حتی تصلّي أو أن تعلم بعدم النجاسة حتی تصلّي.

وأخذ العلم في الموضوع بما هو حجة، یعني بما هو معذر و منجز إذن یستفاد من الروایات هذین الأمرین بعد إن عرفنا دخول العلم علی أنحائه، یستفاد هذین الأمرین، الامر الاول: أن یکون المأخوذ في الموضوع العلم الامر الثاني: بما هو حجة.

علیه بما هو حجة یعني بما هو منجز ومعذر، فتقوم الاصول مقامه لأنَّه قلنا في النحو الثالث، إذا أخذ العلم في الموضوع بما هو منجز ومعذر فتقوم الاصول غیر المحرزة مقامه. الآن الثابت في نظر المحقق النائيني رحمه الله أنَّ العلم مأخوذ في الموضوع بما هو حجة یعني بما أنَّه منجز و معذر، فعلیه: تقوم الاصول مقامه.

فالامام علیه السلام علل عدم الإعادة بـ:« لأنک کنت علی یقین من طهارتک ثمَّ شککت ولیس ینبغي لک أن تنقض الیقین بالشک» وحاصل ذلک تحقق شرط صحة الصلاة فالشرط هو إحراز الطهارة علی حسب ما استفدناه سابقاً، الشرط هو إحراز الطهارة وقد أحرزه بالاستصحاب حین دخوله في الصلاة کان علی یقین سابق بالطهارة، ثمَّ شکَّ في النجاسة فهنا یقول؛ لأنَّک کنت علی یقین من طهارتک، إذن أنت أحرزت الطهارة قبل دخولک للصلاة أحرزت الطهارة ومع هذا الإحراز یتحقق شرط صحة الصلاة لأنَّه صحة الصلاة قلنا العلم بالطهارة أو العلم بعدم النجاسة علی أختلاف المبنیین. وهنا الشرط متحقق واقعاً. فلو أمره بالإعادة لو قاله الامام علیه السلام : أعد الصلاة، هنا ینکشف عن عدم کونه واجداً للشرط؛ إنما قال له أعد لأنَّه لم یکن واجداً للشرط وکان ذلک من باب نقض الیقین بالشک فلا تنقض الیقین بالشک و لاتعید.

ثمَّ في الاخیر أختار، أنَّ المستفاد من الروایات کفاية عدم العلم بالنجاسة لأنَّ المستفاد من الروایات أنَّ العلم بالنجاسة مانع، والرواية ترفع هذا المانع فالصلاة محکوم بعدم الإعادة لعلة لا تنقض الیقین بالشک، هذا حاصل ما أفاده المحقق النائيني قدس سره.

الشیخ الاستاذ حفظه الله أورد علی المحقق النائيني: الایراد الاول: أنَّ المحقق النائيني أختار أنَّ مدار الصحة والبطلان علی حصول العلم بالنجاسة بناء علی القول بالمانعية أو علی حصول العلم بالطهارة بناءً علی أنَّ الطهارة شرط، فالمدار هو حصول العلم بالنجاسة أو العلم بالطهارة، ولیس المدار علی النجاسة الواقعية أو الطهارة الواقعية، و بما أنَّه أخذ العلم في موضوع الحکم فالاستصحاب یقوم مقامه ، هذا ما قاله المحقق النائيني. والاشکال علیه: أنَّ شرطية الطهارة في لباس المصلي أو في بدنه أو مانعية النجاسة في لباس المصلي أو بدنه، یحتمل فیها ثلاث احتمالات: الاحتمال الاول: أن یکون العلم طریقاً محضاً للطهارة الاحتمال الثاني: أن یکون العلم جزء الموضوع والجزء الآخر هو الطهارة یعني الشرط في الصلاة أن یعلم بالطهارة فیکون الطهارة جزء للموضوع والعلم جزءٌ بحیث لو تخلف أحدهما لم یتمّ الشرط، فالشرط مرکب من العلم ومن الطهارة. الاحتمال الثالث: أن یکون العلم بالطهارة تمام الموضوع.

بناءً علی ذلک نقول: علی التقدیر الاول وهو یکون العلم طریقاً محضاً للطهارة فالأمارات والاصول المحرزة یفترض أن تقوم مقامه ولکن العلم جعل علی الاحتمال الاول کاشفاً فقط، والشرط في الواقع هو الطهارة أو المانع هي النجاسة، یترتب علی ذلک أنَّه بعد انکشاف النجاسة ینکشف أنَّ الصلاة کانت فاقدة للشرط الواقعي وهو شرط الطهارة علی مبنی الشرطية أو علی مبنی آخر تکون الصلاة مشتملة علی المانع وهو النجاسة فتکون الصلاة باطلة علی تقدیرین، إذا قلنا أنَّ العلم المأخوذ في الموضوع أخذ بما هو طریق محض معنی ذلک: أنَّ العلم لا مدخلية له في الشرط أو في المانع، الشرط هو الطهارة الواقعية المانع هي النجاسة الواقعية . العلم إذا أخذ طریقاً علی حسب ما ذکرنا ویری المحقق النائیني تقوم الامارة مقامه ویقوم الاستصحاب مقامه وهذا صحیح، ولکن الشرط الواقعي هو الطهارة الواقعية أو المانع الواقعي هو النجاسة الواقعية. علی هذا إذا استصحب الطهارة أو قامت البینة علی الطهارة ثمَّ صلّی وبعد الصلاة انکشف له وجود النجاسة؛ معنی ذلک: أنَّ الشرط الواقعي وهو الطهارة الواقعية، لم تتمّ في الصلاة أو المانع الواقعي وهي النجاسة الواقعية لم تفقد في الصلاة یعني الصلاة مشتملة علیها فالنتيجة هي بطلان الصلاة علی هذا الاساس؛ سواء قلنا بأنَّ الطهارة شرط أو قلنا بأنَّ النجاسة مانعة علی کلا تقدیرین نقول ببطلان الصلاة. هذا علی الاحتمال الاول.

علی الاحتمال الثاني؛ أن یکون العلم جزء الموضوع علی هذا الاحتمال ایضاً نحکم ببطلان الصلاة لأنَّها فاقدة للشرط وهو الجزء الثاني ؛ جعلنا أحد الجزئین العلم والجزء الثاني هو الطهارة الواقعية علی مبنی الشرطية أو علی مبنی المانعية النجاسة الواقعية ؛ الجزء الاول وهو العلم یقوم مقامه الاصل المحرز، ولکن لا یفید لأنَّ الثاني الطهارة الواقعية وقد فقدت، أو المانع الواقعي وقد وجد، فنحکم ببطلان الصلاة حتی لو قامت الأمارة أو قام الاصل العملي مقام العلم.

علی الاحتمال الثالث: وهو أن یکون العلم بالنجاسة أو بالطهارة هو تمام الموضوع، هنا اساسا لا یعقل جریان الاستصحاب في الطهارة لعدم دخلها في موضوع الحکم الشرعي، موضوع الحکم الشرعي لیس هو الطهارة لأنَّ علی هذا الاحتمال أنَّ الموضوع هو العلم ، أخذ العلم تمام الموضوع ، فالعلم هو تمام الموضوع، والطهارة لا دخل لها، النجاسة لا دخل لها هنا ترید تجري استصحاب الطهارة، ما هو الربط؟ لا ربط لها بالطهارة، أنت تستصحب الطهارة إذا کانت الطهارة شرطاً وأما إذا الشرط هو العلم فهنا استصحاب الطهارة غیر معقول لعدم دخل هذا الشرط في موضوع الحکم.

فالنتيجة: أنَّ الصلاة تکون باطلة علی تقادیر الثلاثة سواء قلنا بأنَّ العلم طریق محض أو قلنا بأنَّ العلم جزء الموضوع، أو قلنا بأنَّ العلم هو تمام الموضوع .

هذا هو الاشکال الاول الذي یرد علی المحقق النائیني.

الاشکال الثاني: أنَّ ما أفاده المحقق النائيني لا یتوافق مع النصّ، حیث النص قال:« لأنک کنت علی یقین من طهارتک ثمَّ شککت ولیس ینبغي لک أن تنقض الیقین بالشک» إذا کان مناط صحة الصلاة هو عدم العلم بالنجاسة کما هو اختاره في الاخیر ، هذا لا یتفق مع المستفاد من النص ، لأنَّ المستفاد من النص أنَّ مدار الصحة هو استمرار الیقین بالطهارة تعبداً ، لأنّک کنت علی یقین من طهارتک ثمَّ شککت، ولیس ینبغي لک أن تنقض الیقین بالشک ، إذن الصحة لأن الیقین بالطهارة مستمر ولو تعبداً ، بینما ما أفاده المحقق النائیني أنَّ مناط صحة الصلاة هو عدم العلم بالنجاسة لم یعلل الامام علیه السلام لأنک لا تعلم بالنجاسة وإنما قال علیه السلام لأنک کنت علی یقین ، فإختیار المحقق النائيني أنَّ المناط هو عدم العلم بالنجاسة لا یتوافق مع النص من هذه الجهة.

ایضاً هنا أمر آخر أورده الشیخ الاستاذ حفظه الله ، وهو أنَّ المحقق النائيني استقر رأیه علی أنَّ المانع هو العلم بالنجاسة ویکفي في الحکم بصحتها عدم العلم بالنجاسة ،هنا ایضاً یأتي: لو کان کذلک لعلل الامام علیه السلام بأنَّه لا تعد الصلاة لأنک لم تعلم بالنجاسة، بینما قال الامام علیه السلام لأنک کنت علی یقین من طهارتک . فلا معنی لأن یکون مناط الصحة أمراً عدمیاً وهو عدم العلم بالنجاسة والامام علیه السلام یعلل ذلک بأمر وجودي، وهو لأنک علی یقین من طهارتک . فأحد أمرین: إما أن ترفع الید أن اختیارک لعدم العلم أو ترفع الید عن التعلیل بالاستصحاب.

هذا ما أفاده الشیخ الاستاذ حفظه الله.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo