< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

43/05/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب

الجواب الرابع الذي ذکر في جواب الاشکال في السرّ في تقدیم وجریان الاصل المسببي في الرواية مع امکان جریان الاصل السببي هو هکذا: أنَّ قوام الحکومة في المباحث الاصولة في الاصل السببي والمسببي أن یکون أحد المستصحبین سبباً والآخر مسبباً وأنَّ النسبة بینهما نسبة السببية والمسببية، بینما ما نحن فیه ، النسبة بین عدم النوم وبین بقاء الطهارة لیست نسبة السبب والمسبب بل النسبة هي نسبة عدم الضدین لوجود الضد الآخر، وبیان ذلک حسبما بیّنه الشیخ الاستاذ حفظه الله :

أنَّ النوم مع الطهارة من الحدث متضادان لا یجتمعان – النوم والطهارة من الحدث- وعدم أحد الضدین بالنسبة إلی وجود الضدّ الآخر من اللوازم العقلية یعني عدم النوم لازمه العقلي البقاء علی الطهارة ولیس لازمه الشرعي إذن هذا لیس من الاسباب الشرعية والاستصحاب إنما یکون حجة في ما یترتب علیه من الآثار الشرعية وأما بالنسبة إلی لوازم العقلية فلیس بحجة فیه، ولهذا قالوا بأنَّ الاصل المثبت غیر صحیح ولایجري؛ یعني لا یصحّ أن نجري الاصل لکي نثبت اللوازم العقلية والعادية علی نفس المستصحَب وعلیه فالامام علیه السلام لم یجري استصحاب عدم النوم لعدم السببية الشرعية بینه و بین بقاء الوضوء لوجود الملازمة العقلية ، بإعتبار أن عدم أحد الضدین بالنسبة إلی وجود الضدّ الآخر لازم له.

ولو فرض کما یذکر في مبحث الضدّ علی أحد الأقوال مقدمية أحد الضدین أو عدم أحد الضدّین لوجود الضدّ الآخر، حیث یوجد هناک بعض المسالک قائلین بأنَّ الأمر بالشئ یقتضي النهي عن ضده یذکر دلیل المقدمية. فلو فرضنا تسلیم هذه الدعوی یکون الاشکال هو هذا: قوام استصحاب السببي والمسببي هو في کون المقدمية والسببية الشرعية ومانحن فیه لیس کذلک؛ حیث طهارة الماء بالنسبة إلی طهارة الثوب المغسول به هنا السببية شرعية، أما ما نحن فیه – عدم النوم- لیست بینه و بین البقاء علی الطهارة أية سببية شرعية.

ملخص هذا الوجه: أنَّ السببية والمسببية في حکومة الاصل السببي علی الاصل المسببي تتوقف علی کون السببية شرعية وما نحن فیه لیست کذلک.

هذا الوجه أجاب عنه الشیخ الاستاذ حفظه الله: أنَّ طریق تشخیص السببية العقلية والشرعية والتفریق بینهما إنما یعرف بحسب الحاکم في المقام، في موارد السببية العقلية الحاکم هو العقل لأنَّ المسئلة عقلية ولیست بشرعية فلهذا یکون الحاکم في السببية هو العقل وفي موارد السببية الشرعية یکون الحاکم فیها هو الشرع، فلابدّ إذن من ملاحظة ما یستفاد من الادلة الشرعية ولبیان هذه الجهة نقول: مقدمة:

أنَّ کل معلوم وکلّ مسبب متقوم بتحقق أمور ثلاثة: الاول: المقتضي والثاني: الشرط والثالث: عدم المانع. وهي التي یعبّر عنها بأجزاء العلة التامة ومع تخلف واحد من هذه الامور الثلاثة لا یتحقق المسبب قطعاً.

فلو وجد المقتضي و لم یوجد الشرط لم یتحقق المسبب ، لو وجد المقتضي والشرط وکان هناک مانع ایضاً لم یتحقق المسبب، لو وجود الشرط وعدم المانع ولم یوجد أصل المقتضي لم یتحقق المسبب. فإذن المسبب تکویناً یتوقف تحققه و حصوله ووجوده علی وجود المتقضي والشرط وعدم المانع .

هذه الامور الثلاثة التي هي أجزاء للعلة التامة؛ تارة تکون عقلية وتارة تکون شرعية : فالنار مقتضٍ للإحراق ومماسة الورق للنار شرط لتحقق الإحراق والرطوبة الموجودة في الورق مانع من تحقق الإحراق ، عدمها یکون جزءً من أجزاء العلة التامة.

علیه نطبق هذا علی ما نحن فیه، نلاحظ أنَّ ما نحن فیه لا مدخلية للعقل فیه أبداً؛ فإنَّ الطهارة من الحدث أمر شرعي ولیس بعقلي، ومَن یعین المقتضي لهذه الطهارة؟ والشرط وعدم المانع؟ هو الشرع، بما أنَّ الطهارة مجعولة شرعية فالذي یحقق سببه التامّ هو الشارع یعني من بیده السببية التامه.

الآن فعلاً لا کلام لنا في المقتضي، ولا کلام لنا في الشرط، وإنما الکلام یتمرکز في المقام فیما هو المانع؛ الشارع هو الذي جعل النوم مانعاً من بقاء الطهارة. فإذا الشارع جعل النوم مانعاً فعدم النوم، أي عدم المانع الشرعي ایضاً یکون بید الشارع ولا یکون بید غیره، فإذا جعل الشارع النوم مانعاً شرعیاً فعدم المانع الشرعي یکون شرعیاً بالضرورة؛ فالنتيجة: تثبت السببية الشرعية.

فیکون أصل عدم النوم مقدماً بالضرورة علی أصالة بقاء الوضوء بإنَّ هذا اصل سببي و هذا اصل مسببي وأنَّ السببية بینهما شرعية فیعود الاشکال ولا یرفع الجواب.

هذا ما ذکره الشیخ الاستاذ حفظه الله في بیان الوجه في الجواب عن اصل الاشکال والاشکال علی هذا الجواب.

ولکن نقول : یمکن أن یقرر هذا الوجه بصورة أخری غیر صورة المقدمية وأنَّ عدم النوم مع البقاء علی الطهارة من باب نسبة أحد الضدین إلی الآخر، یمکن أن یقرر بطریقة أخری وببیان آخر فمن خلال هذا البیان الذي سنذکره إن شاء الله یتضح بطلان هذا الوجه وما أورد علیه.

فنقول: عندنا أمران؛ الامر الاول والمهم : أنَّ الاستصحاب عدم النوم لا یترتب علیه الحکم ببقاء الطهارة من الحدث، بنحو الاجمال، إذ یمکن أن لا تنتقض الطهارة بالنوم – یعني لم ینام- ولکن یوجد ناقض آخر حیث أنَّ النواقض مختلفة ولاتنحصر فیه فیمکن أن لا یصدر منه النوم.

فعدم النوم في حدّه لا یترتب علیه الحکم ببقاء الطهارة فالشارع إذن جعل النوم ناقضاً للطهارة ولم یجعل عدم النوم غیر ناقض. یعني جعل النوم ناقضاً ولم یجعل عدم النوم غیر ناقض للطهارة. کما أنَّ بقاء الطهارة یتوقف علی إنتفاء جمیع النواقض أي: العلم بالطهارة أولاً ثمّ العلم بإنتفاء جمیع النواقض من النوم وغیره فعلیه تتحقق الطهارة؛ إذن نفي أحد هذه النواقض لا یفید إلاّ بضمّ العلم الخارجي بإنتفاء بقية النواقض فعلیه یکون اصالة عدم النوم لا تثبت بقاء الطهارة إلاّ من حیث اللازم یعني لازم عدم النوم مع علمنا بإنتفاء جمیع النواقض الأخری هنا نحکم ببقاء الطهارة. فالنقطة التي نرید أن نبینها هي هذه : أنَّ الشارع جعل النوم ناقضاً للطهارة فبمجرّد أن یصدر منه النوم تنتقض کما أنَّه إذا صدر منه غیر النوم من النواقض الأخری تنتقض ، لکن عدم النوم في حدّ نفسه لم یجعله غیر ناقض وإنما نستکشف بقاء الطهارة من عدم النوم ومن عدم صدور بقية النواقض بعد ذلک نستکشف أنَّ الطهارة باقية إذن هذا باللازم ولیس علی ما یترتب علیه شرعاً.

توضیح أکثر: یعتبر في حکومة الأصل السببي علی المسببي أمور ثلاثة: الامر الاول: أن یکون بین الامرین السببية والمسببية. الامر الثاني: أن یکون الترتب بینهما ترتباً شرعياً بمعنی: أنَّ الشارع هو حکم بترتب المسبب علی سببه کما حکم بترتب طهارة الثوب النجس علی طهارة الماء المغسول به : ماء استصحبت طهارته فحکمنا علیه بالطهارة غسل هذا الثوب بهذا الماء، ترتبت طهارة الثوب علی طهارة الماء ، والحاکم هو الشارع. أي: عندنا کبری و هي: طهارة الثوب المغسول بالماء الطاهر أو طهارة ما یغسل بالماء الطاهر. إذن یشترط أن یکون الترتب ترتباً شرعيا.

الامر الثالث: أن یکون الاصل الجاري في الشکّ السببي رافعاً لموضوع الاصل المسببي ومزیلاً للشک فیه، کما قلناه في المثال السابق ؛ عندما أجرینا الاصل في الماء وحکمنا بطهارته الآن عندما غسل الثوب بهذا الماء لا نشکّ في الطهارة والنجاسة و لا تقول : أنا أشک، بل تقول: هذا الثوب طاهر تعبداً بحکم الشارع.

إذن یشترط في حکومة الاصل السببي علی المسببي هذه الامور الثلاثة.

إذا اتضحت هذه الامور الثلاثة نقول في المقام: هل الشارع جعل البقاء علی الطهارة مترتباً علی عدم النوم ؟ لم یجعله مترتباً علی عدم النوم، وإنَّ الشارع حکم بالطهارة عند وجود المقتضي وجود شرطه و جعل النوم ناقضاً وجعل البول ناقضاً و... فإذا لم یجعل الشارع ترتب الطهارة علی عدم النوم وإن جعل انتقاض الطهارة مترتباً علی النوم، فالنتيجة تکون : الاصل السببي هنا لیس سبباً شرعياً بالمعنی الذي ذکرناه فلا یتجه الجواب الذي أفید، ولا یرد علیه ما أورده الشیخ الاستاذ حفظه الله علی ذلک الجواب.

ففي هذا الأمر نقول إنَّ جریان استصحاب بقاء الطهارة « فإنَّه علی یقین من وضوءه» سدید و سلیم ولا یرد علیه إشکال السببية والمسببية.

الامر الآخر الذي یمکن أن نضیفه إلی المقام: هو أنَّ اساس السوال کان عن بقاء الطهارة وهذا التمرکز في السوال یقتضي أن یکون الجواب مناسباً له ، فالامام علیه السلام یعطي الجواب المناسب لسواله، فإنَّ السائل لا یرید أن یسئل عن تحقق النوم و عدم تحققه لأنَّه یعرف أنَّ النوم ناقضٌ، ولکن هل تحقق هذا النوم الناقض أو لا، فلهذا یسئل، حتی یعرف أنَّ الوضوء لازال باقٍ أو مع هذه الخفقة أو الخفقتين هل یلزم أن نحکم بإنتقاض وضوءه أو لا. فیناسب أن یکون الجواب :« فإنَّه علی یقین من وضوءه».

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo