< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

43/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب

انتهینا الکلام في دلالة صحيحة زرارة الاولی وقلنا أنّ الأقرب ما بین الاحتمالات هو ما ذهب إلیه الشیخ الانصاري رحمه الله والنتيجة هکذا: وإن لم یستیقن أنَّه قد نام، فلا یجب علیه الوضوء؛ فإنّه علی یقین من وضوءه ( صغری) ولا یتنقض الیقین ابداً بالشک ( کبری) ویمکن أن یستفاد منها في جمیع الابواب ولا خصوصية بباب الوضوء.

[ إشکال المیرزا مهدي الاصفهاني ]

یبقی بعض النقاط فیها:

النقطة الأولی: اشکال أثاره – کما قیل- المیرزا مهدي الاصفهاني[1] وحاصله: المعروف بین الاصولیین هو عدم التمسک بالاصل المسببي ما دام الاصل السببي جاریاً وفي الرواية تمسّک الامام علیه السلام بالاصل المسببي لا بالاصل السببي مع امکان التمسک بالاصل السببي.

توضیحه: علینا تبیین المراد من الاصل السببي والاصل المسببي ثمّ تطبیقها في اشکال المیرزا الاصفهاني: أنَّ الاصل المسببي ناشئ من الشک في الاصل السببي وذلک مثل ما لو طهر وغسل ثوب نجس بماء کان مشکوک طهارته وکانت حالته السابقة هي الطهارة فهنا الاصل الجاري في الماء اصل مسببي، والاصل الجاري في الثوب اصل مسببي. بهذا البیان: الماء کانت حالته السابقة هي الطهارة الآن نشک في طهارته ونجاسته مقتضی الاستصحاب أن نجري الطهارة، فنحکم علی الماء بالطهارة لکونه طاهراً سابقاً لأنَّ کنّا علی یقین من طهارته سابقاً وشککنا في طرؤ النجاسة علیه لهذا نستصحب طهارة الماء، وبالنسبة إلی الثوب، عندنا یقین بنجاسته، الآن عندما غسّل بهذا الماء المشکوک، الآن نشک هل أنَّ الثوب طهر أم لم یطهر ؛ إن کان الماء طاهراً فالثوب صار طاهراً ، وإن لم یکن الماء طاهراً فالثوب باقٍ علی نجاسته.

عندما نشک في طهارة الثوب ونجاسته والحالة السابقة هي النجاسة فهنا نستصحب بقاء النجاسة في الثوب. إذن من ناحية الماء نستصحب بقاء الطهارة ومن ناحية الثوب نستصحب نجاسة الماء هنا إذا جری الاصل السببي لا تصل النوبة إلی الاصل المسببي؛ بمعنی: الشک في طهارة الثوب ونجاسته ناشئ من الشک في طهارة الماء و نجاسته، لو کنتُ أعلم بأنَّ الماء طاهر یقیناً الآن لا اشک في طهارة الثوب، ولو أعلم بأنَّ الماء نجس یقیناً لم أشک في نجاسة الثوب. الآن لأنَّه ترددّ الامر شککتُ في الماء هل هو طاهر او لیس بطاهر؛ هذا الشک أقتضی أن أشک في طهارة الثوب هل أنّه طهر أو لا، فأشکّ في طهارته ونجاسته .

فعلیه نحن عندنا اصل سببي وهو الاصل الجاري في الماء، وعندنا اصل مسببي وهو الاصل الجاري في الثوب ؛ الاصل السببي یجري بلا اشکال، وعندما حکما بطهارة الماء تعبداً ، الان غسل هذا الثوب بهذا الماء یعني غسل الثوب بماء محکوم علیه بالطهارة تعبداً، فبالنتيجة لم تصل النوبة إلی أن أشکّ إنَّ الثوب نجس أو طاهر وأستصحب النجاسة بل أحکم بطهارة الثوب لأنني أجریتُ الطهارة في السبب في الماء والنتيجة أنني غسلت الثوب في ماء محکوم بالطهارة فیرتفع الشکّ في نجاسة الثوب وطهارته.

فیتضح من هذا المثال أنَّه إذا وجد عندنا اصل سببي واصل مسببي وأمکن جریان الاصل السببي لا تصل النوبة إلی الاصل المسببي بل جریان الاصل السببي یقتضي رفع موضوع الاصل المسببي ویقتضي ارتفاع الشکّ فيه کما لاحظنا في المثال؛ لمّا غسل بالماء المحکوم بالطهارة، لم أشک في طهارة الثوب و نجاسته بل هنا أبني علی طهارة الثوب.

اذا اتضح هذا المثال و توضیحه نقول أنَّ میرزا مهدي الاصفهاني أورد وقال بأنَّ: العلاقة بین النوم و الوضوء هي علاقة السبب والمسبب بمعنی: إذا نام قطعاً انتقض الوضوء قطعاً، إذا لم ینام قطعاً لم ینتقض الوضوء قطعاً ، إذا شکّ في النوم و عدمه شکّ في بقاء الطهارة وعدمها ؛ فإذن الشکّ في الطهارة الحدثية مسبب عن الشک في النوم ولهذا سئل «عن الخفقة والخفقتین أیوجب علیه الوضوء أو لا»، أو «ولو حرّک إلی جنبه شئ وهو لا یعلم؟ قال لا حتی یستیقن أنَّه قد نام»، إذن العلاقة بین بقاء الطهارة و بین النوم هي علاقة السبب والمسبب؛ فإذا أمکن جریان الاصل في السبب فلا تصل النوبة إلی جریان الاصل في المسبب بمعنی: أنَّه في السبب یشکّ أنَّه نامَ، « ولو حرّک إلی جنبه شئ وهو لا یعلم؟» هنا یشکّ أنَّه نام مقتضی الاصل اصالة عدم نومه، فإذا جری هذا الاصل لا نحتاج إلی اصالة البقاء علی الوضوء، بینما الامام علیه السلام قال « فإنَّه علی یقین من وضوءه ولا تنقض الیقین بالشک» یعني: لأنَّه غیر متیقن بالنوم فلا ینقض الیقین بالشک هذه الرواية تفید بإمکان جریان الاصل المسببي حتی مع وجود الاصل السببي.

هذا حاصل کلامه مع توضیح منّا.

 

[ جواب لإشکال المیرزا الاصفهاني]

أجیب عن هذا الاشکال بعدّة أجوبة: من جملة تلک الأجوبة: « فإنَّه علی یقین من وضوءه» هذه کناية عن عدم تحقق النوم ولا مانع من إستعمال کنائي، وهنا أجری الاستصحاب في الوضوء ولکن کناية عن جریان الاستصحاب في عدم تحقق النوم، لا مانع من ذلک.

وبیانه: عندنا في اللغة العربیة بل في سائر اللغات استعمال الکناية ویطلقون الملزوم ویریدون اللازم وبالعکس؛ والمثال المشهور في البلاغة « زیدٌ کثیر الرماد» أي: أنَّه کریم، یعني أطلق اللازم وأراد الملزوم، لأنَّه یأتیه الضیف کثیراً وهو یطبخ لهم الطعام ویحتاج إلی الحطب و الحطب في النار یصبح رماداً، فکثیر الرماد یعني کثیر الضیف والذي هو لازم الکرم ، فهنا أطلق اللازم ولکن مراده الملزوم وهو کریم. وایضاً « زیدٌ جبان الکلب» أي کریمٌ ؛ بإعتبار کثرة الاضیاف وکلبه الحارس عوّد علی کثرة مجئ الاضیاف ولا ینبه.

اذا اتضح هذا نقول: نفس الکلام جار هنا؛ لازمُ عدم النوم هو البقاء علی الوضوء فالامام علیه السلام بدل أن یقول أنَّه علی یقین من عدم نومه، قال « فإنَّه علی یقین من وضوءه» فاختار المعنی الکنائي فعلیه لا محذور فیه ولا ینقض علی القوم حیث قالوا لا یجري الاصل المسببي مع امکان جریان الاصل السببي، حیث هنا یمکن جریان الاصل السببي لکن کنايةً عنه عبّر بأنَّه « فإنَّه علی یقین من وضوءه».

[ إشکال في جوابهم علی المیرزا الاصفهاني]

وفیه: هذا الجواب للمیرزا الاصفهاني هو مخالف للظهور؛ المعنی الکنائي هو معنی المجازي، والاصل في الاستعمال أن یکون الاستعمال الحقيقي فإذا أراد أن یستعمل إستعمال المجازي یحتاج إلی قرینة ومع عدمها فلا یصحّ بخلاف الامثلة التي ذکرناها حیث فیها قرائن واضحة من نفس التعبیرات من أنَّ المتکلم في مقام المدح. وفي الرواية لاتوجد عندنا قرينة علی أنَّ المراد من « فإنَّه علی یقین من وضوءه» معنی کنائي یعني یرید لازمه؛ فإنَّه لم ینم. فهذا خلاف الظاهر ولا یصلح أن یکون جواباً.

 


[1] کان من علماء مشهد وینسب إلیه المدرسة التفکيکية في الفلسفة، وإن کان في بادئ أمره کان لدیه میل إلی الفلسفة ولکن في الاخیر صار ضدّ الفلسفة وناقش الفلاسفة، له آراء في الاصول، والشیخ الاستاذ الوحید حفظه الله کان تلمیذه عدّة سنوات ولعّل تأثّر عنه حسب بعض المقارنات مع آراءه، ولعّل السید السیستاني حفظه الله تأثر منه ایضاً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo