< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

43/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب

[ نبذة ممّا تقدّم]

تقدم أنَّ الاحتمال الثاني في الرواية هو ما افاده الشیخ قدس سره وحاصله: أنَّ الجزاء في الجملة الشرطية محذوف والعلة للحکم التي قامت مقام الحکم هي « فإنَّه علی یقین من وضوءه» ولهذا دخلت علیها الفاء فقلنا هذه صغری وکانت الکبری: « فلا تنقض الیقین بالشک». ثمّ قلنا أوردت علیه اشکالات منها: أنَّ اللام الداخلة علیه « الیقین» عهدية فیکون المراد: فلا تنقض الیقین [ یعني الیقین بالوضوء] بالشک. وتقدم الاجابة علیه.

[ احتمال آخر لرفع الاشکال]

ثمّ نقول الآن یمکن أن نحتمل احتمالاً آخر و یرفع هذا الاشکال من اساس: أنّ الملاحظ في الرواية أنَّ مرکز الحکم هو الوضوء فیکون الموضوع هو صغری القیاس بمعنی أنَّ الوضوء یکون الحدّ الاصغر و « المتیقن» هو الاوسط والحدّ الاکبر هو « لا تنقض الیقین بالشک»؛ فیکون هکذا الترکیب: الوضوء متیقنٌ، وکلّ متیقن لا ینقض بالشک، النتيجة: الوضوء المتیقن لا تنقضه بالشک.

فعلی هذا الاساس لا نحتمل أن یکون الیقین العهدي اصلاً، ولا حاجة إلی محاولة إخراج الوضوء عن کونه دخیلاً في الحکم – کما أفاده المحقق النائيني وأکده الشیخ الاستاذ حفظه الله- من أنَّ الیقین من الامور ذات الاضافة والتعلقية ویحتاج إلی المتعلق وذکر الوضوء هو ذکر للمتعلق، لا أنَّه دخیل في موضوع الحکم. بینما علی هذا الاحتمال الذي ذکرناه لا نحتاج إلی هذا التکلف بل نقول مباشرة بأنَّ المستفاد من الرواية صدراً و ذیلاً أنَّ المرکز في الرواية هو الوضوء؛ إذن یجعل الوضوء موضوعاً في الصغری لوحده ویحمل علیه « متیقنٌ» کالحدّ الاوسط والکبری: المتیقن لا ینقض بالشک.

وبهذا ینتهي الکلام في الاحتمال الثاني الذي ذکره الشیخ الانصاري رحمه الله. وبناءً علی ما قلناه آنفاً أنَّ الرواية تنتج المطلق بعدم نقض الیقین السابق بالشک اللاحق وتفید الاستصحاب علی أن یکون قاعدة کلية.

[ الاحتمال الثالث للمحقق النائيني]

الاحتمال الثالث – والذي ذکره المحقق النائيني قدس سره- : أن یکون « فإنَّه علی یقین من وضوءه» هو الجواب والجزاء ولا نحتاج إلی تقدیر الحذف، فالمحقق النائيني یورد علی الشیخ بأنَّ ما أفاده علی خلاف قاعدة الظهور لأنَّه یحتاج إلی تقدیر وأما ما نذکره لا یحتاج إلی التقدیر؛ ولکن هذه الجملة وهي « فإنَّه علی یقین من وضوءه» جملة خبرية ویراد بها الانشاء، وایضاً تترتب هذه الجملة الخبرية علی الشرط، فالشرط هو: « إن لم یستیقن أنَّه قد نام» یترتب علیه « فلا ینقض الیقین بالشک».

وإذا قلنا أنَّ الجملة خبرية ویراد بها الانشاء، التقدیر هکذا یکون: مانصّه[1] : « فیجب البناء والعمل علی طبق الیقین بالوضوء»

یمتاز هذا الرأي عمّا أفاده الشیخ في أمرین:

الامر الاول: التحفظ علی ظهور الفاء ومدخولها؛ لأنَّ الفاء ظاهرة في کون مدخولها هو الجزاء وهو مترتب علی الشرط، بینما الشیخ قال: « فإنَّه علی یقین...» علة قامت مقام الجزاء المحذوف ولهذا أدخلنا الفاء علیها.

الامر الثاني: التحفظ علی کون الجزاء هو المعلول للشرط ولیس بعلة، بینما قال الشیخ: « فإنَّه علی یقین...» هذه هي العلة لجزاء المحذوف.

أنَّ الجملة الخبرية أرید بها الانشاء یعني في الارادة الجدية وهذا یستعمل: کما یقال:« یعید صلاته».

[ الفرق بین کلامه في الفوائد وفي الأجود]

قبل الدخول فيما ذکر من مناقشات للمحقق النائيني، نلاحظ أنَّ هذا البیان ذکره في فوائده ما نصّه[2] :

«و الحاصل: أنّ المهمّ هو بيان كون إضافة اليقين إلى الوضوء في قوله عليه السلام «فانّه على يقين من وضوئه» ليست لأجل كونها دخيلة في الحكم لتكون «الألف و اللام» للعهد فيختصّ الحكم باليقين و الشكّ المتعلّق بباب الوضوء بعد إلغاء خصوصيّة المورد: من كون منشأ الشكّ في بقاء الوضوء هو خصوص النوم.و ممّا ذكرنا ظهر: أنّ الاستدلال بالرواية على حجّيّة الاستصحاب في غير باب الوضوء لا يتوقّف على تعيين جزاء الشرط: من أنّه نفس قوله عليه السلام «فانّه على يقين من وضوئه» أو أنّ ذلك علّة للجزاء المقدّر و هو «فلا يجب عليه الوضوء» أو أنّ الجزاء هو قوله عليه السلام «و لا ينقض اليقين بالشكّ» و التعليل ذكر توطئة للجزاء.فما أتعب الشيخ- قدّس سرّه- نفسه في تعيين الجزاء لا دخل له في الاستدلال بالرواية لما نحن فيه. مع أنّه لا ينبغي الإشكال في كون الجزاء هو نفس قوله:«فانّه على يقين من وضوئه» بتأويل الجملة الخبريّة إلى الجملة الإنشائيّة، فمعنى قوله عليه السلام «فانّه على يقين من وضوئه» هو أنّه يجب البناء و العمل على طبق اليقين بالوضوء

فیقول قدس سره: النقطة المهمة في البحث لیست هي تعیین الجزاء کما یستفاد من عبارات الشیخ – ولهذا الشیخ اختار أن الجزاء محذوف- الجملة المهمة أنَّ اضافة الیقین إلی الوضوء هل الوضوء دخیلٌ في الحکم أم لا؟ وهو أفاد بأنَّه لیس دخیلاً للحکم لأنَّ الیقین من الامور ذات الاضافة وهذا مجرد مورد.

هذا ما ذکره في الفوائد- والذي بنی علیه في مصباح الاصول هو من فوائد الاصول- وأما في أجود التقریرات فلا یتضح أنَّ هذا هو مبناه ورأیه وربما تکون عبارة الأجود مجملة.

قال ما نصّه[3] : « وأنت خبیر بأنَّ دلالة الصحيحة علی الاستصحاب مطلقاً لو کانت متوقفةً علی حذف الجزاء، وکون مدخول الفاء علةً أقیمت مقام الجزاء- کما في الآیات المذکورة في کلامه- لسقطت الصحيحة عن الدلالة بالکلية؛ إذ لا دلیل علی حذف الجزاء في الرواية بعد قابلية قوله علیه السلام:« فإنَّه علی یقین» إلی آخره للجزائية بنفسه، کما ستعرفو ومجرّد حذف الجزاء في بعض الموارد – کما في مورد الآیات التي ذکرها؛ لعدم صلاحية ما یکون فیها جزاءً غیر المحذوف- لا یکون قرینة علی الحذف في المورد القابل.

علی أنَّه لو سلّم حذفه، فغاية ما هناک أن یستفاد من التعلیل عدم الاختصاص بخصوص الشکّ في النوم، والتعمیم لکلّ مورد شکّ فیه في بقاء الوضوء وارتفاعه، وأما التعمیم لغیر باب الوضوء فهو یحتاج إلی إلغاء خصوصية المورد، وجعل موضوع حرمة النقض هو مطلق الیقین والشکّ، وسواء جعلنا الجزاء محذوفاً أم لا، فما یبني علیه الاستدلال هو ذلک لا حذف الجزاء وجعل العلة مقامه.

وبعبارة واضحة يتوقف الاستدلال بالرواية على عدم ظهور كلمة من وضوئه في القيدية حتى يختص بخصوص موارد الشك في الوضوء و مع ارتفاعه و ظهوره في الموردية المحضة يكون الموضوع لحرمة النقض هو مطلق اليقين والشك لا محالة فكأنه قال عليه السلام فإنه من وضوئه على يقين و لا ينقض اليقين بالشك أبدا فالمتحصل من ضم الصغرى إلى الكبرى و هو عدم جواز نقض اليقين بالوضوء بالشك فيه في المورد يكون جزاء و لا يكون الحكم حينئذ مختصا بالمورد.».

هنا في مبدأ الکلام اعتبر أنَّه « فإنَّه علی یقین » قابل لأن یکون جزاءً، وعلیه: إذا کان مستند القول بالاستصحاب هو ان نقول بأنَّ الجزاء محذوفٌ وأنَّ جملة « فإنَّه علی یقین» علة لذلک الجزاء، فالرواية تسقط عن الدلالة لأنَّ جملة « فإنَّه علی یقین من وضوءه» قابلة لأن تکون هي الجزاء.

وهذه العبارة « والمتحصل من ضمّ الصغری...» لا یتناسب القول بأنَّه یری « فإنَّه علی یقین من وضوءه» جملة خبرية أرید بها الانشاء؛ لأنَّه علی هذا التقدیر الذي ذکر في الفوائد أنَّه جملة اخبارية أرید بها الجزاء، لا معنی لضمّ الصغری إلی الکبری، لأنَّ المعنی هو:« وإن لم یستیقن أنَّه قد نام فیجب علیه البقاء عملاً علی الوضوء السابق» فهنا لایوجد الصغری والکبری، بل نتصورهما إذا لم نحمل « فإنّه علی یقین من وضوءه» جملة خبرية أرید بها الانشاء وأما إذا حملنا هذه الجملة علی أنها جملة خبرية أرید بها الانشاء لا تتمّ الصغری والکبری.

[ المناقشة مع المحقق النائيني]

فبعد اتضاح أنَّ هذا الرأي للمحقق النائيني کما في فوائد الاصول، نقول هذا الرأي محلّ إشکال:

أولاً: أنَّ الجملة الخبرية ترد ویکون المراد بها بحسب الارادة الجدية الانشاء هذا المقدار لا اشکال فیه، ولکن هذا في الجملة الفعلية؛ مثلاً الامام علیه السلام یقول: « یعید صلاته» أو «أعاد صلاته» هذه الامثلة تکون جملة خبرية یراد بها الانشاء، فالجملة الخبرية في مقام الطلب أمر مستعمل کثیراً، ولکن جملة خبرية اسمية لم یعهد. نعم، أنها تکون في مقام الانشاء لا في مقام الطلب، مثلاً: هي طالق ، أو یقول لعبده انت حرٌّ، حیث المولی أنشئ الحرية أو أنشئ الطلاق وهذا یعني انشاء للمحمول[ الطلاق والحریة في المثال]، بینما ما نحن فیه هو انشاء الطلب، والفرق بین إنشاء الطلب وإنشاء المحمول واضح، وکلامنا الآن في « فإنَّه علی یقین من وضوءه» وهذه جملة خبرية اسمية.

فإذن الجملة الخبرية الفعلیة مستعملة في مقام ارادة الطلب أما الاسمية فلا. هذا اولاً.

ثانياً: لو حملناها علی ذلک نلاحظ أنَّ في مثال « نعید الصلاة» المنشئ طلب مادة الاعادة یعني بدل أن یقول أعد صلاتک بنحو الأمر طلبه بشکل الجملة، فیصیر المطلوب نفس المادة، أما أن یکون المطلوب شئ آخر لا یصحّ مثل فإنَّه علی یقین من وضوءه، علیه أن یقول : فإنَّه علی یقین من وضوءه فلیتیقن من وضوءه یعني یتوضأ مرة ثانية حتی یتیقن من وضوءه، بینما عبارة المحقق النائيني هي: « فیجب البناء والعمل علی طبق الیقین السابق».

ویمکن أن یشکل بإشکال ثالث: إنما ما فررت منه في مناقشتک مع الشیخ بأنَّ کلام الشیخ یستلزم التکرار لأنَّ الحکم لما قال: « لا » یعني نفی وجوب الوضوء ، ثم قال :« وإن لم یستیقن [ الجزاء المحذوف: فلا یجب علیه الوضوء]» هذا تکرارٌ، فهذا التکرار الذي ذکرته ایضاً یرد علی کلامک هنا.

 


[3] أجود التقریرات، ج4، ص32.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo