< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

43/04/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب

تبین مما تقدم أنَّ الکبری في هذه الرواية وهي صحيحة زرارة الاولی تامة و مفیدة للاستصحاب في مطلق الابواب و لتأکید ذلک المعنی نقول: الدعوی التي أفادها الشیخ الانصاری رحمه الله وتبعه غیر واحد من الاعلام هي: أنَّ الجزاء في هذه الرواية محذوف، قال علیه السلام:« لا فإنَّه علی یقین من وضوءه ولا ینقض الیقین ابداً بالشک» و قوله : « وإلاّ» یعني : وإن لم یستیقن أنَّه قد نام ولا یجب علیه الوضوء. وهنا « فلا یجب علیه الوضوء» هو الجزاء للشرط. ثمّ علّل هذا الحکم بقوله «فإنَّه علی یقین من وضوءه ولا ینقض الیقین أبداً بالشک» هذا التعلیل کما ذکرنا قام مقام الجزاء.

ثمّ إنَّ هذه القضیة یمکن تشکیلها بالقیاس من الشکل الاول – کما شکّلها المحقق العراقي- : وهذا القیاس یمکن تحلیله بهذا النحو:

الصغری: فإنَّه علی یقین من وضوءه.

الکبری: ولا ینقض الیقین ابداً بالشک.

هذا القیاس بهذا النحو ربما یورد علیه بعض الاشکالات، خصوصاً الاشکال الذي أورده المحقق الاصفهاني وأشارنا له فیما سبق.

فیمکن تحلیل هذا القیاس بالنحو الآتي وهو الذي بیّنه السید الشهید الصدر رحمه الله وهو تحلیل متین ویکون تقریباً تثبیتاً لکلام المحقق العراقي :وحاصله: أنَّه یبنی علی مقدمتین :

المقدمة الاولی: أنَّ الحدود في الشکل الاول ثلاثة حدود وینبغي أن تکون هذه الحدود متغایرة ولا یمکن أن تکون متحدة أو متفقة؛ عندنا الحدّ الاصغر والحدّ الاوسط والحدّ الأکبر؛ فبین هذه الحدود تغایر.

توضیح ذلک: عندما تقول: العالم متغیر وکل متغیر حادث إذن العالم حادث ؛ هنا عندنا الحدّ الاصغر وهو العالم والحدّ الاوسط هو المتغیر والحدّ الاکبر هو الحادث؛ کل واحد من هذه الحدود مغایر للآخر، وهذا التغایر هو الذي یشترط أن یکون في الشکل الاول حتی ینتج. فمثلاً لو قال: الانسان انسان والانسان حیوان فإذن الانسان حیوان ؛ هذا النحو لا یسمی بالقیاس ؛ لأنَّه مردّه إلی قضیة واحدة وهي الانسان حیوان ولا یوجد عندنا تغایر بین الحدود.

المقدمة الثانية: أنَّ العرف أحیاناً إذا وجد وضوح ثبوت الحدّ الاوسط إلی الحدّ الاصغر قد یقلب التعبیر فبدل أن یثبت الحدّ الاوسط للأصغر – الذي هو یکون من مفاد کان الناقصة – یقول : العالم متغیر یقلب هذا فیذکر لوضوحه یذکر الحدّ الاصغر بمفاد کان التامة؛ مثلاً: عندما نقول: الحیوان الناطق حیوانٌ هنا الحدّ الاصغر هو الحیوان الناطق والحدّ الاوسط الحیوان فهما متغایران لأنَّ الاول مقیدٌ والثاني مجردّ. تکملة القیاس: الحیوان یجوع فإذن الحیوان الناطق حیوانٌ یجوع.

العرف یری وضوح ثبوت الحدّ الاوسط للحدّ الاصغر لأنَّ قضية الحیوان الناطق حیوان قضية واضحة، وثبوت الحیوانية للحیوان الناطق واضح. ولا یأتي القیاس بهذا النحو الذي ذکرناه من الحیوان الناطق حیوان والحیوان یجوع إذن الحیوان الناطق یجوع، بل یقول هو حیوان ناطق مباشرة والحیوان یجوع فهو یجوع.

فلوضوح نسبة الحدّ الاوسط للاصغر یذکره بمفاد کان التامة بدل أن یذکر الصغری بمفاد کان الناقصة.

وبالجملة: أنَّ العرف إذا رأی وضوح ثبوت الحدّ الاوسط للحدّ الاصغر ربما یقلب التعبیر فبدل أن یذکر القضية بنحو الناقصة یذکر الحدّ الاوسط کأنَّه ثابت و قائم بدون اضافة وبنحو کان التامة.

إذا اتضحت هاتان المقدمتان: یتضح في المقام أنَّ الحدّ الاوسط هو الیقین لا الیقین بالوضوء، وعلیه یتمّ الشک للاول؛ بهذا النحو:

الصغری: الیقین بوضوءه یقین ؛ مثلما قلنا هناک: الحیوان الناطق حیوان، فجعل الحدّ الاصغر الیقین بالوضوء، والحدّ الاوسط یقین.

الکبری: والیقین لا ینقض بالشک.

هنا حدود ثلاثة؛ الحدّ الاصغر وهو الیقین بالوضوء، والحدّ الاوسط یقین والحدّ الاکبر وهو لا ینقض بالشک. فتبین الیقین هنا مجرّد وبدون قید.

فالکبری یکون قاعدة کلیة ولکن بما أنَّ ثبوت الیقین بالیقین بالوضوء أمر واضح کثبوت الحیوانية للحیوان الناطق أمر واضح قال في التعبیر: فإنَّه علی یقین من وضوءه.

فالنتيجة من خلال هذا الذي ذکرناه: الیقین المذکور في الحدّ الاوسط في الصغری وفي الکبری هو الیقین مجرداً عن الیقین بخصوص الوضوء. علیه تکون الرواية تامة بهذا الشکل ولا یرد ایضاً الاشکال الذي أورده المحقق الاصفهاني رحمه الله.

إلی هنا تبین أنَّ ما ذکره الشیخ الانصاري من أفادة هذه الرواية کبری الاستصحاب تامة. ویؤید ذلک عدة أمور:

الاول- والذي ذکرناه سابقاً-: انَّ الیقین من صفات ذات التعلق یعني تتطلب في وجودها إلی وجود متعلق فالیقین یحتاج إلی الموضوع وهو المتیقن ویحتاج إلی المتعلق وهو الوضوء والطهارة و... . إذن المذکور في الرواية فإنَّه علی یقین من وضوءه هنا بیان للمتعلق ولیس قیداً فیه.

الثاني: أنَّ الکبری هي عدم نقض الیقین بالشک وهذه القاعدة توجد في روایات أخری ایضاً، کما سیأتي عند البحث في الشک في الرکعات وفي الشک في الطهارة والنجاسة و... . فتعدّد هذا التعبیر في موارد متعددة یکشف عن أنَّه یشیر إلی قاعدة عامة ولیس إلی خصوص مورد دون مورد.

هذه النقطة الثانية نضیفها کقرینة إضافية أخری وإلاّ یمکن أن یناقش في حد ذاتها بأنَّ هذا لا یفید إلاّ الظنّ ولا یورث الیقین بأنَّ مثل هذه التعبیرات تکون کبری وقاعدة کلية.

الثالث: التأکیدات الموجودة في نفس الرواية : « إن حرّک علیه جنبه شئ ولم یعلم به؟ قال لا حتی یستیقن أنَّه قد نام، حتی یجئ من ذلک أمر بیّن وإلاّ فإنَّه علی یقین من وضوءه ولا تنقض لایقین أبداً بالشک وإنما تنقضه بیقین آخر» فنلاحظ تأکیدات واحدة تتبع الأخری؛ ویستفاد من هذه التأکیدات کقرینة تؤید أنَّ المقصود قضیة عامة ولیس خصوص الوضوء.

الرابع: إسناد کلمة النقض : ولا تنقض الیقین بالشک أبداً ؛ النقض کما قیل في اللغة یقابله الامر المبرم إذا کان هناک أمر محکم یقال لا تنقضه، ولا یعبّر عن الامر غیر المبرم، یعني الشئ الذي هو بطبعه غیر محکم وغیر مبرم و هو ضعیف عندما یفل لا یقال أنَّه نقضه. کما في قوله تعالی: « کالتي نقضت غزلها من بعد قوة» فالنقض هنا من بعد قوة. فالیقین أمر محکم؛ یقتضي عدم انتقاضه بالشک لأنَّ الشک أمر غیر محکم فلا ینقض هذا الیقین بالشک.

فنفس هذا التعبیر یستفاد منه أنَّ تمام الموضوع متعلق النقض بالیقین ولیس للوضوء یعني الیقین في نفسه هو الامر المبرم المحکم الذي لا ینقض ولا لخصوصية الیقین بالوضوء، بل عدم النقض لکونه محکما والمحکم هو الیقین بنحو المطلق ولیس الیقین بخصوص الوضوء.

نعم، یمکن أن یشکل علیه بأنَّه: هذا مصحح للاستعمال یعني الیقین یقابله النقض والنقض یأتي في مورد مبرم المحکم، وفي مقام الاستعمال لا یصح أن یعبر بکلمة النقض إلاّ إذا کان الامر المنقوض محکماً. فهذا مخصص بدائرة الاستعمالات والالفاظ وأما لأنَّه قال لا تنقض الیقین إذن المقصود أنَّ الیقین بنحو الاطلاق هذا لیس بصحیح. یمکن أن یشکل بهذا الاشکال فلهذا أتیناها کالقرینة والمؤید في المقام.

الخامس: التعبیر بـ:« أبداً» حیث یتناسب من أنَّه قضية کبروية ولا یتناسب مع خصوص الوضوء.

السادس: الامام علیه السلام أحال إلی أمر ارتکازي وینبغي في الکبریات الإرتکازية ملاحظة سعة دایرة الامر الارتکازي. إنَّ الامام علیه السلام علّل عدم وجوب اعادة الوضوء بأنَّه علی یقین من وضوءه. هذه الکبری ارتکازية موجودة عند العقلاء ومن سائر الأمم. ومفاد هذه الکبری: أنَّ الامر المحکم المبرم لا ینقض بالامر غیر المبرم والیقین أمر محکم والشک أمر غیر محکم فلا ینقض الامر المحکم بالامر غیر المحکم؛ وهذه قضية ارتکازية. و لا یعقل التخصیص في مثل هذه القضایا الارتکازية لباب دون باب بل تکون شاملة لجمیع الابواب.

وقد اشار إلي هذا التأیید الاخیر السید الخوئي رحمه الله واستند علیه والسید الشهید الصدر رحمه الله کما في تقریراته[1] یقول أنَّ السید الخوئي ذکر هذا الوجه في مجلس الدرس وأوردنا علیه: بأنَّ هذا یتنافی مع مختارکم في الدلیل العقلائي حیث أنکم ذکرتم في الادلة المتقدمة للاستصحاب أنَّه لا توجد السیرة العقلائية للاستصحاب وإنما هو من جهة الاحتیاط أو الرجاء أو من جهات أخری ولیس أمراً عقلائیاً.

ثمّ قال السید الشهید أنَّ السید الخوئي أجاب: هذا إشارة إلی المرتکز بدون الاستصحاب، قال ما نصه: « وعندما أوردنا علیه ذلک في مجلس بحثه حاول التخلص عنه بان المقصود ارتکازية قاعدة عقلية هي عدم رفع الید عن سلوک طریق قطعي مطمئن به بطریق مشکوک لأن التعبیر ورد بعنوان لا ینقض الیقین بالشک وهذا أمر مرکوز مقبول عند کل أحد ولا خصوصية فیه لمتعلق الیقین»

وقد ذکر في مصباح الاصول في الجواب عن هذا الاشکال وحاصله: المرتکز العقلائي عندما یکون هناک أمر یقيني وطریق یقيني عندهم ولدیهم طریق آخر غیر یقيني لا یؤخذون الطریق الآخر ویترکون الطریق الیقيني وإنما یؤخذون الطریق الیقيني. فهذا المعنی مرتکز في الاذهان ولکن الذي أفاده الشارع لهم أنّه اشار إلی هذه القضية الارتکازية وتطبیقها علی الاستصحاب، یعني الشارع طبّق هذه القضية الارتکازية علی الاستصحاب.

ثمّ قال السید الشهید ما نصه:« هذا ولکن یمکن أن یقال في المقام بان الاستصحاب و ان لم نحرز انعقاد السیرة علی العمل به کدلیل الا انه لا إشکال في ان المیل النفسي إلی البناء علی الحالة السابقة – ولو لم یبلغ مرتبة العمل الفعلي- لا یفرق فیه بین کون الیقین متعلقاً بالوضوء أو بغیره، والصحيحة علی کل حال، ترید اثبات اعتبار ذلک فیکون ظاهرها التعمیم وجعل الیقین السابق حجة»

والنتيجة من هذه کلّها: أنَّ هذه الرواية في مقام بیان کبری کلية تفید في الاحکام الکلية والجزئية والشبهات الموضوعية بلا اختصاص لها بباب الوضوء.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo