< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

43/04/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب

تقدّم الکلام عندنا في الاحادیث المضمرة وذکرنا معنی الاضمار وهو عدم ذکر الامام علیه السلام المنقول عنه ویعبر الراوي بــ:« سئلته أو قلت له» ونحو ذلک، وذکرنا انواع الاضمار واسباب الاضمار.

[ الاقوال في حجية الاضمار]

الان الکلام في الجهة الرابعة الاقوال في الاضمار: عندنا ثلاثة اقوال:

القول الاول: عدم حجية الروایات المضمرة مطلقاً ؛ یعني سواء کان الراوي المضمِر کان من الأجلاء امثال زرارة أو محمد بن مسلم وأضرابهما أو لم یکن الرواي من الأجلاء. بدلیل: احتمال أنَّ المروي عنه لیس هو الامام علیه السلام إنما یحتمل الشخص الآخر لا نعرفه. و یمکن استظهار هذا القول من کلام صاحب المعالم في العبارة التي نقلناها عنه یتفق في بعض الاحادیث عدم التصریح باسم الامام الذي یروی عنه الحدیث بل یشار إلیه بالضمیر، [ محّل شاهدنا هنا:] وظنّ جمع من الاصحاب أنَّ مثله قطعٌ ینافي الصحة» هذه العبارة یستفاد منها أنَّ هناک جمعاً من الاصحاب لایرون حجية المضمرات مطلقاً.

ونسب هذا القول إلی الشهیدین کما نسب إلی صاحب الجواهر. ولکن في النسبة نظرٌ. نعم، أنَّ الشهیدین في بعض الروایات المضمرات ناقشاها بالاضمار؛ یعني الشهید الاول مثلاً في لمعته ذکر رواية مضمرة وهي مضمرة محمد بن مسلم: « سئلته عن الرجل...» خدش فیها لأنَّ الرجل هنا مجهول.

والشهید الثاني عقّب علی الشهید الاول وقال:« ویحتمل کونه غیر امام علیه السلام » فمعنی هذا التعلیل منهما أنهما لا یرون المضمرات مطلقاً لأنَّ محمد بن مسلم من الأجلاء.

ولکن الذي یتابع ربما یعثر علی موارد استندا فیها علی المضمرات، فالنسبة إلیهما لا تخلو من شئ.

ایضاً بالنسبة إلی صاحب الجواهر؛ حیث في رواية محمد بن اسماعیل بن بزیع :« سئله رجل عن رجل...» هنا خدش فیها بأنَّها مضمرة في الکافي والتهذیب. ویستفید من هذه العبارة أنَّه لا یری حجية المضمرات. ولکن المتتبع في الجواهر یلاحظ أنَّ هناک موارد استند فیها إلی المضمرة.

القول الثاني: الحجية مطلقاً؛ وهذا هو الذي یظهر صاحب المعالم في معالمه وتبعه في ذلک ایضاً صاحب الحدائق، حیث أنَّ صاحب الحدائق تعرّض إلی کلام صاحب المعالم ونقل کلامه علی حجية المضمرات وأيّد قوله.

قال في الحدائق[1] : « ... أنَّ محمد بن مسلم لم یسنده إلی الامام علیه السلام و عدالته و إن کانت تقتضي الاخبار عن الامام علیه السلام إلاّ أنَّ ما ذکرناه لا لبس فیه» ثمّ عقّب وقال: « ولله درّ المحقق الشیخ حسن في المعالم حیث ردّ ذلک وقال : أنَّ جوابه عن الثاني فمنظور فیه وذلک لأنَّ الممارسة تنبه علی أنَّ المقتضي بنحو هذا الاضمار في هذه الاخبار، ارتباط بعضها ببعض في کتب روایاتها عن الائمة علیهم السلام وکان یتفق وقوع أخبار متعددة في أحكام مختلفة مروية عن امام واحد و لا فصل بينها يوجب اعادة ذكر الامام علیه السلام بالاسم الظاهر فيقتصرون على الإشارة إليه بالمضمر [ کما قلنا في الدرس السابق؛ أنَّ الراوي أحیاناً کان یدخل علی الامام علیه السلام ثمّ یسئل منه علیه السلام عدّة أسئلة ثمّ بعد أخذ الاجابة حینما یرید أن ینقلها یقول قلتُ له وقال و لا یقول في کلّ مسئلة قلت لأبي جعفر علیه السلام]. ثم انه لما عرض لتلك الاخبار الاقتطاع و التحويل الى كتاب آخر[ کما قلنا في السابق أنَّ بعض الاصحاب صنّف کتب في الابواب الفقهية مثل کتاب الطهارة وغیرها ثمّ حفظاً للأمانة ذکروا ما ذکر نصّاً بدون تصرّف شئ وحینما قال الرواي قلتُ له یذکر الرواي الثاني قلت له] تطرق هذا اللبس و منشأه غفلة المقتطع لها و إلا فقد كان المناسب رعاية حال المتأخرين لأنهم لا عهد لهم بما في الأصول، و استعمال ذلك الإجمال انما ساغ لقرب البيان و قد صار بعد الاقتطاع في أقصى غاية البعد و لكن عند الممارسة و التأمل يظهر انه لا يليق بمن له أدنى مسكة أن يحدث بحديث في حكم شرعي و يسنده الى شخص مجهول بضمير ظاهر في الإشارة إلى معلوم [ لأنَّ هذا الفعل لا یصدر حتی من شخص عادي فکیف بالنسبة إلی هذه الاکابر] فكيف بأجلاء أصحاب الأئمة علیهم السلام كمحمد بن مسلم و زرارة و غيرهما، و لقد تكثر في كلام المتأخرين رد الاخبار بمثل هذه الوجوه التي لا يقبلها ذو سليقة مستقيمة، هذا و قد كان الاولى للعلامة قدس سره في الجواب عن الاحتجاج بهذا الحديث بعد حكمه بصحة حديث ابن ابي يعفور و رجوع كلامه في جوابه الى ان حديث ابن ابي يعفور أرجح في الاعتبار من خبر ابن مسلم ان يجعل وجه الرجحان كون ذلك من الصحيح و هذا من الحسن».

فیظهر من کلام صاحب المعالم وتأیید صاحب الحدائق له أنَّ المضمرات یؤخذ بها. وإن کان لصاحب المعالم کلام یشمّ منها أنَّ الحجية مختصة بالأجلاء وأما العبارة السابقة لعّل یستفاد منها الاطلاق.

القول الثالث: التفصیل؛ بین إضمار أجلاء الاصحاب وبین اضمار غیرهم ؛ یعني إذا کان المضمِر هو زرارة أو مثل یونس بن عبدالرحمن أو محمد بن مسلم، هذه الأجلاء لا ینتظر منهم أن ینقلون عن غیر الامام علیه السلام.

ونسب هذا القول إلی بعض المحققین وصرّح بهذا القول المحقق صاحب الکفاية، حیث قال في مبحث الاستصحاب أنَّ مضمرة زرارة لا تضرّ بإعتبار أنَّ المضمِر هو زرارة وهو ممن لایکاد یستفتي من غیر الامام علیه السلام.

الامر بالنسبة إلی المضمِر الجلیل واضح، أما بالنسبة إلی غیره یمکن أن نفصل بین أنَّه صاحب الکتاب او صاحب الاصل أو لا لأنَّ لها مزیة یمکن الاعتماد علیها.

هذا کلّه خلاصة مباحث الاضمار.

[ الکلام في تصحیح مضمرة زرارة]

نأتي الأن إلی الرواية التي نحن بصددها وهي مضمرة زرارة؛ فعلی القول الثالث وهو التفصیل والقول الاول وهو عدم الحجية فالامر واضح، ویبقی القول الثاني وهو عدم الحجية مطلقاً والذي یمکن أن لم یقبل هذه الرواية ولهذا وقع الکلام بین الاعلام في تصحیح مضمرة زرارة من حیث الاضمار، وهل هو یضرّ أو لا یضرّ؟

السید الخوئي ذکر جوابین عن الاضمار :

الجواب الاول: أنَّ هذه الرواية وإن کانت مضمرة عندنا ولکن السید بحر العلوم قدس سره وغیره نقلوا هذه الرواية عن أبي جعفر علیه السلام. فمع وجود هذا التصریح ینتفي الامر.

قال السید الخوئي: [2] «اولاً بما ذكره جملةً من الأعلام من عدم كونها مضمرةً، و أنّ المسئول هو الباقر (عليه السلام) فالرواية قلت للباقر (عليه السلام) كما ذكره السيد الطباطبائي (قدس سره) [ وهو السید بحر العلوم] في الفوائد، و الفاضل النراقي (قدس سره) على ما ذكره الشيخ (قدس سره) في تنبيهات الاستصحاب‌، و غيرهما من الأفاضل. و من البعيد أنّ مثل السيد (قدس سره) نقلها مسندةً و لم يعثر على أصل من الاصول، بل من المحتمل أنّه عثر على أصل نفس زرارة، كما أنّه قد يوجد بعض الاصول في زماننا هذا أيضاً».

في هذا الجواب اشکال: وهو من المستبعد جداً ان یکون اصل زرارة موجود إلی زمن السید بحر العلوم، بحیث أنَّ صاحب الوسائل لم ینقل عنه مباشرة، صاحب البحار لم ینقل عنه مباشرة، علماء المتقدمون علی السید بحر العلوم لم ینقلوا عنه مباشرة، وهذا وجد عند السید بحر العلوم الذي لا یبعد زمانه إلی زماننا فالزمان الذي بیننا و بینه بتقریب 240 سنة.

نعم، یمکن أن یقال أنَّ هناک تعدّد النقل للرواية مسندة إلی الامام الباقر علیه السلام، فهنا یمکن أن یحتمل بأنَّ التهذیب للشیخ الطوسي له عدّة نسخ، والذي ذکر الرواية فیها اسم الامام علیه السلام کان لدیه نسخة موجودة فيها اسم الامام علیه السلام.

إذا ورد هذا الاحتمال یمکن أن نقول بإمکانية رفع الاضمار بذلک؛ یعني وجود المسئول عنه في بعض نسخ الکتاب یمکن ان یکون منبهاً قویا علی انّ هذه الرواية المضمرة هي عن الامام علیه السلام. فهذا احتمال وارد ولکن احتمال وجود الاصل عند بحر العلوم بعید.

الجواب الثاني: أنَّ الراوي هو زرارة والذي من الأجلاء ویجلّ شأنه أن یسئل عن غیر الامام علیه السلام ولا یذکره؛ یعني السامع لزرارة عندما یسمعه ویقول سئلته و یعرف جلالة قدره وعظم شأنه واتصاله بالامام علیه السلام حالاً یتبادر إلی ذهنه أنَّه سئل الامام علیه السلام. وإذا کان زرارة قال سئلته ولا یقصد الامام علیه السلام فهذا یکون تدلیس منه وأجلّ قدراً من ذلک. فعندما یضمر یعني یقصد الامام علیه السلام لا یقصد غیره.

قال: « ثانیاً بأنّ الاضمار من مثل زرارة لا يوجب القدح في اعتبارها، فانّه أجل شأناً من أن يسأل غير المعصوم ثمّ ينقل لغيره بلا نصب قرينة على تعيين المسئول، فانّ هذا خيانة يجل مثل زرارة عنها، فاضماره يدل على كون المسئول هو المعصوم يقيناً، غاية الأمر أنّه لا يعلم كونه الباقر أم الصادق (عليهما السلام) و هذا شي‌ءٌ لا يضرّ باعتبارها، و لا إشكال في سندها إلّا من جهة الاضمار فانّ جميع الرواة إماميّون ثقات».

وأعتمد علی هذا الجواب الشیخ الاستاذ حفظه الله.

 


[1] الحدائق الناظرة ج5 ص311.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo