< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

43/04/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب

بقیت عندنا نقطة في رادعية الآیات للسیرة و عدمها و هي ما أفاده الشیخ الاستاذ حفظه الله من القول بعدم امکان الرادعية والتي أعتبرها الحق في المسألة[1] وتوضیح ما أفاده: أنَّ الآیات لا یمکن أن تردع السیرة العقلائية إذا کانت مرتکزة في اذهان العقلاء بنحو یحتج العقلاء بعضهم علی البعض بما هم عقلاء، ویؤاخذون علی مخالفتها، مثلاً انَّ سیرة العقلاء علی الأخذ بقول اهل الخبرة، فلو أخبر اهل الخبرة بأمر ما و غیر ذي الخبرة لم یأخذ بها ووقع في ما لم یحمد عقباه، هنا العقلاء هم یلومونه ویقولون له لماذا خالفتهم؟ وهکذا سائر الامور في هذا الباب وتبین أنَّ السیرة العقلائية مرتکزة في الأذهان بما هم عقلاء بنحو یعتبرون مخالفتها مخالفة لسیر العقلائي.

فإذا کانت السیرة بهذه المثابة فلا یمکن أن تکون هذه الآیات رادعة لها، لأنَّ الموضوع في الآية :« ولا تقف ما لیس لک به علم» أعم من العلم الوجداني ومما ینتهي إلی العلم. وبعبارة جامعة: أنَّ الموضوع هو النهی عن اتباع غیر الحجة؛ حیث إذا قامت الحجة لا ینهی عن اتباعها، وإنما النهي عن اتباع غیر الحجة.

الوجه في ذلک: مقدمة: أنَّ ظهور الکلام لا یمکن ان یؤخذ إلا بملاحظة ما یحتفّ بالکلام، بمعنی: عندما نقول مثلاً « رأیتُ أسداً یرمي» الأسد بحسب الوضع اللغوي له هو الحیوان المفترس معرفة السامع بالوضع اللغوي یقتضي انتقال ذهنه إلی الحیوان المفترس عندما یسمع کلمة أسد، ولکن هل هذا الظهور والانتقال الذهني الموجود في الذهن هل هذا معتبر؟ نقول لا هذا لیس بظهور، الظهور للکلام عندما تلاحظ جمیع الکلام فتلاحظ رأيتُ أسداً یرمي مع ملاحظة القرینة الآن تقول ظاهرُ کلمة أسد في المقام هو رجل الشجاع لا تقول ظاهر کلمة أسد الحیوان المفترس لأنَّه انتقل إلی ذهنک صورة الحیوان لأنَّک تعلم باللوضع، فالظهور لا یبتني علی ذلک، هذه نقطة مهمة في الظهورات. فالظهور مع ملاحظة الکلام مع ما یحتفّ به یتحقق.

من باب المثال: المناقشات الدائرة بیننا وبین اهل الخلاف مثل السلفية، الآیة تقول: « وجاء ربّک» أو « ید الله فوق ایدیهم» یحملون هذه العبارات علی ظاهرها، یعني یحملونها علی معناها الموضوع له، ولا یحملونها علی الظاهر في الواقع، لکن هم یدّعون أنّنا نحملها علی ظاهر الکلام، ولهذا یقولون لنا: أنتم تؤولون.

ولکن لا یخفی أنَّهم مشتبهون و متوهمون أنهم لا یحملون علی الظاهر، لأنَّ المعنی الموضوع له شئ والظاهر من اللفظ شئ آخر، یعني لا ملازمة بینهما لیس کل موضوع له فهو ظاهر الکلام، بل ربما یکون الظاهر هو المعنی المجازي بعد ملاحظة القرائن، غایته: أنَّ القرینة تارة تکون قرینة لفظية مثل:« رأیتُ أسداً یرمي» عندما تلقي هذا الکلام إلی السامع حالاً یستظهر الرجال الشجاع، وإن انتقل في ذهنه تصوراً الحیوان المفترس لمعرفته بالوضع، وتارة تکون القرینة قرینة عقلیة، في مثل ید الله فوق ایدهم عندنا قرینة عقلیة إذ القرینة العقلية ایضاً تمنع من ظهور اللفظ في معناه الحقیقي فتجعله ظاهراً في معناه المجازي وهذا بحثه في محلّه ذکرناه هنا اجمالاً للتنظیر.

نرجع إلی کلام الشیخ الاستاذ حفظه الله: یقول أنَّ ظهور الکلام یجب أن یلاحظ في الکلام مع ما احتفّ به ولا یلاحظ الکلام لوحده یعني الجملة التي ترید أن تستظهرها لوحدها بل لا بدّ مع ما احتفّ بها، وفي هذه الآية ما احتفّ به هو التعلیل وهو :« إنَّ السمع والبصر والفؤاد کلّ اولئک کان عنه مسؤولاً» هذه الآية احتفّت بتلک لما احتفّت بتلک أنَّ هنا کلّ اولئک کان عنه مسوؤلاً نلاحظ جهة المسوولية ماهي؟ اذا کان العمل علی طبق الحجة لا یکون مسوولاً عنه، ولا یقال عنه :« کلّ اولئک کان عنه مسؤولاً» اما إذا لم یکن علی طبق الحجة فیکون مسؤولاً عنه عقلاً و شرعاً. فالذي یدور السؤال والجواب حوله هو الحجة وإن کانت الحجة موجودة فلا یسئل، إن لم تکن موجودة فیسئل؛ مثلاً مَن شکّ في وجوب شئ عدم وجوبه فأجری البرائة و ترک العمل هنا عندما ترک العمل استناداً للبرائة لا یکون مسئولاً وإن کان الواقع واجباً لأنَّه استند إلی الحجة، أو مَن أجری قاعدة الحلّ علی شئ معین و أکله ثمّ تبین أنّه حرام في الواقع هنا لا یکون عنه مسؤول لأنَّه اعتمد علی الحجة. فالمسؤولية تبتني علی وجود الحجة وعدمها.

حاصل هذه المقدمة: أنَّ الکلام لا یؤخذ بظاهره لوحده وإنما مع ما احتفّ به وهذه الآية الشریفة :« ولا تقف ما لیس لک به علم» محتفّ بــ﴿:« إنَّ السمع والبصر والفؤاد کلّ اولئک کان عنه مسؤولاً»﴾ ونحن نعلم أنَّ المسؤولية إنما تکون لمن لا یعمل علی طبق الحجة وأما من عمل علی طبق الحجة فلا یواخذ.

بعد هذه المقدمة، نقول: کلّ ما کان علیه الحجة فهو خارج عن موضوع الآية :« ولا تقف ما لیس لک به علم» کلما یکون العمل علیه حجة فهو خارج عن هذه الآية تخصصاً.

والآن نرید أن نطبق الآيات علی السیرة العقلائية؛ قال السیرة العقلائية علی نحوین: النحو الاول : أن یکون عملهم لا بما هم عقلاء وهذا النحو مشمول بالایات الناهية عن العمل بالعلم ( ذکر هذا النحو الشیخ الاستاذ قسماً للسیرة العقلائية ولکن لا ینبغي عدّه من اقسام السیرة العقلائية لأنَّ بحثنا في السیرة العقلائية بما هم عقلاء، وإذا قلت عملهم لا بما هم عقلاء فأخرجتهم عن السیرة العقلائية، وتکون السیرة بمقتضی العرف والعادة أو التربیة والبیئة وهذه کلها علی حسب ما ذکرناه سابقاً تکون خارجة عن السیرة العقلائية التي ینبغي ان نبحث عنه.)

النحو الثاني: أن یکون عملهم بما هم عقلاء بحیث لو تخلّف أحد عن هذه السیرة کان مؤاخذاً عندهم ویعتبر مخالف، یعني سیرة مرتکزة في الاذهان وبما هم عقلاء بحیث یرون ضرورة العمل علی طبقها ارتکازاً.

علی هذا النحو الثاني عندما شارع یأتي یلقي خطاباً إلی العقلاء بما هم عقلاء هذا الخطاب یکون منصرفاً عن عملهم بما هم عقلاء ضرورةً، لأنَّ الخطابات ملقاة إلی العقلاء بما هم عقلاء والارتکاز العقلائي محتفّ بالخطاب یضیق دائرة الخطاب ویحدّدها حتی لو کان مطلقاً في نفسه.

وبالجملة : لو کان الخطاب مطلق ولکن ألقي إلی العقلاء بما هم عقلاء یتضیق بما عندهم.

وإذن النتيجة: موضوع الآية هو المسؤولية في مقابل الحجة کما قلناه ما قامت علیه الحجة لا یکون مسئولاً عنه والذي یکون مسئولاً عنه ما لم تکن الحجة والفرض أنَّه ألقي هذا الخطاب إلی سیرة العقلاء وسیرة العقلاء مرتکزة في الاذهان وهذا المرتکز عندهم حجة فعلیه یتضیّق الخطاب بها فتکون هذه السیرة العقلائية حجة غیر مشمولة لخطاب :« ولا تقف ما لیس لک به علم» .

ویشهد لذلک انَّ العقلاء بما هم عقلاء یأخذون بظواهر الکلام، ویمشون علی طبق ظاهر الکلام ویعملون علی طبق ظاهر الکلام ویؤاخذون من خالف ظاهر الکلام، فهنا هذا الظهور مرتکز عقلائي؛ فهل السیرة العقلائية هذه التي قائمة علی الظهور، تقول بأنَّها مشمولة إلی قوله تعالی :« ولا تقف ما لیس لک به علم» ؟ طبعاً لا، لا تکون مشمولة لها ، ولا تکون الآية رادعة عن العمل لهذا الظاهر، لما قلنا بأنَّه هذه السیرة مرتکزة في الاذهان والعقلاء یروونها حجة بما هي حجة وکل ما یروونها حجة بما هي حجة لا تکون مشمولة إلی قوله تعالی :« ولا تقف ما لیس لک به علم» .

النتيجة: أنَّ الآیات لا یمکن أن تکون رادعة عن السیرة، لو ثبتت بنحو یکون العمل بها مرتکزة عندهم.

هذا حاصل کلام الشیخ الاستاذ حفظه الله.

أقول: یمکن أن نعلق علی کلامه حفظه الله : المقدمة واضحة وتامّة وهي الظهور لا یؤخذ إلا بعد متابعة الکلام بما یحتوي علیه و ما یحتفّوا به ، حتی نأخذ بالظهور و هذا تامّ.

السیرة العقلائية ایضاً مرتکزة في الاذهان وربما یکون ارتکاز السیرة یتفاوتبین سیرة و سیرة من حیث الشدة یعني لا نقول بتقسیم الشیخ الاستاذ من أنَّ عملهم بما هم عقلاء و لا بما عملهم ، حیث قلنا أنَّ القسم الاول خارج، والقسم الثاني یتفاوت یعني لیس کل سیرة علی حدٍ سواء، ولکن تتفاوت من حیث ارتکازیتها إما من حیث شدتها وإما من کثرتها أو أمور أخری ترتبت بذلک، النقطة التي نرید أن نقولها هي : أنَّ السیرة العقلائية قد تحدّد الخطاب – هذا نسلم به- ولکن الخطاب الشرعي إذا ألقي إلی العقلاء یتحدّد بدائرة ما عند العقلاء هذا تامّ ونوضحه: مثلاً الشارع قال:« أوفوا بالعقود» هذا أمرٌ بالوفاء بالعقد، والعقود جمعٌ محلّی بالف ولام یستفاد منه العموم کما یرونه الاصولیون یعني: أوفوا بجمیع العقود، لکن نلاحظ في سیرة العقلاء بغض النظر عن وجود ادلة من الشارع، نلاحظ في سیرة العقلاء أنَّ البیع إذا کان غبنیاً فلایلزمونه العقلاء ، مثلاً أنا اشتریت هذا الکتاب الذي قیمته 10 دنانیر مثلاً ودفعت عشرة دنانیر لما یکون في الواقع أنَّ هذا الکتاب قیمته خمسة دنانیر فأنا الآن مغبون لأني ما کنت أعرف ما في السوق، لهذا دفعتُ العشرة وفي الواقع أنا لا أدفع عشرة دنانیر، وعلي أن أدفع ما یقابل قیمته المتعارف. وهنا عقلاء یقولون من حقّک أن ترجع الکتاب و تأخذ الثمن وتلغي هذه المعاملة وهذه المعاملة لیست لازمة.

علیه الخطاب: « أوفوا بالعقود» الذي یدّل علی اللزوم، یکون متضیق بما عند العقلاء ، والعقلاء في بیع الغبني یقولون لیس لازماً یجوز لک الرجوع فیه فیتضیق الخطاب به.

فخطابات الشارع الملقاة إلی العرف ملاحظ المفاهیم العرفية،هذا معقولٌ، وأما إذا کان مرتکزهم علی العمل بشئ لا یکون الشارع رادعاً لهم هذا غیر تام؛ یعني هذا یلزم منه – أي من کلام الشیخ الاستاذ حفظه الله – أن نقول بعدم رادعية السیرة العقلائية مطلقاً ؛ إذن لا نحتاج إلی البحث أنَّ سیرة العقلاء تحتاج إلی الإمضاء والإمضاء ربما یحصل بعدم الردع. السیر العقلائية قد تکون قائمة وعلی طبق مرتکزات الموجود عندهم حفظاً للنظام وللنوع، فعندهم مرتکزات معیّنة، والشارع یری أنَّ هذه السیرة غیر صحیحة ویری هذه السیرة واسعة و هذه السعة غیر صحیحة فیضیقها، کما نلاحظ في المعاملات، حیث تصرّف الشارع في البیوع الموجودة عند العقلاء.

نعم، ربما نضیف شئ وهو: أنَّ الرادعية لابدّ أن تتناسب مع المردوع بمعنی: أنَّ السیرة إذا کانت متحکمة في العقول ومرتکزة في العقول بنحو شدید تحتاج في رادعيتها إلی أوامر ونواهي متعدّدة لا یکتفی فیها بمجرّد العموم في الآية أو عموم في خبر، لأنَّ السیرة متجذرة وهذه السیرة المتجذرة تحتاج إلی رادع قوي، وهذا ربما یمثل له بما یذکر في القیاس.

القیاس ربما یمکن أن نعبّر عنه بأمر عقلائي في شؤونهم العقلائية یقیسون هذا علی هذا، ویشر إلی هذا رواية أبان بن تغلب. أنَّ أبان کان من أکابر العلماء والفقهاء وأصحاب الأئمة علیهم السلام، لکن عندما سئل الإمام علیه السلام عن أصابع المرأة، إذا قطع منها أصبع؟ قال: عشرة من الابل ، إثنان ؟ عشرون من الابل، ثلاثة؟ ثلاثون من الابل، أربعة؟ عشرون ! هنا أبان تعجب وقال کیف یمکن قطع الثلاثة علیه ثلاثون وقطع الاربعة علیه عشرون ، فمقتضی السیاق والقیاس هو إذا قطع اربعة علیه اربعون والخمسة خمسون . وأبان قال کان یروي لنا هذا الکلام في العراق فنقول : إنَّ الذي أتی به الشیطان، والامام علیه السلام یجیب: مهلاً لا ابان اخذتني بالقیاس، وإنَّ الشریعة إذا قیس محق الدین.

هذا القیاس من خلال هذه الرواية، نلاحظ أمر عقلائي ویقیسون شئ علی شئ هذا ربما یفعلونه في الحکم الشرعي وصار القیاس مضافاً إلی کونه أمراً عقلائياً في شوونهم صار مذهب قوي وتیار عند المخالفين، والأئمة علیهم السلام واجهوه بشدة حتی تتناسب الرادع والمردوع، حتی قال السید الخوئي في بعض کلامته في المصباح: ربما وجدت خمس مائة رواية في ردّ القیاس ، فتیار القوي یحتاج إلی ما هو أقوی منه لیردعه.

إذن السیر تختلف من سیرة إلی أخری، المعاطات سیرة عقلائية موجودة عند العقلاء في بیوعهم ولا یردعه هذا الرواية الموجودة في المکاسب :« إنما یحلل الکلام وإنما یحرم الکلام » هذا تیار قوي عند الناس و یحتاج إلی ردع قوي لا من رواية واحدة التي هي محلّ بحث واحتمالات.

والذي یرید أن نقوله هو: أنَّ مقتضی التناسب بین الرادع والمردوع ومن ضمن إلی هذه القرائن التي ذکرناها نقول السیرة العقلائية إن ثبتت علی العمل بالحالة السابقة المتیقنة، هذه السیرة العقلائية لا تکن مردوعة بقوله تعالی: « لا تقف ما لیس لک به علم» مع وجود الایرادات و احتمالات أخری في الآية.

فإلی هنا تمّ الکلام حول ما نریده من السیرة وما ذکر من الردع غیر تامّ.

 


[1] المغني في الاصول الاستصحاب، ج1، ص68.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo