< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

43/03/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب

[ نبذة ممّا تقدّم ]

کان الکلام في الدلیل الاول من أدلة الاستصحاب وهو السیرة العقلائية علی العمل علی الطبق الحالة السابقة المتیقنة وتقدّم الکلام في أنَّ البحث في هذا الدلیل یطرح في مقامین: المقام الاول في إثبات السیرة العقلائية علی العمل طبق الحالة السابقة یعني البحث الصغروي. المقام الثاني: إثبات عدم الرادعية لأنَّ دلیل السیرة یتوقف حجيته علی إثبات هذین الأمرین، فعلی المستدل بهذا الدلیل إثبات أنَّ السیرة العقلائية ثابتة علی العمل طبق الحالة السابقة وهي غیر مردوعة من قبل الشارع ولهذا تکون ممضاة.

[ نکتة في إمضاء وردع الشارع ]

والنکتة التي قلناها في استفادة الامضاء من عدم الردع هي: أنَّ العقلاء بما هم عقلاء عندما یجرون علی طبق الحالة السابقة المتیقنة في جمیع شوونهم العقلائية معاشیة و غیرها فبالتالي سوف یمشون علی طبقها في الامور الشرعية ایضاً ومع وجود هذا الاحتمال القوي، الشارع إذا لم یردع عن هذه السیرة في الامور الشرعية نکشف أنَّه أمضی تلک السیرة. فبمجرد عدم ردعه نستفید امضاءه ولا نحتاج أن تجري سیرة العقلاء في الامور الشرعية بمعنی: ما قلناه نکتفي بجریان السیرة العقلائية علی طبق الحالة السابقة المتیقنة في أمورهم العقلائية من المعاملات والمعاش و... هذا المقدار یکفي بإضافة أنَّه یحتمل إحتمالاً معتداً به، أنّهم سوف یمشون علی طبق الحالة السابقة في الامور الشرعية إذا ابتلوا بها، بإعتبار أنَّ المرتکز عندهم هو جریان السیرة في أمورهم العقلائية علی طبق الحالة السابقة، فلا نحتاج إلی أن نقول في زمان المعصوم علیه السلام مشوا العقلاء بما هم عقلاء في الامور الشرعية علی طبق الحالة السابقة. فبالتالي مشیاً علی هذا المرتکز والتباني والسیرة العملية الموجودة عندهم سوف یمشون علی ذلک إذا ابتلوا في الامور الشرعية؛ الشارع ایضا هنا بمجرد عملهم علیها وعدم رضایته بها یستطیع أن یردعهم ویقول: لا تمشوا علی هذه السیرة في الامور الشرعية، فإذا لم یردع معنی ذلک أنَّه أمضاها.

[ الجهة الثانية في المقام: إثبات عدم الردع ]

فإذن الجهة الثانية المهّمة هي: إثبات عدم الردع.

المحقق الآخوند رحمه الله أشکل علی السیرة – مضافاً إلی إشکاله في الصغری المتقدمة- من ناحية الکبری وقال بأنَّ هذه السیرة مردوعة وذلک بأمرین من طرف الشارع:

الاول: من الآیات الدالة علی حرمة الأخذ بغیر علم، والثاني: أدلة البرائة والاحتیاط.

قال ما لفظه في الکفاية: « و ثانيا سلمنا ذلك لكنه لم يعلم أن الشارع به راض و هو عنده ماض و يكفي في الردع عن مثله ما دل من الكتاب و السنة على النهي عن اتباع غير العلم و ما دل على البراءة أو الاحتياط في الشبهات فلا وجه لاتباع هذا البناء فيما لا بد في اتباعه من الدلالة على إمضائه فتأمل جيدا. » [1]

فتبین أنَّ لدیه إشکالان في الکبری وحاصله : أنَّ هذه السیرة العقلائية مردوعة، فلا تکون الحجة حتی لو ثبتت الصغری.

والجهة الردع أمران: الامر الاول: أنَّ هذه السیرة مردوعة بالآیات الناهية عن العمل بغیر علم مثل: « ولاتقف ما لیس لک به علمٌ» وایضاً السنة. مثل « الوقوف عند الشبهة خیر من الاقتحام في الهلکة»

بتقریب: أنَّ عمل العقلاء علی طبق الحالة السابقة المتیقنة في فرض الشکّ في بقائها، إنما هو لکونه متیقنة سابقاً وهذا الیقین الآن فعلاً قد انتفی لأنَّه الیقین متعلق بالحدوث – مثلاً کان علی یقین بالطهارة أمس والیوم أشک في الطهارة ویتعلق الشک بالبقاء- فالیقین الذي هو حالة قطعية انتفی الان، فعلیه العمل بالحالة السابقة لکونها متیقنة سابقاً هو عمل بغیر علمٍ، لأنَّني الان لا أعلم ببقاءها.

الامر الثاني: ما دلّ علی البرائة والاحتیاط مثلاً « رفع ما لا یعلمون» أو مع وجود العلم أو توارد حالتین عندنا الاحتیاط علی حسب موارد الاحتیاط والبرائة. فهذه الادلة تنفي العمل علی طبق الحالة السابقة یعني الادلة تقول: بما أنَّک الان تشک ولیس عندک یقین فعلیک أن تعمل بالبرائة أو الاحتیاط علی حسب المورد علی وجه مانعة الخلو.

فإذن هذه السیرة – علی فرض تحققها- مردوعة بتلک، وإلاّ لو أخذنا بالاستصحاب لم یبقی مورد لتلک الروایات إلاّ موارد نادرة لا یمکن حملها علی الفرد النادر، بحیث نحمل أدلة الاحتیاط والبرائة علی موارد نادرة فقط.

[ إشکال المحقق النائيني علی صاحب الکفاية]

وقع هذا الاشکال من صاحب الکفاية محلّ بحث عند الاعلام، فأورد علیه المحقق النائيني[2] واتفق معه السید الخوئي [3] حیث قال أنَّ ما أفاده صاحب الکفاية في المقام یناقض ما أفاده في الخبر الواحد. فإنَّه هناک من جملة أدلة التي استدل بها علی حجية خبر الواحد هي السیرة العقلاء وتبانیهم علی طبق الخبر الواحد الثقة فإذا أخبرهم الثقة بخبرٍ یمشون علی طبقه.

هناک في الخبر الواحد ایضا أورد نفس هذا الایراد الذي أورده المحقق صاحب الکفاية هنا، قال بأنَّ السیرة مردوعة بالآیات والروایات الناهية علی العمل بغیر علمٍ، فخبر الثقة لا یفید العلم وسیرتهم عملٌ بما لا یفید العلم فتکون الروایات رادعة عنه، فتبین أنَّ هذا الاشکال نفس اشکاله هنا.

وصاحب الکفاية رحمه الله قال بأنَّ ردع الآیات للسیرة مستحیل في خبر الواحد لاستلزامه الدور، فالرادعية مستحیلة فلهذا رفع صاحب الکفاية الاشکال هناک بالدور.

تقریب الدور في مورد خبر الواحد: أنَّ النسبة بین الایات الناهية عن العمل بغیر علم، وبین السیرة نسبة الخاص والعام؛ الآیات تقول: « ولاتقف ما لیس لک به علم» هذا عامٌ – ویشمل کل غیر علم - وأحد أفراده هو العمل علی طبق خبر الثقة. والسیرة خاصة؛ یعني هذا الخبر الثقة وإن لم یفید علماً لکن سیرة العقلاء علی الاخذ به، فهو مورد خاص.

أنَّ رادعية الآیات الناهية عن العمل بغیر علم، عن السیرة یتوقف علی عمومیتها وتکون الآیات عامة وتبقی علی عمومیتها، وعمومیتها متوقف علی عدم مخصصية السیرة لها؛ إذ لو خصصتها السیرة لم تکن عامة ولم تکن رادعة. وعدم مخصصية السیرة للآیات یتوقف علی کون الایات رادعة لها؛ لأنَّ السیرة إذا لم تکن مردوعة تخصص، أما اذا کانت مردوعة فلا تخصص، إذن عدم مخصصية السیرة للآیات متوقف علی رادعية الآیات لها.

والحاصل: أنَّ رادعية الایات للسیرة یتوقف علی عمومها المتوقف علی عدم مخصصية السیرة وعدم مخصصية السیرة متوقف علی رادعية الآیات ویلزم الدور.

فصاحب الکفاية یقول رادعية الایات للسیرة دوريٌ، بالنتيجة لم یقم دلیل علی رادعية الایات للسیرة لأنَّه دوري ولا یمکن التمسک بالردع ومع عدم وجود الردع تکون السیرة ممضاة.

هذا حاصل ما افاده في مبحث حجية الخبر.

وعنده کلام آخر ایضاً کما أنَّ رادعية الایات للسیرة دوري عدم مانعية السیرة بالایات دوري ایضا، فالدور یکون من جهتین.

علیه صاحب الکفاية هناک أثبت أمراً آخراً وهو أنَّه لا یمکن الان أن نثبت الرادعية ولا یمکن أن نثبت عدم الرادعية فانتقل في ذلک المبحث إلی الاستصحاب فقال بأنَّ العمل علی طبق الخبر الواحد في بادئ ذي بدء الدعوة الاسلامية لم یکن مردوعاً عنه وکان ممضی من قبل الشارع، وبعد الدعوة بمدة نسئل هل ردع عنه أم لا، نستصحب بقائه.

فصاحب الکفاية في قضیة الدور یقول: أولاً: بأنَّ الایات یستحیل أن تکون رادعة للسیرة لأنَّ الردع لا یکون إلا دوریاً فعلیه عدم قیام الدلیل علی الردع کافٍ في إمضاء السیرة.

ثانیاً: عندما أورد الدور من الطرفین انتقل إلی الامر الاخر وهو الاستصحاب.

هذا الاستصحاب هناک اجراه ولکن هنا لا یمکن أن نجریه لأنَّ البحث هنا في حجية الاستصحاب فلا یمکن أن نجریه هنا. یعني في مبحث خبر الواحد تصورنا الاستصحاب ونقول في بادئ الدعوة الاسلامية لا یوجد ردع عن العمل علی طبق خبر الثقة بعد ذلک هل وجد ردع او لا یوجد الردع؛ نستصحب العدم.

في المقام لا یمکن ان نستصحب بعد ان تثبت الرادعية مثلاً من الطرفین لا یمکن أن نستصحب لأنَّ البحث في الاستصحاب اساساً. فیحتاج أن تثبت حجية الاستصحاب في مرحلة سابقة.

إذا اتضح هذا، یتضح اشکال المحقق النائيني حیث قال: یا أیها صاحب الکفاية أنت في مبحث خبر الواحد قلتَ استحالة رادعية الآیات للسیرة فما بالک هنا تقول بثبوت رادعية الایات للسیرة؛ هذا تناقض بین الامرین.

هذا ما أفاده المحقق النائيني و تبعه السید الخوئي رحمهما الله تعالی.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo