< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

43/03/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب

تقدم الکلام في مقالة المحقق النائيني من تفصیل السیرة العقلائية مما إذا کان الشک في الرافع وبین الشک في المقتضي وقال تجري السیرة إذا کان هناک شک في الرافع بخلاف المقتضي واعتبره من الامور الإلهامية التي جعله الله في الانسان لحفظ النظام.

[مناقشة الشیخ الوحيد الخراساني علی تفصیل المحقق النائيني]

مقدمة قبل بیان مناقشة الشیخ الاستاذ دام ظله:

لایخفی أنَّ المقصود من « الشکّ » عند الاصولیون في کلمة « مَن کان علی یقینٍ وشکّ » لیس هو خصوص الشکّ الاصطلاحي المنطقي وإنما یشمل الظنّ غیر المعتبر والاحتمال، فإذا کان المکلف علی یقین من طهارة ثوبه والآن ظنَّ بالنجاسة – بحیث یحتمل أنَّ النجاسة وقعت علی الثوب او خارجه ولدیه الظنّ بوقوعها علی الثوب- ذهب الفقهاء إلی جریان الاستصحاب ، فتری أنَّ الشکّ في کلامهم یشمل الظنّ کما أنَّه یشمل الشکّ المنطقي – وهو تساوي الطرفین- کما لو احتمل 80% بوقوع النجاسة علی الثوب ایضا یجرون الحالة السابقة المتیقنة وهي الطهارة.

إذا عرفت هذا فنقول: أورد علی تفصیل الشیخ النائيني، شیخنا الاستاذ حفظه الله[1] ، بعد قبول الفقرة الثانية من کلامه وهي الشک في المقتضي حیث وافق مع النائيني في أنَّ العقلاء إذا شکوا في المقتضي لایبنون علی الحالة السابقة. إنما الکلام في الشک في الرافع وقال حفظه الله: إنَّ کلام المحقق النائيني لیس علی اطلاقه فإنَّ العقلاء لا نراهم یبنون علی العمل بالحالة السابقة والأخذ بالحالة السابقة المتیقنة فیما لو قام الظنّ علی خلاف الحالة السابقة ولو کان الاستصحاب حجة عندهم مطلقاً -عند الشکّ في الرافع- لأخذوا بالحالة السابقة و عملوا بها في حال الشکّ الذي متساوي الطرفین وفي حال رجحان أحدهما الذي هو الظنّ ما لم یبلغ إلی الإطمئنان.

ونقول توضیحاً لمراد الشیخ الاستاذ: الملاحظ عند العقلاء إذا صار عندهم ظنّ علی خلاف الحالة السابقة لا یعملون علی طبقها بل یتوقفون، ما لم یکن العمل علی طبقها موافقاً للاحتیاط؛ یعني إذا کانت هناک حالة سابقة وحصل عند العاقل ظنٌّ علی عدم بقاء الحالة السابقة ، إذا کان البقاء علی الحالة السابقة موافقاً للاحتیاط فیعملون لأجل الاحتیاط لا لأجل الحالة السابقة، وإذا لم یکن موافقاً للاحتیاط فلا یمشون علی طبق الحالة السابقة، فإذن الإطلاق في کلام المحقق النائيني قدس سره في الشک في الرافع غیر تامّ، بل ینبغي التقیید.

هذا ما أفاده الشیخ الاستاذ حفظه الله.

[ ملاحظة فیما أفاده الشیخ الوحيد الخراساني ]

أقول: تبیّن أنَّ مناقشة الشیخ الاستاذ هي بالحقیقة تسلیم لما أفاده المحقق النائيني مع تضییق الدائرة بمعنی: أنَّ العقلاء یعملون عند الشک في الرافع علی مقتضی الحالة السابقة فیما لم یقم ظنٌّ علی خلافه، وما لم تکن الحالة السابقة مطابقة للاحتیاط او العمل علی طبقها مخالفاً للاحتیاط.

فالاستصحاب من هذه الجهة یکون مثل حجية خبر الثقة حسبما یراه الشیخ الاستاذ حفظه الله؛ فإنَّه یری بأنَّ خبر الثقة حجة «ما لم یقم ظنّ علی خلافه»، ومن الواضح هذا القید لم یخرج خبر الثقة عن حجيته بل ضيّق دائرته.

فتبین أنَّ ما أفاده الشیخ الاستاذ حفظه الله قول بالتفصیل؛ وإن کان کلامه في ردّ تفصیل الشیخ النائيني ولکن نفس هذه المناقشة هي بالحقیقة تفصیلٌ مع تضییق. نعم، من جهة أخری هو لا یری قیام السیرة علی حسب ما ذکرناه سابقاً من أنّه حفظه الله أشار إلی نقطة وهي انَّ السیرة الحجة لا تکون حجة إلاّ أن انتهت إلی الزام وبینما لو تخلف شخص عن العمل بالیقین علی طبق الحالة السابقة وتوقف – لأنَّه شاک- لا یذمونه العقلاء علی توقفه و لا یلام ولا یحتجّ علیه، فمن هذه الجهة نقول هو حفظه الله لا یری هذا التفصیل، لا من تلک الجهة التي أفاده في المناقشة مع المحقق النائيني.

[ المختار في الاشکال علی تفصیل المحقق النائيني ]

نعم، یمکننا ان نجیب عن المحقق النائيني بأنَّ عملهم علی طبق الحالة السابقة عند الشک في الرافع إنما هو لأجل الاطمئنان في البقاء فلا یوجب حجية الاستصحاب المبني علی العمل بالحالة السابقة لمجرد کونها حالة سابقة کانت متیقنة الحدوث، إذن نفترض أن تکون نقطة البحث التي یدور علیها الکلام إثباتاً و سلباً هو أنَّه هل العقلاء یعملون علی الطبق الحالة السابقة المتیقنة إذا شک فیها، لأنَّها حالة سابقة فقط أو لا یعملون، فإذا کانت الحالة السابقة هي مقتضی الاحتیاط خارجة عن نقطة البحث، أو کانت برجاء وجودها أو إذا کانت الحالة السابقة مطئمن ببقائها، خارجة عن نقطة البحث لأنَّ هنا لایوجد شکّ أساساً .

عندما نطبق هذا الکلام علی الشک في الرافع نقول بأنَّ المقتضي تام الاقتضاء – یعني الحالة السابقة فیها قابلية البقاء في حد نفسها- لا ترتفع إلا بوجود رافع وإذا أشک في وجود الرافع فأری أنَّ المقتضي تامّ ولا إشکال فیه فأطمئن ببقاء الحالة السابقة، ففي مثل هذا المورد إذا اثبتنا أنَّه لا یوجد إطمئنان ببقاء الحالة السابقة ورغم هذا عملوا علی طبق الحالة السابقة فیثبت کلام المحقق النائيني ولکن في مجری سیرة العقلاء لانلاحظ هذا المعنی، ویمکن أن نناقش بهذه المناقشة.

ثمّ إنّ المحقق النائيني قدس سره قال: عمل العقلاء علی طبق الحالة السابقة إنما هو إلهام لحفظ النظام؛ لأنهم لو لم یجروا الاستصحاب في هذه الحالات وخصوصاً في تلک الازمنة ومع الامکنة البعیدة لأختل النظام، إذن عدم عمل علی طبق الحالة السابقة توجب اختلال النظام فعملهم لاجل حفظ النظام.

هذا الکلام ایضا محل اشکال؛ وهو أنَّ لزوم اختلال النظام إنما یلزم بترک العمل علی طبق الحالة السابقة مطلقاً؛ في جمیع الحالات مجرّد عندنا یقین سابق وشک لاحق لا یمشون علی طبق الحالة السابقة هنا یختل النظام، مثلاً المسافر إذا شکّ و خطر في ذهنه هل بیته أزیل أو لا زال موجود لا یمشی علی الحالة السابقة، أو مثلاً شخص کان صدیق لي بعد خمس سنوات أشک في صداقته و لا أمشي علی الحالة السابقة هنا یلزم اختلال النظام، التاجر مثلاً عندما یرید أن یتعامل مع تاجر آخر ویحتمل هل هو توفی ام لا ، لا یمشي علی الحالة السابقة هنا یلزم اختلال النظام وهکذا باقي الأمثلة.

أما اذا کانت موارد متعددة یعملون علی طبق الحالة السابقة و مورد واحد لا یعملون علی طبقها لا یصل إلی مرحلة اختلال النظام؛ فحالة السابقة مع وجود الاطمئنان أو مع وجود الرجاء أو الاحتیاط وهکذا امور کثیرة یمشون علی ذلک، وفي مورد حالة سابقة موجودة ولا یوافق الرجاء والاطمئنان والاحتیاط هنا یتوقفون ولا یعملون علیها – إلاّ في بعض الحالات مثل تقدیم الاهم علی المهم و... وباعتبارات أخری- الحاصل: أنَّ إختلال النظام لا یحصل إلاّ إذا ترکوا العمل بالحالة السابقة مطلقاً عندما یشک في بقائها و هذا غیر موجود.

فلا یمکن الأخذ بکلام المحقق النائيني في التفصیل.

[ تفصیلٌ آخر أفاده المحقق العراقي ]

هنا تفصیل آخر للمحقق العراقي قدس سره، [2] وهو أنَّ السیرة العقلائية في العمل علی الحالة السابقة ثابتة في أمور معاشهم دون الامور الشرعية، واستدل علی ذلک بوجود الخلاف الکبیر بین الاعاظم خلفاً و سلفاً مع أنَّ کل واحد من هؤلاء المنکرین بمثابة ألف عاقل من العقلاء – من حیث قوة التفکیر والعقل- فلو کانت القضیة من المرتکزات العقلائية لم ینکرها أمثالهم فهذا شاهد علی عدم وجود الارتکاز فیما یتعلق بالاحکام.

 

[ إشکال الشیخ الوحید الخراساني علی تفصیل المحقق العراقي]

هذا ایضاً أورد علیها الشیخ الاستاذ بعدة نقوض[3] :

النقض الاول: ینقض بموارد الشک في المقتضي -طبعاً في غیر الشرعیات – فلیس بناءهم علی العمل علی طبق الحالة السابقة فلو شکّ في بقاء النفط في السراج الذي مضت علیه مدة طويلة هنا لا یبنون علی بقائه

النقض الثاني: في موارد الظنّ بالخلاف؛ أي: الحالة السابقة موجودة ولکن حصل ظنّ علی خلافها، هنا ایضاً لا یعملون.

النقض الثالث: ما إذا کان من موارد الاحتیاط علی العمل بالحالة السابقة وهنا ایضاً لا یعملون علی طبق الحالة السابقة.

وبالنسبة إلی عدم القول به في الشرعيات أورد علیه بإشکالین:

الاول نقضي: إذا تقول أنَّ کل واحد ممن أنکر الاستصحاب بمثابة ألف عاقل فکیف ینکره مثل هؤلاء، ایضا في المقابل نقول: ابن ادریس أنکر الخبر الواحد، سید المرتضی أنکره وهؤلاء ایضاً بمثابة ألف عاقل ولو کان الاخذ بخبر الواحد من المرتکزات العقلائية لما أنکره مثل هؤلاء، بینما العمل بخبر الواحد من المرتکزات العقلائية المسلمة.

الثاني حلي: أنَّ المباحث المرتبطة بالعقلاء لا ینظر فیها الدین أو المجتمع أو التربیة و... إنما ینظر فیها العقلاء بما هم عقلاء علی ضوء مناشئ عقلائية ، فأنت أیها المحقق العراقي عندما تقول: بأنَّ السیرة العقلائية جارية علی العمل بالحالة السابقة في امور معاشیة دون الشرعیات، قد دخلت عملهم في غیر السیرة العقلائية وأدخلت عملهم من جهة أخری ترتبط بالشرع والشريعة لا بما هم عقلاء مع عدم ملاحظة شئ آخر بجنبهم.

نعم، علی حسب ما بیناه سابقاً أنَّه ما هو الوجه في کون سیرة العقلاء تکون حجة – من غیر جهة الردع- بحیث إذا کان فقط العقلاء یعملون علی طبق الحالة السابقة في أمور معاشهم؟ قلنا بأنَّه لو لم یرض الشارع بذلک – وهذا ما نبّهنا علیه و ننبه علیه فيما بعد- لعملوا بها في الامور الشرعية، فبما أنهم یعملون علی طبق الحالة السابقة في غیر الامور الشرعية – یعني مطلقاً في أمور معاشهم- فبالتالي عندما تصادفهم قضیة شرعية سیعملون علی طبق الحالة السابقة، وإحتمال عملهم بذلک هو یوجب ردع الشارع اذا لم یرض بذلک. وهذه النقطة سنبينها فیما بعد إن شاء الله تعالی.

هذا تمام الکلام في مناقشة الشیخ العراقي قدس سره. فتبیّن إلی هنا أنَّ صغری السیرة العقلائية غیر ثابتة لحد الآن.


[1] المغني في الاصول الاستصحاب، ج1، ج58.
[3] المغني في الاصول الاستصحاب، ج1، ص60.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo