< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

43/03/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب

[ نبذة مّما سبق]

بقی بعض الکلام مع ما افاده بعض الاعاظم من المعاصرین دام ظله وهو في قسم آخر من کلامه، في مقام التحليل لهذه السیرة، وذکرنا فيما سبق أنَّ الأمثلة المذکورة واقعها ترجع إلی أحد الأمور التي تعرض لها صاحب الکفاية وقلنا بأنَّ المحقق الخراساني لم ینکر أصل العمل و هو السیرة العقلاء علی العمل علی طبق الحالة السابقة ولکن الذي یفیدنا هو أن یکون عملهم علی طبق الحالة السابقة لکونها متيقنة لا لشئ آخر، بل لأنَّه کان علی یقین و الان یشک في بقاء المتیقن هو یمضي علی المتیقن هذا الذي یفیدنا. أما ما هو موجود في الخارج من السیرة إما یعملون لأجل اطمئنانهم ببقاءها وهذا کثیر ویلاحظه الانسان في نفسه، و إما لأجل الاحتیاط کما قلنا، و إما لأجل الرجاء وإما للغفلة. فهذه الحالات التي ذکرناها في السابق ضمن الأمثلة.

[ ملاحظة فیما أفاده العَلَمان ]

النقطة الأخیرة في تحلیل هذه السیرة العقلائية، قال حفظه الله :

« مما ذکرنا قد ظهرت علة حکمهم بالبقاء، وأنّ سبب ذلک جهتین:

إحداهما : نفسیة.

والأخری: اجتماعية، أي بلحاظ المصالح والمفاسد.

أما الجهة النفسية فهي عبارة عن رؤية الشئ علی ما رآه سابقاً، ومن المعلوم أنَّ الانسان موجود إحساسي، ویتعامل مع الاشیاء معاملة بنحو ما رآه سابقاً وأثّر في احساساته، وقد ذکرنا أنَّه لو رأی شخص شخصاً وهو جاهل، ثمَّ لم یره مدّة ولم یعاشره، فیحکم علیه بأنَّه جاهل مع احتمال ذهابه إلی تعلّم العلم، وجِدّه في دروسه فیما بعد ووصله إلی مرتبة عالیة من العلم، فهم لا یعتنون بهذا الاحتمال ویرونه علی ما رأوه سابقاً، ویمکن التعبیر عنه بالاطمئنان الإحساسي، أو المظنّة بالتوضیح الذي ذکرناه من الاعتقاد غیر المدعم بالبرهان.

وأمّا الجهة الاجتماعية، فإنَّه لو لم یحکم الانسان ببقاء ما کان لأختل النظام أو لا أقل من البطء في سیر النظام الإجتماعي[1] »

 

نذکر ملاحظتنا علی هذا الکلام ضمن نقاط ثلاث:

الأول: أنَّ الاحساس الباطني هو کما ذکره حفظه الله لکن هل العقلاء یرتبون الاثر علی هذا الاحساس او مجرّد احساس، یعني الآن أشعر بنفس الاحساس الذي کنتُ أشعر به قبل سنین رأیتُ ذاک الشخص جاهلاً الان الصورة المنطبعة عنه في نفسي هي الجهل – و هذا المقدار صحیح – لکن لا یرتبون الاثر إذ لو رتبوا الاثر علی ذلک وحکم علیه به لکان ملوماً عند العقلاء ویقولون لا یصحّ منک ذلک أنت لا تعرفه منذ سنین، بمثال أوضح: إذا کان هناک محفل وذکر زید أنَّ فلاناً جاهلٌ وسئل عن زید هل تعرفه یجیبهم: نعم أعرفه، یسئلونه: من متی تعرفه؟ یجیبهم: قبل عشر سنین کنتُ أعرفه ولم أره للآن، هنا نری أنَّ العقلاء یذّمونه لإحتمال أنه في خلال هذه السنوات درس و جهد و أصبح عالماً. فهذا الاحتمال یمنع عن الحکم، فهذا الشخص مع أنّه عنده الاحساس الباطني لکن العقلاء یذمونه إذا رتب علیه الاثر.

مثال آخر: إذا التقی شخص مع شخص آخر قبل شهر وکان مریضاً جداً والصورة المنطبعة الآن في ذهنه هي مرضه عندما یلتقیه بعد شهر و یراه سالماً یقطع بأنَّ المرض ارتفع عنه لکن تبقی الصورة الاحساسية موجودة في ذهنه ولکن لا یرتب علیه الاثر. فإذن وجود هذه الصورة الاحساسية شئ و ترتب الاثر علیها شئ آخر.

الثاني: هذا الاحساس لا یکون منشأً لتباني العقلاء علی العمل بشئ، لأنَّ الملاک في السیرة العقلائية هو أن یکون عملهم بما هم عقلاء لا بما هم عاطفیون و لا بما هم أصحاب الاحساس المعین فهذا القید موجود فیها، مثلاً في البیع والمعاملات العقلاء یقولون إذا کان هذا المثمن معیباً له الردّ لأنَّ هناک شرط ارتکازي غیر مذکور بجواز الردّ عند وجود العیب في المثمن فهذه سیرة العقلاء بما هم عقلاء وهذا القید – بما هم عقلاء- مأخوذ فیه ارتکازاً فإذا کانت هناک سیرة ماشیة بین العقلاء بما هم اصحاب احساس معین لا یفیدنا في المقام.

الثالث: الجهة الاجتماعية بحیث یختل النظام الاجتماعي او البطئ في امورهم بدونها، ایضاً غیر تامّ؛ إذ فرض اختلال النظام صحیح إذا یترک الناس العمل علی طبق الحالة السابقة بالمرّة أما لو عملوا في الموارد و ترکوا في الموارد فلا یلزم اختلال النظام؛ مثلاً لوجود الاطمئنان عملوا علی طبق الحالة السابقة او للاحتیاط او للرجاء ، أو لعدم وجود الاحتیاط او الرجاء او الاطمئنان مع وجود الحالة السابقة لم یعلموا وفقها، فتری في مورد یعملون وفي الآخر یترکونها ففي هنا لا یلزم اختلال النظام.

مثلاً لو فرضنا هناک مرجعاً للتقلید و وکّل أحداً في مکانٍ ما، ثمّ یحتمل عدم تأهله – لوجود بعض تصرفاته غیر لائقة لشأنه- ویترتب علی هذا الاحتمال الاثر ویوقف أمر وکالته، فمن الواضح في مثل هذا المورد لا یوجب اختلال النظام.

وفي الجملة: الجهة الإجتماعية ککبری تامّة یعني أنّ عمل العقلاء و سیرتهم قد تکون مبنیة لحفظ النظام الاجتماعي ومبنية علی المصالح والمفاسد الاجتماعية هذا کلام تامّ ولکن تطبیقه غیر تامّ و لا ینطبق علی ما نحن فیه.

هذا تمام الکلام فیما أفاده حفظه الله.

و بذلک – في النقطة الاولی- اتضح مقالة السید الشهید الصدر قدس سره حیث عبر بالانس الذهني فیرد علیه ما أوردناه في کلام بعض الاعاظم المعاصرین حفظه الله حیث عبر بالاحساس الاطمئناني، من أنهم لا یبنون علی الانس الذهني کما لا یبنون علی الاحساس الاطمئناني مع وجود هذا الانس إذا کانوا ملتفتین لا یرتبون الاثر علیه و لا یصح ان یکون منشأً لمناشئ العقلائية؛ لأنَّ العقلاء بما هم عقلاء لا یمشون علی الامور الوهمية – کما نصّ علیه الشهید الصدر- او الانس الذهني بل لابدّ ان یوجد هناک مناشئ عقلائية هذه لیست من ضمن المناشئ العقلائية. فإذا کان عملهم علی طبق الانس الذهني یخرج عملهم عن ضمن سیرة العقلاء بما هم عقلاء.


[1] الاستصحاب تقریر بحث السید السیستاني حفظه الله بقلم السید محمد علي الرباني، ج1، ص34- 35.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo