< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

43/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب

[في أدلة الاستصحاب]

کان الکلام في الدلیل الأول من ادلة الاستصحاب وهو سیرة العقلاء او تباني العقلاء علی العمل طبق الحالة السابقة المتیقنة وبعد متابعة کلمات القوم یمکن ان نقول بان هناک دلیلین: -و ان کان ذکروه بعنوان وجهین لسیرة العقلاء لکن في الواقع انه لیس هما وجهین لدلیل واحد بل انما هما دلیلان،کل واحد یستقل عن الاخر- بعد ما لاحظنا من استدل او من نقل الاستدلال کانوا یذکرون هذین الوجیهن:

الوجه الاول: الجري العملي علی طبق الحالة السابقة فاذا کان هناک یقین سابق شک في بقاء ذلک الیقین فهم یبنوون عملاً علی طبق الیقین السابق.

الوجه الثاني: الجري العملي علی طبق الحالة السابقة المتیقنة من الامور الفطریة التي لا ترتبط بالانسان بما هو انسان بل ترتبط بکل حیوان بما هو ذي شعور وکل ذو شعور یمشي علی طبق الحالة السابقة، کما لاحظنا في نقل صاحب الکفاية عندما ترقی و قال حتی عند سائر الحیوانات. و ایضا لاحظنا ما نقله الشیخ المظفر رحمه الله وان کان لا یرتضیه طبعا. هذا في الواقع لا نجعل هذین الامرین وجهین لدلیل واحد کما یظهر من الاعلام بل عند التأمل والتدقیق یتضح ان کل واحد من هذین الوجهین وجه مستقل.

ویفترض -بغض النظر عن صحة الدلیل وعدمه- ان نقول: «الدلیل الاول السیرة العقلاء» والدلیل الثاني الجري العملي الذي هو امر فطري، ولایخفی أن کونه امراً فطریاً یختلف عما جرت علیه السیرة العقلاء. نعم ربما یکون اساس جریان السیرة العقلاء امور فطریة وهذا بحث مستقل یحتاج نبحثه في محله ونطرح المناشئ والتي تعتبر من النقاط المهمّة ولعّل – والله العالم – اغفلوها في المقام -حتی من تعرض له في بحث مستقل کالشهيد الصدر في محله- ولم یتعرضوا الی مناشئ السیرة وربما یوقعنا في الخلط بین الامور کما سیتضح الان فیما سنذکره في مناقشات بعض الاعلام ویظهر أنَّ عمدة المناقشات هي عدم التعرض لمناشئ السیرة، سیأتي بیانه فانتظر.

علی کل حال نقول: ان الکلام فعلاً في السیرة العقلائية. الدعوی هي الجري العملي علی طبق الحالة السابقة المتیقنة وهذه سیرة عقلائية وقلنا بانّ في هذا الدلیل نحتاج الی ثلاثة امور:

الامر الاول: بیان الصغری یعنی صغری الجري العملي عند العقلاء علی طبق الحالة السابقة.

الامر الثاني: وجود هذه السیرة في زمن المعصوم علیه السلام

الامر الثالث: امضاء هذه السیرة ولو کان عن طریق الردع.

البحث الان یقع في الصغری والامر الثاني قلنا بانهم لم یبحثوا عنه هنا وکأنه اخذ مفروغاً عنه.

القول الاول: من اثبت الصغری بنحو مطلق، القول الثاني من انکر الصغری بنحو مطلق القول الثالث: من اثبته بالجمله.

لا یذهب علیک أنَّ القول الثالث و هو التفصیل یمکن ان یقرر بشکلین: تارهً یرید ان یثبت وجود السیرة علی العمل علی طبق الحالة السابقة بغض النظر عن الامثلة و تارة المقصود بالتفصیل کما افاده المحقق النائیني والشیخ الانصاري؛ حیث فصّلوا بین مورد یغلب فیه البقاء وغیره – کما افاده الشیخ- أو بین أنَّ المتیقن یقتضی البقاء ویشک في وجود الرافع وبین أنَّ المتیقن لیس لدیه قابلیة البقاء – کما افاده الشیخ النائيني- .

اما القول الاول وهو اثبات هذه السیرة بنحو مطلق:

نقلنا سابقاً کلام بعض الاعاظم المعاصرین دام ظله و کلام السید الشهید الصدر قدس سره في ذلک و الآن قبل ان نبحث حول کلامهما نذکر مناقشة من صاحب الکفاية لهذا الدلیل – وهو الجري العام علی البقاء علی الحالة السابقة- ونقول أنَّ المحقق الخراساني أورد علیه اشکالین: إشکال في الصغری وإشکال في الکبری. والذي یهمّنا الآن اشکاله في الصغری، ومشی علی هذا الاشکال المحقق السید الخوئي رحمه الله و الشیخ الأستاذ دام ظله وعبر عنه باشکال متین.

صاحب الکفاية یقول: أنَّ العمل علی طبق الحالة السابقة لیس من جهة کونها حالة سابقة متیقنة بل العمل علی طبق الحالة السابقة المتیقنة؛ اما ان یکون ناشئاً من الرجاء او الاحتیاط او ان یکون ناشئاً من الاطمئنان او ان یکون ناشئاً عن الغفلة او یکون للظن ولو نوعاً.

قبل بیان مراده في الفرق نقول الفرق بینه وبین ما افاده السید الخوئي رحمه الله والشیخ الاستاذ هو في الظن النوعي الذي لم یذکراه، و لکن اتفقوا في ان هذا العمل علی طبق الحالة السابقة؛ ربما یکون ناشئا من الاطمئنان ببقاء الحالة السابقة مثلاً الان مَن غادر منزله وسافر لمدة اسبوع مثلاً ثم لما یرجع، یرجع الی داره، المدعي یقول: هنا استصحَبَ الحالة السابقة بانَّ داره مازالت موجودة ویرجع الی داره. بینما المحقق صاحب الکفایة یقول ان الرجوع الی الدار امرٌ صحیح لا ننکره ولکن ناشئ من الاطمینان بالبقاء؛ لیس عنده شک في بقاء داره، هو مطمئن بوجودها فعمله علی طبق الحالة السابقة لیس للاستصحاب، لان الاستصحاب یحتاج الی الیقین السابق و الی الشک اللاحق وهنا لایوجد الشک اللاحق لانه مطمئن بوجود داره.

اذن قسمٌ من العمل علی طبق الحالة السابقة ناشئ من الاطمئنان بوجود الحالة السابقة، هذا ینبغی اخراجه عن تحت الاستصحاب.

القسم الثاني؛ العمل علی طبق الحالة السابقة ناشئ من الاحتیاط؛ مثلاً من کان لدیه ولد فی بلاد بعید في الغربة وهو یرسل الیه ما یحتاج الیه من الاموال، هنا بعد مرور شهر او بعد سنة أنَّ الوالد یستمر بارسال الاموال. المستدل یقول هذا یرسل بناءً علی الاستصحاب؛ لان یوجد احتمال موت ولده فاستصحب بقاء حیاته وأرسل هذه الاموال. فالعمل علی طبق الحالة السابقة کان لاجل الاستصحاب.

المحقق صاحب الکفایة یقول: في مثل هذا المورد الوالد ارسل له احتیاطاً؛ یعني ان کان ولده موجوداً فوقعت في محلها ولم یقع ولده في الحرج والمشقه او ضرر او ما شابه ذلک وان لم یکن موجودا فلا یضره شئ یعنی لن یخسرها فهی سترجع الیه. اذن ارسال هذا المبلغ لا لاجل کون هو یشک في بقاء ولده فجریاً علی الحالة السابقة المتیقنة سیرسل بل إنما هو لاجل الاحتیاط.

او یکون الارسال رجاءً؛ رجاء انه محتاج فیرسل الیه او یمکن نمثل بمثال آخر؛ لعله یکون اوضح لو فرضنا ان شخصاً عنده محل تجارة و علم بهجوم لصوص علی هذه المحلة في اللیل وهو علم ذلک، الان المستدل یقول کانت عنده یقین سابق بوجود بضائع الان یشک في وجودها یستصحب البقاء صاحب الکفایة یقول: لا ذهابه رجاء یعنی هو الان علم بوجود اللصوص احتمل انَّ ما ذهب من السوق من جملته ماله ویحتمل ماله لم یصبه شئ او اصابه شئ وتضرر قسم منه والبعض الآخر لازال موجود فهو یذهب الی محل تجارته رجاء ان تکون سالمة رجاء ان یحصل منها شئ. اذن هذا العمل علی طبق الحالة السابقة لم یکن الاستصحاب وانما کان رجاءً.

القسم الرابع: انَّ عملهم علی طبق الحالة السابقة کان غفلة عن الحالة السابقة؛ الان لیس هو ملتفت بان هناک یقین سابق ویشک في بقاءه ومشی علی الیقین السابق، اصلا هو غیر ملتفت بهذه الجهة؛ بل غفلةً یمشي علی الحالة السابقة او ربما – یمثل له – بمن یذهب الی داره نلاحظ هنا هو اصلا غافل عن الیقین السابق والشک اللاحق اذا رجع من السفر ولو بعد سنین غفلة غیر ملتفت.

علیه صاحب الکفایة یقول بانّ ما ذکره المستدل من انّ العقلاء یعملون علی طبق الحالة السابقة المتیقنة هذا لا یفیدنا، بل الذی یفیدنا هو ان یکون علی طبق الحالة السابقة المتیقنة لکونها متیقنةً سابقة هذا الذی یفید. وأما اذا لیس عنده شئ آخر، فقط کونها متیقنة سابقة ویعمل علی طبقها سواء کان من الاحتیاط او الغفلة لا یفیدنا في الاستصحاب.

هذا شرح لما افاده المحقق الخراساني و مشی علیه السید الخوئي رحمه لله و الشیخ الاستاذ و اعتبره في غایة القوة و المتانة.

الان بعد معرفتنا بالاشکال؛ عندما نرجع إلی ما افاده العَلَمان السید الصدر رحمه الله وبعض الاعاظم دام ظله نلاحظ بانّ ما ذکروه في الواقع لاثبات الصغری و اثبات العمل العقلائي علی طبق الحالة السابقة لا یخرج عن هذه الامور فلا یمکن عند التدقیق عندما نأتي إلی کل مثال نلاحظ أنهم لا یخرجون عن هذه الامور.

فمثلاً بعض الاعاظم المعاصرین قال: کثیراً من الشوؤن الفردیة محتاجة إلی احراز الحیاة وبقاء شوونه الحالية بقاء قدرته علی ذلک العمل و لا تحرز الا بالاستصحاب. الدعوی هکذا: أنَّ جریهم العملي علی طبق الحالة السابقة یکاد أن یکون من الواضحات او یمکن عدّه من الواضحات في الجمله. هذه الامور التي ذکرناها یعني التعامل مع الاخرین مبني علی احراز حیاته مبني علی احراز قدرته وصحته مثل الوکیل الذي نتعامل معه وهو في الخارج محتاج الی احراز حیاته وصحته وهذه کلها لم تحرز الا بالاستصحاب.

نقول هذه الامثلة اذا نرید ان نطبق علیها ما افاده صاحب الکفایة نقول: هذه اما ترجع إلی الاطمئنان بالبقاء؛ مثلاً انا عندي وکیل في خارج البلد و اتعامل معه لا لاجل استصحاب بقائه وصحته بل انه الاطمینان علی بقائه لانَّه رجل شاب سالم. نعم، یمکن ان یعرض علیه الموت و ماشابه ذلک لکن بطبیعة الحال نطمئن ببقائه و قدرته فاذن مرجع التعامل لا لکون الحالة السابقة المتیقنة انها حالة متیقنة و انا الان اشک فیها، وانما لوجود الاطمینان ببقاء الحالة السابقة او یمکن ان یکون رجاءً مثلاً تجارة مهمة وأرسل له المبلغ رجاء انه لازال قادر ویقوم بهذه التجارة و علی ای حال انا لا اخسر المال یعنی لو لم یکن قادراً او حیاً سترجع الاموال هکذا یتعامل التاجر فلهذا یمشي علی طبق ذلک.

ولهذا لو فرضنا ان التاجر اذا شک في حیاي وکیله او شک في قدرته وبقاء المال وعدم تلفه مرتبط باحراز حیاته وعنده شک بانه صار في تلک البلاد حرب مثلاً واحتمال قوي بأنَّه ذهب ضحیتها او صار زلزال مدمر او من هذا القبیل. اذا هذا المال ذهب سیفقده؛ هل یا تری یرسل التاجر إلی وکیله استصحاباً للحالة السابقة مع وجود هذه القرائن التي تولد الشک ولکن الشک القوي؟ کان علی یقین من حیاة وکلیه ثمّ حصل ما حصل من زلزال مدمر في تلک البلاد احتمل قویاً ذهب ضحية ذلک، ویحتمل اذا ارسل المال سیفقده و هذا امر خطیر.

هل هذا التاجر بما هو عاقل یرسل المال او یتوقف الی ان یعرف حقیقة الحال؟ من الطبیعي نحن من العقلاء وننظر انفسنا في هذا المیزان نلاحظ انفسنا و نقول انه لا یرسل بل العقلاء هنا یتوقفون.

کذلک لما نأتي إلی المثال الآخر یقول بانه حتی مع ارتباطاته مع الاخرین، مثلاً هذا صدیق لي قبل خمس سنوات ولمدة خمس سنوات لم أره، الان رأیته، الدعوی هو انني اتعامل معه عل طبق الحالة السابقة لان حالة سابقة متیقنة. اصل الدعوی صحیح اتعامل معه علی طبق الحالة السابقة التي هي کانت الصداقة، احتمال التغیر وارد ولکن هل لکونها حالة سابقة او لانه اطمینان ببقائها لانه لم یوجد شئ یغیر، لم یصدر مني شئ یغیره علي ومطمئن ببقاءه او رجاءً مثلاً؛ یعني حصل بعض الامور التي یحتمل فيه التغیر انا اتعامل معاملة الصدیق رجاء انَّ الصداقة لازالت باقية، لا لأني اعمل علی طبق الحالة السابقة لکونها حالة سابقة وهذه النقطة المهمة.

أنَّ الاستحصاب أخذ فیه العمل علی طبق الحالة السابقة المتیقنة لکونها حالة سابقة متیقنه هذا التعلیل غیر تام في المقام. انا اتعامل معه علی طبق الحالة السابقة رجاء ان الصداقة باقیة.

کذلک في المثال الثالث الذي عبر عنه بالارتباطات وهي ادق من هذه الأمثلة نظیر ما اذا کان بینه وبین جماعة تشارک في منظمة اجتماعیه او سیاسیة و کان یذکر لهم الاسرار الحزبیة و یذکر له الآخرون الاسرار فتراهم هکذا دائما ، مع تطورهم و انقلاب حالهم ولعل بعضهم رجع عما کان علیهم من الفکر ومع ذلک یستمرون في عملهم و مشاوراتهم ولیس هذا الا من جهة الحکم بالبقاء، ایضا نفس الکلام یأتي هنا؛ في مثل هذه الموارد عنده اطمئنان بالبقاء لو لم یکن عندهم اطمئنان بالبقاء لم یتعاملوا فلهذا نقول لو بدرت بعض البوادر علی بعض اشخاص هذه المنظمة بحیث یحتمل انه خرج عنهم هل یا تری یتعامل معه الآخرون نفس المعاملة و یفشون له باسرارهم الحزبیة؟ لا قطعا ؛ العقلاء بما هم عقلاء لا یذکرون ذلک. بل اذا رأووا بعض الاحتمالات بانه خرج عنهم ولیس عنهم یتوقفون فیه و لا یفشون له.

مثال آخر و لعله یکون من أهم الامثلة هو تعاملهم في حالة القضاء و الحکم بینهم أي بین المسلمین و غیرهم فتراهم یمیزون بین المنکر و المدعي بکون قوله علی وفق الاصل او علی خلاف الاصل و یحکمون لمن له ورقة قانونية تدل علی مالکیته لذلک الشئ، و من الممکن قد باع ذلک الشئ و لم یعطیه الورقة فهنا ایضا صار تنازع نعلم انَّ هذه الدار کانت لزید و الان نشک في انتقالها لعمرو، احتمال باعها احتمال وهبها له ولکن هذا عنده وثیقة، فیعملون علی طبق من عنده الوثیقة او علی من کانت تحت ملکه. فمن الممکن نقول یحکمون علی من لدیه ورقة قانونية تدل علی مالکیته لذلک الشئ فمن الممکن ان یکون قد باع ذلک الشئ و لم یعطیعه الورقة. هذا لعله من افضل الامثلة ولکن یحتمل علی فرض التسلیم ان العقلاء بما هم عقلاء یبنون علی هذه الموازین هنا یحتمل لانَّ هذا عنده وثیقة والاخر لیس عنده وثیقة لا لکونها حالة سابقة، هذا عنده وثیقه کما قلت ورقة قانونیة تدل علی مالکیته الآخر لیست عنده وثیقة نقول اذا کنت تدعی بان هذه الدار لک اثبت! این اثباتک هذا الشخص عنده وثیةه انت لیس عندک وثیقه اذن العبرة لیست بکونها الحالة السابقة بل لکونها عنده وثیقة او بکونها تحت یده إنَّ الید امارة علی الملکية لکن لا لکونها حالة سابقة ما یحتاج المستدل الی القیام به الاثبات علی العمل بحالة السابقة لکونها حالة سابقة متیقنة فقط لا لوجود تعلیل آخر.

ایضا من جملة الامثلة : أنهم یحکمون بالبقاء في موارد ترجع الی حیاتهم مثل الحالة الصحية لقائد الطیارة مع احتمال عروض حالة صحية لقائد الطیارة ولکن الناس ترکب الطیارة و السیارة . ایضا الکلام نفس الکلام عندما یرکبون لوجود الاطمینان بصحته یعني یطمئنون ان الطیار لا یرکب الطیارة إلا بکامل صحته. اما لو بدرت البوادر یعني لو فرضنا ان الرکاب رأووا الطیار مخمور او مریض و غیر مستقر هل یرکبون الطیارة الان شکوا في صحته قطعاً لا یرکبون بما هم عقلاء.

فهذه الامثلة کلها ناشئة إما من الاحتیاط او الاطمئنان او الرجاء او الغفلة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo