< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

43/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب

[في أدلة الاستصحاب]

الکلام یقع في الادلة التي استدل بها علی حجية الاستصحاب وهي أربعة والمهم منها ثلاثة.

الدلیل الاول: سیرة العقلاء

و أساس الدعوی: ان سیرة العقلاء قائمة علی بقاء الحالة السابقة او علی العمل علی طبق الحالة السابقة، وهذه السیرة لم یردع عنها الشارع وتکون حجة، هذا ملخص الدلیل.

و اما التفصیل: فلتکون السیرة دلیلاً علی حجية الاستصحاب نحتاج إلی اثبات امور ثلاثة:

الاول: ثبوت اصل السیرة؛ الذي یعبر عنه بالبحث الصغروي؛ فیجب أن نبحث هل هناک سیرة عقلائية علی بقاء الحالة السابقة أو لا.

الثاني: وجود هذه السیرة في زمن المعصوم علیه السلام و هذا ایضاً یتبع الصغری.

الثالث: إمضاء هذه السیرة من قِبل الشارع ولو کان ذلک بعدم ردع الشارع عنها.

اما بالنسبة إلی الامر الثاني: الاصولیون لم یعیروا اهتماما به بمعنی انهم لم یتعرضوا الی اثباته ونفیه وربما لاحظوا الامر الاول فإذا ثبت الامر الاول وهو اصل السیرة العقلائية ولکون هذه السیرة ناشئة عن مدرکات عقلائية او مواثیق عقلائية یکشف عن عدم الفرق بین زماننا و تلک الازمنة.

فعلینا الان ان نبحث اولا عن الصغری وهي ثبوت اصل السیرة و نسئل هل هناک توجد السیرة العقلائية ام لا؟

و قبل الدخول في ثبوت هذه السیرة وعدمها ینبغی ان ننبّه علی شئ وهو انَّ المفید هو اثبات السیرة العملیة علی بقاء الحالة السابقة لکونها حالة سابقة لا لجهات أخری، فعلینا ان نثبت أنَّ العقلاء في حیاتهم الفردية والاجتماعية یبنون علی الیقین السابق لکونها سابق، بحیث یدعوهم ذلک إلی العمل به في أمورهم الشرعية.

اذا اتضح ذلک نقول: هذه السیرة العقلائیة التي یجرونها في حیاتهم العملیة وشوونهم الخاصه بهم بما هم عقلاء یحتمل بانهم سیجرونها في الامور الشرعیة علی طبق عادتهم وسیرتهم العملية. علی ضوء ذلک نتمکن أن نقول – کما سیأتي في الامر الثالث- أنَّ جهة الکشف وعدم الردع هو: أنَّ الشارع لما وجدهم یعملون علی طبق الحالة السابقة فی شوونهم الفردیة و الاجتماعیة فبالتالی سیعملون بها في الامور الشرعیة ایضا، فان لم یوافق الشارع علی ذلک کان علیه الردع، ونحن من عدم الردع نستکشف الامضاء.

بعد هذا التمهید نقول : ان الاقوال الموجودة في الامر الاول ( الصغری ) ثلاثة: قول بالثبوت مطلقاً، وقول بالثبوت بالجملة، وقول بعدم الثبوت مطلقاً.

[ کلام صاحب الکفاية في بیان القول الاول]

القول الاول: أشار إلی هذا القول المحقق صاحب الکفایة رحمه الله -ولم یبني علیه کما هو سیرد علیه الاشکالات- قال مبيّناً لهذا القول: « فقد استدل عليه بوجوه‌: الوجه الأول استقرار بناء العقلاء: من الإنسان بل ذوي الشعور من كافة أنواع الحيوان على العمل على طبق الحالة السابقة و حيث لم يردع عنه الشارع كان ماضيا» [1]

ظاهر هذا الکلام هو استقرار بناء العقلاء من الانسان بل ذوی الشعور من کافة انواع الحیوان.

[ کلام الشیخ المظفر في بیان القول الاول]

وقال الشيخ المظفر رحمه الله في تبیین هذا القول: « لا شك في أن العقلاء من الناس على اختلاف مشاربهم و أذواقهم جرت سيرتهم في عملهم و تبانوا في سلوكهم العملي على الأخذ بالمتيقن السابق عند الشك اللاحق في بقائه و على ذلك قامت معايش العباد و لو لا ذلك لاختل النظام الاجتماعي و لما قامت لهم سوق و تجارة»

هنا یؤکد بجریان السیرة العملية للناس علی الاخذ بالمتیقن السابق بنحو الاطلاق.

ثم اشار الی ما اشار الیه صاحب الکفایة بعنوان قیل: «و قيل إن ذلك مرتكز حتى في نفوس الحيوانات فالطيور ترجع إلى أوكارها و الماشية تعود إلى مرابضها و لكن هذا التعميم للحيوانات محل نظر بل ينبغي أن يعد من المهازل لعدم حصول الاحتمال عندها حتى يكون ذلك منها استصحابا بل تجري في ذلك على وفق عادتها بنحو لا شعوري. و على كل حال فإن بناء العقلاء في عملهم مستقر على الأخذ بالحالة السابقة عند الشك في بقائها في جميع أحوالهم و شئونهم مع الالتفات إلى ذلك و التوجه إليه‌» [2]

 

[ کلام السید السیستاني دام ظله في المقام]

ایضا ما یستفاد من بعض الاعاظم المعاصرین دام ظله[3] : «وهذا الدلیل یمکن عدّه من الواضحات في الجملة؛ وذلک لأننا حینما نراجع العقلاء في شوؤنهم الفردیة وتعاملهم مع الآخرین، وفي الحکم بین الناس، نراهم معتمدین علی الاستصحاب، فإنَّ کثیراً من الشوؤن الفردية محتاجة إلی إحراز الحیاة والصحة، وبقاء شوؤنه الحالية، وبقاء قدرته علی ذلک العمل، ولایمکن إحراز هذه الامور إلاّ بالاستصحاب»

یعنی هذا التاجر و ذلک التاجر عندما یتعاملان مع البعض لو التاجر مع وکیله یتوقف تعالمهم علی احراز حیاته وصحته وقدرته علی القیام بهذا العمل وهذا لا یتم الا عن طریق الاستصحاب، مثلاً أنا کنتُ عالماً بانّه موجود حيّ قادر صحیح؛ الان أشک في ذلک فأبني علی الیقین و ارسل له التجاره مثلاً .

بل حتی فی الارتباطات و العلاقات، مثلاً کان هذا الشخص صدیقاً لي الان أحتمل ان یکون عدوا بتقلب الحالات أتعامل معه علی انه صدیقي استصحاباً لحالته السابقة، او کان عدواً لي و أحتمل انه صار صدیقاً أتعامل معه علی انه عدو لي.

بل حتی في الامور المبنیة علی السرّ کما لو کان شخص یعیش ضمن منظمة خاصة تتطلب السرية، فهنا یحدثه بالاحادیث السریة المرتبطة بهذه المنظمة الخاصة مع احتماله بانه ربما خرج منها ولکن یبنی علی الاستصحاب فیتعامل معه معامله السابق.

بل في الشوون المالیة ایضاً الوکیل في الامور المالیة مع البعد الزماني وبعد العهد لم ینکشف له الخلاف کان امیناً فیبنی علی انه امین فیتعامل علی امانته في الحکم بین الناس مثلاً یعلم هذه الدار کانت ملک زید والان جاء الاخر و ادعی خلاف ذلک، هنا العقلاء یعملون علی انها ملک زید الذي کان یملکها في السابق هذا ایضاً مبني علی الاستصحاب.

بل الاستصحاب في امورهم المرتبطة بحیاتهم یحکمون ببقاء الحالة الصحية فمثلاً یحکمون ببقاء الحالة الصحية لقائد الطائرة ولهذا یرکبون الطیارة و السیارة مع احتمال طروئه حالة خاصة. و هکذا...

اذن حاصل ما افاده : أنَّ السیرة العقلائية موجودة وقد تکون من الواضحات و تحلیلها هو انَّ سیرتهم لم تبتني علی الغفلة و انما ربما یکون عن «الظن الاحساسي» او «الاطمئنان الاحساسي» الذی عبر عنه .

و یقصد من الاطمئنان الإحساسي: الظن بالمسبب والموجب للاعتقاد من غیر دعم ببرهان.

عنده بحث دام ظله في هذا المجال في مکان اسبق وهو انَّ هذا الظنّ لیس ظناً مصطلحاً وانما یکون اعتقاداً ولکن هذا الاعتقاد غیر مدعم بالبرهان فلهذا یسمّی الظن. فربما یکون هذا النحو من باب الاطمئنان الاحساسي یعني الانسان بحسه یبقی علی مخیلته السابقة علی احساسه السابق فمثلاً کان معرفته السابقة هي أنَّ الفلاني جاهل وبعد مدة مدیدة مثل عشر سنین باعتبار أنَّه درس وطلب العلم، یبقی في ذهنه الاحساس الاول وهو أنَّه باقٍ علی حاله ما لم یقم البرهان علی عکس اعتقاده.

[ کلام السید الشهید الصدر في المقام]

ویدخل ایضاً في ضمن ذلک السید الشهید الصدر قدس سرّه: قال : « و لكن الصحيح ثبوت أصل السيرة و البناء العقلائي على العمل طبق الحالة السابقة في الجملة و لو على أساس الوهم و الأنس الذهني الّذي يميل الإنسان على أساسه إلى افتراض بقاء الحالة السابقة، بل نفس ما ذكروه من الغفلة يكون منشؤها عادة ذلك الوهم و الأنس الذهني، و لهذا نجد انهم يجرون على طبق الحالة السابقة في موارد قد لا يكتفى فيها حتى بالظن فكأن ذلك الأنس الذهني أوجب سكون النّفس و عدم اعتنائها باحتمال الخلاف، و يشهد على ثبوت أصل البناء العقلائي ذكر كثير من‌ العلماء لها حتى قال بعضهم انه لولاه لاختل نظام المعاش و هو كذلك إذ كثير من الأمور تمشي ببركة هذه الغفلة و لولاه لاضطرب نظام المعاش بين الناس لو أريد إقامته على أساس الاحتياط أو الظن المعتبر.»[4]

ویمکن أن نندرج هذا في ضمن القول الثاني حیث صرّح رحمه الله بـ:« في الجملة»

هذه اقوال لمن قال بثوبتها.

وفي مقام تلخیص الاقوال نقول: انَّ القول الاول : هو ثبوت السیرة العقلائية علی العمل علی طبق الحالة السابقة بعد الشک فیها اما تحلیل لذلک؛ إما ان نقول تحلیل اجتماعي وهو : انهم لو لم یعملوا بذلک لما یستقر حجر علی حجر واختل نظام المعاش عندهم. او من ناحية نفسیة التي عبر عنه بعض الاعاظم دام ظله بالاطمینان الاحساسي او ما عبر عنه السید الشهید قدس سره بالانس الذهني.

المهم نرید ان نرفع جانب الغفلة او الجانب الآخر التي تذکر فی الاشکالات الآتية ان شاءلله تعالی.


[3] الاستصحاب تقریرات بحث السید السیستاني دام ظله بقلم، السید محمد علی الرباني، ج1، ص33.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo