< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

43/03/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب

[ نبذة ممّا تقدّم ]

حاصل ما تقدم: انَّ ما افاده المحقق النائیني في بیان الفرق بین الامارات والاصول متین من ناحیه الاثبات. اما من ناحية الثبوت؛ یحتاج الأمر إلی أن یبین شیئاً الذی یظهر من کلامه، حیث قال: انّ الفرق بین الامارات والاصول ثبوتا انَّ الاصول اخذ في موضوعها الشک یعني الشک إما جزء الموضوع او تمام الموضوع، امّا بالنسبة إلی الامارات فلم یوخذ في موضوعها الشک لا تمام الموضوع ولا جزء الموضوع، والمفروض في الامارات الشک مأخوذ في جزء الموضوع. هذا التفریق بغض النظر ان انه اخذ الشک في لسان الدلیل او لم یوخذ في لسان الدلیل علی ما ذکرنا[1] في کلامه من أنَّه قدس سرّه لم یصرّح بوجود کلمة الشک في لسان الدلیل بل کلامه کان ناظراً علی وجود الشک ثبوتاً.

[ إشکال کلام المحقق النائيني من ناحية الثبوت]

نقول هذا التفریق من ناحیة الثبوتیة غیر تامّ؛ وذلک لما بینّاه من برهان السبر والتقسیم ثبوتاً، فإنَّ الاحکام تدور مدار الاغراض الواقعیة للمولی، هذا امر مفروغ عنه، والاحکام ایضا من ناحیة تدور مدار الموضوعات سعة و ضیقا، وهذا ایضاً واضح، وفي الواقع اما ان یکون موضوع الامارات مهمل وهذا مستحیل ثبوتا کما بیّناه مفصلاً[2] . یبقی عندنا ان یکون الموضوع مطلقا من ناحیة العلم والشک فتکون الامارة حجة سواء علم بالحکم الواقعي ام لم یعلم بالحکم الواقعي، هذا الاحتمال ایضا باطل؛ لانَّه یستحیل تجعل الامارة حجة حتی مع قیام العلم، فلو علمتُ بالحکم الواقعي وانه الوجوب مثلاً وقامت الامارة علی حرمته، معناه یکون ان احکم علی هذا الوجوب الذي علمته واقعا حکمَ وهذا لا یمکن القول به. اذن الاطلاق مستحیل وباطل، بنفس اعتراف المحقق النائیني بأنَّ الامارات لیست حجة عند العلم.

یتعین عندنا الشک بان نقیّد الموضوع بالشک، ان موضوع الامارة ثبوتا اخذ فیه الشک کما ان موضوع الاصل اخذ فیه الشک. لا فرق بین الامارة والاصل فما یستفاد من کلمات النائیني بانَّ الشک غیر ماخوذ في مورد الامارات غیر تامّ.

 

[ متانة کلام المحقق النائيني من ناحية الاثبات ]

لکن المتانة في کلامه هي من ناحیة الاثبات او ملاحظة المحمول وهو انَّ الامارة فیها جهة الکاشفیة وهذا امر جزمي؛ حیث أنَّ الامارات مثل خبر الواحد تکشف عن الواقع کشفا ناقصاً؛ والشارع جعل الامارة حجة بإلغاء احتمال الخلاف او تمیم الکشف. فاذن الامارة عاملها الشارع معاملة العلم تعبداً والاّ هي بالحقیقة لیست بعلم. فجعل الامارة بمثابة العلم.

هذا ما یظهر من تعبیرات الموجودة في الروایات: مثل:« لا عذر في التشکیک عما یروی عنا ثقاتنا» [3] هنا الثقة بحدّ نفسه لا یستفاد منه العلم، فاذا أخبر الثقة اقبل منه ام لا ؟ الامام علیه السلام یقول: «لا عذر للتشکیک فیما یروی عنا ثقاتنا». اذن لا تعتبر احتمال الخلاف بل ابني علی عدمه. فإذن لوحظ في الامارة جهة الکشف وجعلت معتبرة من هذه الناحیه.

اما بالنسبه الی الاصول؛ لیست الا جري عملي ولیست فیها جهة کشف، «لا تنقض الیقین بالشک عملاً» «ابني علی الیقین» الیقین السابق موجود و الشک اللاحق موجود ومع حفظ هذا الشک «ابنی علی یقیقنک عملاً» والنقطة الاساسیة هنا: أنَّ في الامارات لیس فیها مع الاحتفاظ بالشک، بل الموجود: الغي الشک واحتمال الخلاف، بخلاف الاصول التي فیها المحافظة علی الشک.

فالفرق یکون في هذه الجهة: انَّ الاصول العملية جری فیها جري العملي واما بالنسبة الی الامارات فلوحظ فیها جهة الکشف ولوحظ الکاشفية تامة فیها.

نعم کما ذکرنا سابقاً یوجد هناک فرق بین الاستصحاب وبین غیره من الاصول، فإنَّ الاستصحاب فیه جري عملي بناء علی انَّه الواقع؛ الاصول العملية مثل البرائة لیس فیها البناء علی انه الواقع؛ مثلاً انا اشکّ في الحکم الشرعي ما هو حکم التتن هل هو حرام ام لا؟ الرواية تقول «رفع ما لا یعلمون»، «ابني علی عدم الحرمة» أشک في حلیة شیئ معین، یقول: عملاً ابني علی انه حلال ولیس فیه «علی انه الواقع» أو «لا تنقض الیقین بناء علی انه الواقع» هذا فرق بین الاصول العملیة المحرزة الذي هو الاستصحاب والاصول العملیة غیر المحرزة.

فاتضح مما ذکرنا انَّ مسئلة الاستصحاب من الاصول العملیة ولیست من الامارات. خلافاً مما افاده السید الخوئي قدس سرّه من انها من الامارات؛ لانَّه اعتبر ان المجعول في الاستصحاب هي الوسطیة والطریقیة في الاثبات فحالها حال سایر الامارات فاستفاد من الروایات أنَّ المجعول في الاستصحاب هي الطریقیة.

وسیأتي هذا فیما بعد عندما نتعرّض الی مدالیل الروایات المستدل بها علی حجیة الاستصحاب إن شاءالله تعالی.

[ فرق آخر بین الاصول والامارات ]

هناک تفریق آخر: وحاصل ذلک: یوجد في المباحث الاصولیة والبحث عن الحجة فیها عدة أقسام:

القسم الاول: ما نبحث عن حجيته مع وجوده: یعني هناک أمرٌ موجودٌ في الخارج قطعا فنحتاج إلی البحث هل هو حجة او لیس بحجة، من قبیل الخبر الواحد، فإنَّ الخبر الواحد موجود في الخارج، وبحثنا في الاصول عن حجية هذا الامر الموجود، هل خبر الواحد الثقه حجة او لیس بحجة، الاجماع حجة او لیس بحجة، الاجماع موجود في الخارج ولکن نبحث عن حجیته و عدم حجیته. کذلک الشهرة و... .

القسم الثاني: یبحث عن وجودها في الواقع، بمعنی انه إن وجودت فهی حجة قطعاً؛ فالبحث یکون عن وجودها عن عدم وجودها؛ مثل باب المفاهیم مثلاً؛ البحث عن مفهوم الشرط لیس بحثاً عن حجية ما هو الموجود یعنی لم نجعل المفهوم مفروغ الوجود ثم نبحث عن حجيته وعدم حجیته، بل نبحث عن وجوده هل للجملة الشرطية مفهوم ؟ او لا ؟ المرجع الحقیقی هنا. وإن عبّر بحجية مفهوم الشرط او مفهوم الشرط حجة. ولکن المقصود هل الجملة الشرطیة لها مفهوم او لیس لها مفهوم هل الوصف له مفهوم او لیس له مفهوم و... .

القسم الثالث: لمّا نأتي إلی الاصول العملية بنحو العام. لیس البحث فیه من قبیل الاول یعني لا نبحث عن حجية ما هو الموجود، لیس عندنا في الخارج شئ نسمّیه الاستصحاب وهذا الاستصحاب حجة او لیس بحجة. لیس عندنا في الخارج شئ اسمه البرائة ونبحث انها حجة ام لا، کما هو الحال في خبر الواحد، فانَّ الخبر الواحد موجود في الخارج ونسئل هل هو حجة او لیس بحجة.

الاستصحاب لیس کذلک، الاستصحاب او الاصول العلمية لیس هو الاّ التعبد من طرف الشارع في مورد الشک لاحد الطرفین؛ عندنا طرف التشکیک والشارع یعبدنا باحد الطرفین او یخیرنا بین احد الطرفین، فاذن لیس عندنا شئ فی الخارج اسمه الاستحصاب و ثم یأتي الشارع ویقول هذا الاستصحاب الموجود في الخارج حجة وانما یعبدنا باحد طرفي الشک تعییناً او تخییراً، لیس الا.

فاذن هو لا یلحق بالاصول القسم الاول، ایضا لا یلحق بالاصول القسم الثاني.

هذا هو فرق آخر ما بین الاصول والامارات.

[ مرتبة الاستصحاب ]

اذا اتضح هذا یتضح امر آخر یترتب علی ذلک: وهو ان یجعل مقدمة أخری او یجعل ملحق بهذه المقدمة: وهو مرتبة الاستصحاب؛ من هذا التفصیل الذی ذکرناه تتضح مرتبة الاستصحاب في الاصول.

إنَّ المکلف یدین بالشریعة المقدسة فهو یعلم بوجود احکام في ضمن الشریعة المقدسة وینبغي له ان یبرء ذمته عن هذه الاحکام المتوجه الیه من جانب الشریعة المقدسة فعلیه ان یبحث عن ذلک، ویحصل له أحد هذه المراتب:

المرتبة الاولی: حصول العلم؛ اذا حصل العلم فلیس هناک حجة بعده. فانَّ البحوث الاصولیة تارة یبحث فیما یفید العلم؛ فاذا حصل العلم فلیس بعد العلم غاية.

المرتبة الثانية: جعل الطرق والامارات التي جعلها الشارع علماً، فالشارع اعتبر خبر الثقه علماً تنزیلیلاً او علماً تعبدیاً.

المرتبة الثالثة: الاصول العملية؛ کما قلنا سابقاً لیست فیها جعل علم، وانما یتعبدنا الشارع باحد الطریفي الشک تعیینا او تخیرا فلم یجعلها الشارع علماً. نعم، اخذ في موضوعها الشک کما قلنا والشارع جعل فیها الجري العملي فقط .

هذا المرتبة الثالثة، مرتبة متأخرة عن المرتبة الثانية قطعا؛ لأنَّ المرتبة السابقة یجعل فیها العلم ولکن علم تعبدي وأما هذه المرتبة لم یجعل فیها العلم وان کان موضوعه- الاصول- الشک کما هناک موضوعه- الامارات- الشک ولکن جعل في الاصول الجري العملي فتکون مرتبته بعد مرتبة الامارات.

یبقی مرتبة الاستصحاب من بین الاصول؛ یکون الاستصحاب مقدم علی سایر الاصول العلمية؛ لانَّ الاستصحاب فیه جري عملي أي: بناء علی انه الواقع صارت حجة ولیس مجرد الجري العملي ولکن بقیة الاصول هي الجري العملي المحض، فمرتبة الاستصحاب تکون متقدمة علی مرتبة سائر الاصول العملية ولهذا اشتهر فی الألسن: « الاستصحاب فرش الامارات وعرش الاصول» وهي اشارة الی انَّ منزلته تکون بین المنزلتین، لا هو في منزلة الامارات لا هو في منزلة الاصول؛ فاذن تکون مرتبته متأخرة. فاذا أردنا أن نعتبر هذه المرتبة مرتبة مستقلة تکون عندنا مراتب اربعة : مربتة العلم، مرتبة الامارات، مرتبة الاستصحاب، مرتبة سایر الاصول العملية.

هذا تمام الکلام في هذه النقطة.

 


[1] في الدرس السابق تحت عنوان : دفع توهم.
[2] في الدرس رقم 4.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo