< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

43/03/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب

الجهة الثالثة فيما ینبغي بحثه في المقدمة

لازال کلامنا یقع فيما افاده المحقق النائیني في بیان الفرق بین الامارات والاصول. وقبل أن ندخل في صلب الموضوع نشیر إلی جواب سؤال مقدّر.

[ دفع توهم ]

إنَّ المحقق النائیني صرّح في بعض الموارد بانَّ المأخوذ في موضوع الاصول هو الشک دون الامارات؛ لأجل تاکید هذه الجهة من کلمات المحقق النائیني قدس سرّه نذکر عبارتین منه :

العبارة الاولی: قال[1] : « والحاصل انه لا فرق بین الاصول التنزیلیة و الامارت الا في ان الشک اخذ موضوعا للاولی [یعني الاصول التنزیلیة] دون الثانية » یعني لیس فقط في لسان الدلیل بل هنا یظهر منه اخذ الشک ثبوتاً.

العبارة الثانية: قال[2] : « ضرورة أنَّ موضوعه [الاصل العملي] هو الشکّ في الحکم الواقعي، فلا نظر له الی الواقع أصلاً ».

فتبيّن من هاتین العبارتین أنَّ اخذ الشک في الموضوع، حسب مبنی المحقق النائيني، ناظر الی الثبوت لا مجرد ذکر الشک في لسان الدلیل، فلایتوهم أنَّ الفارق الذي قصده المحقق النائيني من وجود الشک في موضوع الاصل هو ذکر لفظ الشک في لسان الدلیل بل المقصود هو وجود الشک في الثبوت.

نرجع الی صلب البحث:

ملخص ما قاله المحقق النائیني;: التفریق بین الامارات والاصول من جهة المحمول بهذا النحو: الامارات جعلت من جهة الکشف، أي: إنَّ الامارة بما انها کاشفة صارت حجة، لکن انّ کشفها ناقص یتممّه الشارع، اما بالنسبة الی الاستصحاب – او الاصول المحرزة- فالمجعول فیها الجري العملي فقط، حسب ما قررناه سابقاً، المجعول في الامارة هو الجهة الثانية من جهات العلم وهي: جهة الانکشاف وطریقیتها للواقع والمجعول في الاصول هي الجهة الثالثة من جهات العلم وهي التحریک والجري العملي.

و بالجملة: من جملة ما افاده هو انَّ المجعول في الامارات هو الطریقیة کما ان المجعول في الاصول هو الجري العملي[3] ، [4] هذا فرق جوهري.

 

[ إشکال المحققین الاصفهاني والخوئي علی المحقق النائيني ]

اورد علی المحقق النائيني;، المحقق الاصفهاني[5] ; والسید الخوئي[6] ;: بما حاصله: اذا کان الامر في الامارات مثل ما ادعاه المحقق النائيني; من کون ادلة اعتبار الامارة تجعلها علماً تعبدیاً فیکون الاستصحاب کذلک؛ لان المجعول فیه هو الطریقیة والیقین التعبدي في ظرف الشک کما هو ظاهر بعض ادلة هذا الباب من: «من کان علی یقین فشکّ فیمضي علی یقینه » او « لا تنقض الیقین بالشک » أو « لیس ینبغي لک ان تنقض الیقین بالشک » کل هذه الامور یستفاد منها: انّ المجعول هو الطریقیة والیقین التعبدي. اذن لا فرق في هذه الجهة بین الامارة و الاصول .

لهذا یقول السید الخوئي في المصباح: « فإنَّ المجعول في باب الاستصحاب أیضاً هو الطریقية واعتبار غیر العالم عالماً بالتعبد، فإنّه الظاهر من الأمر بابقاء الیقین وعدم نقضه بالشک، فلا فرق بین الأمارة والاستصحاب من هذه الجهة...» هذا ما ذکره في مبحث الاصل المثبت .

الجهة الاولی في کلام المحقق النائيني کانت: أنَّ المجعول في باب الاستصحاب هي الطریقیة. فجهة الاشکال علی المحقق النائيني: اذا قلتَ بانّ الامارة جعلت فیها الطریقیة التعبدیة ولیس فیها العلم حقیقةً وواقعاً، فالأمر کذلک في الاستصحاب؛ اذن لا فرق بین الامارة والاصول من هذه الجهة . هذا حاصل ما افاد المحققین رحمهما الله.

[ اشکال الشیخ الوحيد الخراساني علی المحققين ]

الشیخ الاستاذ حفظه الله ردّ علی هذا الاشکال الوارد علی المحقق النائيني :یقول[7] : انما یرد هذا الاشکال لو کان مبنی المحقق النائیني في الاستصحاب هو جعل الیقین التعبدي یتمّ هذا الاشکال. لکن المحقق النائیني ; فی کلتا الدورتین[في الاجود والفوائد] صرّح بان المجعول في الامارة هي الاحراز والطریقیة والمجعول في الاصل هي الجري العملي وفي خصوص الاستصحاب یوجد بناء عملي علی بقاء المتیقن، یعني بما أنَّ الاستصحاب من الاصول المحرزة فهو فیه الجري العملي بناء علی المتیقن علی انه الواقع – وهذا غیر الاحراز-.

فإذن المجعول في الامارت عند المحقق النائيني هي الاحراز والطریقیة واما المجعول فی الاستصحاب هي غیر الاحراز، یعني المجعول في الاصول غیر الاحراز وانما هي الجري العملي.

ثم قال الشيخ الاستاذ حفظه الله: بعبارة أخری: أنَّ في القطع یوجد احراز وجداني انکشاف واقع حقیقي وعلی ضوءه یتحرک العالم والقاطع نحو العمل مثل مثال العطشان. وما جعل في الامارات في نظر الشیخ النائیني هو هذه الجهة -جهة الاحراز- لأنَّ فیها کاشفیة ولکن الکاشفیة الضعیفة والناقصة، فجعل التمیم لهذه الکاشفیة، یعني جعل جهة الاحراز، امّا ما جعل في الاستصحاب او في الاصول هي جهة المحکریة.

نعم هناک فرق بین الاستصحاب وبین البرائة وبین الاصالة الحلّ -یعني بین اصل المحرز الذي هو الاستصحاب وبین الاصل غیر المحرز مثل البرائه او الحل- والمدلول المستفاد من ادلة الاستصحاب هو الجري العملي علی الحالة السابقة بناءً علی انه الواقع، اما بالنسبة الی الاصول غیر المحرزة المجعول فیها هي الجري العملي فقط لا الواقع.

اذن حاصل اشکال الاستاذ حفظه الله علی المحققین: لو کان المحقق النائیني یقول ان المجعول في الاستصحاب الطریقیة والتعبد لتمّ اشکالکم لکن یری المحقق النائيني فقط الجري العملي.

أنَّ ما افاده الشیخ الاستاذ حفظه الله یتوافق مع بعض عبائر المحقق النائیني :

کالعبارة السابقة: « ضرورة أنَّ موضوعه [الاصل العملي] هو الشکّ في الحکم الواقعي، فلا نظر له الی الواقع أصلاً ».

وهذه العبارة: « في الجملة غاية الأمر حيث انها ناقصة في حد ذاتها فدليل الحجية يكون متمما لها و هذا بخلاف الأصل فانه غير مشتمل على الكشف أصلا كما هو الغالب أو ان دليل الحجية غير ناظر إلى تتميم جهة كشفه كما في قاعدة الفراغ بناء على ما سيجي‌ء...» [8]

وهذه العبارة: « ان المجعول في الأمارات على ما عرفت في بحث جعل الطريق انما هو نفس صفة المحرزية و الوسطية في الإثبات و بعبارة أخرى جعل فرد تشريعي من العلم و هذا بخلاف الأصل فإن المجعول فيه هو الجري العملي مطلقا غاية الأمر انه في الأصول المحرزة انما يكون بمئونة البناء على أحد طرفي الشك و في غيرها بدونها...»[9]

اذن جواب الشیخ الاستاذ حفظه الله یتناسب مع بعض عبائر المحقق النائیني;.

[ ملاحظة علی ما أفاده الشيخ الوحيد الخراساني ]

ولکن نلاحظ انّ هناک عبارات اخری للمحقق النائیني لا تدل علی ذلک بل تدل علی الوسطية مثلا:

العبارة الاولی: « و منه يظهر الحال في الأصول التنزيلية أيضا فانا قد ذكرنا في بعض مباحث القطع ان المرتبة الرابعة من القطع الطريقي التي هي مرتبة الإحراز لها جهتان (إحداهما) انكشاف الواقع (و ثانيهما) الجري العملي على طبق المنكشف و المجعول في باب الأمارات هي الجهة الأولى من تلك المرتبة و المجعول في باب الأصول الجهة الثانية منها فالأصول المحرزة تشترك مع الأمارات في ان المجعول في مواردها ليست هي الأحكام التكليفية البعثية و الزجرية حتى يتوهم لزوم اجتماع الضدين أو النقيضين و انما المجعول هي الوسطية في الإثبات من حيث انكشاف الواقع في الأمارات و من حيث الجري العملي في الأصول التنزيلية المترتب على تنجز الواقع عند الإصابة و المعذرية عنه عند الخطأ فالأصول التنزيلية وسط بين الأمارات و الأصول الغير التنزيلية فمن حيث اشتراكها مع الأمارات في ان المجعول فيها هي الوسطية في الإثبات»[10] فنلاحظ المحقق النائيني هنا جعل المجعول في الامارات وفي الاستصحاب والاصل المحرز هي الوسطية ولکن الحیثیة مختلفة لکن نفس المجعول هي الوسطة في الاثبات، ومن حیث الجري العملي في الاصول التنزیلیة .

بعبارة اخری کأنّه قال هکذا : وانما المجعول في الامارت هي الوسطية في الاثبات حیث انکشاف الواقع والمجعول في الاصول المحرزة هی الوسطیة في الاثبات من حیث جري العملي. اذن الوسطية مجعولة في الاثنین.

العبارة الثانية: « لكن الصحيح كما عرفت ان المجعول فيها أيضا هي الوسطية في الإثبات و كون الأصل محرزا للواقع من حيث الجري العملي بل يمكن أن يقال‌... »[11]

اذن کلام المحقق النائیني هو جعل الاحراز، الشیخ الاستاذ حفظه الله یقول: انَّ المجعول في نظر المحقق النائیني في الاستصحاب هي بناء العملي علی بقاء المتیقن وهذا غیر الاحراز، المحقق النائيني في بعض عباراته اثبت ان المجعول في الاستصحاب الاحراز الوسطية في الاثبات ولکن من حیث الجری العملي لا من حیث الانکشاف، ففي الامارات من حیث الانکشاف الواقع وفي الاصول اعتبرها من حیث الجري العملي.

[ کلام الشیخ حسين الحلي في تأئيد ماذکرنا]

ولعّل هذا الرأی هو مختار المحقق النائیني الاخیر علی ما یظهر من کلام الشیخ حسین الحلی رحمه الله[12] حیث قال: « لا يخفى أنّه قدس سره في الدورة الأخيرة قد عدل عن ذلك، أعني كون مفاد الأُصول التنزيلية هو لزوم البناء العملي، بل جعل مفاد دليل حجّيتها هو نفس مفاد دليل حجّية الأمارة من الوسطية في الإثبات، لكنّه في خصوص الأُصول التنزيلية من حيث الجري العملي، فراجع ما حرّر عنه في التحريرات المطبوعة[13] في صيدا بقوله: و إنّما المجعول هي الوسطية في الإثبات من حيث انكشاف الواقع في الأمارات، و من حيث الجري العملي في الأُصول التنزيلية »

النقطة التی اردنا أن نشیر إلیها هي اشکال الشیخ الاستاذ حفظه الله علی المحققین: حیث قال: کلامهما تامّ لو کان مبنی المحقق النائيني في الاستصحاب هو الجعل التعبدي ولکن لیس مبناه کذلک بل هو الجري العملي. نقول حسب عبارات المحقق النائیني بل علی نقل المحقق الشيخ حسین الحلي هذا هو رأیه الاخیر. بناء علی هذا المحقق النائيني یری الوسطية. فیتمّ اشکال المحقق الاصفهاني والسيد الخوئي.

[ ملاحظة في ماذکره المحققين ]

ولکن لا یذهب علیک إنما إشکالهما یتمّ اذا التزم المحقق النائيني بذلک والمفروض انه لا فرق بین الامارات والاصول في هذه الجهة. انت ترید ان تفرّق بین الامارات والاصول وتقول في الامارات المجعول فیها هي الوسطية في الاثبات والمجعول في الاصول هي الجري العملي، بینما انت علی مبناک الاخیر تقول بان المجعول فی الاستصحاب هي الوسطیة في الاثبات من حیث الجري العملي.

نعم یمکن مع اضافه هذا القید نحافظ علی الفارق ونقول: ان الامارات تفترق عن الاصل بهذا المقدار. یعني المجعول في الامارات والاصول تکون واحدة وهي الوسطية في الاثبات لکن الحیثیات تختلف؛ في الامارات من حیث انکشاف الواقع وفي الاصول من حیث الجري العملي وهذا المقدار یکفي في بیان الفرق الجوهري بینهما.

النتيجة: اشکال المحققین لایرد علی المحقق النایئین إذا اضفنا هذا القید.

وحاصل ما ذکرنا: انّ اشکال الشیخ الاستاذ حفظه الله لا یرد علی المحققین لانّ المحقق النائیني یری الوسطیة مع تایید من المحقق الشيخ حسن الحلي;. واشکال المحققین علی الشیخ النائیني لا یرد ایضا: لأنَّ ذهب المحقق النائیني الی انّ المجعول في الامارات هي الوسطية في الاثبات لکن من حیث الانکشاف وفي الاستصحاب من حیث الجري العملي. فلا یرد اشکالهما.


[7] المغني في الاصول الاستصحاب، ج2، ص129.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo