< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

43/03/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب

الجهة الثالثة في ما ینبغي بحثه في المقدمة

[ نبذة ممّا تقدّم مع المحقق النائيني ]

کان الکلام في أنَّ الاستصحاب هل هو من الاصول او من الامارات؟ و قلنا بانَّ تحدید هوية الاستصحاب یعتمد علی معرفة الفرق بین الامارات والاصول وذکرنا نظرية المحقق النائيني قدس سرّه حیث قال: التفریق بینهما من جهتین : الموضوع والمحمول. وقال: بالنسبة إلی الموضوع فالفرق بین الامارات والاصول من جهات ثلاث:

الجهة الاولی: أنَّ الشکّ اخذ في موضوع الاصول و لم یوخذ في موضوع الامارات وانما مورد الامارات هو الشک ولیس موضوعه الشکّ.

الجهة الثانية: أنَّ الامارة فیها جهة کشف عن الواقع وإن کان کشفاً ناقصاً بخلاف الاصول.

الجهة الثالثة: أنَّ جعل الحجية للأمارات بلحاظ جهة الکشف، بخلاف الاصول.

وذکرنا ایضا الفارق في المحمول عند المحقق النائيني وهو جعل الکاشفية التعبدية للأمارات واما بالنسبة إلی الاصول فالمجعول هو الوظیفه العملية فقط. هذا ملخص ما تقدّم.

[ مناقشة السيد الخوئي مع المحقق النائیني في بیان التفریق ]

نظرية المحقق النائيني صارت محل بحث واشکال عند بعض معاصریه کالمحقق الاصفهاني وعند بعض المتاخرين علیه کتلامذته.

فمن جملة تلک الاشکالات ما أورده السید الخوئي رحمه الله:[1]

الاشکال الاول: اشکالٌ نقضي بالامارات بالنسبة إلی الجهة الاولی: المحقق النائیني کان یقول: الشک اخذ في موضوع الاصول ولم یوخذ في موضوع الامارت فمن ثمَّ اورد علیه بانَّ الشک او عدم العلم اخذ ایضاً في بعض أدلة الامارات؛ مثلاً قوله تعالی: "﴿فاسئلوا اهل الذکر ان کنتم لا تعلمون﴾[2] " فنلاحظ هنا الآية اخذ فیها عدم العلم وهذه الآیه استدل بها علی حجية خبر الواحد واستدل بها علی حجية التقلید یعني حجية قول المفتي وکلاهما أمارتان.

اذن لا فرق بین الامارات والاصول فکما انَّ الاصول اخذ في موضوعها الشک ایضاً الامارات اخذ في موضوعها الشکّ.

هذا اشکال نقضي للسید الخوئي قدس سرّه.

[ اشکال الشيخ الوحيد الخراساني علی کلام السید الخوئي ]

أورد علی هذا الاشکال الشیخ الاستاذ حفظه الله[3] بأنَّ هذا مخالف مع مبناکم في الاصول والفقه؛ أمّا في الاصول: في حجیة خبر الواحد وفي الفقه في باب التقلید، قلتم هذه الآیة لیست دلیلاً علی حجية خبر الواحد کما انه لیس دلیلا علی حجیة قول المفتي. فلا ینبغی ان تقول هنا بانَّه هذه امارة استدل بها.

[ المناقشة في اشکال الشيخ الوحيد علی السید الخوئي ]

ویمکن ان یجاب عن اشکال الشیخ الاستاذ حفظه الله بأن نقول : قال السید الخوئي: "وقد استدل بها" ومعنی کلامه انَّه علی فرض صحة هذا الاستدلال مع کونه دلیلا او هذه الآیه مع کونها دلیلا، علی فرض صحة الاستدلال علی حجیة الامارة سواء کان في الخبر الواحد او کان في قول المفتي، فبدون لحاظ قبول الدلیل أو رفضه یقول السید الخوئي: هذا دلیل علی الامارة واخذ في موضوعها الشک.

وبعبارة أوضح: نقول بانَّ هناک قابلية لان تکون ادلة الامارة اخذ فی موضوعها الشک ایضا، لا نحتاج إلی صحة الاستدلال فی نظره. هکذا یخطر في البال بالنسبة إلی الدفاع عن السید الخوئي رحمه الله.

فائدة جانبية:

لا یخفی أنَّ عدم صحة الاستدلال بهذه الآیة في خبر الواحد او باب التقلید لانه هذه الآیة نزلت لبیان نبوة النبي صلی الله علیه وآله والخطاب الی المشرکین قال تعالی:" فاسئلوا اهل الذکر ان کنتم لا تعلمون" فبحسب السیاق خطاب للمشکرین عن نبوة النبی ص.

علی کل حالٍ أنَّ اشکال الشيخ الاستاذ حفظه الله علی السيد الخوئی لا یتمّ.

[ الاشکال الثاني من السيد الخوئي علی المحقق النائیني ]

الاشکال الثاني الذی أورده السید الخوئي وهو نستطیع ان نعبّر عنه ببرهان السبر والتقسیم. هذا البرهان یکون مورد استفادة المحقق النائیني نفسه في موارد متعددة کما أنَّ السید الخوئي والشيخ الاستاذ حفظه الله استفادا من هذه الفکرة في موارد متعددة. وهي فکرة متینة.

بیان مقدمتان قبل طرح الاشکال:

قبل طرح هذه الفکرة اورد الشیخ الاستاذ حفظه الله مقدمتان [ ونحن نضیف إلیهما مقدمة ثالثة]:

المقدمه الاولی: انَّ المقیِد تارة یکون شرعیا وتارة یکون عقلیاً فلا ینحصر تقیید المطلق بالمقید الشرعي بل ربما یکون المقیِد عقلیا، علی هذا الاساس یقید مثل وجوب الاکرام في "اکرم العالم" فهذه العبارة من حیث اللفظ مطلق ویشمل حال القدرة و عدمها، یشملها بحسب اطلاق اللفظ، لکن العقل یتصرف ویقول هذا الوجوب مقید بالقدرة اذا لم تکن قادراً فانت غیر مکلف.

المقدمه الثانية: انَّ نسبة الموضوع الی المحمول مثل نسبة العلة الی المعلول. لایخفی أنَّ الموضوع لیس علة للحکم[4] . وعلیه لابدّ أن لا تکون دایرة احدهما اوسع من الاخر یعني لا تکون دایرة الموضوع اوسع من الحکم کما لا تکون دایرة الحکم اوسع من دایرة الموضوع. فدایرتهما متساویتان من جهة السعة والضیق .

والقید العقلي للحکم یرجع الی قید الموضوع باعتبار عدم تخلف الحکم عن الموضوع من جهة السعة و الضیق فاذا وجد قید للحکم یعني ضیق الحکم لابد وان یکون الموضوع مقیدا حسب هذه القاعدة. اذن الان عندنا مقدمتان مهمتان.

المقدمة الثالثة: یمکن ان نضیف مقدمة ثالثة حتی یتضح الاشکال بصورة اوضح: انَّ الاحکام الشرعیة تدور مدار الاغراض یعني هناک غرض عند حاکم الشرعي فیحکم علی مقتضی هذا الغرض، فهذا الغرض ان کان مطلقا فالحکم یکون علی ضوءه مطلق وان کان مقیدا فالحکم یکون مقیداً.

وبتوضیح أکثر: اذا تعلق غرض الحاکم و المولی باکرام العالم بما هو عالم بغض النظر عن کونه عادلا او غیر عادل، کونه هاشمیا او غیر هاشمي وغیره من الحالات، بل لانه یحمل صفة العلم وجب اکرامه مطلقا. فالحکم یکون مطلقاً. لانه غرضه مطلق فالحکم لابدّ أن یکون علی طبق هذا الغرض. واذا کان غرضه متعلق بخصوص العالم العادل ولا یرید ان یکرم العالم بما هو عالم انما یرید اکرام العالم لانه عالم وعادل، اذن الحکم الذی یصدره یکون مقیدا. ولا یصح ان یقول "اکرم العالم" و هو في الحقیقه یرید العادل بدون ان یقیم الدلیل وبدون أن ینصب قرینة علی مراده.

فنتيجة المقدمة الثالثة هي: ان الحکم یدور مدار الغرض سعة وضیقا.

إذا عرفت هذه المقدمات فنطرح الاشکال ونقول: لا یخلو حال الحاکم الملتفت الحکیم عن احد امور ثلاثة : إما یکون في حکمه إهمال أو اطلاق أو تقیید.

وبما أنَّ الإهمال لا یمکن تصوره في حق الحاکم الملتفت الحکيم – حسب ما قلناه في المقدمة الثالثة من أنَّ له غرضاً في إصدار الحکم، فلا یمکن ان نتصور أنَّ الحاکم یقول : "اکرم العالم" ، وإذا سألنا عن اطلاق حکمه أو تقییده لم یعلم ویقول لا أعلم أنَّ قصدي مطلق العلماء أو العدول منهم! اذن الاهمال في مقام الثبوت غیر معقول.-فیبقی لدینا شیئان آخران وهما إما أن أراد الاطلاق أو أراد التقیید:

إذا قلنا قَصَد الاطلاق: فهذا أیضاً غیر معقول ( في مقامنا في جعل الامارة )، لأنَّ یلزم منه أن یجعل الشارع الامارات في حق کلٍّ من الجاهل والعالم، إذ قصد الاطلاق فیشمل کلامه الجاهل بالحکم الواقعي والعالم بالحکم الواقعي وهذا محذورٌ بإعتراف المحقق النائيني بإن تکون الامارات حجة في حقّ العالم بالحکم الواقعي [ ویقول الشارع للعالم بالحکم الواقعي علیک الرجوع إلی الخبر الواحد وجعلته علیک حجة] . فبإعتراف المحقق النائيني انَّ الامارة موردها الشک ولا تکون الامارة حجة في حق العالم.

اذن لایمکن الأخذ بالاطلاق فینحصر الأمر في التقیید، اذن یتعین الثالث وهو ان تکون الامارة حجة في حالة الشک فیوخذ الشک وعدم العلم في موضوع الامارة ثبوتاً.

نتيجة هذا الاشکال: اذن لا فرق بین الامارات والاصول؛ انت قلت الاصل اخذ في موضوعه الشک والامارات لم یوخذ فی موضوعها الشک، نقول بناءً علی برهان السبر والتقسیم الذي استفاد منه نفس المحقق النائینی فی غیر مورد نطبقه علی المقام ونقول اخذ في موضوع الامارة الشک ثبوتاً.

هذا هو اشکال المحقق الخوئي و الشیخ الاستاذ حفظه الله علی المحقق النائیني وهو اشکال متین.


[3] المغني في الاصول الاستصحاب، ج2، ص123.
[4] ( ربما یوجد في بعض الکلمات و العبارات تعبیر " أنَّ الموضوع هو علة للحکم" و هذا غیر صحیح والصحیح ان یقال :" أنَّ نسبة الموضوع الی المحمول کنسبة العلة إلی المعمول).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo