< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

43/03/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب

الجهة الثالثة في ما ینبغي بحثه في المقدمة

هل الاستصحاب أمارة او أصل؟

بعد أن عرفنا في الجهة السابقة انَّ الاستصحاب من جملة المسائل الاصولية ولو في الشبهات الحکمية الکلية ولایخفی أنَّ المسائل الاصولية علی اقسام، من جملتها الامارات ومن جملتها الاصول العملية، فهل الاستصحاب من الامارات او من الاصول ؟

هذه الجهة تحتاج إلی ان نعرف الامارات ما هو المقصود منها والاصول ما هو المقصود منها ؟ وما هو الفرق بینهما لنحدد أنَّ الاستصحاب من الامارات او من الاصول، طبعا یذکر في علم الاصول أنَّ الاحکام الظاهریة علی نحوین نحن الان بما اننا لا نعلم بالحکم الواقعي فعندنا أدلة تشیر إلی الواقع من جملتها خبر الواحد والاستصحاب وهکذا... یعني حینما لا نعلم الحکم الواقعی نستفید من الحکم الظاهري، الاحکام الظاهریة کما قرر علی نحوین: حکم ظاهري یجعل لاحراز الواقع یعني الشارع یجعله لاحراز الواقع یعني محتاج إلی طریق الظني له درجة من الکشف من الحکم الشرعي هذا الطریق الذی یتطلب منه الاحراز الواقع یسمی بالامارة والحکم یسمی بالحجیة مثل خبرالواحد أمارةٌ وحکمه حجیة خبر الواحد.

عندنا قسم ثاني الذي یجعل لتقریر الوظیفة العملیة بما انّ الحکم مشکوک في الواقع فهنا وظیفة عملیة لا لأجل احراز الواقع وانما وظیفة عملیة فقط هذا النحو نسمّیه اصلاً عملیاً لکن هذا المقدار لوحده لا یکفینا في المقام لابدّ ان نعرف ماهو الفرق الجوهري في الواقع بین الامارات و الاصول. اختلف الاصولیون في تحدید ذلک وفي بیان الفرق علی اقوال: من جملتها :

[ ما ذکر المحقق النائيني في بیان الفرق بین الامارات والاصول]

القول الاول: المحقق النائینی رحمه الله:[1] قال بأنَّ الامارات تختلف عن الاصول من ناحیة الموضوع ومن ناحیة المحمول .

ومن ناحیة الموضوع ایضاً یختلف من عدة جهات :

الجهة الاولی: انَّه اخذ الشکّ في الواقع في موضوع الاصول في لسان الدلیل، الدلیل الدال علی الاصول اخذ في موضوعه في لسان الشک في الواقع مثلاً : لا تنقض الیقین بالشک ( اذا اعتبرنا الاستصحاب اصلٌ ) هنا اخذ في موضوعه الشک ، فهنا موضوع الاصل اخذ فیه الشک واخذ فی لسان الدلیل نفسه او عدم العلم مثل: رفع ما لا یعلمون، في نفس لسان الدلیل بيّن أنَّ موضوع الاصل ما لا یعلمون، بخلاف الامارة، الامارة مثلا: خبر الواحد؛ الدلیل یقول: " أفیونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه معالم دیني؟ قال : نعم. "[2] هنا لم یوخذ في موضوعه الشک.

فائدة جانبية حول هذا الحدیث:

نفس هذا الحدیث ویتضمن أمرین: یتضمن حجية قول الثقة (الکبری) وهو وثاقة یونس بن عبدالرحمن (الصغری) یعني السائل مرتکز في ذهنه ان خبر الثقه حجة و یوخذ بقوله ومن حیث الکبری أمر ارتکازی في ذهن السائل لا شک عنده فيه وانما السوال کان عن الصغری عن یونس بن عبدالرحمن فیقول " أفیونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه معالم دینی"، باعتبار أنَّ یونس بن عبدالرحمن صاحب مدرسة ومورد توجه ووقع الکلام عند بعض الرواة واصحاب الائمة علیهم السلام، فلهذا سئل هذا السوال. اذن الرواية تتضمن امران یمضي الامام علیه السلام المرتکز الموجود في ذهن الرواي(حجية خبر الثقة) و یمضي الصغری (وثاقة یونس) هذا امر اجنبي.

نرجع إلی صلب الموضوع:

هنا في بیان دلیل خبر الثقة لم یوخذ في موضوعه الشک لم یقل: إذا شکک في الواقع أفیونس بن عبدالرحمن ثقة او لا؟

اذن الجهة الاولی من الفرق في الموضوع بین الامارة والاصل: انَّ الاصل أخذ في موضوعه الشک في لسان الدلیل و الامارة لم یوخذ في موضوعه الشک في لسان الدلیل.

نعم، اخذ الشک في مورد الامارة لا في الموضوع، مورد الامارة هو حالة عدم علمک بالواقع، والامارة لا ترد في حالة العلم بالحکم الواقعي بل موردها حالة الشک في الحکم الواقعي، حالة عدم العلم بالحکم الواقعي هذا مورد الامارة.

وبعبارة أخری: أنَّ الامارة لم یوخذ في موضوعها الشک و انما أخذ الشک في موردها و اما الاصل فأخذ الشک في موضوعه فضلا عن مورده .هذه الجهة الاولی من الاختلاف بین الاصل والامارة في الموضوع .

الجهة الثانية: أنَّ في الامارات مع قطع النظر عن الدلیل- دلیل الحجية نفس الامارة- فیه جهة کشف عن الواقع، ولکن کشف ناقص، خبر الواحد عندما یحکي لنا هو یحکي عن الواقع، فیه کاشفية عن الواقع ولو بدرجة، یعني احیانا عندنا علم بالواقع، هذا کشف تامّ، احیانا عندنا ظنٌّ بالواقع، هذا کشف ناقص؛ خبر الواحد لا یفید الکشف التامّ ولکن یفید الکشف الناقص فالامارات فیها جهة کشف عن الواقع ولو کانت ناقصة اما بالنسبة الی الاصول فلیست فیها جهة الکاشفية عن الواقع وإنما مجرّد الوظیفة في مقام العمل، حتی بالنسبة إلی الاستصحاب علی فرض انه من الاصول، ایضا "لا تنقض الیقین بالشک" هنا الیقین السابق لیس فیه کاشف وانما طلب من أن یعمل علی طبق الیقین السابق، جری عملي علی طبق الیقین السابق. اذن الجهة الثانية من الفرق: ان الامارات فیها جهة کشف عن الواقع وان کان کشفاً ناقصاً واما الاصول فلیس فیها جهة کاشفية في حدّ نفسها.

الجهة الثالثة من الفرق في الموضوع : أنَّ ادلة اعتبار الامارات اعتبرت من جهة هذه الکاشفية، نفس ادلة اعتبار حجية الامارة اعتبار الامارة شرعاً و تعبداً، ملاحظ فیها جهة الکشف یعني اعتبرت من جهة الکشف، فلهذا کان الاعتبار متمماً للکشف نافیاً لاحتمال الخلاف، المحقق النائيني یقول بأنَّ: خبر الواحد فیه جهة الکشف ولکن کشف ناقص. الشارع لأجل هذا الکشف الناقص جعلها معتبرة و متممة کشفه من حیث کونها کاشفة جعلها حجة و نفی الخلاف یعني لا تعتبر الخلاف، فرفع الخلاف و تمّ کشفه. في جمیع الامارات هذا النحو متصوّر، مثلاً قاعدة الید، الید امارة علی الملکية فیه جهة کشف لمّا کانت هذه السلعة عند هذا التاجر وتحت یده، نفس تحت یده کاشف عن انه مالک، ولکن لیس کشفاً قطعیاًبل أنَّه کشفاً ناقصاً ، الشارع لمّا اعتبر حجية الید و کون الید امارة عن الملکية نفی الخلاف، تحتمل السرقة وهذا احتمال واقعي عقلي موجود ولکن لا تعتني بهذا الاحتمال. اما بالنسبة الی الاصول لم تلحظ فیها جهة الکاشفية بما انها اساساً لا تکون کاشفة عن الواقع فلم یجعل اعتبار الاصل من حیث الکاشفية.

ملخص الکلام : الفرق بین الامارة والاصل اولاً من ناحية الموضوع یکون من ثلاثة جهات:

الجهة الاولی: هو انه اخذ في موضوع الاصل الشک في لسان الدلیل والامارة لم یوخذ في موضوعها الشک وانما موردها مورد الشک

الجهة الثانية: الامارة فیها جهة کشف عن الواقع وإن کان کشفاً ناقصاً اما الاصل العملي لیس فیها جهة کشف. الجهة الثالثة: انَّ ادلة اعتبار حجية الامارات انما جعلت الامارة حجة من هذه الجهة -من جهة الکشف- لکونها کاشفة کشفاً ناقصاً صارت معتبرة عندالشارع فأتمّ کشفه ولأجل هذا یعتبر المحقق النائيني قدس سرّه من هذا الشئ بتمیم الکشف. هذا من ناحية الموضوع .

اما من ناحية المحمول :

توضیحها یبتنی علی ما تنّباه المحقق النائيني نفسه، المحقق النائيني یقول: عندنا جهات إلی العلم ، جهات اربع طولية:

الجهة الاولی: کون العلم صفة خاصة في النفس.

الجهة الثانية:حیثیة انکشاف الواقع به- بالعلم- یعني انشکف الواقع للمکلف للعلم، فالعلم فیه حیثیة انکشاف الواقع مثل النور ینکشف له الموجود فی الدار بواسطة النور وانکشف الواقع الخارجي بواسطة النور و العلم کذلک.

لا یخفی الفرق بین الجهة الاولی و الثانية وأنَّه بینهما الرتبية وان کان في زمان واحد، فالجهة الاولی صفة خاصة والجهة الثانية جهة انکشاف.

الجهة الثالثة: هو التحرک علی طبقه؛ اذا علم العطشان بوجود الماء وانکشف الواقع له بوجود الماء یتحرک علی طبقه. ومثلا اذا علمنا بوجود الاسد فنهرب منه. هذا التحرک علی طبقه.

الجهة الرابعة : جهة التنجیز -اعتبرها المحقق النائیني امر عرضی- هذه الجهة من ناحية العقل ولیس من ناحية العلم نفسه فانما العقل یقول: علمُک بالواقع منجزٌ علیک، بعد ان انکشف لک الواقع اذن لابد لک من العمل، فتستحق العقوبة علی ترکه هذا التنجیز أمر عقلي، یستتبعه العلم. هذه امور أربعة المرتبطة بالعلم- اذا اعتبرنا هذا الامر الرابع معها-

المحقق النائيني یقول في المحمول – في مقام الفرق بین الامارة و الاصول – في الامارة جعل الجهة الثانية، الشارع جعل الجهة الثانية في الامارة؛ قلنا حیث الجهة الثانية للعلم حیثیة انکشاف الواقع، الشارع یقول: "لا عذر لاحد من موالینا في التشکیک عن ما یرويه عنّا ثقاتنا" [3] ، "فما ادّیا إلیک عني فعني یودیان"[4] ، قلنا في الموضوع ان للامارة جهة الکشف و قلنا في المحمول ان العلم – في الجهة الثانية- انکشاف، وفي الجهة الاولی صفة، الشارع عندما جعل الامارة حجة یعني اعطاها الحیثیثة الثانية من حیثیات العلم: وهو حیثیة الانکشاف فالشارع اعطی الامارة حیثیة انکشاف التام، اذن الشارع عندما نقول جعل الامارة حجة؛ یعني اعتبرها کاشفا تاما، واعطاها الجهة الثانية

وأما بالنسبة إلی الاصول الشارع لم یعطیه الکاشفیة و انما اعطاها المحرکية، الجهة الثالثة کانت المحرکية علی طبقه الشارع اعطاها التحرک علی طبقه؛ "کنتَ علی یقینٍ من طهارتک فشککت فابنی علی الیقین" و "لا تنقض الیقین بالشک" تحرک عملاً. اذن تحرک علی طبق الیقین السابق عملاً.

فاذن المجعول في الاصول هي الجهة الثالثة من جهات العلم، والمجعول في الامارات هي الجهة الثانية من جهات العلم هذا هو الفرق بین الاصل و الامارة من ناحية المحمول.

ربما یقال: هل هناک فرق بین الاصول المحرزة وبین الاصول غیر المحرزة في المقام ؟

نقول لا فرق بینهما من هذه الجهة؛ الاصول المحرزة هي التي یحرز بها الواقع یعني یعمل بها علی البناء، علی الواقع یعني یجعل الاصل کالعلم في التحریک والجري العملي علی طبق الشئ علی انه هو الواقع تنزیلا و تعبدا فنسمیها الاصول المحرزة. الاستصحاب اطلقوا علیه انه اصل محرز لانَّ الاستصحاب لا تنقض الیقین و ابنی علی الیقین بالشک، هنا جعل الشارع في الاصل العملي التحریک (الجهة الثالثة) ویبني علی انَّه الواقع تعبداً تنزیلاً. اما الاصول غیر المحرزة وهي تجعل الاصول کالعلم في المحرکية في التحریک بدون البناء علی انه الواقع هذا هو الفرق بینهما.

اذن الفرق بین الاصل العملي المحرز و الاصل غیر المحرز: انَّ في اصل العملة المحرز الشارع جعل فیه الجهة الثالثة من العلم وهي التحریک علی طبقه علی انَّه الواقع هذا محرز، و الاصل غیر المحرز بدون البناء علی أنَّه الواقع مثل "رفع ما لا یعلمون" لا یقول علی أنَّه الواقع، الاشتغال ایضا لا یقول علی انه الواقع کدلیله :"اخوک دینک فاحتط له" لا علی انه الواقع.

هذا ما ذهب الیه المحقق النائيني قدس سرّه في ذکر الفرق بین الاصول والامارات و یأتي ما فیه إن شاء الله تعالی.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo