< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

43/03/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب

الجهة الثانية من المقدمة

[ الاستصحاب مسألة اصولية أو قاعدة فقهية ؟ ]

الکلام یقع في أنَّ الاستصحاب هل هو مسألة اصولیة او قاعدة فقهیة ؟ اختلف الاصولیون في ذلک، و اختلافهم تقریبا علی قولین؛ القول الاول: انَّه مسألة اصولیة و القول الثاني: التفصیل: بین جریانه في الاحکام الکلية فیکون مسألة اصولية وبین جریانه في الشبهات الموضوعية فیکون مسألة فقهية.

و تحقیق ذلک یبتني علی معرفة ضابطة المسألة الاصولية والفقهية والفرق بین المسألة الفقهية والقاعدة الفقهية. طبعا هذه الفوارق والضوابط تبحث عادتاً في اول علم الاصول والخوض في هذا المطلب یعتبر التطویل بلا طائل. فلهذا نحن نرید أن نقتصر علی المهمّات وذات ثمرة. ومن هذه الجهة سوف نتعرّض الی ضابطة علم الاصول بشکل الاجمالي ونناقش الضوابط المذکورة لأجل ایضاح الفکرة في المطلب .

[ الأقوال في المسألة ]

القول الاول في کون الاستصحاب مسألة اصولية یتعلق بالمحقق صاحب الکفاية وجماعة والقول الثاني الذي هو التفصیل ذهب الیه المحقق النائيني و السید الخوئي وإن کان السید الخوئي علی مبناه الاستصحاب یکون قاعدة فقهية ولیس مسألة اصولیة لأنَّه لا یری جریان الاستصحاب في الشبهات الحکمية الکلية وبما انّه یقول بالتفصیل یعني الاستصحاب الجاري في الشبهات الحکمية الکلية مسألة اصولیة والاستصحاب الجاري في الشبهات الموضوعية یکون مسألة فقهية وهو لا یری جریان الاستصحاب في الشبهات الحکمية الکلية نتيجة الکلام عنده یری انَّ الاستصحاب قاعدة فقهية و لیس قاعدة اصولية. [1]

علی کل حال نقول: التفصیل الذي ذکروه بین الشبهات الحکمية وبین الشبهات الموضوعیة تقریبهم بهذا المثال: في الشبهات الحکمية الکلية مثلاً: الکرّ المتغیر بالنجاسة ینجس واذا زال تغیره بنفسه مثلاً بقی مدة هکذا تحت الهواء الطلق وذهبت رایحته او ذهب لونه المغیر الان، هل نحکم علیه بالنجاسة او نحکم علیه بالطهارة ، هنا عندما نرید ان نحکم علیه بالنجاسة یعني نستصحب الحالة السابقة ونقول هذا الماء الکرّ قبل زوال تغیره کان نجساً والآن زال تغیره هل هو نجس او لا هنا شبهه کلية حکمية وهي: کلّ ماءٍ کرٍّ نجسٍ متغیر بالنجاسة وزال تغیره بنفسه نستصحب بقائه علی النجاسة. ففي مثل هذا المورد عندما الذي أجرینا الاستصحاب ذهب جمعٌ إلی أنَّ هذه مسألة اصولية.

اما اذا لاحظنا هذا الثوب کان نجساً والان أشک هل لازال باقي علی نجاسته ام طهر استصحب النجاسة هذا الاستصحاب فی الشبهات الموضوعیة فهذه مسألة فقهیة.

ولابد أن نقول في مقام التحقیق :یبتنی اندارج الاستصحاب في المسائل الاصولية او فی المسائل الفقهیة علی المختار فی تحدید ضابطة المسائل الفقهیة و الاصولیة.

[ رأي صاحب الکفاية في بیان الضابطة]

ذهب صاحب الکفاية رحمه الله إلی أنَّ ضابطة المسألة الاصولیة هي القواعد المقررة لاستنباط الحکم الشرعی او التی یتنهی الیها فی مقام العمل [2] فذکر أمرین في الضابطه: القواعد المقررة لاستنباط الحکم الشرعي او ما ینتهي الیه في مقام العمل -والمراد منه الاصول العملیة- هذه الضابطة عندما نرید نطبقها علی الاستصحاب نقول الاستصحاب یدخل في ذیل الضابطة -وهي یتنهی الیه في مقام العمل- فالاستصحاب مسألة اصولیة لانطباق الضابطة علیه.

[ رأي المحقق النائيني رحمه الله في المقام ]

یقول المحقق النائيني: علم الاصول ما یبحث فیه عن القضایا التي تکون نتیجتها کبری القیاس في استنباط الحکم الشرعی. نلاحظ بالنسبة إلی الشبهات الحکمية الکلية ینطبق علیه، المثال الذي ذکرناه سابقاً في الشبهات الحکمية الکلية عندما نرید ان نطبقه علی هذا الرأي: نقول : - بعد ما ثبت ان الاستصحاب حجة- الان نقول هذا الماء کان متیقن النجاسة ومشکوک الطهارة والان نشک في بقاء النجاسة او الطهارة وکل ما کان متیقن النجاسة مشکوک ارتفاع النجاسة نبقی علی النجاسة والنتیجه تکون: انّنا نحکم بنجاسة هذا لماء. فالضابطة تنطبق علیه ویکون الاستصحاب مسألة اصولیة.

وفي المسألة الفرعیة الجزئية أو في الشبهة الموضوعیة المستنبَط لیس حکماً کلیاً و المحقق النائيني یری انَّ الشبهات الموضوعیة لا فرق فیها بین المقلد والمجتهد – بخلاف الشبهات الحکمية التي هي مختصة بالمجتهد- و هو یعدّها من القواعد الفقهیة لا الاصولیة فیکون الاستصحاب في الشبهات الموضوعية قاعدة فقهية.

[ رأي المحقق الأصفهاني رحمه الله في المقام ]

یقول المحقق الاصفهاني: علم الاصول هو ما یبحث فیه عن تحصیل الحجة في الاحکام الالهیة. [3] توضیحه: أنا أعیش في ضمن الشريعة وأعلم بوجود احکام الزامية واحتمل في کل مورد من الموارد وجود حکم الزامي فهذا یقتضی البحث و الفحص؛ یعني یجب عليّ ان أحصل الحجة علی الاحکام الالهیة حتی یثبت عندي هذا حجة علی الحکم الله ام لم یکن. وهذا المعنی ینطبق علی الاستصحاب یعني نبحث عن تحصیل الحجة، فنقول هل هذا الاستصحاب حجة علی الاحکام الالهية ام لا.

رأي المحقق الروحاني رحمه الله في المقام ]

المحقق الروحاني [4] یری أنَّ ضابطة علم الاصول ما یرفع بها التحیر في مقام العمل. توضیحه: المکلّف في مقام العمل عندما یشک في الحکم یبقی متحیراً فلارتفاع التحیر هناک قواعد وضوابط أسست له لترفع هذا التحیر مثل: الخبر الواحد مثلاً الاجماع مثلاً والاستصحاب مثلاً و... فاذن الاستصحاب ینطبق علیه ما یرفع التحیر في مقام العمل فتنطبق علیه القاعدة الاصولیة.

[ رأي السید الصدر رحمه الله في المقام ]

السید الشهید الصدر یقول: [5] علم الاصول هو العلم بالعناصر المشترکة في استنباط الحکم الشرعي، هذا ایضا ینطبق علی الاستصحاب لانه عنصر مشترک یمکن ان یطبق فی موارد کثیره مثل کتاب الصلاة والصوم والحج والطهارة و... اذن ینطبق علیه القاعدة.

اذن حاصل ما نرید ان نقول فعلاً: کون الاستصحاب مسألة اصولیة أو فقهیة یتوقف علی المبنی و المختار في ضابطة علم الاصول.

لا یخفی أنَّ الأقرب من بین هذه الضوابط هو ما ذهب الیه المحقق الاصفهاني رحمه الله: حیث قال علم الاصول هو تحصیل الحجة علی الاحکام الالهية لتکون منجزة للمکلف او تکون معذرة له. هذه الضابطة تنطبق علی الاستصحاب لانَّ البحث في الاستصحاب عن الحجة نقول هل الاستصحاب حجة ام لا، فالبحث فیه عن تحصیل الحجة وهو مسألة اصولیة.

[ الفرق بین المسألة الاصولية والقاعدة الفقهية]

لتوضیح اکثر نبیّن الفرق بین المسألة الاصولية والقاعدة الفقهیة: تذکر فیها الفوارق في مبدء علم الاصول، ولکن ملخصاً نقول :

انّ المسألة الاصولية هي نسبتها مع الحکم الشرعي نسبة استنباط - ولا یخفی انّ المراد من الاستنباط لیس المعنی المصطلح یعني اخذ الحکم من الکتاب والسنة حتی یشکل بانَّ الاصول العملیة خارجة، بل المقصود هو ما ذکرناه الان في کلام المحقق الاصفهاني من تحصیل الحجة علی الاحکام الالهیه- اذن النسبة هي نسبة التوسیط اما بالنسبة للقواعد الفقهیة فالنسبة نسبة التطبیق لیست نسبة التوسیط؛ یعني الحکم الکلي الموجود في القاعدة الفقهیة ینطبق علی المورد، مثلاً "ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده" هذا حکم کلي نطبقه علی المسائل الفقهية کالبیع مثلا نقول فیه هذا البیع یضمن بصحیحه فیضمن بفاسده فهنا طبقنا القاعدة الفقهیة علی البیع.

وبعبارة اخری: المسألة الاصولیة لا تتعلق بالعمل اولاً وبالذات مثلاً لا تتعلق حجیة خبر الثقه بالعمل بالذات یعني بعد الفراغ والانتهاء من ثبوت الحجية لخبر الثقة تستنتج من الخبر الثقه الحکم الشرعي الذي مرتبط بالعمل ولکن نفس المسالة اصولیة لا تتعلق بالعمل اولاً وبالذات بخلاف القاعدة الفقهیة التي هي تتعلق بالعمل بلا واسطة مثلاً قاعدة لاحرج تتعلق بالعمل بلا واسطة شئ، مثلا هذا الوضوء حرجي یطبق علیه لاحرج من جهة التطبیق و تتعلق بالعمل من جهه أخری. لکن خبر الثقة حجة او الاستصحاب حجة لا یتعلق بالعمل مباشرة اما القاعدة الفقهیظ او المسألة الفقهية تتعلق بالعمل بالمباشره بدون واسطةٍ. هذا یمکن اخذه بعنوان التقریب بین الفرق بین القاعدة الاصولیة و قاعدة الفقهیة .

[ الفرق بین المسألة الفقهية والقاعدة الفقهية ]

هنا یأتي سوال آخر: ما هو الفرق بین القاعدة الفقهیة والمسألة الفقهية ؟ مع اتحادهما في انَّ کل منهما تتعلقان بالعمل بلا واسطة. نقول في مقام الفرق بینهما: الموضوع في المسألة الفقهیة نوع واحد مثلا تقول: الصلاة واجبة الصوم واجب الخمر حرام في هذه الامثلة الموضوع یکون شیئاً واحداً مثلا الصلاة و ان کانت لدیها اقسام مختلفة لکن العنوان واحد. اما الموضوع في القاعدة الفقهیة کلي ینطبق علی عدة انواع، الان عندما نقول : لا ضرر الذي ینطبق علی الصلاة ینطبق علی الصوم ینطبق علی الوضوء اذا کان ضرریا علی الحج و... فهو- أي القاعدة الفقهية- موضوعه کلي یندرج تحته عده انواع. فالفرق بینهما هو الموضوع

[موارد جریان الاستصحاب]

اذا عرفت هذا: نأتي الی الاستصحاب، ونقول في واقعه له ثلاثة موارد:

المورد الاول: الاستصحاب في المسائل الاصولیة مثلاً استصحاب حجية العام بعد الفحص عن المخصص،توضیحه: العام یکون حجة في عمومه وبعد الفحص عن المخصص نشک في أنّ العام لازال حجة ام لا فنستصحب حجية العام فهنا أجرینا الاستصحاب في المسألة الأصولية ویعدّ هذا القسم – أي الاستصحاب في المسألة الأصولية- من المسائل الاصولية بلا اشکال عندهم تقریبا.

المورد الثاني: الاستصحاب في الحکم الکلي مثل ما ذکرناه سابقاً: نجاسة الماء المتغیر بالنجاسة التي زال تغیره هنا استصحاب الحکم الکلي الفرعي هذا ایضا یندرج في تحت عنوان المسألة الاصولية بلا اشکال عندهم.

المورد الثالث: الاستصحاب في الموضوعات الخارجية او في الاحکام الجزئية مثل استصحاب عدالة الزید او نجاسة الثوب، هنا نلاحظ الخلاف فیه من کونها مسألة اصولیة لانطباق القاعدة علیه و یستفاد من تصریح الآخرین مثل السید الخوئی و الشیخ النائيني ومثل الشیخ الاستاذ حفظه الله[6] في انّه قاعدة فقهیة لانَّ الناتج منه الحکم الفرعي الجزئي ومن جهة أخری یعطی بید المقلد ویکون امره بید المقلد حتی اذا کان علی خلاف المجتهد، فالحکم الفرعي الجزئي و صلاحيته لإعطائه بید المقلد اماراتان لکون الاستصحاب في الشبهات الموضوعية قاعدة فقهية.

ولا اشکال في کون المسألة تندرج في علم الاصول من جهة وتندرج في القواعد الفقهية من جهة أخری.


[6] المغني في الاصول الاستصحاب، ج1، ص43.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo