< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

43/03/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب

الکلام یقع في الاستصحاب

لا یخفی أنَّ هذا البحث من المباحث المهمة في علم الاصول من جهة العلمية حیث تقع فیه مباحث دقیقة و من جهة العملية حیث یکون محطاً لاستخدام الفقهاء في الفقه في موارد متعددة .

البحث في الاستصحاب یقع عادة ضمن مقدمات و مطالب. مباحث المقدمات توجد فیه جهات :

الجهة الأولی: تعریف الاستصحاب و بیان حقیقته: قد تناول الاصولیون تعریف الاستصحاب بتطویل کبیر سواء تعریفهم من ناحیة اللغویة وتطویل اکبر في المصطلح ومناقشة تعاریف القوم، لکن لا ثمرة علمية و لا عملية للإطالة في التعریف.خصوصاً أنَّه لا یرد في الروایات لفظ الاستصحاب ولا من مشتقاته حتی نبحث في لفظٍ ورد في الروایات ونقول ما هو معناه اللغوي والاصطلاحي.

وعلی کلٍ المعنی المقصود للاصولیین شئ واضح في حد نفسه وهو اشارة إلی أنَّ هناک حالة سابقة متیقنة و نشکّ في بقاء هذه الحالة السابقة والدلیل یقول :"فلا تنقض الیقین بالشک" أو "ابقي علی یقینک او أعمل علی مقتضی ما کنت متیقناً علیه" فلا یخفی هذا المعنی في حد نفسه امر واضح فعلی هذا نقتصر علی ذکر بعض التعریفات بنحو العجلة حتی لا نظلم البحث من ذکر التعریف یعني لا یکون الطالب بعیداً عن اجواء التعاریف الموجودة عند الاصولیین و إلاّ لا ثمرة فی الاطالة.

[ تعریف الشیخ الانصاري رحمه الله ]

التعریف الاول: ما ذکره الشیخ الانصاري رحمه الله : وقال ما لفظه :" (و عند الاصولیین عرف بتعاریف اسدها و اخصرها ابقاء ما کان والمراد بالابقاء الحکم بالبقاء ودخل الوصف فی الموضوع مشعر بعلیته بالحکم فعلة الإبقاء هو انه کان، فیخرج ابقاء الحکم لاجل وجود علته او دلیله)[1] ".

الشیخ الانصاري هنا بیّن اصل التعریف المختصر وهو ابقاء ماکان ثمّ اشار الی معناه وهو الحکم ببقاء ماکان مثلاً کان عندي یقین بالطهارة والآن أشکّ في ابقاء ماکان؛ فالتکلیف الحکم ببقاء الطهارة ثمّ بعد ذلک قال "ودخل الوصف بالموضوع مشعر بعلیته بالحکم" ، هذا "ماکان" یکون وصفاً مشعراً الی انّ "ماکان" علة للحکم یعنی علة الابقاء انه کان[2] ثمّ قال الشیخ رحمه الله "و الی ما ذکرنا یرجع تعریفه في الزبدة [للبهائي]: (اثبات الحکم فی الزمان الثاني تعویلا علی ثبوته في زمان الاول)" یقول الشیخ رحمه الله هذا التعریف یرجع الی ما ذکرناه في التعریف الاول یعنی حکمنا بثبوت الحکم في زمان الثاني لانَّه کان موجوداً في زمان الاول.

"بل نسبه شارح الدروس [المحقق الخوانساری] الی القوم؛ ان القوم ذکروا أنَّ الاستصحاب اثبات حکم في زمان لوجوده في زمان سابق"

فاتضح أنَّ تعریف الشیخ رحمه الله متحدّ مع تعریف الشیخ البهائي والمحقق الخوانساري رحمهما الله.

[ تعریف المحقق صاحب الکفاية رحمه الله ]

المحقق الخراساني صاحب الکفاية رحمه الله قال : "ولا یخفی انَّ عباراتهم في تعریفه و ان کانت شتّی الا انه تشیر الی مفهوم واحد و معنی فارد (وهو الحکم ببقاء حکم او موضوع ذی حکم شکّ في بقاءه)[3] " فنلاحظ هنا نفس التعریف الذی ذکره الآخوند هو شرحٌ علی ما ذکره غیر واحد من الاصولیین لما افاده الشیخ رحمه الله. یعنی شرح "ابقاء ماکان" یکون "الحکم ببقاء حکم او موضوع ذی حکم شکّ في بقاءه" وهنا المحقق صاحب الکفاية اضاف شروح توضیحیه لجملة "ابقاء ماکان" وقال أنَّ الاستصحاب یشمل الحکم و الموضوع حیث الحکم ببقائه حکما او موضوعا تارة نشک في بقاء الحکم تارة تشک في بقاء الموضوع فعند الشک الحکم بالبقاء.

وأما بالنسبة إلی قوله: "مفهوم واحد و ان کانت عباراتهم شتّی" هذا لا یصح لأنَّ المباني في الاستصحاب مختلفة فمن کان مبناه الظنّ یعنی استند الی الظن غیر من کان مبناه الروایة غیر من کان مبناه بناء العقلاء و لا یمکن علی اختلاف المباني ان نقول بأنَّ کلماتهم تشیر الی مفهوم واحد بل کلماتهم فی اختلاف المباني وسيأتي الکلام حول اختلاف المباني .

لا یخفی أنَّ تعریف الشیخ الانصاري و الشیخ البهائي والمحقق الخوانساري لعّل یشیر إلی معنی واحد ولکن تعریف غیرهم لا، مثلاً أزیف التعاریف بإعتقاد الشیخ الانصاري: "(کون حکم أو وصف یقینی الحصول في الآن السابق مشکوک البقاء في الآن اللاحق)" ، والشیخ أشکل علیه بأنَّه مورد الاستصحاب لا نفسه یعني هذا لیس تعریفاً للاستصحاب بل مورد له. و لکن هذا التعریف الذی زیفه الشیخ ما یشیر الی مبنی اتخذه صاحب القوانین ولا نطیل أکثر من هذا.

[تعریف المحقق النائيني رحمه الله ]

تعریف المحقق النائینی: "فالاولی في تعریفه هو ان یقال (انَّ الاستصحاب عبارة عن عدم انتقاض الیقین السابق المتعلق بالحکم او الموضوع من حیث الاثر والجری العملي بالشک في بقاء متعلق الیقین)[4] " المحقق النائینی یقول انّ العمده في مباني الاستصحاب أو في أدلة الاستصحاب هو الروایات فینبغي ان یکون التعریف مناسباً لموافقة الروایات مثل "لا تنقض الیقین" وغیرها اذن لابدّ ان نعرف الاستصحاب موافقا للرویات لهذا هکذا عرفّه.

توضیح ذلک: الرواية تقول:" لا تنقض الیقین بالشک" یعني ان کنت علی یقین علی الطهارة الآن فعلا وشککت اذن الیقین منتقض فکیف تقول لا تنقض الیقین مع انّ الیقین منتقض إذ هو حالة نفسیه کانت موجودة الان ثمّ انتقضت، فکیف لا تنقض؟ هنا المحقق النائیني یقول: "من حیث الجری العملی" یعني عملاً لا تنقضه هو حالة نفسیه انتقضت لکن المراد منه عدم النقض عملاً یقول عدم الانتقاض الیقین السابق... فهنا لاحظ المحقق النائيني المدرک الاستصحاب وهو الروایات فلهذا عرف الاستصحاب بما یتناسب مع الروایات.

[ تعریف السید الخوئي رحمه الله ]

التعریف الرابع للسید الخوئی[5] : بعد مناقشة یبیّن انّ الاستصحاب ینبغي ان یعرف علی حسب المبنی فیه، هل هو من الامارات المفیدة للظن النوعی کخبر الثقه أو هو حجة من حیث انّه یفید الظن الشخصي کما هو الظن فی القبلة. هل حجیة الاستصحاب او اعتبار الاستصحاب لکونه من الامارات المفیدة للظن النوعی او لکونه من الامارات المفیدة للظن الشخصي او هو اصل عملي؟ یختلف التعریف باختلاف الجهة اذا قلنا بانّه من الامارات المفیدة للظنّ النوعي قال تعریفه: کون الحکم متیقناً فی الآن السابق مشکوک البقاء فی الآن اللاحق. کما یتناسب تعریف المیرزا القمي.

اما اذا کان الاستصحاب مفید للظن الشخصی فالتعریف یختلف یقول : الظنّ ببقاء حکم یقیني الحصول في الآن السابق مشکوک البقاء في الآن اللاحق هذا اذا کان بنینا علی الظن الشخصي.

اما بناءً علی کونه من الاصول العلمیة فیکون تعریفه: حکم الشارع ببقاء الیقین في ظرف الشکّ من حیث الجری العملي.

بناء علی کونه امارة لا نقول الحکم هذا هو الفرق بین التعریفین الاولین و التعریف الثالث. حیث انّه اذا کان یعدّ من الامارات لا یقال في تعریفه: "حکم الشارع" وانما الامارة تکون کاشفة عن الحکم فلا نقول حکم الشارع، وامّا بناءً علی کونه اصلاً عملیاً فالاصل العملي حکم من قبل الشارع فاذا قلنا بانه من الاصول العملية نقول حکم الشارع ببقاء الیقین في ظرف الشک من حیث الجری العملي فهنا یتناسب ایضا مع ما افاده المحقق النائینی، الشارع حکم ببقاء الیقین في ظرف الشک من حیث الجری العملی و ان کان تعبیر المحقق النائینی عدم الانتقاض و تعبیر السید الخوئی حکم الشارع ببقاء الیقین من حیث الالفاظ ربما یکون کلام المحقق النائیني اقرب للنصّ ولکن من حیث المعنی نقول مقصود الشارع الحکم ببقاء الیقین عملاً فیرجع السید الخوئی من هذه الجهة إلی کلام المحقق النائیني .

[ تعریف المحقق الروحاني رحمه الله ]

السید الروحاني صاحب المنتقی رحمه الله قال[6] : "أنَّه (نفس بقاء المتیقن السابق عند الشک) ویراد به ثبوت الحکم في مرحلة البقاء ولعله الیه یرجع تعریفه بالابقاء المفسر بالحکم بالبقاء"

فإن سئلت کیف یرجع هذا التعریف إلی " ابقاء ما کان الذي فسر بالحکم بالبقاء"

فیقول: مثل ما تقول یحکم الشارع بالحرمة أو حکم الشارع بالوجوب ؛ هنا الحکم و الوجوب شئ واحد وهنا نفس بقاء المتیقن السابق هو معنی ثبوت الحکم في مرحلة البقاء هذا هو نفس المعنی فیرجع له . فعلی هذا التعریف المحقق الروحاني رحمه الله یقول ینسجم مع بقية المدارک مثل بناء العقلاء او غیره.

[ تعریف الشیخ الوحید الخراساني حفظه الله ]

یبقی عندنا تعریف ذکره الشیخ الاستاذ حفظه الله وحاصل کلامه في التمهید في التعریف : لابد أن نلاحظ في المدارک في أدلة الاستصحاب ویکون التعریف علی طبقها وبما انَّ أهم الادلة للاستصحاب هي الروایات فلهذا ینبغي ان نلاحظ الروایات و نلاحظ التعریف المناسب له.

ثمّ یقول الشیخ حفظه الله: هو البناء علی الیقین السابق في ظرف الشک عملاً هذا هو المتناسب مع الروایات لانَّ الروایات مختلفة الالفاظ لکن تشیر الی معنی واحد وهو هذا التعریف.

وأنَّ تعریف النائيني بعدم انتقاض الیقین ناظر الی النتیجة لکن نحن نرید من الاستصحاب عدم النقض لا عدم الانتقاض أي: انت لا تنقض الیقین.

محصل کلّ ما ذکرنا : التعریف ینبغي أن نلاحظ فیه أمران:

الأمر الاول: المدارک التي اهمّها هي الروایات فنلاحظ ما فیه من الروایات

الأمر الثاني: لابدّ ان نلاحظ انه من الاصول او من الامارات حتی اذا کان من الامارات لا نقول "هو الحکم" اما اذا کان من الاصول نقول هو الحکم.

فالانسب ما ذکره المحقق النائیني مع تعدیل السید الخوئي او تصرف الشیخ الاستاذ حفظه الله. فنقول: الاستصحاب هو البناء علی الیقین السابق في ظرف الشک عملاً والمراد عدم نقضه عملاً فنقول هو البناء علی الیقین السابق في ظرف الشک عملاً .

هذا تمام کلامنا في بیان التعاریف.


[1] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص9.
[2] [ لأنَّ ابقاء ما کان له ثلاثة حالات : إما أن نبقّي ما کان لوجود علته السابقة مثلاً في التکوینیات نحکم ببقاء الحرارة اذا رأينا النار موجودة. وإما أن نبقّي ما کان لوجود دلیله کما في التشریعیات نجکم ببقاء وجوب الصلاة في زماننا هذا لوجود الدلیل الدال علیه وهو "أقیموا الصلاة" وظهور الأمر علی الوجوب و إما أن نبقّي ماکان لا لوجود دلیله او علته بل لمجرّد کونه في الزمن السابق. فهذا القسم الأخیر هو المراد من ابقاء ما کان ].

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo