< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/02/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - خاتمة في شرائط العمل بالأصول العملية

المانع الثالث:

لازال الكلام في أن حديث الرفع إذا كان مطلقاً هل هناك مانع من التمسك بهذا الإطلاق، بمعنى أنه إذا كان مطلقاً يعني يمكن جريان أصالة البراءة سواء كان قبل الفحص أو بعد الفحص، والمهم الآن قبل الفحص، إذا كان مطلقاً يعني يشمل البراءة قبل الفحص.

قلنا إنه على فرض الإطلاق فيوجد عندنا موانع مذكورة، المانع الأول كان الإجماع وتقدم الكلام فيه وأنه لا يصلح أن يكون مانعاً من الإطلاق على فرض وجوده، المانع الثاني هو العلم الإجمالي وهذا ما تحدثنا عنه قريباً وقلنا بأن العلم الإجمالي محل إشكال أورده المحقق صاحب الكفاية (قده) والإجابات عنه لم تكن تامة.

وحاصل ما أفاده (ره) أنه إذا كان المانع هو العلم الإجمالي فمعنى ذلك أننا بعد ظفرنا بمجموعة من الأحكام يكون عندنا قدر متيقن وشك بدوي في الباقي ونتيجة ذلك هو الانحلال ومعنى ذلك أن كثير من الشبهات الحكمية لا يجب فيها الفحص ويمكن جريان البراءة فيها بدون فحص، وهذا ما لا يقول به الأعلام، فعليه: هذا العلم الإجمالي لا يصلح لأن يكون مانعاً من التمسك بالإطلاق.

هذا الإشكال لازال قائماً وجواب المحقق النائيني (قده) الذي ذكرناه غير وافٍ للجواب.

المانع الثالث للإطلاق المذكور: هو ما أفاده السيد الخوئي (ره) قال بانصراف أدلة البراءة إلى ما بعد الفحص ومنشأ هذا الانصراف هو حكم العقل بوجوب الفحص وعدم الرجوع إلى البراءة قبله، فالعقل كما يحكم بقبح العقاب بلا بيان كذلك يحكم بوجوب الفحص عن أحكام المولى من باب وجوب دفع الضرر المحتمل، باعتبار أن المكلف يحتمل وجود أحكام إلزامية في لا أقل في ضمن الكتب الأربعة أو المعتبرة، فعليه: هذا الاحتمال يولد احتمال أنه إذا لم يذهب لمعرفتها وخالف الواقع يقع في العقوبة، فإذاً هو يحتمل الضرر عند عدم الفحص، فبمقتضى قاعدة دفع الضرر المحتمل الأخروي يجب عليه عن الأدلة، هذه خلاصة الدليل.

وأيضاً أوضح ذلك بجهة، يقول: كما أن على المولى إبلاغ أحكامه إلى عبيده وبيان مراداته لهم جرياً على وظيفة المولوية، فكذلك يجب على العبد الفحص عن أحكام المولى جرياً على وظيفة العبودية، فإذاً عندنا وظيفتان: وظيفة للمولى وهي بلاغ وبيان أحكامه، عنده أحكام فيبينها ويبلغها للمكلف، وهناك وظيفة للعبد وهي السعي وراء تلك الأحكام والذهاب إليها وذلك باعتبار أن المولى يبين أحكامه بالنحو المتعارف، يعني يضع هذه الأحكام في معرض الوصول إلى المكلف ولا يبين إلى كل مكلف مستقلاً ولوحده ويوصل الأمر له إلى بيته، وإنما يجعلها في معرض الوصول، أما فعلية الوصول فهذه تكون من وظائف العبد، فالعبد عليه أن يسعى لذلك.

هذا الحكم العقلي بوجوب الفحص يكون بمنزلة القرينة المتصلة بالأدلة المانعة عن انعقاد ظهور الأدلة في الإطلاق، وما تقدم أيضاً وبيناه بأن الدليل اللفظي إذا كان مقترناً بالقرينة فلا ينعقد فيه الإطلاق لأن الإطلاق أُخذ فيه مقدمات الحكمة ومن جملتها عدم وجود القرينة، فإذا كانت القرينة موجودة لفظية أو حالية أو عقلية وكانت متصلة بالكلام فيمتنع انعقاد الظهور في الإطلاق، القرينة اللفظية إذا كانت متصلة لأنه يوجد قرينة متصلة وقرينة منفصلة، والقرينة العقلية أو الدليل العقلي هو بمنزلة القرينة المتصلة فيمنع من انعقاد الظهور في الإطلاق.

خلاصة هذا الوجه الذي أفاده السيد الخوئي (ره): أن أدلة البراءة النقلية مقترنة بدليل عقلي قائم على وجوب الفحص، هذا الدليل العقلي يمنع من الإطلاق فلا ينعقد أساساً الظهور في الإطلاق.

كلام السيد الخوئي (ره) أولاً نقول: بأن هذا الكلام يفترض أن يكون في المرحلة السابقة وليس في هذه المرحلة؛ لما بيناه سابقاً أن عندنا مرحلتين في البحث: المرحلة الأولى في تحقق الإطلاق في الأدلة وعدم تحققه وقلنا بأنه لا ينعقد الإطلاق على حسب ما مر وبينا ما أفاده الشيخ الوحيد (حفظه الله)، فإذا قلنا من الأول بأنه لا يوجد إطلاق فنحن في غنى عن البحث في المانع؛ لأن الإطلاق معناه هو المقتضي لجريان البراءة، إذا كان حديث الرفع مثلاً مطلقاً يشمل ما قبل الفحص إذاً هناك مقتضي لجريان البراءة قبل الفحص، أما إذا منعنا من انعقاد الإطلاق فأساساً لا يوجد مقتضي، على الفرض الأول إذا وجد المقتضي نسعى وراء وجود المانع، هل هناك مانع أو لا؟ وإذا لم يوجد مقتضي أساساً لا نحتاج إلى البحث في المانع، هذا الوجه نتيجته أنه لا مقتضي لجريان البراءة قبل الفحص، ليس الكلام في المانع إذاً، لم ينعقد الإطلاق، يقول: انصراف الأدلة إلى ما بعد الفحص بحكم العقل، إذاً لا إطلاق في المقام، فلا مقتضي لجريان البراءة قبل الفحص أساساً، هذه الجهة ربما تكون فنية أكثر، يعني نقول: فنياً كان يفترض ألا يُجعل هذا من جملة الموانع وإنما يُجعل في أساس انعقاد الإطلاق وعدمه.

الجهة الثانية: وهي المهمة، نقول: بأننا نلاحظ هذا الوجه فنقول: هذا الوجه يصلح أن يكون مانعاً عن البراءة العقلية وليس مانعاً عن البراءة النقلية التي هي محل الكلام، بالنسبة إلى البراءة العقلية –قبح العقاب بلا بيان- هنا نقول: بأن الدليل العقلي الآخر وهو لزوم دفع الضرر المحتمل يوجب علينا الفحص لوجود الاحتمال فنجعل المقارنة بين الدليلين وأيهما المقدم، يعني لو فرضنا أن يكون هناك تزاحم بينهما أو تعارض، ولكن لا يوجد تعارض في الأدلة العقلية فيما بينها، وهذا بحثه في محله.

الجهة التي نريد أن نؤكد عليها، نقول: الكلام في البراءة النقلية وهذا الحكم العقلي بلزوم الفحص هل هو حكم منجز أو هو حكم تعليقي، إذا كان حكم منجز يعني هو حكم عقلي ضروري ومنجز على كل تقدير في مثله يصلح أن يكون محتفّاً بالكلام ويكون مانعاً من الإطلاق فلا ينعقد إطلاق في المقام، أما إذا قلنا هذا الحكم العقلي ليس منجزاً على كل تقدير وإنما هو معلّق على عدم وجود الترخيص من الشارع، يقول العقل: ابتداءً يجب على المكلف أن يفحص عن الأدلة، لكن لو رخّص الشارع في ذلك هل العقل لازال يقول أيضاً يجب الفحص؟ قطعاً لا، بالإمكان أن نتصور أن يصرح الشارع بهذا التصريح ويقول: لا يجب عليكم الفحص، إذا وصل لكم التكليف اتفاقاً فيجب العمل على طبقه، وإذا لم يصل إليكم اتفاقاً فلا يجب عليكم الفحص والسعي وراءه أو البحث عنه، هذا المعنى ممكن أو غير ممكن؟ لا شك أنه ممكن، ممكن للشارع أن يقول لا يجب عليكم الفحص وإنما يجب عليكم إذا وصل لكم التكليف اتفاقاً، مادام يمكن لأن يقول الشارع هذا إذاً هذا الحكم العقلي حكم تعليقي، يعني يجب الفحص من باب دفع الضرر المحتمل إذا لم يرخص الشارع، أما إذا رخّص الشارع فلا يوجد عندي ضرر محتمل فلا يجب الفحص، عليه: نقول: بأن حديث الرفع وأدلة البراءة هي بنفسها مرخّص فلا يصلح أن يكون هذا الدليل العقلي مانعاً من إطلاقها بل حديث الرفع بإطلاقه هو مرخّص ودليل العقلي يقول: إذا لم يرخص الشارع يجب عليك الفحص، أما إذا رخّص الشارع في الفحص فلا يجب عليك الفحص.

إذاً هذا الدليل لا يصلح أن يكون دليلاً مانعاً من التمسك بإطلاق أدلة البراءة على فرض تحقق الإطلاق، فما أفاده (قده) وقال في آخره: (وهذا الوجه مما لا بأس به)، هذا فيه بأس وإشكال.

المانع الرابع:

أيضاً أفاده السيد الخوئي (ره) وقال أيضاً أن هذا الوجه لا بأس به، حاصله: الروايات والآيات الدالة على وجوب التعلّم مقدمة للعمل، وهي كثيرة:

منها قوله تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) فهنا مع عدم العلم يؤمر المكلف بالسؤال (فاسألوا أهل الذكر) يعني يجب عليه الفحص مادام لم يعلم ولا يجري البراءة.

ومنها ما ورد في تفسير قوله تعالى (فلله الحجة البالغة) هنا في البحار الجزء الثاني في كتاب العلم، عن ابن زياد قال: سمعت جعفر بن محمد (عليهما السلام) وقد سُئل عن قوله تعالى، قل فلله الحجة البالغة، فقال: إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: عبدي أكنت عالماً، فإن قال نعم، قال له: أفلا عملت بما علمت، فإن قال: كنت جاهلاً، قال له: أفلا تعلمت حتى تعمل، فيخصم، فتلك الحجة البالغة) هنا السائل يسأل الإمام عليه السلام عن معنى (قل ففله الحجة البالغة) فالإمام عليه السلام في هذه الرواية يقول: يوم القيامة يؤتى بالعبد فيُسأل: هل كنت علماً بالحكم الشرعي بالوظيفة الشرعية وما يرتبط بذلك؟ إذا قال: نعم، فيقال: أفلا عملت بما علمت؟ بما أنك تعلم لماذا لم تعمل على طبق علمك؟ وإذا قال: لم أكن أعلم، يقال له: أفلا تعلّمت حتى تعمل، فعلى التقديرين تكون الحجة البالغة لله سبحانه وتعالى على العبد فلا يمكنه الجواب.

هذه الرواية وأمثالها يستفاد منها، أنه يجب على المكلف الفحص، لو جاز الرجوع إلى البراءة أو غيرها من الأصول قبل الفحص وقبل التعلّم لم يجب في الآية سؤال أهل الذكر، ولم يوجه العتاب إلى من لم يتعلم كما في الرواية، فإذاً ما يُستفاد من هذه الآية وهذه الرواية، أنه يجب عليه الفحص ولا يُجري البراءة قبل الفحص، هذا حاصل كلام السيد (ره) وعبر عنه أن هذا الوجه مما لا بأس به.

هذا الوجه طبعاً بالنسبة إلى آية السؤال، هذه الآية محل كلام هل أنها ناظرة إلى خصوص وصول الدين مثلاً أو مطلقاً، باعتبار أنه عندنا روايات استشهد الإمام عليه السلام بهذه الآية في مورد أصول الدين، يعني في مقام البحث عن الإمام، إذا توفي الإمام اللاحق فيبحث المكلف عمن هو الإمام فإذا توفي الإمام السابق فيبحث المكلف عمن هو الإمام اللاحق، إذا كان هذه مختصة بأصول الدين فلا موضع لها فيما نحن فيه؛ لأن كلامنا في فروع الدين مع الشك في الحكم والشبهة الحكمية، المهم: هذه الآية تكون على حسب ما يستفاد منها وبحسب ما وردت فيه.

أما بالنسبة إلى الرواية فهي تقريباً ظاهرة فيما أراده السيد الخوئي (ره) يعني يمكن التمسك بها فيما أفاده (ره) لكن هل يوجد عندنا روايات من هذا القبيل متعددة؟ أو منحصر؟ يعني توجد هذه الرواية ربما توجد رواية غيرها، يعني ليس كما أفاد، الذي يظهر ويحتاج إلى تتبع أكثر ولكن فعلاً الذي يظهر أنه لا يوجد عندنا مثلما عبر أنه روايات وهي كثيرة الدالة على وجوب التعلم مقدمة للعمل.

فيمكن أن نضيف إلى هذا الدليل حتى يكون دليلاً تاماً وجامعاً، نضيف ملحقاً به، نقول: بأن الشارع الكريم حثّ بنحو مطلق على التعلّم وأكد على التعلّم والعلم وفائدة العلم وما شاكل ذلك، يعني الروايات التي تذكر في هذا الباب أو غيره يستفاد من هذه الروايات أن الشارع يحث ويؤكد على التعلم وعلى العلم كما ذكرنا سابقاً أيضاً مثلاً (اطلبوا العلم ولو في الصين) (اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد) مثل هذه التعبيرات التي تفيد الحث على العلم، إذا كان الشارع ديدنه ذلك أنه يحث على العلم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أنه يضع الأحكام في معرض الوصول وأن الشارع لا يوصل الحكم إلى كل مكلف بحد نفسه، وإنما يُرسل الرسل ويأمرهم بالتكليف فيكون وجود الرسول وما بلّغه معرض لوصول المكلف، بهذه القرائن المحتفّة والمتعددة، نقول: بأن مقتضى ذلك هو البحث والفحص قبل العمل، وأما إذا أجاز العمل قبل الفحص فهذا يتنافى مع تأكيده وحثه على العلم وأن ديدنه أن يجعل الحكم في معرض الوصول، هو من جهة أرسل الرسل وشرّع هذه الشريعة وأراد من المكلفين أن يأخذوا بهذه الشريعة ومن جهة أخرى يقول لهم: لا يجب عليكم الفحص وإنما تجرون البراءة في كل مورد شككتم فيه بل إذا حصل لكم العلم اتفاقاً اعملوا به وإلا لا يجب عليكم، هذان المعنيان يتنافيان، هذا المعنى يمكن أن نضيفه إلى هذا الوجه ليكون وجهاً واضحاً ظاهراً ويمكن أن نجعله كوجه مستقل يكون مانعاً من الإطلاق. وللحديث بقية.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo