< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/02/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - خاتمة في شرائط العمل بالأصول العملية

البراءة النقلية: الموانع من شمول البراءة النقلية لما قبل الفحص:

ذكرنا فيما سبق بأنه على القول بوجود الإطلاق في حديث الرفع، فهنا يكون الفحص لأجل تحصيل المانع من هذا الإطلاق، وذُكر لوجوب الفحص عدة أدلة، الدليل الأول: هو الإجماع وقد تقدم الكلام فيه، وقلنا: بأنه لا يصلح أن يكون مانعاً من الإطلاق.

الدليل الثاني: الذي ذكره صاحب الكفاية (قده) كدليل، وإن كان هو أورد عليه إشكال، وهو العلم الإجمالي:

بيان العلم الإجمالي في المقام: أننا نعلم بوجود أحكام تكليفية إلزامية في ضمن الشريعة المقدسة، هذا العلم الإجمالي يقتضي التنجيز لأنه لو أجرينا البراءة في كل مورد للزم مخالفة الواقع ومخالفة العلم الإجمالي، وإجراء الأصل في مورد دون مورد يكون ترجيحاً بلا مرجح، فعليه نقول: بتنجيز العلم الإجمالي وعدم جريان البراءة ولا بد من الفحص، بعد الفحص نعم تجري البراءة، هذا تقريباً حاصل الدليل.

إذاً: هذا الدليل وهو العلم الإجمالي يقتضي لزوم الفحص.

أورد صاحب الكفاية على هذا الدليل: بأنه أخص من المدعى، المدعى أنه يجب الفحص مطلقاً، وهذا الدليل وهو العلم الإجمالي يقتضي لزوم الفحص في خصوص الكتب المعروفة، وهذا الإشكال يمكن رده من جهتين، جهة أنه أخص من المدعى وجهة أنه بالعكس.

إذا لاحظنا أن العلم الإجمالي يقتضي التنجيز في خصوص الكتب المعروفة، هنا يكون الدليل أخص من المدعى؛ لأن المدعى هو لزوم الفحص مطلقاً في جميع الكتب والدليل وهو العلم الإجمالي يقول بالتنجيز في خصوص الكتب المعروفة الكتب الأربعة مثلاً وما شابهها، فعليه يكون الدليل أخص من المدعى.

لو لاحظنا من جهة ثانية: وهي أن لزوم التحصيل في خصوص الكتب المعروفة؛ لأن ما عدا الكتب المعروفة انحل العلم الإجمالي فيها، فالدليل يقتضي لزوم الفحص في خصوص الكتب المعروفة، هذا الدليل يكون أعم من المدعى، فيمكن ملاحظة الإشكال من جهتين.

الجهة الأولى هي الأهم، يعني المدعى يجب تحصيل والفحص في الجميع في هذه الكتب أو في غيرها، هذا مقتضى العلم الإجمالي لأنني أعلم إجمالاً بوجود أحكام إلزامية في الشريعة المقدسة وهي توجد في هذه الكتب أو في غيرها أو في ضمن الأمارات المعتبرة وغير المعتبرة مطلقاً، الدليل هذا يكون أخص من المدعى لأنه يُلزم بالفحص بالكتب المعروفة، فعليه لا يفيد، هذا طبعاً الإشكال الوارد.

أجابوا عنه: بأنه عندنا هنا ثلاثة علوم إجمالية، هذا بحث في مباحث العلم الإجمالي التي بعد القطع تقدم الكلام فيه شرحاً وافياً، ولكن حاصل الكلام:

عندنا علم إجمالي أول وهو أني أعلم بوجود تكاليف إلزامية في ضمن الشريعة المقدسة، هذا العلم الإجمالي الأول ينشأ من كوني معتقداً بالشريعة وكوني مؤمن بهذه الشريعة، فأنا أعلم بوجود تكاليف وأن الشريعة لا تقوم بدون التكاليف، أنا أعلم تكاليف في ضمن الشريعة المقدسة والتكاليف أيضاً إلزامية وغير إلزامية، فأنا أعلم بوجود تكاليف إلزامية من واجبات ومحرمات في ضمن الشريعة، هذا علم إجمالي أول وهو علم إجمالي واسع.

عندي علم إجمالي ثاني، وهو علم إجمالي بوجود هذه التكاليف في ضمن الأمارات المعتبرة وغير المعتبرة، يعني موجودة هذه التكاليف في ضمن أخبار الآحاد سواء كانت أخبار الثقات أو غير الثقات أو في ضمن الإجماعات أو الشهرات في ضمن هذه الأمور التي تشمل الأمارات المعتبرة والأمارات غير المعتبرة، هذا العلم الإجمالي أضيق من العلم الإجمالي الأول، الأول مطلقاً في الشريعة أينما وُجدت الأحكام، الآن الثاني يقول أعلم بوجود أحكام في ضمن هذه الأمارات المعتبرة وغير المعتبرة، فيكون هذا أضيق من الأول.

وعندنا علم إجمالي ثالث وهو مورده خصوص الأمارات المعتبرة، يعني أعلم إجمالاً بوجود أحكام إلزامية في ضمن الأمارات المعتبرة بالخصوص، هذا العلم الثالث أضيق من العلم الثاني فلهذا قالوا: عندنا إجمالي كبير وعلم إجمالي متوسط وعلم إجمالي صغير، العلم الإجمالي الكبير ينحل بالعلم الإجمالي المتوسط وذلك بناءً على أنه إذا دار الأمر بين الأقل والأكثر وعلمتَ بالأقل بنحو متيقن ينحل العلم الإجمالي فيما زاد، عندنا قدر متيقن ما زاد عن القدر المتيقن ينحل العلم الإجمالي يعني يكون فيه الحال شبهة بدوية فيما عداه، يعني مثلاً: إذا علمت بوجود شياه مغصوبة في ضمن القطيع، يدور الأمر بين الأقل والأكثر، بحثت في القطيع وجدت خمس من الأغنام هذه هي المغصوبة ليست لي، الآن العلم الإجمالي الذي كان عندي وهو أعلم بوجود شياه مغصوبة في ضمن القطيع هذا العلم الإجمالي انحل بهذا: أنه صار عندي علم تفصيلي بوجود خمس شياه مغصوبة قطعاً، هل يوجد في ضمن القطيع غير هذه الخمس أو لا يوجد؟ أنا أشك الآن، هذا الشك لا يكون مقترناً بالعلم الإجمالي يعني شك بدوي؛ لأن العلم الإجمالي انحل بعلم تفصيلي بهذه الخمسة وشك بدوي فيما زاد، فلهذا نقول بانحلال العلم الإجمالي، نفس هذه الفكرة تنطبق على المقام، في الأول العلم الإجمالي الكبير عندي علم إجمالي بوجود أحكام تكليفية إلزامية في الشريعة المقدسة بنحو عام، لأني أؤمن بالشريعة وهي قائمة بوجود أحكام، العلم الإجمالي المتوسط في دائرة أضيق وهو علم إجمالي بوجود أحكام في الأمارات الموجودة عندنا الدالة على الأحكام الموجودة في الشريعة هذه الأمارات أعم من الأمارات المعتبرة والأمارات غير المعتبرة، أنا عندي علم إجمالي بهذا النحو، هذا العلم الإجمالي بما أنه أضيق دائرة من العلم الإجمالي الأول إذاً العلم الإجمالي الأول ينحل، فصار عندي قدر متيقن بوجود أحكام إلزامية في ضمن هذه الأمارات المعتبرة وغير المعتبرة وما زاد على ذلك هل يوجد أحكام إلزامية في غي هذه الأمارات الموجودة عندنا أو لا يوجد؟ أنا أشك، فصار عندي قدر متيقن علم تفصيلي بالأقل وشك في الأكثر، فينحل العلم الإجمالي الكبير بالعلم الإجمالي المتوسط.

إذا انحل نأتي الآن إلى العلم الإجمالي المتوسط نقول: نفس الكلام: العلم الإجمالي المتوسط ينحل بالعلم الإجمالي الصغير بنفس الفكرة المتقدمة، بهذا النحو: أنا في الأول في المتوسط علمت بوجود أحكام إلزامية في دائرة الأمارات المعتبرة وغير المعتبرة، أعلم قطعاً بوجود أحكام إلزامية في ضمن الخبر الواحد الحجة وفي ضمن خبر الواحد غير الحجة وفي ضمن الإجماع والشهرات وهكذا، الآن في العلم الإجمالي الصغير أعلم إجمالاً بوجود أحكام إلزامية في ضمن الأمارات المعتبرة فقط، هذا العلم الإجمالي الصغير بما أنه أضيق دائرة من العلم الإجمالي المتوسط إذاً يوجب انحلال العلم الإجمالي المتوسط، فأقول: كنت تعلم بوجود أحكام أعم من كونها في الأمارات المعتبرة أو في الأمارات غير المعتبرة، الآن عندك علم إجمالي أن الأحكام الإلزامية موجودة في ضمن الأمارات المعتبرة فقط، فإذاً فرزت الأمارات المعتبرة صار عندي علم متيقن بوجود أحكام إلزامية في ضمن هذه الأمارات المعتبرة، وعندي شك بدوي في ضمن الأمارات غير المعتبرة، هل يوجد أحكام إلزامية غير هذه الأحكام في ضمن الأمارات غير المعتبرة أو لا يوجد؟ يكون شك بدوي، إذا وجد هذا الشك البدوي انحل العلم الإجمالي المتوسط النتيجة: يكون عندي العلم الإجمالي يوجب الفحص في خصوص دائرة الأمارات المعتبرة، هنا يلزم الفحص وفيما عداه لا يلزم الفحص، فالعلم الإجمالي إذاً دعواه وجوب الفحص عن الأحكام في ضمن دائرة الأمارات المعتبرة لا مطلقاً حتى يرد الإشكال بأنه أخص من المدعى، فيكون أساس المدعى هكذا: يجب الفحص عن الأحكام في ضمن دائرة الأمارات المعتبرة، وأما فيما عداها فلا يجب الفحص، هذه الدعوى مطابقة للعلم الإجمالي.

فالنتيجة: أن مقتضى العلم الإجمالي وجوب الفحص، أو نقول: إن الدليل على وجوب الفحص هو العلم الإجمالي الصغير، والعلم الإجمالي الصغير في خصوص هذه الدائرة وهي الأمارات المعتبرة، هكذا يمكن أن يجاب عن الإشكال.

المحقق النائيني (قده) عنده كلام في جريان العلم الإجمالي في مثل المقام، يقول: العلم الإجمالي إذا كان يدور أمر المورد بين الأقل والأكثر يوجب الانحلال لا كلام عندنا في ذلك، ولكن يشترط ألا يكون المعلوم بالإجمال ذا علامة، إذا كان ذا علامة فلا يفيدنا في الانحلال دران الأمر بين الأقل والأكثر.

بيان ذلك: يقول: إنه إذا علمت بوجود دين عليك ودار الأمر بين الأقل والأكثر، دين مطلق، خمسة دراهم أو ستة، هنا يمكنك القول بجريان البراءة في الأكثر، عندما علمت بالقدر المتيقن بالأقل ففي الأكثر يمكن جريان البراءة، هذا لا إشكال فيه.

ولكن إذا علمت بأنه عليك دين وهذا الدين الموجود في الدفتر، عند التاجر الدين المكتوب في الدفتر هذا عليَّ، هذا أمره يدور بين الأقل والأكثر ولكن المعلوم بالإجمال ذو علامة وهي كونه في الدفتر، إذا دار الأمر في الدفتر بين الأقل والأكثر هنا لا أجري البراءة بل يجب الفحص حتى أحرز عدمه، فإذاً هذا العلم الإجمالي بما أنه ذو علامة لا يفيد دوران الأمر بين الأقل والأكثر لكي نقول بالانحلال.

ما نحن فيه من هذا القبيل بمعنى: أننا نعلم إجمالاً بوجود أحكام إلزامية في ضمن الشريعة المقدسة، ولكن نعلم إجمالاً بوجود هذه الأحكام الإلزامية في ضمن الكتب المعتبرة الموجودة عندنا، كونها في ضمن الكتب يجعلها ذات علامة، يقول هذا العلم الإجمالي ذو علامة وهي كون الأحكام في ضمن الكتب، بما أنه ذو علامة وهي كون الأحكام في ضمن الكتب إذاً لا يفيد أن تقول دار الأمر بين الأقل والأكثر وعلمت يقيناً بمقدار إذاً ينحل في الباقي، لا، هنا المعلوم بالإجمال ذو علامة، حتى لو ظفرت بمجموعة من الأحكام الإلزامية أيضاً يجب عليك الفحص في كل مسألة، في كل مسألة احتمل أن يكون لها حكم في ضمن الأحكام الموجودة في الكتب في هذه الكتب المعتبرة فإذاً لا بد من الفحص، هذا هو كلام المحقق النائيني (قده).

وخلاصته: يقول: الذي يوجب انحلال العلم الإجمالي في الأكثر هو دوران الأمر بين الأقل والأكثر غير المعلَّم بعلامة مطلقاً، هذا يجري فيه الانحلال ويجري فيه البراءة في الأكثر، وأما المعلوم بالإجمال إذا كان معلّماً بعلامة فهنا دوران الأمر بين الأقل والأكثر لا يوجب الانحلال بل لا بد من الفحص، هذا حاصل كلام المحقق النائيني (قده) وللحديث بقية إن شاء الله. والحمد لله رب العالمين.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo