< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/11/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

البحث في الزيادة بمقتضى الأصول العملية والأدلة اللفظية:

الكلام كان في التنبيه الثاني وهو ما إذا شُك في الزيادة، الشك في أن هذه الزيادة مبطلة أو ليست مبطلة؟ يكون البحث فيه في مقامين:

المقام الأول: في مقتضى الأصل العملي، والمقام الثاني: في مقتضى الأدلة اللفظية.

أما بالنسبة إلى الأصل العملي: فهنا في الواقع يندرج البحث في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين وتقدم عندنا الكلام في جريان البراءة عن الأكثر فيه، ولكن بيان ذلك في المقام كيف يندرج البحث في ذلك المقام.

البحث يندرج في ذلك المقام: من جهة أن الشك في مبطلية الزيادة يرجع في الواقع إلى الشك في مانعيته عن الصلاة وعدم مانعيته، وكما أنه يمكن أن نشك في شرطية شيء للصلاة وعدم شرطيته، شرطية الاستقبال مثلاً أو عدم الشرطية وهناك يكون من دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين وتجري البراءة في الأكثر، هنا أيضاً يمكن الشك من جهة أنه هل أُخذ عدمه شرطاً أو لا؟ هل تكون الزيادة مانعة أو لا؟ يعني هل أُخذ عدمه شرطاً في الصلاة أو لا؟ فيكون شرطاً عدمياً في الصلاة هل أُخذ أم لم يؤخذ؟

فمن هذه الجهة تندرج في ذلك المقام، فإذاً المسألة تكون هكذا: هل أن هذه الزيادة مبطلة أو ليست بمبطلة؟ نشك، يعني مرجع هذا الشك إلى شك آخر وهو هل أُخذ عدمها في الصلاة؟ هل اعتبر عدمها في الصلاة أو لم يعتبر عدمها في الصلاة؟ فنشك في ذلك فنجري البراءة عن أخذ عدمها شرطاً في الصلاة، أو اعتبار عدمها شرطاً في الصلاة.

فالنتيجة: إذا أجرينا البراءة فلا محذور في ذلك عندما يأتي بهذه الزيادة، سواء أتى بها عمداً أو سهواً، مثلاً: لو شك في زيادة التسبيح في الصلاة فنحن نشك هل أُخذ عدم هذه الزيادة من التسبيح في الصلاة أو لا؟ نجري أصالة البراءة عن أخذها شرطاً فيمكن الإتيان بالتسبيح الزائد عمداً أو سهواً لا إشكال في ذلك.

ولكن هنا يؤتى بقيد: يشترط ألا تكون هناك جهة أخرى مبطلة للصلاة، إذا لاحظنا فقط هذه الجهة التي ذكرناها الآن لا مانع من جريان البراءة والحكم بصحة الصلاة، ولكن او دخلت جهة أخرى في الصلاة تكون تلك الجهة الأخرى مبطلة، مثلاً: أن تتدخل النية في الصلاة بحيث ينوي أن يمتثل المركب من الزائد بنية أنه هو المأمور به عمداً، عمداً يأتي بهذه الزيادة بنية أنها مأمورة بها، هنا طبعاً للتوضيح نتصور صور:

الصورة الأولى: أن ينوي الأمر بالمركب من الزيادة، نفترض الصلاة الأساسية مع الزيادة ويقول: هناك أمر متوجه لهذا المركب وأنا أقصد هذا الأمر المتوجه للمركب من الزيادة والأصلية، في مثل هذا المقام نقول: بأن هذا القصد مبطل، بما أن العمل عبادي وقصد امتثال خصوص هذا الأمر المركب من الزيادة والأساس، بما أنه كذلك ولم ينطلق المكلف من الأمر الفعلي الواقعي وإنما عن خصوص هذا الأمر فهو ما قصد امتثاله من الأمر لم يكن متحققاً، وما كان متحققاً لم يقصده، فهنا نحكم بالبطلان خصوصاً إذا صوّرنا بأن نفس الأمر بالمركب الواقعي لم يدفعه للامتثال ولم يكن كافياً لدفعه للامتثال وإنما دفعه للامتثال وجود هذا الأمر الموهوم المتوجه إلى المركب الشامل للزيادة وغيرها، نقول: إذا دخلت هذه النية فهذا يقتضي البطلان.

الصورة الثانية: أن يقصد الأمر الفعلي وأخطأ في تطبيقه وطبّقه على المركب من الزيادة وجاء للامتثال يريد أن يمتثل الصلاة ومنشأ امتثاله للصلاة وجود أمر فعلي متوجه لهذا المركب ويقصد هذا الأمر الفعلي ولكن أخطأ، الأمر الفعلي في الواقع لا يشمل هذه الزيادة التي أتى بها، فأتى بالزيادة اعتقاداً منه أن الأمر الفعلي متوجه لهذا المركب من هذه الزيادة، بينما الزيادة لم تدخل في الأمر ولا في المركب المأمور به، ولكن أخطأ في التطبيق، هو أراد أن يمثل الأمر المتوجه للمركب ولكن في الواقع المركب مركب من غير هذه الزيادة وهو قصد هذه الزيادة باعتقاد أن الأمر متوجه للمركب مع هذه الزيادة، نقول: هنا خطأ في التطبيق لا يضر بالنية فتكون الصلاة صحيحةً.

الصورة الثالثة: وهي أن يعلم بأن الأمر متوجه لهذا المركب نفترض المركب من عشرة أجزاء، وهو انبعث عن امتثال هذا الأمر ولكن في التطبيق شرَّع وأضاف شيء أن من جملة هذا المركب هذه الزيادة ليس خطأً وإنما تشريعاً، هذا التشريع بما أنه في التطبيق نقول: هذا التشريع قبيح عقلاً ولكن لا يضر بامتثال الأمر، هو انطلق وانبعث عن الأمر الواقعي الفعلي المتوجه للمركب ولكن في أثناء التطبيق أضاف زيادة في المركب تشريعاً في التطبيق، وبما ان التشريع في التطبيق وإن كان قبيح عقلاً ومحرم شرعاً لكنه لا يضر بأصل النية، فأيضاً يُحكم بصة المركب وبصحة الصلاة.

إذاً النتيجة من هذا: نقول: إن الشك في مبطلية الزيادة يرجع في الواقع إلى الشك في أخذ عدم الزيادة شرطاً في الصلاة فنحن بما أنه قلنا سابقاً عند دوران الأمر بين الأقل والأكثر يشمل الأجزاء والشرائط فيشمل هذا، هل أُخذ مانعاً؟ هل أخُذ عدمه شرطاً؟ أشك أجري فيه البراءة، ولكن ما لم يطرأ الطارئ الآخر، نحن الآن مع حالة الشك أما الجهة الأخرى المبطلة فالبطلان سببه تلك الجهة التي ذكرناها، هذا كله من جهة الأصل العملي.

أما من جهة الأدلة اللفظية: فنحن عندنا في باب الصلاة وفي الطواف ورد بأن الزيادة مبطلة، البحث في هذه الجهة في الوقع هو بحث فقهي ولكن نشير إشارة فقط ونكتفي بما ذُكر في باب الصلاة لبيان المطلب.

في باب الصلاة وردت عندنا ثلاث طوائف من الروايات، ولا بد من قراءتها ليتضح الحال فيها:

الطائفة الأولى: صحيحة أبي بصير، قال: وبإسناده عن علي بن مهزيار عن فضالة بن أيوب عن أبان بن عثمان عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (من زاد في صلاته فعليه الإعادة) [1] هذه الرواية مطلقة من هذه الجهة، هنا مطلقة من حيث أن الزيادة عمداً أو سهواً، عامة تشمل الموردين، أيضاً الزيادة الركنية أو غير الركنية شاملة لها، الرواية إذاً رواية مطلقة من هذه الجهة.

توجد رواية أخرى أيضاً معتبرة، محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة وبكير ابني أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالاً إذا كان قد استيقن يقيناً)[2] وفي بعض الكتب مثلاً في الوسائل عن الكافي (إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة ركعةً) أضاف كلمة (ركعةً)، الهامش في المصدر هذه كلمة (ركعةً) ليست في المصدر، فهذه الرواية في الكافي لا يوجد كلمة (ركعة) أما في غيره لعله عند الشيخ موجود كلمة (ركعة) لأن الشيخ أيضاً يرويها، محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن يعقوب، على كل حال، إذا الآن قرأنا الرواية بغير كلمة (ركعة) حتى نلاحظ الجمع بين الروايات، إذا كانت الرواية هكذا (إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالاً إذا كان قد استيقن يقيناً) فهذه الرواية أيضاً تدل على البطلان مطلقاً إذا زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها.

عندنا رواية ثالثة التي هي الرواية المعروفة رواية لا تعاد الصلاة، وهي أيضاً صحيحة معتبرة، عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (لا تعاد الصلاة إلا من خمسة الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود، القراءة سنة والتشهد سنة فلا تنقض السنة الفريضة)[3] يستفاد منها في خصوص الأركان تعاد الصلاة وما عداها لا تعاد الصلاة.

هنا نقطة قبل بيان المقارنة بين هذه الروايات، في (لا تعاد) جهات طبعاً من البحث والآن لا نريد أن ندخل فيها لأنه بحث مستقل، ولكن إحدى الجهات هل أن (لا تعاد) تشمل الزيادة والنقيصة أو خاصة بالنقيصة؟ هل هي خاصة بحال النقصان وعدم الإتيان بها أو تشمل حتى الزيادة فإذا أتى بركوع زيادة فيعيد بمقتضى هذه الرواية؟

هنا وقع بحث، المحقق النائيني (قده) قال: بأن لا تعاد لا تشمل الزيادة بدليل أن ثلاثة من هذه الأركان الخمسة لا يُتعقل ولا يُتصور فيها الزيادة وهي: الطهور والوقت والقبلة، إذاً بما أن في هذه الأركان الخمسة ما لا يتصور فيها الزيادة، فعليه نقول: بأن حديث لا تعاد لا يشمل الزيادة وإنما هو خاص بخصوص النقيصة، فإذا أنقص أحد هذه الأركان فعليه الإعادة.

المحقق السيد الخوئي (ره) قال: لا مانع، الرواية من هذه الجهة مطلقة سواء كانت زيادة أو نقيصة، عندنا هذه الأمور الثلاثة لا يتصور فيها الزيادة فمن هذه الجهة لا تشملها ولكن يبقى الجزءان الآخران وهما الركوع والسجود يتصور فيهما الزيادة فتشملهما.

فإذاً الرواية تشمل الزيادة والنقيصة، إذا اتضح هذا الآن ما هي النسبة بين هذه الروايات، عندنا روايات (من زاد في صلاته) قلنا تشمل الزيادة العمدية والسهوية وتشمل الأركان وغير الأركان، النسبة بينها وبين (لا تعاد) ما هي؟ هنا النسبة بينهما نسبة العموم والخصوص من وجه، باعتبار أن هذه الطائفة الأولى: (من زاد في صلاته فعليه الإعادة) هذه مختصة بالزيادة فقط ولكن يشمل الزيادة العمدية والسهوية والركنية وغير الركنية، وحديث (لا تعاد) هو من جهة مختص بالأركان يعني وجوب الإعادة فيه خاص بالأركان ومن جهة أخرى يشمل الزيادة والنقصان فهو أعم من الحديث الأول لأنه يشمل الزيادة والنقصان، والحديث الأول أعم من (لا تعاد) من جهة أنه يشمل الأركان وغير الأركان والزيادة السهوية والعمدية، إذاً مورد التعارض في الزيادة غير الركنية مقتضى حديث (من زاد في صلاته) هي البطلان، إذا زاد زيادة غير ركنية في الصلاة سهواً مقتضى (من زاد في صلاته) البطلان وعليه الإعادة، ومقتضى (لا تعاد) أن لا تعاد الصلاة إلا من الأركان فالزيادة غير الركنية لا تعاد الصلاة، فهنا صار التعارض بين الطائفة الأولى والطائفة الثالثة، والثانية داخلة من حيث المدلول من هذه الجهة في الطائفة الأولى إذا لم نضف كلمة (ركعة)، ما هو المقدم؟ المقدم في المقام هي قاعدة لا تعاد، في المجمل إذا كان هناك تعارض بين طائفتين من الروايات بالخصوص والعموم من وجه ففي محل التعارض نجري الأدلة العلاجية، هل يمكن أو لا يمكن؟ أحياناً من حيث الدلالة يمكن تقديم طائفة على طائفة أخرى وإن كانتا تتعارضان في العموم والخصوص من وجه، وذلك مثلاً: أحد الحديثين يلغي العنوان المأخوذ في الحديث الآخر، عندما نأخذ بالحديث الأول يلغي العنونا الموجود في الحديث الآخر بينما لما نأخذ بالثاني لا يلغي العنوان في الحديث الأول، يعني العنوان في الحديث الأول له موارد غير مورد التعارض أما الحديث الثاني ليست فيه موارد غير مورد التعارض يمكن أن نتمسك بنفس هذا الحديث، في مثل هذا نقدم الحديث الذي يُلغى لو لم نأخذ به، يعني الذي يُلغى العنوان الموجود فيه لو لم نأخذ به هذا هو المقدم، إذا لم يوجد عندنا من هذا القبيل وتحكّم التعارض الدليلان يسقطان في مورد التعارض.

في مثل هذا المقام ما هي القاعدة: نقول: القاعدة هي تقديم حديث (لا تعاد) لأن لسانه لسان حكومة على أدلة الأجزاء والشرائط، فأدلة الأجزاء والشرائط التي تقول يجب الإتيان بهذه الأجزاء والشرائط بالصلاة، حديث (لا تعاد) يقول: إذا تُرك جزء نسياناً سهواً ليس عمداً هنا إن لم يكن من الأركان فلا إعادة وإن كان من الأركان الخمسة فتجب الإعادة فهو مقدم على (من زاد في صلاته) من باب الحكومة لأنه هذا يفسر تلك الأدلة، وبما أنه يبين ويفسر تلك الأدلة فهو حاكم عليها، فلهذا يكون في مثل المقام تقديم حديث (لا تعاد) وعند تقديمه تكون النتيجة أن الجزء الركني إذا تُرك تعاد الصلاة سهواً أو عمداً والجزء غير الركني إذا تُرك سهواً فلا إعادة فيه وإذا تُرك عمداً فعليه الإعادة بمقتضى (من زاد في صلاته)،هذا البحث في الأدلة اللفظية بنحو مجمل.

فالملخص: أنه إذا شُك في الزيادة والنقيصة الأصل العملي جريان البراءة عن الزيادة بمعنى عدم أخذ عدمه شرطاً في الصلاة، هل أُخذ أو لم يؤخذ؟ نجري فيه أصالة البراءة، والأدلة اللفظية التي ذكرناها وتكملة البحث في محله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo