< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/11/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

البحث في إطلاق الجزء والشرط أو عدمه:

كان الكلام فيما لو شككنا في الجزئية والشرطية هل أنهما أخذا على نحو الإطلاق أو مشروطان بحالة الذكر فيما لو تذكرهما، وقلنا بأن الأصوليين ذكروا مبحثاً تمهيداً للبحث في أصل المطلب وهو: هل يمكن تكليف الناسي ببقية الأجزاء والشرائط التي لم ينسها أو لا؟ بعد الفراغ عن معرفة أن تكليف الناسي بالجزء أو الشرط المنسيين مستحيل، ولكن تأتي النقطة الأخرى وهي هل أن تكليفه بالأجزاء والشرائط الباقية التي لم ينسها هل تكليفه ممكن أو مستحيل؟

تقدم عندنا أن في المسألة قولين، قول اختاره الشيخ الأنصاري (قده) وهو القول بالاستحالة، وقول اختاره المحقق صاحب الكفاية (قده) وهو بعدم الاستحالة وتبعه غير واحد من الأعلام كالسيد الخوئي (ره) وغيره.

وبحسب البيان الثاني لصاحب الكفاية نقول بأنه يمكن تكليف الناسي ببقية الأجزاء بالنحو الثاني بحيث يوجد عندنا عند التحليل وبعد الجمع بين الروايات يوجد عندنا خطابان، خطاب بأصل العمل وبأركانه يعني بما يتقوم به العمل وهذا يشمل الناسين والذاكرين، وخطاب لخصوص الذاكرين وهو بالنسبة إلى بقية الأجزاء والشرائط، غايته أن الناسي عندما يأتي بالعمل يأتي به عن غفلة منه معتقداً بأن ما يأتي به هو نفس ما يأتي به غيره فيندفع عن الأمر المتعلق بالجميع، وهذا لا يضر بهذا المقدار، وهذا ثبوتاً ممكن وإثباتاً دل الدليل عليه في باب الصلاة كما ذكر السيد الخوئي (ره) وأضفنا بأنه يمكن بواسطة الذيل الموجود في حديث لا تعاد أن نعمم ذلك لغير الصلاة أيضاً، هذا كله قد تقدم سابقاً.

والكلام الآن في أصل المطلب، لو شككنا في إطلاق الشرط أو في إطلاق الجزء هل هو مطلق في جميع حالات المكلف بحيث يشمل حالة النسيان أو أنه مقيد بخصوص حالة الذكران عندما يكون ذاكراً، البحث طبعاً في هذا المطلب يقع في مقامين:

المقام الأول: في الأصل اللفظي، يعني ما هو مقتضى القاعدة يعني ما هو مقتضى الأصول اللفظية في المقام.

المقام الثاني: في الأصل العملي على فرض أن لم تتم الأصول اللفظية فما هو مقتضى الأصول العملية؟ فإذاً نحن نتكلم في مقامين.

المقام الأول: وهو مقتضى القاعدة من ناحية الأصول اللفظية، في هذا المقام توجد عندنا أربع صور في الواقع:

أن يكون لكلٍ من دليلي الواجب والجزء والشرط إطلاق، يعني الآن دار الأمر هل أن هذا الجزء مطلق أو غير مطلق؟ دار الأمر هل أن الشرط مطلق أو غير مطلق يعني مقيد؟ عندنا دليلان دليل الواجب ودليل الجزء، أو دليل الواجب ودليل الشرط، هذان الدليلان تارة نتصور أن كليهما مطلق وتارة نتصور أن كليهما مقيد وتارة نتصور أن دليل الواجب مطلق ودليل الجزء مقيد وتارة العكس دليل الجزء مطلق ودليل الواجب مقيد، إذاً المجموع عندما نلاحظ كلاً من الدليلين دليل الواجب والدليل الدال على الجزء أو الشرط نلاحظ عندنا أربع صور.

وقبل أن نبين الصور الأربع نبين هذه الجهة: وهي بيان لكيفية كون كل من الدليلين مطلق أو غير مطلق:

الجزء مثلاً تارة يكون الدليل عليه دليلاً لفظياً مثلاً لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب أو لا صلاة لمن لم يقم صلبه، دليل لفظي فهو يتصور فيه الإطلاق إذا كان في مقام البيان وتمت مقدمات الحكمة نستفيد الإطلاق، وتارة يكون دليل الشرط هو الإجماع، نفترض مثلاً الاستقرار في الصلاة الدليل عليه هو الإجماع وهذا دليل لبّي وهو لا إطلاق فيه، فعليه: هذه المقدمة فقط لبيان أنه دليل الجزء يمكن أن يكون مطلقاً ويمكن أن يكون غير مطلق، إذا اتضحت هذه الجهة، الآن البحث في الصور.

الصورة الأولى: أن يكون كلٌ من دليل الواجب ودليل الجزء أو الشرط مطلقاً، يعني دليل الواجب دليل لفظي وفيه إطلاق، ودليل الجزء أيضاً مطلق لفظي، أو دليل الشرط مطلق، هنا في الواقع يقع تعارض بينهما، إذا كان دليل الواجب مطلق ودليل الجزء مطلق يقع التعارض بينهما، والتعارض يكون هكذا: دليل الواجب مطلق ماذا نريد من قولنا مطلق؟ يعني يجب الإتيان بالصلاة التي هي الواجب سواءً نسي مثلاً القراءة فيها أو لا أو نسي التشهد أو لا، يعني أي جزء أو شرط، يجب الإتيان بالصلاة مطلقاً في جميع الحالات، هذا مفاد دليل الواجب، يترتب على هذا أنه لو صليت ونسيت القراءة هنا مقتضى الدليل الواجب يقول صلاتك صحيحة يعني مأمور به لأن الأمر بالصلاة يشمل حالة النسيان لبعض الأجزاء وحالة الذكران، مقتضاه الصحة، هذا إذا كان دليل الواجب مطلقاً، دليل الجزء إذا كان مطلق مقتضاه البطلان عند عدم الإتيان به نسياناً، يعني يقول: التشهد مثلاً واجب على كل التقادير ومطلوب على كل التقادير ذاكراً أم غير ذاكر، مقتضى مطلوبيته على كل التقادير أنه لو لم يأتِ به نسياناً فالعمل لم يأتِ به ويكون باطلاً.

فإذاً يقع تعارض في الواقع بين الإطلاق الموجود في دليل الواجب والإطلاق الموجود في دليل الجزء، إذا وقع التعارض بينهما فهنا يُقدم إطلاق دليل المقيَّد إطلاق دليل الجزء يكون مقدماً، هنا عندهم قاعدة أنه إذا تعارض إطلاق المطلق أو إطلاق المقيَّد فإطلاق المقيَّد مقدم على إطلاق المطلق، هذه القاعدة لماذا؟ باعتبار أن دليل الجزئية ناظر إلى دليل الكل ولا عكس، فيكون حاكماً عليه، دليل الكل يقول: تجب الصلاة بنحو الإطلاق نسي بعضها أو لم ينسَ بعضها، بل هذا الدليل غير ناظر لدليل الجزء لكن دليل الجزء يقول: يجب الإتيان بالقراءة مثلاً، يجب الإتيان بالقراءة مطلقاً حالة النسيان وعدم النسيان يجب الإتيان بالقراءة مطلقاً، هذا الدليل دليل الجزئية ناظر إلى دليل الكلية، أنه يجب الإتيان بالقراءة التي هي في ضمن الواجب وبالتشهد مطلقاً الذي هو في ضمن الواجب، فيكون دليل الجزئية أو الشرطية ناظر إلى دليل الكلية يعني بيان له فيكون حاكماً عليه فلهذا يكون مقدّماً.

فالنتيجة: إذا قلنا بأن دليل الإطلاق إطلاق دليل الجزئية أو دليل الشرطية مقدّم على إطلاق دليل الواجب النتيجة أن الصلاة محكومة بالبطلان لو تركها، دليل الواجب يقول: إيتي بالصلاة مطلقاً مقتضاه كما قلنا إنه لو لم يأتِ بجزء نسياناً تصح الصلاة، الدليل الآخر يقول: يجب هذا الجزء مطلقاً بحيث يشمل حالة النسيان مقتضاه لو تركه يكون الحكم البطلان، فإذا لم يأتِ به وقدمنا نحو دليل الجزئية نحكم بالبطلان، فإذاً مقتضى القاعدة عند الشك بين أن هذا الجزء أو الشرط هل هو بنحو الإطلاق أو بنحو التقييد؟ مقتضاه أن يكون بنحو التقييد بحال الذكر، هذا مقتضى القاعدة، إطلاق دليل الجزء مقدم والنتيجة هي بطلان المركب من دون الجزء.

الصورة الثانية: ما إذا كان دليل الجزء مطلقاً ودليل المركب غير مطلق، على هذه الصورة يكون الأمر واضحاً يعني إذا كنَّا نقول بتقديم الإطلاق إطلاق دليل الجزء على إطلاق دليل الواجب الكل فمن باب أولى إذا لم يكن دليل الكل مطلقاً فدليل الجزء مطلق يقدم عليه.

بيان لهذه الجهة أكثر: نقول: معنى قولنا دليل الجزء أو دليل الشرط مطلق يعني إيتي به في حالة النسيان أو في حالة الذكر، وإذا كان دليل المركب غير مطلق فواضحة النتيجة وهي بطلان المركب من دون الجزء، إذا لم آتِ بالجزء في ضمن المركب فهذا المركب باطلٌ، هذا مقتضى القاعدة.

هنا في هذه الصورة يرد إشكال أو توهم: السيد الخوئي عبّر عنه توهم، حاصل هذا التوهم: يقول: إن الجزئية والشرطية منتزعتان من الدليل الدال على المركب، نأتي للجزئية، الجزئية ما معناها؟ عندي دليل يتوجه للمركب من هذا الجزء ومن غيره، يعني من الجزء المنسي مثلاً ومن غيره، دليل المركب من الجزء وغيره، دليل آخر المقيد في الشرط يعني الدليل الدال على الشرط والمشروط الدليل الدال على المقيد ما هو معناه؟ معناه أنت آتي بهذا الشرط على كل تقدير، هذا معنى إطلاقه، إذاً الجزئية منتزعة من الأمر بالمركب من المنسي وغيره، والشرطية منتزعة من الأمر بالمقيد من المنسي وغيره، إذاً الشرطية والجزئية منتزعتان من الأمر بالمركب أو من الأمر بالمقيد، الأمر بالمركب من المنسي وغيره والمقيد من المنسي وغيره، إذا كانا منتزعان لا يعقل الجزئية والشرطية المطلقة، بما أنهما منتزعان من الأمر الذي لا إطلاق فيه لا يعقل الجزئية المطلقة والشرطية المطلقة حتى لا تأتي وتقول: إذا كان دليل الجزء مطلقاً، يُتوهم هذا التوهم.

الجواب عن هذا التوهم: بأنه ما هو المراد من هذا القول أساساً؟ إطلاق الجزئية، مرادنا ليس هو أن يكون الجزء والشرط مطلوباً حتى في حالة النسيان، الأمر لا يتعلق بالجزء المنسي يعني أنه قلنا إن الخطاب للناسي بالنسبة إلى الجزء المنسي مستحيل، هذا المقدار مسلَّم، إذاً المتوهم توهم هكذا: الأمر المتعلق بالمركب من المنسي وغيره أيضاً مستحيل لأنه في الضمن يوجد الجزء المنسي فإذا قلتم بأن الأمر لا يتعلق بالجزء المنسي في نفسه لحاله أيضاً لا يتعلق بالجزء المنسي في ضمن المركب، فإذاً خطاب الناسي بالمركب من المنسي ومن غيره هذا مستحيل، نحن نقول لرفع هذا التوهم: ليس المراد هو هذا أن يتعلق الأمر بالمركب من المنسي وغيره وننتزع الجزئية من هذا المركب، لا ليس هذا المراد، المراد من الكلام أن الجزء القراءة مثلاً ثابت في جميع حالات المركب ومعنى ذلك أن المركب الفاقد لهذا الجزء باطل غير مجزٍ، هذا معناه، وليس معناه أن هناك خطاب يتوجه للناسي يجب عليك الإتيان بالمركب من الجزء المنسي ومن غيره، ليس هذا معنى إطلاق الجزء المنسي، معنى إطلاق الجزء المنسي أن هذا الجزء مطلوب في ضمن المركب في جميع حالات المركب ويترتب على ذلك أنه لو لم يأتِ به في ضمن المركب نحكم على المركب بالبطلان، هذا معناه، فلما نقول بالإطلاق بهذا المعنى: أن هذا الجزء مطلوب في جميع حالات المركب فلو لم يأتِ به في حالة النسيان لحكمنا على المركب بالبطلان وأنه غير مجزٍ وأنه يسقط الأمر بالمركب من المنسي ومن غيره أو المركب من المقيد ومن غيره.

هنا أيضاً يمكن أن يأتي إشكال وهو أنه يمكن أن نقول: حديث الرفع الجزئية في حالة الجزئية، حديث الرفع بالنسبة إلى النسيان رفعه واقعي بخلاف (ما لا يعلمون) بالنسبة إلى (ما لا يعلمون) الرفع رفع ظاهري لأن نفس كلمة (ما لا يعلمون) تفيد أن هناك شيء لم نعلمه، فلا يُرفع حقيقة فيرفع ظاهراً، بالنسبة لحالة النسيان أو الاضطرار يكون الرفع حقيقياً وليس رفعاً ظاهرياً، إذا كان الرفع حقيقياً إذاً إذا نسي الجزء تأتي (رفع النسيان) فنرفع النسيان رفعاً حقيقياً وهذا الرفع الحقيقي يقدم على أدلة الأجزاء والشرائط، يعني إذا كان دليل الجزء مطلقاً يشمل حالة النسيان وعدم حالة النسيان يأتي حديث الرفع يرفعه في حالة النسيان فيكون هذا الحديث مقيِّد لتلك الأدلة، هنا إشكال أورد على ذلك.

الجواب عن هذا الإشكال: بأنه حديث الرفع تام ونقول الرفع حقيقي والذي يترتب عليه أن المركب من المنسي وغيره غير مطلوب للمكلف، يعني لا يلزم المكلف بالإتيان بهذا المركب من الجزء المنسي ومن غيره إذا نسي هذا الجزء لا إلزام فيه بما أنك نسيت جزءً إذاً أنت غير ملزم بالإتيان (رفع النسيان) هذا الذي يترتب عليه، ومحل البحث ليس هذا بل محل البحث هل يجب الإتيان ببقية الأجزاء والشرائط أو لا؟ حديث الرفع يقول: أنت غير مخاطب بهذا الجزء المنسي ولكن هل أنت مخاطب ببقية الأجزاء والشرائط ويجب الإتيان بها؟ حديث الرفع لا يثبته، فما نريد إثباته لا يدل عليه حديث الرفع، وما يدل عليه حديث الرفع لسنا الآن بصدده، فإذاً حديث الرفع لا يترتب عليه إلا رفع الإلزام المركب من المنسي وغيره، أو رفع الإلزام المركب من المقيد بهذا الشرط المنسي وغيره، لأن رفع الجزئية والشرطية لا يكون إلا برفع منشأ انتزاعيهما وهذا لا يترتب عليه ثبوت الأمر بالمركب من بقية الأجزاء التي نريد إثباتها.

إذاً الصورة الثانية مع الصورة الأولى تامتان، والصورة الثالثة والرابعة يأتي الكلام فيهما إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo