< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/10/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

صور دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام جعل الأحكام الواقعية:

كان الكلام فيم سبق في صور القسم الثالث، وهو دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام جعل الحكم الواقعي، وقلنا بأن السيد الخوئي (ره) ذكر ثلاث صور وتقدم الكلام في بيان الصورتين الأوليتين:

الصورة الأولى: كانت فيما إذا علم أن كل واحد من الفعلين واجب في الجملة ولكن هل أن وجوبهما على نحو التعيين أو على نحو التخيير؟ والثمرة في ذلك هو أنه إذا كان كلاهما على نحو التعيين فيجب عليه الإتيان بهما متى ما تمكن من ذلك، وأما إذا كان على نحو التخيير فيجب عليه الإتيان بأحدهما فقط ولا يجب عليه الإتيان بالآخر.

الصورة الثانية: ما إذا علم بوجوب فعل في الجملة وعلم أيضاً أن الفعل الآخر مسقط له، فبالنسبة إلى الأول يعلم بوجوبه وبالنسبة إلى الثاني يعلم بإسقاطه للأول كأن يكون أُخذ في الأول عدم الإتيان بالثاني ولكن يشك هل هذا الثاني مجرد مسقط أو أنه عدلٌ للواجب الآخر؟ يعني هو أيضاً واجب وعدل للواجب الآخر على نحو الواجب التخييري ومثلنا لذلك بمثال وإن كان المثال فيه إشكال وسيأتي بيانه، ولكن للتوضيح والتقريب، علم بأن القراءة واجبة في الصلاة يعلم ذلك في الجملة ويعلم أيضاً أنه إذا صلى جماعة مأتماً ستسقط عنه القراءة، فالائتمام مسقط للقراءة ولكن يشك ويتردد لم يعلم هل أن الائتمام عدلٌ للقراءة إذا أتى بها مفرداً؟ أو هي مجرد مسقط؟

بمعنى هل أُخذ في القراءة تجب عليه القراءة إن لم يصلِّ مؤتماً؟ فهنا لا يكون الائتمام عدلاً بل مجرد مسقط، أو أنه في الأساس مخير تجب عليك القراءة أو الائتمام فدار الأمر بين التعيين والتخيير أيضاً.

الثمرة في هذا التردد: تظهر فيما إذا لم يتمكن من القراءة، شخص لم يتمكن من القراءة حديث عهد بالإسلام مثلاً ولم يتعلم، إذا كان الائتمام عدلاً يعني أن القراءة تجب عليه على نحو التخيير إما أن يقرأ وإما أن يأتم، في الواجبات التخييرية إذا لم يتمكن من الإتيان بأحدهما بخصوصه يتعين الآخر، فهنا يفترض إذا كان واجباً تخييرياً ولم يتمكن من القراءة بنفسه نقول: يجب عليك الائتمام، أما إذا قلنا بأن الائتمام ليس عدلاً وإنما الواجب عليه القراءة وأُخذ في القراءة عدم الائتمام، إن لم يأتم تجب عليه القراءة، في مثل هذا الفرض الآن لم يتمكن من القراءة لا نوجب عليه الائتمام لأن الائتمام ليس عدلاً وإنما مجرد مسقط للتكليف بالقراءة، هنا تظهر الثمرة.

الفرق بين الصورة الأولى والصورة الثانية: الفرق واضح، في الصورة الأولى يعلم بوجوب كلٍ منهما في الجملة ولا يعلم بأن الثاني مسقط للأول لأنه لو كان واجباً تعيينياً الثاني لا يكون مسقطاً للأول وإذا كان واجباً تخييرياً الثاني مسقط للأول، ففي الصورة الأولى هو يعلم بوجوب كلٍ منهما ولا يعلم بأن الثاني مسقط، في الصورة الثانية على العكس يعلم بأن الثاني مسقط ولا يعلم بوجوبه هل هو واجب تخييري فالإسقاط لكونه واجباً تخييرياً؟ أو هو مجرد مسقط؟ لا يعلم، إذاً في الصورة الأولى يعلم بالوجوب ولا يعلم بالإسقاط وفي الصورة الثانية يعلم بالإسقاط ولا يعلم بالوجوب أنه واجب تخييري أو لا.

الصورة الثالثة: ما لو علم بوجوب فعل في الجملة واحتمل أن يكون هناك واجب آخر عدل له، مثلاً نفترض أنه علم بوجوب صوم يوم واحد ولكن يحتمل وجوب عدل آخر على نحو الواجب التخييري وهو إطعام عشرة مساكين مثلاً فهنا يعلم بوجوب صوم اليوم الواحد ولا يعلم بأن إطعام عشرة مساكين هل هو واجب أساساً أو لا؟ لا يعلم، هل هو مسقط أو لا؟ لا يعلم، لهذا يتضح الفرق أيضاً بين هذه الصورة الثالثة والصورتين الأوليين، في الصورة الثالثة يعلم بوجوب شيء بعينه يعلم بوجوب الصوم بعينه، يعلم بوجوب الفعل في الجملة ولكن يحتمل أن يكون الثاني وهو في المثال إطعام العشرة مساكين يحتمل أنه يجب الإطعام مجرد احتمال ويحتمل أنه مسقط مجرد احتمال فهو يحتمل أن إطعام العشرة مساكين واجب بالوجوب التخييري فبالتالي لو أتى به يكون مسقطاً عن الصوم، فإذاً هناك في الصورة الأولى يعلم بوجوب الثاني ولا يعلم بإسقاطه، في الصورة الثانية يعلم بإسقاط الثاني للأول ولا يعلم بوجوبه، هنا في هذه الصورة لا يعلم بوجوب الثاني ولا يعلم بإسقاطه وإنما مجرد احتمال، هذه هي الصور الثلاث في القسم الثالث في ترتيبنا وفي ترتيب السيد الخوئي (ره) يكون القسم الأول.

أما من ناحية الحكم: ما هو الحكم في هذه الصور؟

نأتي إلى الصورة الأولى: ففيها يعلم بوجوب كلٍ منهما في الجملة ولكن هل هو تعيين أو هو تخيير؟ هذه الجهة لا يعلم بها، هنا نستطيع أن نجعل هذه الصورة ذات حالتين حتى يكون الأمر فيها واضح، نفس هذه الصورة لها حالتان:

الحالة الأولى: أن المكلف لا يمكنه أن يأتي بكل منها يعني لا يتمكن إلا بالإتيان بأحدهما، في هذه الصورة لا تظهر ثمرة في التردد في الشك أنه واجب تخييري أو أنه واجب تعييني، في هذه الصورة لا تظهر الثمرة لأنه في هذه الصورة يجب عليه الإتيان بالمقدور عليه، بالنسبة إلى الآخر هو غير قادر هو متمكن من الإتيان بأحد الفعلين وغير متمكن من الإتيان بالآخر، إذاً هذا الذي يتمكن منه يجب عليه الإتيان به إما لكونه واجباً تعيينياً وإما لكونه عدلاً للواجب التخييري الآخر المتعذر، في الواجب التخييري قلنا إذا تعذر أحدهما يأتي بالآخر وفي الواجب التعييني يأتي به، هنا هذا الذي يمكنه الإتيان به إما هو واجب تعييناً فيجب عليه الإتيان به وإما واجب تخييراً فهنا أيضاً يجب عليه الإتيان به، فلهذا يدور أمره بين أن يكون تعييناً بالذات أو بالعرض، إن كان في الواقع واجب تعييني فهو بالذات وإن كان في الواقع واجب تخييري فالآن لما تعذر الثاني لزم الإتيان به تعييناً فصار تعييني بالعرض، على كل حال في هذه الحالة حالة عدم تمكنه إلا من فعل واحد لا تظهر الثمرة في التردد أو الشك في كونه تعييناً أو تخييراً.

الحالة الثانية: أنه يمكنه الإتيان يتمكن من الإتيان من كلٍ منهما في هذه الصورة إن كان واجباً تعيينياً فيجب عليه الإتيان بهما، وإن كان وجوبهما وجوب تخييري فيجب عليه الإتيان بأحدهما هنا تظهر الثمرة، في الحالة الثانية وهي حالة التمكن من الإتيان بكلٍ منهما، نقول توجد ثمرة في الترديد السابق هل أنه على نحو الواجب التعييني أو على نحو الواجب التخييري؟ إذا كان تعييناً يجب عليه الإتيان بهما وإذا كان واجباً تخييرياً يجب عليه الإتيان بأحدهما، إذاً هنا تظهر الثمرة، على ضوء هذه الثمرة ما هي القاعدة الآن؟ هل يجب عليه الإتيان بكلٍ منهما؟ أو لا، يقتصر على واحد منهما فقط؟ هنا ذهب السيد الخوئي (ره) بما أنه دار الأمر بين وجوب الإتيان بهما وبين الإقتصار على احدهما، هنا قال بأن التحقيق هو الحكم بالتخيير وجواز كلٍ منهما وجواز الاكتفاء بأحدهما لأن التكليف تعلّق بالجامع، نفترض من باب الفرض مثلاً هو عنوان أحدهما أو عنوان الكفارة مثلاً والتكليف تعلق بالجامع، الجامع بينهما متيقن تعلق به التكليف والترديد في الخصوصية كونه على نحو التعيين أو كونه على نحو التخيير الشك هنا ترديد في هذه الخصوصية، تعلق التكليف بخصوص كلٍ منهما هو يجب عليه الإتيان بفعل واحد ولكن هل هذا يجب عليه الإتيان به الأول هل الثاني يجب الإتيان به؟ هنا متردد، فإذاً التردد والشك في تعيين أحدهما تعلق التكليف بخصوص هذا بعينه وهذا بعينه بخصوص كل واحد منهما، بما أنه هذا التعلق مجهول فيكون مجرى للبراءة، فإذاً على هذه الصورة النتيجة دار الأمر بين التعيين والتخيير ولكن المرجع في المسألة هكذا أننا نعلم بالجامع ونشك في تعلق التكليف بكلٍ منهما بخصوصه، تعلق التكليف بكلٍ منهما بخصوصه مجهول عندنا وبما أنه مجهول عندنا يكون مجرى للبراءة، فإذاً الصورة الأولى من هذا القسم هو جريان البراءة.

أما بالنسبة إلى الصورة الثانية: ففيها قلنا يعلم بوجوب الفعل في الجملة ويعلم بأن الآخر مسقط له ولكن هل هذا الآخر المسقط واجب أيضاً بالوجوب التخييري أو هو لا يعلم؟ هنا في هذه الصورة يقول السيد الخوئي (ره) طبعاً على تقدير أن يكون واجباً بالوجوب التخييري فقلنا تظهر الثمرة فيما لو لم يتمكن من الإتيان بالواجب الأول الذي هو القراءة حسب الفرض، يتعين الثاني وهو الائتمام، تظهر الثمرة هنا قلنا، إذاً عندنا وجوب تعلق بالقراءة هذا الوجوب محرز، هل الائتمام مجرد مسقط للقراءة أو هو عدلٌ في الواجب التخييري؟ إذا كان مجرد مسقط وامتنع الأول لا يجب الإتيان بالثاني، إذا كان عدلاً في الواجب التخييري وامتنع الأول يجب الإتيان بالثاني، ترجع المسألة هكذا: إلى أنه هل يجب عليه الإتيان بالائتمام إذا امتنع إذا لم يقدر ولم يتمكن من الإتيان بالقراءة، هل يجب عليه الائتمام أو لا يجب عليه؟ المسألة ترجع إلى هذا بالنتيجة، لأنه هذه الصورة هي التي يظهر الثمرة فيها، فامتنع الإتيان بالقراءة إذا كان واجباً تخييرياً وجب عليه أن يأتم، وإذا لم يكن واجباً تخييرياً ومجرد كان مسقطاً فهنا لا يجب عليه الائتمام، فإذاً يرجع الشك هل يجب الائتمام أو لا يجب عليه؟ فالشك في التعيين والتخيير يرجع إلى الشك في وجوب ما يحتمل كونه عدلاً للواجب الآخر، بما أنه يشك فيه هل يجب عليه أو لا؟ هنا مورد للبراءة وهو واضح.

فإذاً في هذه الصورة النتيجة هي التعيين، دار الأمر بين كون القراءة واجب بالوجوب التعييني أو واجب بالوجوب التخييري؟ القراءة واجبة بالنسبة إلى الائتمام مسقط إذا كان واجباً بالوجوب التخييري يكون عدلاً للأول، وإذا كان مجرد مسقط لا يكون عدلاً للأول، أنا أشك في كونه واجباً بالوجوب التخييري وبما أنني أشك في كونه واجباً هنا تجري البراءة، أشك في جعل الوجوب له تجري البراءة، إذا جرت البراءة عن الوجوب التخييري النتيجة هي التعيين، وجوب القراءة على نحو التعيين، إذا لم يتمكن من الإتيان بالقراءة لا يجب عليه الائتمام مقتضى القاعدة هكذا، هذا ما أفاده السيد الخوئي (ره) في هذه الصورة الثانية.

وفي هذه الصورة الثانية هنا يوجد كلام للمحقق النائيني (قده) وقال بالنسبة إلى المثال مثال القراءة هنا نقول بالتعيين ولكن ليس لهذا الوجه الذي أفاده السيد الخوئي (ره) وإنما نقول بالتعيين من جهة ما روي عن النبي (ص) (سين بلال عند الله شين).

توضيح ذلك: هنا النبي (ص) قال (سين بلال عند الله شين) هو غير قادر على التلفظ بلفظ (ش) فيقول (سينه عند الله شين) معنى ذلك أنه لما تعذر عليه الإتيان بالشين الرسول (ص) لم يلزمه بالائتمام وإنما قال (سين بلال عند الله شين) لو كان الائتمام عدلاً للقراءة للزم بمقتضى القاعدة إذا لم يتمكن من الإتيان بأحد فردي التخيير يتعين الثاني يلزمه بالإتيان بالائتمام، فلما لم يلزمه بالائتمام عرفنا بأن الائتمام ليس عدلاً ليس واجباً بالوجوب التخييري وإنما هو مجرد مسقط، فنقول بالتعيينية من هذه الجهة لا من جهة القاعدة التي ذكرناها سابقاً، هذا الذي أفاده المحقق النائيني (قده) أورد عليه السيد الخوئي بإيرادات.

الإيراد الأول: أن هذه الرواية رواية مرسلة فلا يصح الاعتماد عليها فهي مروية في عدة الداعي ثم نقلها المستدرك للنوري لكنها مرسلة لم يذكر ابن فهد الحلي (ره) سنداً لها، فإذاً هذه الرواية مرسلة لا يمكن الاعتماد عليها.

الإيراد الثاني: الإمام يتحمل عن المأموم القراءة ولا يتحمل عنه باقي الأذكار في الصلاة ولا يوجد في القراءة لفظ (ش) عندما يقرأ الفاتحة والتوحيد لا يوجد لفظ (ش) حتى نقول إن (سين بلال عند الله شين) ولما كان غير متمكن من الإتيان بلفظ (ش) اكتفى بلفظ (س) ولم يأمره بالائتمام فنستفيد أنه عدل، لا، ففي القراءة لا يوجد لفظ (ش) فينتفي هذا الكلام من أصله.

يمكن أن يقال: بأننا نستفيد من هذه الرواية على فرض صحة السند مطلق الأذكار بمعنى لو كان يغلط في لفظ آخر مثل الراء مثلاً أو أي لفظ آخر في الصلاة هنا نطبق قاعدة (سين بلال عند الله شين) فيكون المقصود إذا كان غير متمكن من الإتيان ببعض الحروف ببعض الكلمات فهنا يجب عليه لو كان الائتمام عدلاً لوجب عليه الائتمام ولكن الائتمام ليس بعدلٍ، لو قيل بهذا.

نقول: هذا خروج عن مورد النص ومفاد النص الاكتفاء بالسين بدلاً من الشين لا الاكتفاء بكل لفظ عن لفظ آخر، وهذا خروج عن مقتضى النص.

الإيراد الثالث: المثال هنا غير تام ولا ينطبق على المورد لأن في المقام عندنا الوجوب يتعلق بالصلاة كلي الصلاة، وكلي الصلاة له أفراد، تارة فرد صلاة فرادة وتارة فرد صلاة جماعة وإن كان أحدهما أفضل من الآخر، كما أنه تارة فرد الصلاة في المنزل وتارة فرد آخر الصلاة في المسجد ويتفاوتان في الثواب، المهم المتعلق وجوب الصلاة هذا العنوان الكلي هذا الطبيعي وهذه أفراد، التخيير بين هذه الأفراد تخيير عقلي بمعنى أنه يلزمه الإتيان بالصلاة إذا أراد أن يأتي بها فرادى مخير أراد أن يأتي بها جماعة مخير أن يأتي بها في منزله أو في المدرسة أو المسجد مخير إذاً هو مخير بين هذه الأفراد العرضية كلامنا أن الفرد الأول المعلوم الوجوب والفرد الثاني مسقط ولكن هل هو واجب بالوجوب التخييري أو لا؟ نشك، في مثل الصلاة لا ينطبق هذا الكلام لأننا نعلم بأن التكليف تعلق بطبيعي الصلاة وهذه كلها أفراد وكل واحد من هذه الأفراد محقق للامتثال مع اختلاف درجاتها في الفضل والمكلف مخير بين هذه الأفراد، وعليه لو امتنع بعض الأفراد يتعين الفرد الآخر، أساساً المثال خارج عن محل بحثنا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo