< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/10/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

الكلام في القسم الثاني:

تقدم الكلام عندنا وقلنا بأن الكلام في دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الأجزاء التحليلية، وذكرنا أن هناك ثلاثة أقسام تعرض لها الأصوليون كما أوضحنا كلمات الشيخ الأنصاري وغيره.

والقسم الأول: قلنا هو أن يدور الأمر أنه تعلق بالمطلق أو تعلق بالمشروط على عبارة، وبعبارة أخرى تعلق بالطبيعة أو ما يحتمل دخله في المأمور به على نحو الشرط، وقلنا بأن هذا تجري فيه البراءة وبيّنا الكلام في ذلك.

القسم الثاني: وهو أن يدور الأمر بين المقيد والمطلق يعني المتعلَّق هل هو مطلق أو هو مقيد؟ يعني نشك في التقييد الزائد، أو بعبارة أخرى: يكون المشكوك فيه يحتمل دخله في الواجب ولكنه أمر غير مستقل بخلاف القسم الأول أن ما يحتمل دخله في المأمور به مستقل وبيّنا جهة استقلاله.

الكلام في القسم الثاني: أن يكون ما يحتمل دخله في الواجب أمر غير مستقل عن الواجب خارجاً، ولم يكن من مقوماته، وهذه نقطة قلنا فارقة بين هذا القسم والقسم الثالث، أن يكون المشكوك فيه الذي نحتمل دخله في الواجب غير مستقل من جهة عن الواجب ومن جهة أخرى غير مقوم للواجب، ومثاله: ما لو قال المولى أعتق رقبة، أو علمنا بوجوب عتق الرقبة ولكن دار الأمر هل المطلوب الرقبة مطلقة مؤمنة كانت أو كافرة؟ أو المطلوب الرقبة المؤمنة بالخصوص؟ فهنا نحتمل قيد الإيمان وهو من جهة غير مستقل عن الرقبة ليس عندي رقبة وإيمان وإنما النسبة بينهما نسبة العارض والمعروض، ومن جهة أخرى أيضاً شرط الإيمان ليس مقوماً للمأمور به وهو الرقبة.

هذا القسم الثاني أيضاً تجري فيه البراءة ووجه البراءة نفس الوجه المتقدم في الوجه الأول.

وذلك بهذا النحو: علمنا بوجوب عتق رقبة وتردد الأمر أن الرقبة المطلوب عتقها هل هي مطلقة لا بشرط من ناحية الإيمان وعدم الإيمان؟ أو هي الرقبة بشرط الإيمان؟ فعندنا إذاً قيد زائد فيه كلفة نشك في وجوبه ولزوم الإتيان به نستطيع أن نجري أصالة البراءة في هذا الزائد الذي فيه كلفة، ومن هذه الجهة لا تعارض أصالة البراءة عن القيد أو عن التقييد مع أصالة البراءة عن الإطلاق لما ذكرناه سابقاً من أن الإطلاق لا كلفة فيه فلا تجري فيه البراءة، فإذاً يمكن جريان البراءة عن هذا القيد تعلق الأمر بالطبيعي وتردد الطبيعي بين الطبيعي المطلق لا بشرط والطبيعي بشرط شيء بشرط الإيمان نستطيع أن نجري أصالة البراءة عن هذا الشرط وينحل العلم الإجمالي.

هنا أشكل المحقق صاحب الكفاية على البراءة في الإثنين، يعني قال: بأن البراءة العقلية لا تجري في القسمين، لا تجري في القسم الأول ولا تجري في القسم الثاني، أما البراءة الشرعية فيمكن جريانها في القسمين.

بيان كلامه: يقول: بأن البراءة العقلية لا تجري باعتبار توقف انحلال العلم الإجمالي على وجود القدر المتيقن في مقام الامتثال، إذا وُجد القدر المتيقن في مقام الامتثال نقول: بأن المعلوم بالإجمال ينطبق على القدر المتيقن بنحو اليقين ونشك بالزائد، العلم الإجمالي ينحل، مادام وُجد عندنا قدر متيقن فينحل العلم الإجمالي في الزائد يكون عندنا شك بدوي في الزائد فأُخِذَ إذاً في انحلال العلم الإجمالي أن يوجد قدر متيقن فيكون الأقل فإذا كان الأقل متيقناً على كل تقدير على تقدير الطبيعي وعلى تقدير المقيد إذا كان القدر المتيقن موجوداً نعم ينحل العلم الإجمالي، ولكن ما نحن فيه لا يوجد عندي قدر متيقن على كل حال وذلك لأن النسبة بين هذا الطبيعي وبين المقيد في الدقة والتحليل النسبة هي نسبة التباين وليست نسبة الأقل والأكثر، لو كانت النسبة نسبة الأقل والأكثر والأقل هو القدر المتيقن على كل تقدير هنا ينحل العلم الإجمالي وتجري البراءة، أما هنا عندنا يدور الأمر بين متباينين وذلك لأن الطبيعي وهو الرقبة هنا متحدة مع المقيد مع الرقبة المؤمنة بمعنى أنه الرقبة المؤمنة هي مباينة للرقبة الكافرة أو الرقبة المطلقة، فعدنا إذاً فردان: فرد رقبة مؤمنة التي وجد فيها القيد وفرد رقبة غير مؤمنة الفاقدة للقيد، الرقبة الأولى مباينة للرقبة الثانية وليست الرقبة الثانية قدر متيقن بحيث تقول الرقبة غير المؤمنة هذا قدر متيقن والرقبة المؤمنة زائد، لا بل الرقبة المؤمنة مع الرقبة غير المؤمنة متباينان، الإيمان مع الرقبة متحدان في الخارج فإذا الرقبة المؤمنة مباينة للرقبة غير المؤمنة.

كذلك في القسم الأول إذا علمنا بوجوب الصلاة وشككنا في وجوب الستر أو في الطهارة، هنا الصلاة الفاقدة للقيد مع الصلاة الواجدة للقيد هما متباينان وليست النسبة بينهما نسبة الأقل والأكثر حتى يكون عندي قدر متيقن على كل تقدير وهو الأقل وأشك في الزائد كما هو الحال في الأجزاء السابقة، لا، فبما أنه لا يوجد قدر متيقن في البين لا ينحل العلم الإجمالي.

هذا ما أفاده المحقق صاحب الكفاية، هذا بالنسبة إلى البراءة العقلية.

أما البراءة الشرعية فيقول: نعم يمكن جريان البراءة الشرعية، لأن البراءة الشرعية هي (رفع ما لا يعلمون) فكل شيء يضعه الشارع بما هو شارع يرفعه الشارع بما هو شارع حين الشك فيه، إذا طبقنا هذه القاعدة نأتي ونقول: هل الشارع في القسم الأول جعل قيد الستر في الصلاة أو لم يقيدها؟ هذا شأن من شؤون الشارع بما هو شارع هو يجعل الذي يجعل الصلاة ويجعل وجوب الشرط فيها وهو الستر أو الطهارة عن وضوء مثلاً، هذا أمر بيد الشارع، وفي القسم الثاني أيضاً الشارع يجعل التقييد يقول: أعتق رقبة مؤمنة الشارع هو الذي يجعل قيد الإيمان وبما أن الشارع هو الذي يجعل الشرط أو القيد إذا شككنا في الشرط أو القيد ينطبق عليه (رفع ما لا يعلمون) هنا لا نحتاج وجود قدر متيقن كما هو الحال هناك فهناك أردنا أن ينحل العلم الإجمالي وانحلال العلم الإجمالي يتوقف على أن يكون هناك قدر متيقن فنشترط أن يكون الأقل قدراً متيقناً على كل تقدير حتى تجري البراءة في الزائد، وفي الواقع يقول: عندنا متباينان عندنا الطبيعة بقيد والطبيعة بدون قيد هما متباينان وليس هناك قدر متيقن في البين، أما في البراءة الشرعية لا نحتاج إلى هذا القيد ففي البراءة الشرعية فقط نحتاج أن هذا يضعه الشارع بما هو شارع أو لا؟ لا شك أن شرطية الطهارة والستر في الصلاة بالنسبة إلى القسم الأول، إذاً إذا شككنا فيه نستطيع أن نجري (رفع ما لا يعلمون) وبالنسبة إلى القسم الثاني الشارع هو الذي يجعل قيد الإيمان في الرقبة التي يجب عتقها فإذا شككنا في جعله نقول (رفع ما لا يعلمون) فلهذا فصَّل صاحب الكفاية بين البراءة العقلية والبراءة الشرعية.

هذا الكلام من صاحب الكفاية وقع موقع الإشكال، أشكل عليه السيد الخوئي (ره) بإشكالين:

الإشكال الأول: هو أن التشكيك أو الخدشة في نفس القاعدة التي أفادها المحقق صاحب الكفاية وبنى عليها، القاعدة قلنا إنه قال: إن جريان البراءة في دوران الأمر بين الأقل والأكثر مبني على انحلال العلم الإجمالي وانحلال العلم الإجمالي بكون الأقل قدر متيقن، نقول بعبارة أخرى: انحلال العلم الإجمالي في المقام يتوقف على وجود قدر متيقن، هنا نريد المناقشة في هذه النقطة نشترط القدر المتيقن لكن القدر المتيقن في مقام الامتثال أو في مقام الجعل؟ صاحب الكفاية جعل القدر المتيقن الذي يوجب الانحلال هو في مقام الامتثال، أن يوجد عندنا في مقام الامتثال قدر متيقن عند ذلك ينحل العلم الإجمالي تجري البراءة في الزائد عليه، السيد الخوئي (ره) يقول: لا، يقول: نحن نشترط القدر المتيقن ولكن ليس في مقام الامتثال وإنما هو في مقام الجعل، ولو كان كما قال صاحب الكفاية أنه قدر متيقن في مقام الامتثال نعم، وجود الطبيعي في ضمن المقيد مباين للوجود الطبيعي في ضمن غير المقيد هذا واضح، ولكن يقول: المراد هو المقدر المتيقن في مقام تعلق التكليف وثبوت التكليف، هذا الذي يوجب الانحلال وهنا موجود القدر المتيقن في مقام تعلق التكليف وثبوت التكليف هذا موجود بهذا البيان: أن التكليف تعلّق بالطبيعي والطبيعي مردد أمره بين الإطلاق والتقييد، فإذاً تعلق الأمر أعتق رقبةً وهل هو بنحو الإطلاق أُخذ لا بشرط؟ أو أعتق رقبةً أُخذ بشرط شيء وهو شرط الإيمان؟ إذاً في مقام تعلق التكليف يوجد قدر متيقن وهو الطبيعي ثم هذا الطبيعي الذي هو متعلق للأمر في مقام التعلّق دار أمره بين أن يكون مأخوذا على نحو الإطلاق وعلى نحو لا بشرط أو أن يكون مأخوذا على نحو التقييد أو بنحو شرط، هنا تردد الأمر، إذاً القدر المتيقن وهو على نحو الإطلاق أو القدر المتيقن وهو تعلق الأمر بالطبيعي، هذا مسلَّم، الزائد هو على نحو التقييد، هل أُخذ تعلق الأمر بالطبيعي على نحو التقييد؟ هنا يمكننا أن نجري البراءة في التقييد، وإنما لم نجرها في الإطلاق لما ذكرناه مراراً وهو أن الإطلاق لا كلفة فيه وليس هو مجرى للبراءة وأما التقييد فهو مجرى للبراءة.

الإشكال الثاني للسيد الخوئي: إشكال نقضي وهو: أن هذا الإشكال لو ورد على ما نحن فيه وهو حالة الشك في التقييد، لو ورد أيضاً في حالة الشك في الجزئية الذي تقدم الكلام فيه في الأجزاء الخارجية.

بيان ذلك: يقول: كل جزءٍ هو من ناحيةٍ جزء ومن ناحية أُخذَ فيه شرط دائماً وبما أن البحث في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين فمثلاً: وجوب القراءة الفاتحة في الصلاة جزءٌ ولكن أُخذ فيها شرط أن تكون بعد التكبير وأن تكون قبل الركوع والركوع أُخذ فيه شرط أن يكون بعد القراءة وأن يكون قبل السجود وهكذا بما أن البحث في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين فكل جزءٍ أُخذ فيه من جهة أخرى شرط، هو جزء من جهة وهذه الجزئية مقيدة من جهة أخرى بأن يكون ملحوقاً بكذا أو مسبوقاً بكذا، والنتيجة على هذا: يكون الشك في الجزئية شكاً في الشرطية بالاعتبار الثاني، نشك هل السورة جزء في الصلاة أو ليست بجزء؟ إذاً نحن نشك هل السورة شرط أُخذ فيه بالنسبة إلى ما قبله وهو الفاتحة أو ما قبله وهو الركوع يعني أُخذ فيه أن يكون ما قبله الفاتحة وما بعده الركوع وهذا شرط، فإذاً الشك في جزئية كل جزء هو شك في الشرطية من جهة أخرى، فإذا قلتَ هنا في المقام: بأنه لا تجري البراءة في الشرط أو في القيد أيضاً ينبغي أن لا تجري فيف الجزئية، فإذا قلتَ هناك بالجريان لا بد أن تقول هنا بالجريان وإذا منعتَ هنا من جريان البراءة لأنه شرط لا تجري فيه فالجزئية إذاً أُخذت بلحاظ آخر أُخذ فيها الشرطية من جهة أخرى ينبغي أيضاً أن لا تجري، هذ ما أفاده السيد الخوئي من الإشكالين ويأتي الكلام إن شاء الله فيهما، هل يرد هذا الإشكالان أو لا يردان على صاحب الكفاية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo