< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/10/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

المقام الثاني في الأجزاء التحليلية:تقدم عندنا بأن البحث في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين يقع في مقامين، المقام الأول: في الأجزاء الخارجية وهذا الذي تقدم الكلام فيه مفصلاً والنتيجة كانت هي القول بالبراءة عن الزائد أو الأكثر.

والمقام الثاني: هو في الأجزاء التحليلية، دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين في الأجزاء التحليلية وهذا ما يقع الكلام فيه في هذا الدرس إن شاء الله.

هناك أقسام ثلاثة ذُكرت في الأجزاء التحليلية، والشيخ الأنصاري (قده) ذكرها وأشار إليها في كتابه الرسائل عندما قال أولاً في بداية البحث عبَّر هذا التعبير فقال: (فيما إذا دار الأمر في الواجب بين الأقل والأكثر ومرجعه إلى الشك في جزئية شيء للمأمور به وعدمها وهو على قسمين، لأن الجزء المشكوك إما جزء خارجي أو جزء ذهني وهو القيد وهو على قسمين لأن القيد إما منتزع من أمر خارجي مغاير للمأمور به في الوجود الخارجي وإما خصوصية متحدة في الوجود مع المأمور به) ثم بعد ذلك في أثناء البحث عندما تعرض للقسم الأول ثم تعرض إلى القسم الثاني ذكر بأن القسم الثاني له أيضاً قسمان وهو ما ذكرهما في أول الكلام، وقال هكذا: (قد عرفت أنه على قسمين لأن القيد قد يكون منشؤه فعلاً خارجياً مغايراً للمقيد في الوجود الخارجي كالطهارة الناشئة من الوضوء، وقد يكون قيداً متحداً معه في الوجود الخارجي) ولكنه بعد ذلك بعد أن ذكر التحقيق والإنصاف في هذين القولين ذكر بعد ذلك (ومما ذكرنا يظهر الكلام فيما لو دار الأمر بين التخيير والتعيين وهذا قسم ثالث).فرائد الأصول ج2 ص354 .إذاً الشيخ الأنصاري تعرض إلى ثلاثة أقسام بالنسبة إلى الأجزاء التحليلية، والتعنون لهذه الأقسام الثلاثة عند الشيخ هكذا:

العنوان الأول: أن يكون القيد منشؤه فعلاً خارجياً مغايراً للمقيد في الوجود الخارجي: ومثّل لذلك بالطهارة الناشئة من الوضوء، يعني الصلاة مشروطة بالطهارة وهذا القيد وهو قيد الطهارة منشؤه الوضوء الذي هو أمر خارجي عن الصلاة، هذا هو مراده.

القسم الثاني عند الشيخ: هو أن يكون القيد متحداً مع المقيد في الوجود الخارجي وذلك مثل الإيمان والرقبة المؤمنة، بمعنى أنه كما سيأتي توضيحه أنه لو شك بعد أن أمر المولى بأعتق رقبة وشك هل أعتق رقبة مؤمنة؟ يعني أُخذ هذا القيد وهو قيد الإيمان أو لم يؤخذ؟ فهنا قيد الإيمان ليس منحازاً في الوجود عن الرقبة، بخلاف الوضوء بالنسبة إلى الصلاة وشرطية الطهارة منتزعة من الوضوء ومنشؤها الوضوء والوضوء مستقل، وهنا الإيمان غير مستقل عن الرقبة.

القسم الثالث الذي ذكره في الأخير ولم يعنونه بالثالث ولكن قال ومن هذا يظهر، القسم الثالث هو هذا: أنه في مثل دوران الأمر بين التعيين والتخيير وذلك مثل ما لو دار الأمر في أفراد الكفارة، هل عتق الرقبة بخصوصه على نحو التعيين أو هو أو غيره من خصال الكفارة كالإطعام مثلاً؟ هذا أيضاً جعله قسم ثالث من أقسام الأجزاء التحليلية.

الشيخ طبعاً بالنسبة إلى القسم الأول اختار فيه البراءة وقال مثله مثل ما تقدم في المسألة السابقة – دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين في الأجزاء الخارجية – مثل الركوع والسجود وما شاكل، يقول: نفس المبنى هناك هو نفس المبنى هنا، هناك تجري البراءة وهنا أيضاً تجري البراءة بنفس الكلام، لهذا قال: لا يحتاج إلى إعادة.

أما بالنسبة للقسم الثاني: فهو أيضاً الشيخ اختار نفس الكلام يعني تجري فيه البراءة، وإن كان يظهر من بعض عبارات بعض الأصوليين أن الشيخ في أول الأمر لم يقل بالبراءة ولكن في الأخير اختار البراءة، ولكن عند التدقيق في عبارته نلاحظ أنه اختار البراءة من أول الأمر ثم استعرض بعض الإشكالات من المحقق القمي أو من غيره ثم قال: والإنصاف مرة أخرى وبين البراءة، فكلامه الأول والأخير متحد، يعني في بادئ الأمر قال: والكلام فيه هو الكلام فيما تقدم فلا نطيل بالإعادة، وأما الثاني فالظاهر اتحاد حكمهما، يقصد أن حكم الثاني كحكم الأول هما متحدان في القول بالبراءة، وهناك نسخة أخرى ولعلها أنسب بالسياق هي هكذا: والظاهر اتحاد حكمهما، ولا يوجد فيها وأما الثاني فالظاهر حكمهما، عندنا هكذا: أنه بعد أن بين القسمين قال: والظاهر اتحاد حكمهما والكلام فيه هو الكلام فيما تقدم، هذه أنسب من عبارته السابقة، لا معنى لأن يقول وأما الثاني ثم يقول فالظاهر اتحاد حكمهما، فالظاهر الأنسب هي النسخة الثانية، فتكون العبارة بعد أن ذكر القسمين في بادئ الأمر قال: والظاهر اتحاد حكمهما، يعني أن كليهما محكومان بالبراءة.

ثم قال: (وقد يُفرّق بينهما) ذكر من قال بالتفريق، القسم الأول تجري فيه البراءة على نحو ما جرت فيه في الأجزاء الخارجية، والقسم الثاني لا تجري ففيه البراءة لأنه ملحق بالمتباينين ولم يُلحق بالأقل والأكثر وهذا ما سيتضح في أثناء الحديث عند التعرض إلى كلام المحقق صاحب الكفاية وأشار إليه الشيخ هنا.

بعد أن قال: (وقد يُفرّق بينهما) وتعرّض إلى الإشكال ثم قال: (هذا ولكن الإنصاف عدم خلو الذكور عن نظر) ثم قال: (فإنه لا بأس بنفي القيود المشكوكة للمأمور به بأدلة البراءة من العقل والنقل لأن المنفي فيها الإلزام بما لا يُعلم وكلفته) يعني في كلا الأمرين الأول والثاني عندنا هنا المشروط بشرط أو المقيد بقيد عندنا إلزام وعندنا كلفة فيمكن جريان أصالة البراءة العقلية والنقلية عن هذا الإلزام وعن هذه الكلفة في كلا القسمين، هذا هو ما اختاره الشيخ في الأخير وهو يؤيد كلامه في صدر البحث.

المهم الآن ما أردنا أن نبينه هو هذا: أن الشيخ الأنصاري في القسمين الأول والثاني أجرى البراءتين العقلية والنقلية.

المحقق الآخوند قسّم الكلام في الكفاية يظهر منه قسمين ولكن يمكن أن يقال أيضاً بأنه عنى ببعض الألفاظ ما يشمل الأقسام الثلاثة ولكن لم يعنون القسم الثالث في دوران الأمر بين التعيين والتخيير، وأيضاً نحن لن نتعرض الآن فعلاً لبيانه عند الشيخ لنكتة ستأتي إن شاء الله في الأثناء.

الآخوند هكذا قسّم: قسم جعله شرط يعني شرط مع مشروط وهذا مثل الشيخ أيضاً في القسم الأول الذي عبر عنه قيد منشؤه فعل خارجي هنا الصلاة مشروطة بالطهارة، القسم الثاني: المطلق والمقيد وهذا أيضاً ما عبر عنه الشيخ في القسم الثاني أن القيد متحد مع المقيد في الوجود الخارجي، هنا المطلق والمقيد يعني هل أن المطلوب هو القدر المتيقن وهو المطلق أو القدر المتيقن هو المقيد، مثلاً: أعتق رقبة هل المطلوب رقبة مطلقة أو الطلوب رقبة مقيدة بالإيمان رقبةً مؤمنةً، القسم الثالث: الذي أشار إليه الآخوند عبر عنه العام والخاص، يدور الأمر بين العام والخاص ومراده من ذلك العام والخاص المنطقيان يعني مثل الجنس والفصل مثل الحيوان والإنسان فلو دار الأمر هل يريد مثلاً أن المولى عندما يطلب من عبده إيتي لي بحيوان، هل يريد أن يأتي له بحيوان مطلق أو بحيوان خاص متفصل بفصل خاص كالإنسان والحصان مثلاً، فهنا هذا هو القسم الثالث، إذاً القسم الثالث عند الشيخ الآخوند يختلف في التعنون مع الشيخ الأنصاري، الشيخ الأنصاري جعله يدور الأمر بين التعيين والتخيير والآخوند اعتبره بين العام والخاص، وهذا سيأتي الكلام فيه ويمكن أن يرجع كلام الآخوند إلى كلام الشيخ من دوران الأمر بين التعيين والتخيير، على كلٍ بعد أن عرفنا هذا نأتي إلى الأقسام بصورة أوضح.

الأقسام فعلاً في هذا المقام الثاني تنقسم إلى ثلاثة أقسام، ربما القسم الأول نعبر عنه بنفس ما عبرنا عنه سابقاً عن الآخوند أو الشيخ أو يمكن أن يتعنون بهذا العنوان.

القسم الأول: ما يحُتمل دخله في المأمور به على نحو الشرطية موجود مستقل ويحتمل تقييد المأمور به فيه، توضيح ذلك: أن ما يُحتمل دخله في المأمور به على نحو الشرطية هو الوضوء والوضوء وجود مستقل ولكن قُيدت الصلاة التي هي مأمور به قُيدت به، يعني الصلاة عن وضوء أو نقول الصلاة عن طهارة والطهارة منشؤها الوضوء الذي هو وجود مستقل منحاز عن الصلاة.

القسم الثاني: ما يُحتمل دخله في الواجب أمر غير مستقل عن الواجب خارجاً -ولكن نضيف- ولم يكن من مقوماته الداخلة فيه حقيقة، هذا القيد لماذا؟ نفس هذا العنوان نفس العنوان المقيد الذي ذكره الشيخ الأنصاري ولكن هذه إضافة لنفرِّق بين القسم الثاني والقسم الثالث، القسم الثاني ما يُحتمل دخله في المأمور به غير مستقل عن المأمور به وهو صفة الإيمان وهي في الرقبة غير مستقلة عن المأمور به فالمأمور به أعتق رقبة وإيمان الرقبة ليس مستقلاً عن الرقبة نفسها وفي الوقت نفسه ليس الإيمان من مقومات الرقبة بحيث لا توجد الرقبة إلا به بل هي داخلة فيه وليست من الأمور المستقلة عنه ومن جهة أخرى هي غير دخيلة في حقيقته غير دخيلة في قوام المأمور به.

القسم الثالث: الذي يُحتمل دخله في المأمور به غير مستقل عن المأمور به وداخل في قوام حقيقته والنسبة بينه هي نسبة الفصل إلى الجنس، هذا هو القسم الذي ذكرنا أن الشيخ الآخوند (قده) قال: على نحو العام والخاص وقلنا مقصوده العام والخاص المنطقيان، هنا نشك هل أن المأمور به أن يأتي له بحيوان مطلق أو المطلوب أن يأتي له بحيوان متفصل بفصل يعني إنسان؟ هنا الإنسانية بالنسبة إلى الحيوان غير منحازة عنه وغير مستقلة عنه، لا نقول إن الإنسان منفصل عن الحيوان، وفي نفس الوقت هو مقوم له بخلاف الإيمان مع الرقبة يعني الإنسان قوامه يكون بالحيوانية والناطقية، فإذاً الخاص يكون مقوماً يعني لا يمكن أن يوجد الحيوان بدون أن يكون في فصل ما الإنسانية أو غير الإنسانية.

إذاً هذه أقسام ثلاثة، بعد أن اتضحت بتفاصيلها نأتي بالنسبة إلى القسم الأول وهو أن هذا الجزء التحليلي الذي هو شرط منشؤه أمر خارجي منحاز مستقل، الفرق بين الأول والثاني أنه منحاز عن المأمور به مثل الوضوء بالنسبة إلى الصلاة والصلاة مشروطة بالطهارة التي منشؤها الوضوء والوضوء منحاز عن الصلاة، هنا لو شككنا هل أُخِذَ في الصلاة شرط الوضوء أو أُخذ شرط الطهارة أو لم يؤخذ فيها شرط الطهارة؟ على حسب ما تقدم نفس الكلام السابق يأتي هنا، أنه عندنا قدر متيقن وهو مطلوب وهي ذات الصلاة وهي قدر متيقن أنه مأمور به ما عداه الآن نشك هل أن الصلاة المطلوبة مطلوبة مطلقاً أو بشرط شيء بشرط الوضوء بشرط الطهارة؟ فصار عندنا قدر متيقن الذي هو نفس الصلاة الذي هو الأقل، هذا القدر المتيقن هل أُخذ فيه أن يكون مطلقاً من ناحية الطهارة وعدمها أو أن يكون مشروطاً بالطهارة؟ نشك في هذا الشرط في هذا الزائد نُجري فيه أصالة البراءة عن هذا الشرط، يعني القدر المتيقن لازم والزائد هو المشكوك فيه وهذا المشكوك فيه ننفيه بالبراءة سواء كانت البراءة العقلية أو الشرعية، وربما يقال بأن جريان البراءة عن هذا القيد يتعارض مع جريان البراءة عن الإطلاق لأنك قلت بأن المطلوب هو ذات الصلاة وتردد المطلوب هل هو ذات الصلاة على نحو الإطلاق أو على نحو التقييد؟ فهنا تردد الأمر بين الإطلاق والتقييد فجريان البراءة عن التقييد يعارضه جريان البراءة عن الإطلاق، هذا لا يصح أن يقال لما ذكرناه سابقاً من أن الإطلاق لا تجري فيه البراءة والبراءة تجري فيما فيه كلفة وإلزام، فالتقييد فيه كلفة وإلزام فيكون مجرى للبراءة وأما بالنسبة إلى الإطلاق فلا إلزام فيه بل هو مطلق ومرخص له يأتي به أو لا يأتي به فلا تجري فيه البراءة.

إذاً الأول تجري فيه البراءة بلا إشكال.

الثاني أيضاً تجري فيه البراءة بنحو ما تقدم، نفس البيان المتقدم يأتي، وتفصيله وتوضيحه يأتي إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo