< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/10/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

التمسك بالاستصحاب لإثبات البراءة في المقام:

تقدم الكلام عندنا في أن هناك من استدل بالاستصحاب على الاشتغال وتقدم تقريب ذلك والمناقشة فيه، وهناك من استدل بالاستصحاب على البراءة على عكس الأول تماماً، وهذا ما يقع البحث فيه في هذا اليوم.

طبعاً هناك ذُكرت عدة تقريبات ولكن التقريب المهم والذي يصلح أن يكون تقريباً هو ما ذكره السيد الخوئي (ره) من التقريب الثاني وفي ذيله عبَّر، وهذا يرجع إلى تقريب ثاني، المهم التقريب الأول ليس مهما بل لعله لا يستحق أن يطرح لمحل البحث، فلهذا فعلاً نطرح التقريب الثاني ونلاحظ ما عليه وما قيل فيه.

التقريب الثاني للبراءة: يتوقف قبل ذكر التقريب أن نبيّن شيئاً تمهيدياً وهو واضح إن شاء الله، وهو معنى الجزئية وكونها أمرا انتزاعياً.

الأمر أحياناً يتعلق بشيء واحد مستقل وأحياناً يتعلق الأمر بالمركب من عدة أجزاء يتعلق بالكل ذي الأجزاء المتعددة، هنا إذا تعلق الأمر بالمركب بالأجزاء بأن أول جزء بهذا المركب وثاني جزء منه وهكذا، ننتزع الجزئية من تعلق الأمر بهذا المركب، يعني الأمر لما تعلق بمركب وطبيعة المركب متركب من عدة أجزاء نفترض خمسة أجزاء، هنا ننتزع الجزئية من نفس الأمر المتعلق بالمركب، قلنا هذا جزء وهذا جزء وهذا جزء فننتزع الجزئية، وانتزاع الجزئية يكون من الأمر المتعلق بالمركب الشامل لهذه الأجزاء.

إذا اتضحت هذه الجهة، نقول: بأن في المقام الذي يستدل بالبراءة يقول هكذا: بالنسبة إلى الأقل هذا متيقن ونشك في جزئية الأكثر الزائد نستصحب عدم الجزئية، هذا الذي نستصحب فيه عدم الجزئية يمكن أن نرجعه إلى استصحاب عدم تعلق الأمر بالمركب من هذا الجزء، لأننا قلنا إن الجزئية منتزعة من الأمر المتعلق بالمركب.

توضيح ذلك في المقام: نحن الآن نعلم بأن الصلاة مركب من عدة أجزاء، الأمر تعلق بالصلاة، علمنا من دليل آخر بأن التكبير جزء والقراءة جزء والركوع جزء والسجود جزء والتشهد جزء وهكذا، هنا نعلم بأن الأمر المتعلق بالصلاة التي هي مركب ننتزع جزئية الركوع للصلاة والسجود كذلك والتشهد كذلك، إذا شككنا في جزء آخر هل القنوت جزء للصلاة أو لا؟ هنا يمكن أن نصوّر الاستصحاب بتصويرين.

التصوير الأول: هو استصحاب عدم جزئية القنوت للصلاة فلاحظنا الجزئية واستصحبنا عدمها، ويمكن أن نقول نرجعه إلى المنتزع منه، بما أن الجزئية أمر انتزاعي وانتزع من الأمر بالمركب فنقول: نستصحب عدم تعلق الأمر بالمركب من هذا الجزء وهو القنوت، نحن نعلم بتعلق الأمر بالصلاة المركبة من تكبير وركوع وسجود وإلى آخره، هل هذا الأمر تعلق بهذه الأجزاء وتعلق بالقنوت أيضاً؟ فنحن نقول استصحاب عدم تعلق الأمر بالمركب من هذا الجزء وغيره استصحاب العدم، بهذا يتضح الحال أنه عندما شككنا في أن القنوت جزء أو لا واستصحبنا عدم تعلق الأمر بالمركب من القنوت هنا النتيجة هي البراءة من القنوت، لو شككنا في وجوب القنوت.

هذ هو التقريب الذي يستحق أن يُطرح، هذا التقريب أورد عليه السيد الخوئي (ره) بإشكال.

إشكال السيد الخوئي (ره): نحتاج أيضاً أن نمهد تمهيد حتى يكون واضحاً، وهو أنه في الأوامر المتعلَّق لا بد وأن يكون واضحاً يعني لا يصح أن يكون مهملاً في مقام الثبوت، الإهمال في مقام الثبوت مستحيل خصوصاً على الحكيم المطلق، الإهمال في مقام الإثبات ممكن ولا محذور فيه وربما في مقام الإثبات المتكلم يتعمد الإهمال، ما عندنا إشكال في هذه الجهة ولكن الإهمال في مقام الثبوت مستحيل ولا بد أن يكون موضوع الحكم غير مهمل وواضح تماماً عند الحاكم عندما يريد أن يحكم.

فإذاً إذا امتنع الإهمال نقول: بأن متعلق الحكم إما أن يكون مطلقاً وإما أن يكون مقيداً، هذه قاعدة عامة وهي أنه في مقام الثبوت الإهمال مستحيل فإما أن يكون مطلقاً وإما أن يكون مقيداً، ومتعلق المحكم وموضوع الحكم أيضاً لا يخرج عن هذين إما أن يكون مطلقاً وإما أن يكون مقيداً، إذا اتضح هذا الآن نقول: إن الأقل يتصوَّر بشرط شيء ولابشرط وتصوراً بشرط لا، عندنا ثلاث حالات، لا بشرط القسمي وبشرط شيء وبشرط لا، في المقام بما أن المقام يدور بين الأقل والأكثر الارتباطيين هنا نخرِّج أحد هذه الثلاثة وهو الأقل بشرط لا، لأنه لو أبقينا بشرط لا لكانت النسبة بين بشرط لا وبشرط شيء هي نسبة التباين فيأتي البحث السابق وهو دوران الأمر بين المتباينين، والآن ليس كلامنا في دوران الأمر بين المتباينين وإنما كلامنا في دوران الأمر بين الأقل والأكثر بحيث أن وجود هذ الزائد لا يضر، عدمه لو كان واجباً يضر تعمداً أما أن وجوده لو لم يكن واجباً لا يضر، على فرض مثلاً القنوت لو أتى به لا يضر من هذا الباب، فإذاً نحن الآن عندنا الأقل نتصوّره على نحوين: تارة نتصوره الأقل بشرط شيء، الأقل بشرط شيء هو الذي يقال عنه الأقل بنحو التقييد وهو معنى وجوب الأكثر لأنه الأقل وهو العشرة الأجزاء مثلاً بشرط الجزء الحادي عشر، وهذا معناه وجوب الأكثر، الأقل بشرط التقييد، والأقل لا بشرط معناه الأقل بنحو الإطلاق في مقابل ذاك، هذا المعنى بشرط شيء ولا بشرط، إذا اتضح هذا الشيء نأتي لبيان إشكال السيد الخوئي بهذه الجنبة الفنية.

نقول: السيد الخوئي (ره) يقرر المطلب بهذا النحو، يقول: وجوب الأقل بنحو الإطلاق حادث مسبوق بالعدم ووجوب الأقل بشرط شيء يعني بشرط التقييد على نحو التقييد أيضاً حادث مسبوق بالعدم وهو الأكثر، إذاً كلٌ منهما مجرى للاستصحاب فأستطيع أن أقول: أصالة عدم جعل وجوب الأقل على نحو الإطلاق، كما أنه أستطيع أن أقول: أصالة عدم وجوب الأقل على نحو التقييد، هنا استصحابان موضوعهما تام في الإثنين، إذا أجرينا الاستصحابين أصالة عدم الأقل بنحو التقييد وأصالة عدم وجوب الأقل بنحو الإطلاق هنا نخالف العلم الإجمالي لأننا نعلم إجمالاً بوجوب أحدهما، فاستصحاب عدم كلٍ منهما مخالف للعلم الإجمالي فلا يمكن أن يجريا معاً، وجريان الأصل في أحدهما المعين دون الآخر يلزم منه الترجيح بلا مرجح، تجري استصحاب عدم الأقل بنو التقييد الذي عبرت عنه فيما سبق استصحاب عدم جعل الأمر بالمركب من هذا الجزء الزائد هو معناه عدم وجوب الأقل بنحو التقييد، جريان هذا دون ذاك ترجيح بلا مرجح.

إذاً هذا الاستصحاب الذي ذُكر هو معارض باستصحاب آخر فلا يمكن جريان كلا الاستصحابين لأنه مخالف للعلم الإجمالي وجريان أحدهما بخصوصه ترجيح بلا مرجح، فلهذا يسقط الاستصحاب وبالتالي تسقط البراءة المعتمِدة عليه، هذا ما أفاده السيد الخوئي (ره) بهذا البيان الذي ذكرناه.

هنا يمكن أن يأتي سؤال للسيد الخوئي (ره) وهو: ما هو الفرق بين الاستصحاب الذي منعت من جريانه في المقام لإفادة البراءة وبين جريان البراءة في السابق، في السابق أنت أجريت كلتا البراءتين عن الزائد، أجريت أصالة البراءة عن الزائد عن الأكثر معنى ذلك أجريت أصالة البراءة عن وجوب الأقل على نحو التقييد، لماذا هناك لم تقل بتعارض البراءتين؟ كما أن البراءة عن وجوب الأقل على نحو الإطلاق عندنا البراءة عن وجوب الأقل على نحو التقييد، كما قلت هنا تماماً، كما أنه في الاستصحاب قلت: لا يجري استصحاب عدم وجوب الأقل على نحو التقييد لمعارضته بأصالة عدم وجوب الأقل على نحو الإطلاق نفس الكلام في البراءة، هناك أجريت البراءة عن الأكثر معناه أجريت البراءة عن وجوب الأقل على نحو التقييد، ما هو الفرق؟

هنا يمكن أن نجيب عن السيد الخوئي، ونقول: فرق بين المقامين البراءة يمكن أن تجري ولكن الاستصحاب لا يمكن أن يجري، لأنه في البراءة هناك تعرض السيد الخوئي (ره) إلى نقطة وهي: أن البراءة إنما تجري في الأحكام الإلزامية وأما الأحكام الترخيصية فلا تجري فيها البراءة (رفع ما لا يعلمون) دليل امتناني يرفع ما فيه كلفة وهو ما إذا كان أمر إلزامي وجوب أو تحريم فيه كلفة ومشقة إذا شككنا فيه نجري فيه البراءة، أما إذا كان حكم ترخيصي الحكم الترخيصي لا تجري فيه البراءة، هذا ما قرره في بحث البراءة.

على ضوء ذلك: بالنسبة إلى وجوب الأقل على نحو التقييد هذا فيه إلزام فيمكن جريان البراءة فيه وأما وجوب الأقل على نحو الإطلاق لا بشرط سواء ضممت له غيره أو لم تضم له غيره، هنا ترخيص لا تجري البراءة في الإطلاق، فإذاً البراءة هناك تجري في التقييد لأن في التقييد كلفة ولا تجري في الإطلاق لأن الإطلاق لا كلفة فيه، أما بالنسبة إلى الاستصحاب فالاستصحاب كما يجري في الأحكام الإلزامية يجري في الأحكام الترخيصية فلهذا هنا كان تصور جريان كلا الاستصحابين استصحاب وجوب الأقل على نحو التقييد واستصحاب عدم وجوب الأقل على نحو الإطلاق، فإذاً هذا الإشكال لا يرد على السيد الخوئي.

إذا اتضح هذا كله، نقول: يمكن أن يأتي إشكال آخر على السيد الخوئي (ره) وهو: أنه هل التكليف يتعلق بالأقل بشرط الانضمام يعني وجوب هذا الجزء بشرط هذا الجزء وبشرط هذا الجزء، هل هناك شرط إذا تعلق بالأقل بالأجزاء العشرة هل إذا تعلق بالجزء الحادي عشر يعني الأجزاء العشرة بشرط الجزء الحادي عشر بحيث يكون هناك جزء وشرط، فيكون الجزء العاشر جزء وأيضاً مشروط أن ينضم إليه غيره أو لا؟ هذا أمر لا بد أن يُبين، إذا قلنا بأن الأمر يتعلق بالجزء ولا شأن له بغيره، إذا تعلق بالأقل يعني تعلق بهذه الأجزاء، لما تعلق بالأجزاء بما هي أجزاء فإذا تعلق بالأقل بما هو أقل هنا نقول: بجريان الاستصحاب عن الجزئية بلا محذور وبلا معارض، بهذا البيان.

نقول: بأن هذه الأجزاء العشرة وهي الأقل تعلق بها الوجوب في نفسها إذاً استصحاب العدم فيها لا معنى له، هذه الأجزاء يجب الإتيان بها في ضمن هذا المركب، نشك هل جعل الشارع جزءً آخر مع هذه الأجزاء أو لم يجعل جزءً آخر معها؟ فنحن نشك في جعل هذا الجزء، هذا المقدار يمكن أن نجري فيه استصحاب العدم، هناك لا يمكن أن نجري استصحاب العدم، الآن لا نقول الأقل على نحو التقييد أو الأقل على نحو الإطلاق بل نقول: الأمر تعلق بهذه الأجزاء، هل تعلق بجزء آخر أو لم يتعلق بجزء آخر؟ نستصحب عدم تعلق الأمر بجزء آخر، أو نستصحب عدم جزئية هذا المشكوك فيه لهذا المركب، هنا يمكن جريان الاستصحاب بلا معارض ويترتب عليه البراءة، إذاً هنا نقطة لابد من الالتفات إليها وهي أنه هل أخذنا شرط هذا بشرط أن ينضم إليه الآخر أو لا الأمر تعلق بنفس الأجزاء؟ نقول: الأمر تعلق الأمر بنفس الأجزاء ونشك في تعلق الأمر بالجزء المشكوك فيه، على هذا البناء يمكن جريان الاستصحاب ويترتب عليه البراءة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo