< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/08/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

مناقشة المانع الرابع:

كان الكلام في المانع الرابع وذكرنا ما نقله الشيخ وناقشه بأن العقل يحكم بلزوم تحصيل الغرض فيحكم العقل بلزوم تحصيل الغرض كما يحكم بلزوم الامتثال، الشيخ أجاب عن هذا بجوابين تقدم الكلام فيهما، المهم فيهما هو الجواب الثاني وهو أن الغرض هنا لا يمكن القطع بحصوله يعني على كلا التقديرين لا على تقدير الإتيان بالأقل ولا على تقدير الإتيان بالأكثر، أما على تقدير الإتيان بالأقل فهنا لا يقطع بحصول الغرض لاحتمال أن المطلوب الواقعي هو الأكثر فيكون الغرض في الأكثر، فإذا أتى بالأقل لم يحقق الغرض، وأما على تقدير الإتيان بالأكثر فهنا الإتيان بالأكثر أحد أمرين: إما أن يأتي بالزائد بقصد الأمر الجزمي على أنه هو المطلوب واقعاً ويجب الإتيان بالأكثر وهذا تشريع لعدم علمه بوجوب الإتيان بالأكثر فالإتيان به بقصد وجوبه جزماً هذا تشريع، والإتيان بالأكثر لا بقصد الأمر الجزمي وإنما بقصد احتمال أن يكون هو المطلوب، هنا أيضاً لا يتحقق الجزم بالغرض باعتبار أنه يحتمل أن يكون الغرض متوقفاً على الإتيان بالفعل بقصد وجهه وهنا أتى باحتمال وجود الأمر لا بقصد الوجه على نحو الوجوب وإنما يحتمل، فبما أنه نحتمل أن الغرض يتوقف على الإتيان بالفعل بقصد وجهه وهنا لم يتحقق الإتيان بقصد وجهه فلا يتحقق الغرض أو الجزم بالغرض.

فإذاً على التقديرين تقدير الإتيان بالأقل وتقدير الإتيان بالأكثر لا يجزم بتحقق الغرض، النتيجة: نقول: بأن العقل عندما يحكم بلزوم تحقق الغرض إذا كان ممكناً وفي المقام غير ممكن فلا يلزم عقلاً لزوم تحصيل الغرض، فليس لنا إلا أن يأتي بالمؤمن يعني أن يكون عنده معذر شرعي وهو هنا أن يأتي بالأقل ويجري البراءة العقلية عن الأكثر فهنا يكون عنده مؤمن فالنتيجة لا يلزم الاحتياط وإنما يمكنه أن يجري أصالة البراءة العقلية في الزائد، هذا كلام الشيخ (قده).

هذا الكلام وقع موقع الإشكال بالنسبة إلى جوابه الثاني فالسيد الخوئي (ره) أورد عليه أربعة أوجه يمكن أيضاً أن يتصيد وجه خامس في ضمن كلامه.

أما الوجه الأول في الإشكال: ذكر الشيخ أنه عدم إمكان القطع بحصول الغرض، هذه الدعوى من الشيخ تكون أخص من المدعى، المدعى أنه لا يمكن القطع بحصول الغرض الشيخ هكذا قال، ولكن هذا يتم على تقديره يتم في خصوص التعبديات دون التوصليات، يعني ما أتى به من الدليل يتم في التعبديات فهي يشترط فيها قصد القربة فنقول إذا أتى بالأقل لا يجزم بتحقق الغرض وهو واضح لاحتمال وجوب الأكثر وإذا أتى بالأكثر فإما أن يقصد بنحو الجزم وهذا تشريع لأنه لا يعلم وإما أن يأتي به بقصد الاحتمال نقول يحتمل أن يكون قصد الوجه له مدخليه في تحقق الغرض وهو لم يأت به بقصد الوجه، في التعبديات هذا تام.

أما بالنسبة إلى التوصليات فلا يشترط فيها قصد القربة فتحقق الغرض يحصل بالإتيان في الأكثر إن كان في الواقع المطلوب هو الأقل فقد تحقق الغرض وإن كان المطلوب في الواقع هو الأكثر فأيضاً تحقق الغرض، فكلام الشيخ في الجواب لا يتم على جميع الأمور وإنما يتم في التعبديات ولا يتم في التوصليات، فالمفروض أن تكون نتيجة كلام الشيخ أنه في التعبديات يجري البراءة بالنسبة إلى الزائد وفي التوصليات يجب الاحتياط وهذا التفصيل لم يقل به أحد لا الشيخ ولا غيره، بحيث يقول أنه نجري البراءة في خصوص التعبديات ونجري الاحتياط في التوصليات هذا التفصيل لا قائل به، هذا الإشكال الأول.

الإشكال الثاني على الشيخ: يقول: بأن اعتبار قصد الوجه على القول به يختص بصورة الإمكان دونما لو لم يمكن قصد الوجه أصلاً، يعني على فرض أننا اشترطنا قصد الوجه في حد نفسه وقلنا إن نفس اشتراط قصد الوجه تام، هذا إنما يتم مع التمكن من قصد الوجه أما مع عدم التمكن من قصد الوجه من الطبيعي أنه لا يشترط قصد الوجه لعدم التمكن منه، وهنا لا يتمكن منه لعدم المعرفة بالوجه، في المقام يدور الأمر الأقل والأكثر فلا نعلم أن الواجب هو الأقل بخصوصه أو ان الواجب هو الأكثر بخصوصه، إذا لم نعلم ما هو الوجه هل هو الأقل الذي وجهه الوجوب أو الأكثر؟ فهنا لا يمكن أن أقصد الوجه، فإذا لم يمكن قصد الوجه إما أن تقول: إنه لا بد من قصد الوجه وهذا غير ممكن أو تقول بأنه لا يلزم قصد الوجه، طبعاً إذا تقول بأنه لا بد من قصد الوجه بنحو الإطلاق فيستلزم منه عدم إمكان الاحتياط في الواقع، إذا كان الشارع يشترط قصد الوجه أمكن أو لم يمكن هنا لا يمكن الاحتياط، لأن معنى الاحتياط هو الإتيان بما يعلم بفراغ ذمته ما يحصل فراغ ذمته، إذا مثلاً تردد الأمر عندي بين أن الصلاة قصر أو الصلاة تامة فهنا الاحتياط يقتضي التكرار فآتي بالقصر تارة وآتي التمام تارة أخرى، هنا هذا الفعل يستلزم العلم بفراغ الذمة، لو مثلاً دار الأمر بين التسبيحات الأربع هل هي واحدة أو ثلاث؟ فإذا أتيت بالثلاث فهنا أتيت بما أعلم معه بفراغ ذمتي فهذا معنى الاحتياط، وهنا لا يمكن لأن الأمر دار بين الأقل والأكثر وقلتم باشتراط قصد الوجه، إذاً لا يمكن الاحتياط، فالنتيجة: جهة الإشكال هو هذا أنه لو فرضنا اعتبار قصد الوجه في العبادات فإنما نقول به في خصوص ما إذا كان ممكناً قصد الوجه فأما مع عدم إمكانه لعدم معرفته فلا يجب، واشترطنا هذا القيد- إذا ممكناً- لأنه لو كان الإتيان بقصد الوجه مطلق للزم عدم التمكن من الاحتياط في المقام، أنت تقول يجب الاحتياط وهنا لا يتمكن من الاحتياط أصلاً.

هنا نقطة في ذيل ما أتى به ثانياً: يمكن أن يُلحق بهذا الإشكال ويمكن أن يكون كإشكال مستقل:

الإشكال الثاني بصياغته الأولى بحيث نجعله إشكال مستقل بهذا الاعتبار: أن اعتبار قصد الوجه بنحو الإطلاق يستلزم عدم إمكان الاحتياط وهذا مما لا يقول به الشيخ أيضاً ولا غيره، يعني في دوران الأمر بين الأقل والأكثر يقولون: إن الاحتياط بالإتيان بالأكثر، فإذا تشترط قصد الوجه بنحو الإطلاق المفروض أنه لا يمكن الاحتياط في المقام، بينما في الواقع الشيخ وغيره يقولون بالاحتياط بل يقولون أن الاحتياط حسن بالإتيان بالأكثر، وإنما الكلام هل أنه هو واجب ليس بواجب، والسر فيه أن قصد الوجه على القول بوجوبه يختص بصورة الإمكان بهذا الترتيب يكون كله إشكال واحد.

يمكن في التفصيل إذا نظرنا إلى المصباح للسيد الخوئي (ره) صفحة 504 إلى قوله فلا يحصل العلم بالفراغ لا بالإتيان بالأقل ولا بالإتيان بالأكثر وهذا مما لا يلتزم به أحد، هنا ينتهي كإشكال، ونجعل أيضاً في قوله إذ لا إشكال ولا خلاف في إمكان الاحتياط بل في حسنه بالإتيان بالأكثر وإنما الكلام، يمكن أن نجعله كإشكال ثاني ويمكن أن نجعل كل هذا إشكال واحد.

يصير ملخصه بهذا الشكل: إن اعتبار قصد الوجه إنما يكون في حالة التمكن منه أما في حالة عدم التمكن منه فلا يشترط قصد الوجه أصلاً وهنا لا يمكن قصد الوجه وإلا لو اشترطنا قصد الوجه بنحو الإطلاق لزم عدم التمكن من الاحتياط لأن الاحتياط هو ما يوجب فراغ الذمة بينما الشيخ وغيره لا يلتزمون بأنه عند دوران الأمر بين الأقل والأكثر لا يمكن الاحتياط، هذا الإشكال الثاني.

الإشكال الثالث: الذي أورده السيد الخوئي (ره) على الشيخ: أن احتمال اعتبار قصد الوجه مما لم يدل عليه دليل، هذا بحث كبروي وعادة يتعرض إليه في بحث التعبدي والتوصلي، وأيضاً يُبحث في العلم الإجمالي في الامتثال الإجمالي هناك أيضاً ففي المصباح تعرض له في الجزء الثاني صفحة 87 هناك تعرض أيضاً إلى هذه المسألة، المهم خصوصاً في التعبدي والتوصلي هناك يقع الكلام هل يشترط قصد الوجه أو لا يشترط قصد الوجه؟

السيد الخوئي وغيره من المحققين المتأخرين يقولون بأنه دليل على لزوم قصد الوجه، يعني يكفي أن يأتي بالعبادة منتسبة إلى الله سبحانه وتعالى مضافاً إلى الله سبحانه وتعالى، عندما يأتي بالعمل مضافاً إلى الله تعالى هذا كافي في تحقق العبادية والتقرب ولا حاجة أن يقصد لوجوبه مثلاً في الواجب أو لاستحبابه في المستحب، إذاً أساس قصد الوجه لا دليل عليه حتى نرتب أنه إذا أتيت بالأكثر بقصد الاحتمال لا يتحقق الغرض، بل نقول: يتحقق الغرض لأنه أتى بالعمل مضافاً إلى الله تعالى وهذا كافي.

الوجه الرابع من الإشكال: أنه فرضنا أن الدليل دل على اعتبار ولزوم قصد الوجه سلمنا بذلك، لكن هذا إنما نسلم به في الواجبات الاستقلالية دون الواجبات الضمنية، على ما تقدم الكلام قلنا بأن الأمر عندما تعلق بالمركب تعلق بالصلاة هنا يكون عندي واجب استقلالي وهو المتعلق بالمركب بكامله الصلاة بكاملها واجبة مستقلاً ونستفيد من ذلك وجوبات ضمنية هذه الوجوبات الضمنية تكون بالنسبة إلى الأجزاء كالقراءة والركوع والسجود وهكذا في بقية الأجزاء، إذا سلمنا باعتبار قصد الوجه نقول: قصد الوجه في خصوص الواجبات الاستقلالية هي التي يجب فيها قصد الوجه أما الواجبات الضمنية كما نحن فيه فلا يجب فيها قصد الوجه، هذا يبتني على دليلهم هناك يعني يكون المدعى بهذا النحو: أن المستفاد من الدليل الدال على قصد الوجه اختصاصه بخصوص الواجبات الاستقلالية لا ما يشمل الواجبات الاستقلالية والواجبات الضمنية، وما نحن فيه هو واجب ضمني هذا الأقل وجوبه وجوب ضمني في ضمن الأكثر.

لتوضيح هذا: عندما نرجع إلى دليلهم هناك ذكروا وجهين للزوم قصد الوجه:

الدليل الأول: هو الإجماع، أدعوا بأن هناك إجماع في كلمات المتكلمين بقصد الوجه، يعني أنه قام الإجماع على لزوم الإتيان بالفعل بقصد وجهه، هذا الإجماع يكون ناظراً إلى الكل المركب أن آتي بالصلاة بقصد وجهها ولم ينظر أن آتي بالقراءة بقصد وجهها الركوع بقصد وجهه وهكذا، فهو ناظر إلى المركب بما هو مركب، إذاً هو ناظر إلى الاستقلال مضافاً إلى وجود الإشكال في مثل هذا الإجماع لا نعتمد عليه وأن هذا الإجماع ليس إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم، لكن مع ذلك بغض النظر عن هذه الجهة نقول الإجماع ناظر إلى المركب بما هو مركب.

الدليل الثاني: يقولون بأن حسن الأفعال وقبح الأفعال إنما يكون بالعناوين القصدية، يعني الفعل في حد نفسه ليس بالضرورة أن يكون هو حسن بحد نفسه، طبعاً العناوين تختلف ولكن عندنا بعض العناوين في حد نفسها تكون حسنة مثل العدل، الآن لا نريد مثل هذا، العناوين العامة تكون حسنة مع وجود القصد أو تكون قبيحة مع وجود القصد، مثلاً ضرب اليتيم إذا كان بقصد التأديب يكون حسناً وإذا لم يكن بقصد التأديب بل بقصد التشفي من والده مثلاً هذا يكون قبيحاً، فإذاً حسن هذا الفعل وهو ضرب اليتيم أو قبحه دار مدار تعنونه بالعنوان ودار مدار القصد، فعندما يضرب اليتيم للتشفي هذا العمل قبيح حتى لو لزم منه التأديب في الواقع لكن صدور الفعل منه الضارب لم يكن حسناً حتى لو ترتب على ذلك في الواقع التأديب، فإذاً حسن الأفعال وقبحها يدور مدار العناوين القصدية هكذا يقولون، إذاً الإتيان بالعبادة يكون حسناً بقصد وجهها وبدونه لا يكون حسناً.

هذا الدليل بغض النظر عن صحته وسقمه في المقام نقول: بأن هذا ناظر إلى المركب، الصلاة هذا الواجب المركب هو حسن بقصد وجهه ليس حسناً بدون قصد الوجه على فرض صحة الدليل.

فالنتيجة: نقول في الجواب على الشيخ، بأن الشيخ يقول: بأنه ربما يكون الغرض يتحقق بقصد الوجه فإذا كان كذلك هنا لا يمكن قصد الوجه إذاً لا يمكن تحقق الغرض، فالغرض إنما تحققه إذا أمكن وهنا غير ممكن.

الجواب: بأن اعتبار قصد الوجه على فرض صحته إنما يكون بالنسبة إلى الواجبات الاستقلالية أما الضمنية فلا يشملها دليلهم هناك وما نحن فيه من الواجبات الضمنية وليس الاستقلالية، على هذا نتيجة الكلام: أن ما أفاده الشيخ (قده) في الجواب على المستشكل لا يكون ناهضاً.

عندما نسلسل الكلام نقول: بأن المستشكل يقول: بأن العقل يحكم بلزوم تحصيل الغرض غرض المولى كما يحكم بلزوم إطاعة المولى وتحقق غرض المولى لا يتم إلا بالإتيان بالأكثر احتياطاً.

الشيخ يقول: إن الغرض إنما يجب تحصيله مع إمكانه وما نحن فيه لا يمكن تحصيل الغرض لا على الإتيان بالأقل ولا على الإتيان بالأكثر.

الجواب على أن هذا أولاً مختص بخصوص التعبديات لا يشمل التوصليات فيلزم من ذلك أن يقول بالتفصيل، البراءة في التعبديات والاحتياط في التوصليات وهو لا يلتزم به.

كما أنه ثانياً إن اعتبار قصد الوجه إنما نقول به على فرض القول به في خصوص التمكن منه وهنا لا يتمكن منه.

ثالثاً في ضمن الثاني الذي ذكره السيد الخوئي نقول هكذا: إنه لو قلنا بلزوم قصد الوجه مطلقاً للزم عدم إمكان الاحتياط، بينما لا نقاش في إمكان الاحتياط، بل في حسن الاحتياط، هذا يمكن اعتباره ثالثاً، إذا اعتبرناه ثالثاً.

نقول رابعاً إن احتمال اعتبار قصد الوجه لا دليل عليه، دليله الإجماع وهو منقوض ودليله تعنون حسن الأفعال وقبحها بقصد وجهها هذا أيضاً منقوض.

خامساً يقول: إن اعتبار قصد الوجه على فرض اعتباره وتماميته إنما يكون بالنسبة إلى الواجبات الاستقلالية لا ما يشمل الواجبات الضمنية وما نحن فيه من الواجبات الضمنية، وللحديث بقية إن شاء الله. والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo