< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/06/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه الحادي عشر:مناقشة ما أفاده السيد الروحاني (قده) في المنتقى:الكلام كان في المورد الأول الذي تعرض له الشيخ بنحو من الأنحاء وصاحب الكفاية (قده) وهو: أنه لو وقعت النجاسة في أحد الإناءين بدون أن أعلم ولاقى الثوب أحد الإناءين وبعد الملاقاة خرج الماء الملاقى عن محل الابتلاء ثم علمت إجمالاً بالنجاسة فهنا صاحب الكفاية كما مرَّ قلنا بأنه العلم الإجمالي يتنجز بين الثوب الملاقي وبين الطرف الآخر ثم لما رجع الملاقى إلى محل الابتلاء يجري فيه الأصل باعتبار أنه حين خروجه عن محل الابتلاء لا أثر له فلهذا لا يجري فيه الأصل.المحقق العراقي كما قلنا والسيد الخوئي قالا بأن هناك أثر للحكم بطهارة الملاقى حتى لو كان الآن فعلاً خارج عن محل الابتلاء وهذا الأثر هو طهارة ملاقيه فعليه يجري الأصل في الملاقى فيصير التعارض بين الأصل الجاري في الملاقى والأصل الجاري في الطرف الآخر، ثم الملاقي يأتي فيه ما تقدم.

وقلنا إن السيد الروحاني (قده) أورد إشكال على هذا، وملخصه: أن جريان الأصول وتعارض الأصول يعني تعارضها والحكم بعدم جريانها لأن جريانها يوجب المخالفة الواقعية يوجب ارتكاب الحرام الواقعي فهذا لا يكون إلا في الأحكام الإلزامية التكليفية، وفي الأحكام الوضعية مثلما نحن فيه إذا ترتبت عليه مخالفة إلزامية، يعني جريان أصالة الطهارة في الموردين يلزم منه جواز شربهما فيلزم منه المخالفة الواقعية فلهذا لا يجري، عليه: بناءً على هذا الأساس نقول: بالنسبة إلى الإناء الخارج عن محل الابتلاء لو أجرينا فيه أصالة الطهارة وأجرينا في الطرف الآخر أصالة الطهارة هنا لا يلزم من جريانهما المخالفة الواقعية لأن الخارج عن محل الابتلاء لا يمكن شربه فإذا لا يمكن شربه إذاً لا تتحقق المخالفة للواقع، فعلى هذا لا يجري فيه الأصل أصلاً، لأن جريان الأصل يوجب هذا التعارض وتعارض الموجب للسقوط هو الملزم لمخالفة الحكم الوقعي فلهذا بالنسبة إلى الخارج عن محل الابتلاء يقول لا يجري فيه الأصل، فينحصر جريان الأصل بين الملاقي وبين الطرف الآخر بين الثوب وبين الطرف الآخر، هذا حاصل ما أفاده.

ما أفاده لا يمكن المساعدة عليه، وذلك: لأن غاية ما يستفاد من كلامه أن تعارض الأصول وتساقطها إنما يكون فيما إذا استلزم جريانهما الترخيص في المعصية وجريان أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح لأنه يستلزم هذين الأمرين نقول تتعارض الأصول وتتساقط، ومن المعلوم أنه لا يستلزم التعارض إذا كان هناك أحد الطرفين خارج عن محل الابتلاء، ولكن هل يمنع ذلك من جريان الأصول أو لا يمنع؟ بمعنى أن السيد (قده) يقول جريان الأصول يسبب نحكم بالتعارض والحكم بالتعارض لأنه يخالف الواقع لأنه يستلزم المعصية، في المورد الذي لا يستلزم المعصية هل نمنع من جريان الأصل أو لا نمنع؟ مقتضى كلامه أن نمنع، بينما مقتضى دليله أنه نحن لا نجري الأصول لأنها تخالف الواقع وهنا لا يمكن مخالفة الواقع، نقول: هذا المعنى لا يمنع من جريان الأصل لأن جريانه إما أن يكون له أثر أو ليس له أثر، المدار والنقطة هنا، إذا كان ليس له أثر لا نجريه لعدم وجود الأثر، وإذا كان له أثر نجريه حتى لو لم يلزم منه مخالفة الحكم الإلزامي الواقعي، وما نحن فيه من هذا القبيل.

توضيح ذلك: هنا عندما نريد أن نجري أصالة الطهارة مثلاً في الملاقى الذي هو فعلاً خارج عن محل الابتلاء ونجريه في الطرف الثاني الماء الثاني، هنا غايته أنت تقول هذا الجريان لا يلزم منه مخالفة الواقع إذاً لا يلزم منه تعارض إذاً لا نجريه، نحن نقول: نجريه لأن له أثر وهو الحكم بطهارة ملاقيه فمخالفة المعلوم بالإجمال لا ينحصر وجودها في نفس الملاقى وإنما تأتي حتى في الملاقي.

بعبارة أخرى: الآن نحن نجري أصالة الطهارة في الملاقى في الماء الذي هو فعلاً خارج عن محل الابتلاء، لماذا نجريه؟ حتى نحكم بطهارة ملاقيه وهو الثوب، إذاً الأثر الآن موجود، عندما نجري أصالة الطهارة في الماء الثاني يقع التعارض بين أصالة الطهارة في الإناء الأول وأصالة الطهارة في الإناء الثاني، ولكن التعارض لا لأن ارتكاب كلا الإناءين يستلزم مخالفة الواقع والآن لا يمكن ارتكاب الإناء الخارج عن محل الابتلاء بل ارتكاب ما هو من آثاره، يعني جريان أصالة الطهارة في الإناء الأول الملاقى وفي الإناء الثاني يستلزم جواز استعمال الثوب مع الطرف الآخر وهذا يستلزم منه مخالفة الواقع، لو بدلنا الثوب بإناء حتى يكون المثال أوضح، الملاقي إناء ماء والملاقى ماء والطرف الآخر ماء نحن نريد أن نجري أصالة الطهارة في الملاقى حتى نحكم على الملاقي بالطهارة ونريد أن نجري أصالة الطهارة في الماء الثاني حتى نحكم عليه بالطهارة، يجوز إذاً شرب الملاقي والطرف الآخر وهذا يستلزم منه مخالفة المعلوم بالإجمال مخالفة الواقع.

إذاً غاية ما يستفاد مما طرحه السيد (قده) هو أن التعارض الذي نمنع منه الذي يستلزم منه السقوط هو الذي تتحقق فيه مخالفة الحكم الإلزامي، هنا بين الملاقى والطرف الآخر جريان الأصول لا يستلزم منه مخالفة الحكم الإلزامي إذاً لا يجري، هو يقول هكذا، نحن نقول نحن نريد أن نجريه لا لارتكاب الخارج عن محل الابتلاء بل لأجل الحكم على طهارة ملاقيه، فبين الملاقي والملاقى هنا تكون مخالفة للحكم الإلزامي.

وبعبارة أكثر وضوحاً: نقول: أنت قلت فيما بعد في الأخير: ينحصر الأصل بين الملاقي والطرف الآخر فيتنجز العلم الإجمالي، نقول: لا، نحن بدل أن نجري أصالة الطهارة في الملاقي نجريها في الملاقى من حيث أن له ملاقي، هذه النقطة التي نريد أن نؤكد عليها، نجري في نفس الملاقى الذي منعت منه، تقول ما هو الأثر حتى نحكم على طهارة ملاقيه، فإذاً المصحح موجود، جريان الأصل له أثر وجريان الأصلين يخالف المعلوم بالإجمال ولكن في هذا الطرف من حيث ملاقيه لا من حيث هو، فعليه: يندفع كلام السيد الروحاني(قده).

نعم، يمكن أن يقال: أو هو يقول: بأن أصالة الطهارة لا تجري لأن أُخذ في موضوع أصالة الطهارة فعلية الشك، يعني أن يوجد شك فعلي في الطهارة والنجاسة فيما بعد أجري أصالة الطهارة، بالنسبة للإناء الخارج عن محل الابتلاء في وقت وجوده لا يوجد شك فعلي، لأن العلم الإجمالي بعد خروجه عن محل الابتلاء فلا يوجد شك فعلي في وقت وجوده، الآن بعد خروجه عن محل الابتلاء يوجد شك، أشك في طهارة ذلك الماء لكن الحكم بالطهارة من الآن على ذلك في وقته وظرفه غير صحيح، لأن أصالة الطهارة كما قلنا أُخذ في موضوعها الشك الفعلي، والشك الفعلي حصل بعد خروجه عن محل الابتلاء، في هذا الوقت نجري أصالة الطهارة حتى نثبت الطهارة في وقت الشك، يعني الحكم بالطهارة يكون في ظرف الشك ولا يكون الحكم بالطهارة الآن ومتعلقه السابق، هذا لا يصح، يعني نفس أخذ فعلية الشك في جريان أصل الطهارة يقتضي أن يكون الحكم بالطهارة والشك في وقت واحد والآن أحكم بالطهارة، أحكم بالطهارة على المعدوم أو الخارج عن محل الابتلاء لا معنى له، يعني الآن حصل الشك والآن أحكم بالطهارة فأحكم بالطهارة للموجود الفعلي أما للسابق هذا لا يصح، فعليه: تقول: أصالة الطهارة لا تجري لخصوصية في أصالة الطهارة، لا في التعارض بين الأصلين ويلزم منه مخالفة المعلوم بالإجمال، فعليه ننتقل إلى الاستصحاب، والاستصحاب لا محذور فيه من هذه الجهة، إذا كنت على يقين فشككت فابني على يقينك، لا تنقض اليقين بالشك، هذا الماء الذي خرج عن محل الابتلاء فعلاً كنا نعلم بطهارته ثم شككنا في طهارته ونجاسته نستصحب طهارته، حين الملاقاة حكمنا بالطهارة، الملاقي عندما لاقى هذا الإناء في وقت الملاقاة نحن نقول كنا على يقين فشككنا فنجري استصحاب الطهارة، ولما أجرينا استصحاب الطهارة في الملاقاة حكمنا بطهارة الملاقي، هذا المعنى لا محذور فيه فالحاصل إذاً أن الإشكال يكون في أصالة الطهارة نفسها لخصوصية فيها لا في الاستصحاب، ولهذا هو في الأخير قال بذلك يعني اعترف بجريان الاستصحاب.

هو أورد إشكال على أصالة الطهارة ثم قال: (إن ظاهر دليل قاعدة الطهارة هو الحكم بالطهارة عند تحقق الشك بحيث يكون ظرف الحكم بالطهارة هو ظرف فعلية الشك كما هو ظاهر قضية كل حكم وموضوع) ثم بعد كلام قال: (نعم، هذا الكلام لا يجري في مثل الاستصحاب إذ يلتزم فيه بأنه يتكفل جعل الحكم في الزمان السابق واللاحق كموارد الاستصحاب الاستقبالي ولذا يلتزم بجريانه في المعدوم بلحاظ وجوده السابق وتعلق الشك فيه) هو الآن فعلاً معدوم بلحاظ وجوده السابق كنا على يقين فشككنا نستصحب، (وعلى ما ذكرناه نقول: إنه إذا غسل الثوب بإناء مع الغفلة عن طهارته ونجاسته ثم انعدم وبعد ذلك حصل الشك فإن كانت الحالة السابقة للماء هي النجاسة جرى استصحاب النجاسة فيه وحكم بنجاسة الثوب المغسول به، وإن كانت الحالة السابقة له هي الطهارة جري استصحاب الطهارة فيه وحكم بطهارة الثوب المغسول به) [1]

هذا المعنى في الاستصحاب يأتي فنقول: عوداً على بدء أن إشكاله الذي وجهه على مثل المحقق العراقي والسيد الخوئي لا يجري وغاية ما يمكن أن تقوله إن أصالة الطهارة لا تجري ولكن استصحاب الطهارة يمكن جريانه بلا محذور فيعود كلام المحقق العراقي والسيد الخوئي على قوته، هذا تمام الكلام في الأمر الأول الذي أفاده المحقق صاحب الكفاية.

الأمر الثاني:

قال: بأنه لو تعلق العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي أو الطرف الآخر ابتداءً العلم الإجمالي بنجاسة إما الثوب أو الإناء (ب) لا نعلم بالملاقاة، أنا عندي الآن علم إجمالي أياً كان منشؤه بين إما أن الثوب نجس وإما الإناء (ب) نجس، بعد ذلك حصل عندي علم إجمالي ثاني هذا العلم الإجمالي تعلق بالملاقاة أن الثوب لاقى الإناء (أ) وأن الإناء (أ) أو الإناء (ب) نجس، فالعلم الإجمالي بين الملاقي وهو الثوب وبين الإناء (ب) والعلم الإجمالي الثاني بين الملاقى وبين (ب) ولكن الملاقى مع علمي بملاقاة الثوب للإناء (أ) وأن الإناء (أ) أو الإناء (ب) أحدهما نجس.

هنا صاحب الكفاية قال: بأن العلم الإجمالي الأول يتنجز، علمي بنجاسة إما الثوب أو الإناء (ب) يتنجز والأصول تجري تتعارض ويتنجز العلم، سواء على الاقتضاء أو العلية، لما تنجز العلم الآن وُجد علم جديد وهو: هل أن الإناء (أ) أو الإناء (ب) أحدهما نجس، هذا العلم الإجمالي الجديد لا يؤثر في (ب) لأنه هناك العلم الإجمالي منجز له فلا يؤثر في الإناء (ب) وإذا لا يؤثر فيكون الإناء (أ) الذي هو الملاقى يجري فيه الأصل بلا معارض.

فالنتيجة: أن الملاقى حكمنا عليه بالطهارة والملاقي حكمنا عليه بوجوب الاجتناب، هكذا أفاد.

هنا طبعاً يأتي كلا الوجهين المتقدمين فيما تقدم:

الوجه الأول: أنه لا يجب الاجتناب عن الملاقي ويجب الاجتناب عن الملاقى باعتبار أن العلم الإجمالي الأول انحل بالعلم الإجمالي الثاني الجديد، صحيح أنا كنت أعلم إجمالاً بنجاسة الثوب أو الإناء (ب) ولكن لما وُجد العلم الإجمالي بنجاسة إما الإناء (أ) أو الإناء (ب) ارتفع وانحل العلم الإجمالي الأول وتبدل العلم الإجمالي الأول، ولما تبدل يتنجز العلم الإجمالي الجديد الثاني فيلزم الاجتناب عن الإناءين (أ) و(ب) وأما الثوب فنشك في طهارته ونحاسته فنجري فيه أصالة الطهارة أو استصحاب الطهارة، يعني على عكس ما أفاده صاحب الكفاية.

الوجه الثاني: نقول مثلما قال صاحب الكفاية: العلم الإجمالي الثاني هو غير المنجز لأن المدار كما ذكرنا سابقاً في تنجيز العلم الإجمالي على حصول العلم قبل حصول العلم ليس لنا عمل في التنجيز، عليه نقول: بالنسبة إلى الثوب والإناء الثاني (ب) علمت إجمالاً بنجاسة أحدهما، هذا العلم الآن فعلي فالتنجيز يكون فعلياً، جريان الأصول في الأطراف فتتعارض وتتساقط وتنجز العلم، لما فيما بعد علمت بالملاقاة أنها حصلت قبل وعلمت بنجاسة الملاقى أو الطرف الآخر هنا لم يتبدل العلم يعني لم ينحل العلم الأول وبقي على ما هو عليه والآن وُجد عندي علم آخر وهو نجاسة الإناء الأول أو نجاسة الإناء الثاني، هذا العلم الإجمالي الآخر جاء بعد تنجز الطرف الثاني، إذاً الطرف الثاني متنجز ولا يتنجز مرة ثانية ولما لا يتنجز مرة ثانية نقول: العلم الإجمالي الثاني أحد طرفيه لا يجري فيه الأصل والطرف الآخر يجري فيه الأصل بلا معارض.

فإذاً العبرة والنكتة تصير هكذا: أولاً أن التنجيز يدور مدار تحقق العلم والعلم الثاني بنجاسة إما الملاقى أو الطرف الآخر لا ينجز الملاقى قبل تحققه، ثم النقطة الأخرى أنه لم يتحقق انحلال ولم يتحقق استبدال لو تحقق انحلال نعم نرفع اليد عن العلم الأول وجاء علم جديد، لا، العلم الثاني نفس العلم الأول مع إضافة، يعني علمت أولاً بنجاسة الملاقي أو الإناء الثاني الآن العلم الثاني علمت بنجاسة الملاقى والملاقي أو الطرف الآخر، النتيجة هكذا، فإذاً لم يُستبدل العلم فلا يوجب انحلال العلم الأولي، يعني العلم الإجمالي الثاني لم يوجب انحلال العلم الإجمالي الأول والعلم الإجمالي الأول منجز وتتعارض الأصول في أطرافه وتتساقط فالملاقى بالنسبة إلى العلم الإجمالي الثاني يجري فيه الأصل بلا معارض.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo