< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/06/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه الحادي عشر:المسألة الثانية: - توضيح:كان الكلام في المسألة الثانية وهي ما إذا كانت الملاقاة سابقة على العلم، وقلنا أنه توجد صورتان الصورة الأولى أن يكون زمان المعلوم بالإجمال وزمان الملاقاة واحداً، كما لو كان الثوب في الإناء الذي فيه ماء ووقعت قطرة الدم في أحد الإناءين، هذا الإناء الذي فيه الثوب والإناء الآخر ليس فيه إلا الماء، هنا زمان المعلوم بالإجمال وزمان الملاقاة واحد يعني وقت وقوع النجاسة في أحد الإناءين إن صادف هو الإناء الذي فيه الثوب فهنا تحققت النجاسة وتحققت الملاقاة في وقت واحد، وقعت النجاسة في هذا الماء والثوب ملاقي لهذا الماء، قلنا في هذه الصورة يوجد قولان، في القول الأول قول الشيخ الأنصاري والمحقق النائيني في عدم لزوم الاجتناب باعتبار أن الأصل الجاري في الثوب في طول الأصل الجاري في الماء والأصل الجاري في الماء الملاقى يتعارض مع الأصل الجاري في الإناء الآخر ويسقطان ويسلم الأصل الجاري في الثوب بلا معارض، والرأي الثاني رأي صاحب الكفاية وهو ما حاصله: أن العلم الإجمالي هنا في نفس الوقت يعني وقت علمي بالملاقاة هو وقت علمي بالنجاسة المعلوم بالإجمال مع الملاقاة متحد زماناً، فهنا العلم الإجمالي في أحدهما أو العلم الإجمالي بالنسبة إلى الملاقي أو الملاقى متحد غير مختلف، وبعبارة أخرى: أنه هنا لا نجري أن نقول هذا في مرتبة متأخرة أو ذاك ليس في رتبة متأخرة، أو بعبارة أوضح: هو أن الأصل الجاري في الماء في عرض الأصل الجاري في الطرف الآخر، والأصل الجاري في الثوب أيضاً في عرض الأصل الجاري في الطرف الآخر وإن هو في طول الماء الموجود في محله.

توضيح هذه الجهة: الآن عندنا الماء الذي فيه الثوب وعندنا الماء في الطرف الآخر، أصالة الطهارة في الماء الذي فيه الثوب في عرض الماء في الطرف الآخر، الأصلان يجريان يتعارضان ويسقطان، بالنسبة إلى أصل الطهارة في الماء الذي فيه الثوب مع أصالة الطهارة في الثوب هنا بينهما طولية، صحيح، ولكن الأصل الجاري في الثوب مع الأصل الجاري في الماء في الطرف الثاني لا توجد طولية لأن الطولية يعني في المرتبة والاختلاف في المرتبة وهو لا بد له من مناط وهذا المناط مثل السببية والمسببية أو مثل الموضوع والمحمول، بين الماء في هذا الإناء الذي فيه الثوب أصالة الطهارة فيه مع الثوب هنا توجد طولية يعني منشأ الشك في طهارة الثوب وعدم طهارته هو طهارة الماء الذي فيه الثوب وعدم طهارته فتوجد بينهما طولية سببية ومسببية، أما بين هذا الثوب الموجود في هذا الإناء مع الماء الموجود في الإناء الثاني لا توجد طولية، فإذاً لا يوجد هناك اختلاف في الرتبة فيكون في عرض واحد، فرأي صاحب الكفاية إذاً على هذا الأساس، أن هذا الأصل الجاري في الثوب يعارضه الأصل الجاري في الماء في الطرف الثاني وهو في عرضه وليس في طوله فلهذا يتنجز عنده العلم الإجمالي ويلزم الاجتناب.

الصحيح: هو ما ذهب إليه صاحب الكفاية ولكن يبتني ذاك على بيان أمرين إذا اتضح الأمران يتضح كلام صاحب الكفاية أنه هو الصحيح.

الأمر الأول: أن التقدم والتأخر الرتبي لا دور له في الأحكام الشرعية، له دور في الأحكام العقلية وله آثار في الأحكام العقلية، أما في الأحكام الشرعية لا دور في لاختلاف الرتبة تقدم رتبي أو تأخر رتبي لا دور له في الأحكام الشرعية، وذلك لأن هذا الحكم حكم عقلي لا وجود له في الواقع الخارجي مجرد في العقل نقول رتبة السبب متقدمة على رتبة المسبب العلة متقدمة رتبة على المعلول ولكن فتح الباب مثلاً على المفتاح الذي يفتح الباب هذه العلة مع المعلول زماناً واحد، هذا الاختلاف الرتبي فقط في العقل أما في الأمور الخارجية لا يوجد عندنا شيء نسميه اختلاف رتبة والأحكام الشرعية تترتب على الوجودات الخارجية ولا تترتب على الأحكام العقلية، إذا كان هناك اختلاف زماني هذا له وجود خارجي أما مجرد الاختلاف في الرتبة فهذا لا وجود له في الخارج ولا يترتب عليه أثر شرعي في الخارج، هذه جهة لا بد أن تلحظ في المقام.

الأمر الثاني: أن نسبة العلم الإجمالي إلى كلٍ منهما نسبة واحدة، يعني إلى الملاقي وإلى الملاقى نسبة واحدة، فرض المسألة أن هذا الإناء فيه ماء وفيه ثوب على فرض أن قطرة الدم وقعت فيه فالنسبة واحدة وعلى فرض محل الفرض أعلم إجمالاً إما بنجاسة هذا الإناء الذي فيه الثوب أو الإناء الثاني، هذا العلم الإجمالي نسبته إلى الماء الذي فيه الثوب وإلى الثوب نفسه نسبة واحدة لا توجد عندنا نسبتان ليس مع اختلاف الزمان كما سيأتي، الملاقى زمانا غير الملاقي يعني وقت نجاسة الملاقى يختلف عن وقت نجاسة الملاقي هناك سيأتي الكلام، الآن هنا النسبة واحدة إذا كانت النسبة واحدة فإذا يتنجز في الجميع وإذا لا يتنجز في الجميع يعني لا نرجح أحدهما على الآخر.

ويمكن أن نقول بتصوير آخر: أنه هنا يمكن أن نصور علمين إجماليين في الواقع عند التحليل نصور علمين إجماليين العلم الإجمالي الأول أعلم بنجاسة هذا الماء أو هذا الماء، هذا علم إجمالي أول، علم إجمالي ثاني أعلم بنجاسة هذا الثوب أو هذا الماء هذا علم إجمالي ثاني فإما أن نصور المسألة بعلم إجمالي واحد فنقول نسبة هذا العلم إلى الماء وإلى الثوب نسبة واحدة لأنهما في زمان واحد، قطرة الدم وقعت في الماء في نفس الوقت وقعت الملاقاة فالنسبة واحدة، أو أن نقول يوجد عندنا علمان إجماليان، علم إجمالي بالنسبة إلى الملاقى الماء مع الطرف الآخر أحدهما نجس والعلم الثاني الثوب الملاقي والماء في الطرف الآخر أحدهما نجس، هذا العلم الإجمالي الأول لا يرتبط بالعلم الإجمالي الثاني هذا يتنجز وهذا يتنجز فيمكن أن نقول بوجود علمين وكلا العلمين حصل في زمان واحد أيضاً ليس في زمانين مختلفين وبالنسبة إلى كل طرف نسبة واحدة فيتنجز العلمان الإجماليان، يمكن أن نقول بهذا.

إذا اتضح هذان الأمران أن الاختلاف في الرتبة لا دور له في الأمور الشرعية وأن النسبة واحدة وكون الزمان واحد يتضح ما أفاده صاحب الكفاية وهو لزوم الاجتناب عن هذا الطرف الملاقي لأنه إما أن يكون أحد طرفي العلم الإجمالي الأول نحن صورنا العلم الإجمالي واحد أو أن يكون أحد طرفي العلم الإجمالي الثاني أيضاً على كل التقديرين نقول هذا العلم الإجمالي منجز، وبهذا يتضح صحة كلام صاحب الكفاية ولزوم الاجتناب.

على هذا أيضاً يمكن أن نرفع الإشكال أو الاستدلال للمحقق العراقي كما هو معلوم أن مبناه في العلم الإجمالي هو العلية لا الاقتضاء يقول: العلم الإجمالي علّة في التنجيز بالنسبة إلى وجوب الاجتناب علّة بمجرد وجوده يجب الاجتناب عن طرفي العلم الإجمالي بنحو العلية لا بنحو الاقتضاء يعني لا نحتاج إلى جريان أصول وتعارض أصول وتساقطها، هنا المحقق العراقي يقول على مبناه يأتي كلام الشيخ الأنصاري والمحقق النائيني يعني لا يلزم الاجتناب وذلك: يقول: بأن العلم الإجمالي متى يكون منجزاً؟ حتى لو كان بنحو العلية؟ يكون منجزاً إذا لم يخرج أحد أطرافه عن التنجيز أو بعبارة أخرى: إذا كان منجزاً على كل تقدير هنا العلم الإجمالي منجز بنحو العلية، أما إذا كان أحد أطرافه خارج عن التنجيز فلا يكون منجزاً على كل تقدير فيمكن جريان الأصل في الطرف الآخر، تطبيق ذلك يقول: صوَّر علمين إجماليين مثلما صورناه في التصوير الثاني، يقول: عندي علم إجمالي أول وهو نجاسة هذا الماء الذي فيه الثوب أو نجاسة الطرف الآخر، هذا العلم الإجمالي الأول تنجز وأثَّر تنجيزه في الطرف الآخر لا يجري فيه الأصل ولا يجري الأصل في الماء، عندي علم إجمالي ثاني وهو نجاسة الثوب الملاقي أو الطرف الآخر هذا العلم الإجمالي الثاني غير منجز لأن الطرف الآخر خرج عن دائرة التنجيز بواسطة العلم الإجمالي الأول فالعلم الإجمالي الثاني لا يكون منجزاً على كل تقدير فإذا لا يكون منجزاً على كل تقدير تجري أصالة الطهارة في الثوب بلا معارض.

فالنتيجة: كما رآه الشيخ الأنصاري (قده) عدم لزوم الاجتناب الملاقي وهو الثوب في المثال، وعلى ما ذكرناه يتضح بطلان ما أفاده المحقق العراقي (قده) وذلك: لأننا قلنا بأن الاختلاف الرتبي لا دور له والتفكيك هنا اعتمد فيه المحقق العراقي على الاختلاف الرتبي بمعنى قال: بأن العلم الإجمالي الأول بين الملاقى الماء وبين الماء الثاني الطرف الثاني هو متقدم رتبةً وهو يكون منشأ لوجود علة إجمالي ثاني بين الثوب الملاقي وبين الماء فإذا جرى العلم الإجمالي الأول تنجز في الطرف الثاني، العلم الثاني لا يتنجز في الطرف الثاني يجري في الثوب الأصل بلا معارض، نحن قلنا بأن المدار على الاختلاف الزماني وليس المدار على الاختلاف الرتبي يعني هذا الاختلاف الرتبي بمرحلة أمور عقلية نعم، أما في الأمور الشرعية لا، فالعلمان الإجماليان وجدا في زمان واحد وإن كان هناك اختلاف في الرتبة، في الزمان الذي علمنا فيه إما نجاسة هذا الماء أو نجاسة هذا الماء في نفس هذا الزمان علمنا بنجاسة إما هذا الثوب أو هذا الماء فالتنجيز بالنسبة إلى الطرف الآخر أشترك فيه كلا العلمين ولا مرجح لأحدهما على الآخر ولا محذور أن يتوجه تنجيزان على منجز واحد في نفس الوقت بحيث كأنه يكون كل واحد منهما أحد أجزاء العلة، هذا النحو لا محذور فيه، والمحذور إذا هذا تنجز أولاً ثم نريد أن ننجزه ثانياً هنا يوجد محذور، أما أن يتوجه تجيزان على شيء واحد في نفس الوقت لا محذور فيه، علمت إجمالاً بوقوع قطرة الدم في هذا الإناء أو في هذا الإناء وفي نفس الوقت علمت إجمالاً بوقوع قطرة البول إما في هذا الإناء أو في طرف ثالث، هذا الإناء مشترك بين علمين، علمت إجمالاً بنجاسته بالدم وعلمت إجمالاً بنجاسته بالبول فلا محذور فيه، وهنا أيضاً من هذا القبيل أن العلمين وجدا في زمان واحد وبما أنهما وجدا في زمان واحد إذاً كلاهما منجز للطرف الآخر بما أنه منجز الطرف الآخر يعني جريان أصالة الطهارة في هذا يتعارض مع جريان أصالة الطهارة في الثوب ومع جريان أصالة الطهارة في الماء في الطرف الأول، فعليه: نقول أيضاً بلزوم الاجتناب ولا يأتي ما ذكره المحقق العراقي (قده).

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo