< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/05/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه العاشر:

التنبيه العاشر عند السيد الخوئي (ره) يختلف عن التنبيه العاشر الذي سنبدأ فيه، أما التنبيه العاشر الذي ذكره السيد الخوئي أمره واضح لا يحتاج لتنبيه، ولكن ملخصه: أنه يشترط في جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي ليتم فيما بعد التساقط أن يكون كل من الطرفين له أثر يترتب عليه، فإذا لم يكن في أحدهما أثر شرعي يترتب عليه فالآخر يجري بلا معارض، وهذا التنبيه في أثناء الكلام السابق مرَّ علينا لعله مراراً، يعني قاعدة عامة أن الأصل سواء كان في أطراف العلم الإجمالي أو ليس في أطراف العلم الإجمالي لا يجري إلا إذا كان هناك أثر يترتب عليه، فعليه: في أطراف العلم الإجمالي لو كان في أحدهما يوجد أثر يترتب عليه والآخر لا يوجد أثر فالذي فيه الأثر يجري بلا إشكال وبلا معارض، فلهذا لا نحتاج الإطالة في هذا التنبيه.

التنبيه العاشر:

الذي هو التنبيه الحادي عشر عند السيد الخوئي (ره)، هو أن العلم الإجمالي هل يتنجز فيما إذا كان بين الأصلين طولية بحيث يكون الأصل في أحدهما في طول الآخر وفي مرتبة متأخرة عن الأول أو لا؟ طبعاً ما تقدم من الكلام هو إذا كان الأصلان في رتبة واحدة أو في عرض واحد، مثل الأمثلة السابقة الكثيرة، علمت بنجاسة أحد الإناءين هنا أصالة الطهارة في هذا الإناء مع أصالة الطهارة في الإناء الآخر في رتبة واحدة ليس بينهما أي طولية، فعليه يأتي البحث بأن العلم الإجمالي في مثل المقام منجز لتعارض الأصول وتساقطها، وما تقدم كان يرتبط بهذا الكلام، والآن التنبيه في هذا: لو كان بين الأصول طولية، يعني الأصل الجاري في أحدهما في مرتبة متأخرة عن الأصل الجاري في الآخر، هل هنا يتنجز العلم الإجمالي أو لا؟

ويمكن أن نقول بعبارة أخرى: أحد طرفي العلم في طول الآخر ليس فقط الأصول فالأصول تابع، أحد طرفي العلم في طول الآخر، مثلاً علمت بنجاسة إما الماء أو التراب بنجاسة أحدهما وانحصر الأمر من حيث الطهارة فيهما في هذا الماء وهذا التراب، هنا علمت بالنجاسة يعني علمت بوجوب إما الوضوء أو التيمم، النتيجة هي هذه: لما علمت بنجاسة إما الماء أو التراب يعني علمت إما بوجوب الوضوء أو التيمم، أحد الطرفين وهو التيمم في رتبة متأخرة عن الوضوء، باعتبار أنه أُخذ في موضوع التيمم عدم وجدان الماء، [فلم تجدوا ماءً فتيمموا] فأُخذ في رتبة أخرى، هنا الآن هل نجري أصالة الطهارة في الماء وفي التراب ويتنجز العلم الإجمالي أو نقول أصالة الطهارة تجري في الماء بلا معارض لأنها في مرتبة متقدمة على أصالة الطهارة في التراب؟ التنبيه في هذا البحث.

طبعاً يمكن أن تُذكر بعض الأمثلة الأخرى، مثلاً لو علمتُ بوجوب إما الحج أو أداء الدين، أداء الدين طبعاً إذا هو واجب فعلي ومطالَب به من الدائن وقد حلَّ الأجل، فهو مقدم على الحج يعني بعبارة أخرى لا يكون المكلف مستطيع إذا كان هذا الدين الموجود بمقدار استطاعتي على الحج فإذا أديت الدين لا أستطيع وهو يطالبني به وهو حالٌّ فهنا أؤدي الدين ولا أكون مستطيعاً على الحج، ولو فرضنا أن الدين ليس حالّاً أو لا يطالب به وجعلني في سعة، وأيضاً بعد أن أذهب إلى الحج لا أقع في حرج فيمكن فيما بعد أن أؤدي الدين بلا أي حرج، هنا نقول يجب عليك الحج، الكلام فيما لو دار الأمر بينهما، هل الآن يجب الحج أو يجب أداء الدين؟ مثلاً نفترض من باب المثال، لو كان الدين حالّ ولكن شككت في مقدار الدين هل هو ألف دينار مثلاً أو ألفا دينارٍ؟ إذا كان الدين بمقدار ألفين أؤدي الدين ولا أستطيع الحج، وإذا كان بمقدار ألف أستطيع أن أؤدي الدين والألف الأخرى تكفي للحج، فهنا دار الأمر يجب الحج أو يجب أداء الدين أو لا؟ ولكن الحج في مرتبة متأخرة يعني إذا أديت الدين ولم أستطع الحج انتفى موضوع الحج، وإذا أجريت الأصل فيه يمكن فيما بعد ذلك يأتي دور الحج، فهنا أيضاً يقع الكلام هل نجري الأصل في الدين لحاله أو الأصل هنا يتعارض مع الأصل هناك؟

المهم يمكن أن يوجد الباحث أكثر من مثال لهذا التنبيه، الآن نرجع إلى تنبيهنا ومثالنا السابق وهو أن التيمم في رتبة متأخرة عن الوضوء، إذا أنا أجريت أصالة الطهارة في الماء وحكمت على الماء بالطهارة الآن ينتفي موضوع التيمم لأن التيمم يأتي فيما لو لم أجد الماء فإذا أنا أجريت الطهارة في الماء حكمنا على هذا الماء بالطهارة يجب الوضوء، فهنا يمكننا القول بهذا: إن جريان الأصل في الطرف ذي الرتبة المتقدمة لا يعارضه الأصل الآخر لأن جريان أصالة الطهارة في الماء والحكم بطهارة الماء يرفع موضوع التيمم، فلا يبقى موضوع للتيمم، والحكم بالنجاسة في التيمم نقول هنا لا أثر له فيمكن أن نطبق ما ذكرناه في البدء على المقام، الآن لما وقعت النجاسة إما في الماء أو في التراب هنا الحكم بنجاسة الماء يعني لو وقعت النجاسة في الماء هنا لا يجوز لي الوضوء من هذا الماء، هذا أثر، ولو وقعت النجاسة في التراب الآن تقول لا يجوز التيمم، نقول: عدم جواز التيمم ليس ناشئاً من وقوع النجاسة في التراب وإنما هو ناشئ من وجود الماء -وجود الطهارة المائية- على فرض أن النجاسة وقعت في التراب تقول لا تتيمم يعني الماء طاهر، عدم جواز التيمم لماذا؟ لوجود الماء، والتيمم في مرحلة فقدان الماء، ولا نقول عدم جواز التيمم لسقوط النجاسة فيه لا معنى له، فإذاً وقوع النجاسة في الماء له أثر، نقول: من جهة لا يجوز الوضوء منه ومن جهة يجب التيمم، فوقوع النجاسة في الماء له أثر وهو أنه لا تتوضأ منه وأيضاً يجب التيمم من التراب، فإذاً أصالة الطهارة لها أثر، أما وقوع النجاسة في التراب ليست لها أثر، أصالة الطهارة لا أثر لها، فعليه: نقول بأن في مثل هذا الفرض فعلاً أصالة الطهارة في الماء بلا معارض ولا تعارضها أصالة الطهارة في التراب، نعم هذا متى يكون؟ يكون في الفرض الذي نفرضه فعلاً بأن الأثر الوحيد للتراب هو التيمم فعلاً انحصرت الطهارة في هذا الماء وفي هذا التراب، والتراب لا أثر آخر له غير التيمم، هذا الذي ذكرناه يأتي.

لو فرضنا أن التراب له أثر آخر غير التيمم كالسجود عليه، هو انحصر الأمر في الماء والتراب وليس عنده ما يصح السجود عليه إلا هذا التراب هنا صار عندي أثر ثاني للتراب وهو السجود، الأصل الجاري في التراب أصالة الطهارة حتى نرتب جواز السجود هذا الأصل في عرض أصالة الطهارة في الماء وليس في طوله، فرق بين السجود على التراب وبين التيمم، التيمم أُخذ فيه عدم وجدان الماء بهذا الشرط [فلم تجدوا ماءً فتيمموا] أما بالنسبة إلى السجود ما أُخِذَ فيه عدم وجدان الماء، فعليه: أصالة الطهارة في الماء تتعارض مع أصالة في التراب من حيث السجود، فهنا افترق الحال، لما صورنا وجود الأثر الآخر في التراب قلنا بجريان الأصل فيه ويعارضه أصالة الطهارة في الماء.

هنا طبعاً تخرج عن محل بحثنا، لأن محل بحثنا أصل الفرض أن يكون هناك ترتب وهناك رتبية بين هذا الأصل وبين هذا الأصل، في الفرض الثاني نرجع إلى نفس كلامنا السابق أنه لا توجد أي رتبية، ولكن هنا يأتي فرع يترتب على هذا، الآن إذا فرضنا أنه يجري الأصل في الإثنين، هل في مثل هذا المقام إذا فرضنا تعارض الأصول وتنجيز العلم في مثل هذا الفرض الآن ما هي وظيفة المكلف؟ العلم الإجمالي تنجز ولم نجرِ أصالة الطهارة في الماء ولا أصالة الطهارة في التراب، هل وظيفته وظيفة فاقد الطهورين؟ الآن لا يستطيع الوضوء ولا يستطيع التيمم، أو أن وظيفته الجمع بينهما؟ يعني يتيمم ويتوضأ، ما هو الصحيح؟ هنا احتمالان احتمال أن نقول فاقد الطهورين واحتمال أن نقول نجمع بينهما، ولكن الآن نأتي إلى واحد واحد.

إذا أتينا إلى الجمع بينهما، قلنا ما هو المحذور في أن نقول بلزوم الجمع بينهما حتى يتيقن بالطهارة الواقعية؟ لأنه يجب عليه الوضوء ويجب عليه التيمم لأنه في الواقع إما مطالب بوضوء أو تيمم وقد جمع بينهما، ما هو المحذور في ذلك؟ المحذور المحتمل اثنان:

المحذور الأول: أن هذا تشريع، يأتي بالوضوء ويأتي بالتيمم لا يجوز له الجمع لكونه تشريعاً، وإما يجب عليه الوضوء وإما تيمم، أما أنه يجمع بينهما معاً فهذا تشريع، نقول: هذا المحذور غير صحيح لأن التشريع يحتاج إلى الإسناد وهو أن تسند إلى الشارع ما ليس عند الشارع أو ما لم يقل به الشارع أو ما لم تعلم أنه قال به الشارع، أُسند وأقول قال الشارع كذا، هنا الفرض هذا سيأتي به احتياطاً يعلم أن الواقع أحد الإثنين ولكن آتي بالوضوء وآتي بالتيمم لإدراك ذلك الواقع، مثل سائر الموارد الاحتياطية، في بعض الموارد في التيمم تقول مثلاً توضأ وضوء جبيرة وتيمم، فالمهم في مثل هذه الموارد الي يؤتى بها احتياطاً لا يعد تشريعاً، فإذاً هذا المحذور مرتفع.

المحذور الثاني: نقول بأنه إذا توضأ وتيمم فهنا ينجس بدنه وإذا نجس بدنه أيضاً يترتب عليه الصلاة في النجس، فلهذا نقول لا تتوضأ حتى لا تنجس بدنك، هذا أيضاً لا يصلح أن يكون مانعاً لأن التنجس هنا سيكون على فرض أنه صادف الواقع من الماء، يعني ليس عنده قطع بحصول النجاسة، وهذا بحث يرتبط بتنبيه آخر سيأتي إن شاء الله، وهو أن ملاقي أحد أطراف الشبهة هل يُحكم عليه بالنجاسة أو لا؟ إذا لاقى كلا طرفي الشبهة كلا المائين نقول تنجس يقيناً، أما إذا لاقى أحد الأطراف فهنا هل نحكم عليه بالنجاسة أو لا نحكم؟ هذا سيأتي، إذا قلنا هناك بأن ملاقي أحد أطراف الشبهة لا يستلزم التنجيس فهنا هذا المحذور يرتفع، المحذور من الوضوء لأن التنجيس لا يتصور من التراب حتى نقول لاقى الإثنين فهو يتصور من الماء فإذا تصور من الماء فنقول هذا أحد طرفي الشبهة لا يقطع بتحقق التنجيس فعليه: هذا المحذور يرتفع، فبما أنه يشترط في الصلاة أن يؤتى بها عن طهارة والطهارة اليقينية تتوقف على الجمع بينهما ولا محذور في الجمع بينهما فنقول هنا بالجمع ولا يترك كلا الأمرين، وللحديث بقية

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo