< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/05/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه التاسع:

كان الكلام في التنبيه التاسع، وهو فيما إذا كان أحد أطراف الشبهة خارجاً عن محل الابتلاء، فهل يوجب ذلك عدم تنجيز العلم الإجمالي أو لا؟

وقبل الدخول في أصل البحث نقدم تمهيداً يشتمل على عدة نقاط.

النقطة الأولى: وهي أن من شرائط منجزية العلم الإجمالي بقاء الخطاب على فعليته في كل واحد واحد من الأطراف بحيث يكون كل واحد من الأطراف مستجمعاً للشرائط العقلية، فلو حصل مثلاً مانع عن الفعلية قبل حصول العلم فهذا العلم لا يكون منجزا، وهذه الجهة واضحة مما تقدم.

النقطة الثانية: أن من المسلمات عندهم أن القدرة مأخوذة شرطاً في التكليف وإن اختلفوا في نحو الأخذ هل أنه بدليل العقل والعقل يقتضي ذلك لأنه يرى قبح تكليف العاجز، أو من نفس اقتضاء الخطاب هناك اختلاف بين المحقق النائيني من جهة والمشهور من جهة أخرى، ولكن أصل اشتراط القدرة هذا لا إشكال فيه بحيث إنه لا يكون هناك تكليف مع عدم وجود القدرة.

فعليه: إذا دار الأمر بين طرفين أحدهما مقدور والآخر غير مقدور هنا نقول العلم الإجمالي لا يكون منجزاً لأن غير المقدور لا تكليف فيه يقيناً، وبالنسبة إلى المقدور نشك في حدوث التكليف فيه فلهذا يكن مجرى لأصالة البراءة، هذا واضح.

النقطة الثالثة: أن القدرة تتصور على ثلاثة أنحاء، قدرة عقلية وقدرة عادية وقدرة عرفية، طبعاً في قبال تقسيم آخر قدرة عقلية وقدرة شرعية وذاك ليس محل بحثنا، التقسيم هكذا.

القسم الأول: قدرة عقلية في مقابلها الامتناع العقلي وهنا ليس بالضرورة أن يمتنع عقلاً كامتناع اجتماع النقيضين، بعضهم قد يمثل لهذه القدرة بما لو كان بينه وبين الطرف مثلاً بحر لا يمكنه أن يقطعه وليست عنده وسيلة لتجاوزه، هذا اعتبره أيضا من جملة الداخل في عدم القدرة، المهم عندنا قدرة عقلية وهي في قبال الامتناع العقلي وهي رافعة للتكليف بلا إشكال يعني هي شرط في التكليف وعدمها رافع للتكليف بلا إشكال.

القسم الثاني: القدرة العادية وهي أقل من القدرة العقلية يعني هو عقلاً مقدور ولكن عادةً هذا الأمر غير مقدور والمثال الذي ذكرناه يصلح أن يكون للقدرة العادية، فالقدرة العادية بهذا المعنى فلو خلي العقل ونفسه لا يرى استحالته ولكن بحسب العادة لا يمكن، طبعاً لما يذكروه في المباحث الفلسفية قد يذكرون كتمثيل له الطيران بالنسبة إلى الإنسان فهو ممكن عقلاً لا يوجد مانع عقلي ولكن عادة غير موجود، فهذه قدرة عادية وهي أيضاً مأخوذة في التكليف يعني لو لم تكن هناك قدرة عادية عند المكلف لا يكون مكلفا بهذا الأمر.

القسم الثالث: القدرة العرفية وهي تكون أقل يعني مقدور عقلاً ومقدور عادةً ولكن عرفاً غير مقدور بمعنى أن يكون فيه نحو من المشقة يحتاج إلى مؤونة يتكلف فيها الإنسان للذهاب وتهيئة الأمور ونحوها، فهنا عرفاً يقولون غير مقدور.

ومحل البحث هنا يرتبط بالقدرة العرفية بمعنى كون الشيء خارجاً عن محل الابتلاء هو مقدور عقلاً ومقدور عادةً ولا شبهة فيه من هذه الجهة وإنما هو عرفاً غير مقدور العرف يقول هذا غير مقدور بالنسبة إلى هذا المكلف وفيه نحو من المشقة، هذه القدرة العرفية هل أُخذت في التكليف أو لم تؤخذ في التكليف؟ يعني هل إذا كان الطرف خارجاً عن محل الابتلاء نقول بأنه غير مكلف به يقيناً؟ وبالنسبة إلى الطرف الداخل تحت الابتلاء يشك في حدوث التكليف فيه فيجري فيه البراءة أو لا؟

النقطة الأساس فيه أنه هل نشترط القدرة العرفية أو لا؟

الملاحظ في كلماتهم أنهم لما بحثوا هذا البحث جعلوه مستقلاً عن شرط القدرة حتى لا يتوهم دخول هذا البحث في شرط القدرة الذي هو قطعاً من شرائط التكليف فلهذا نقول إذا ندخله في خصوص القدرة العرفية أما القدرة العقلية والعادية فلا، فهذا البحث عنه منحاز عن البحث في المقدور وغير المقدور، يعني يبحثون إذا كان أحد أطراف الشبهة مقدور والآخر غير مقدور هناك لا إشكال عندهم يقولون بالنسبة إلى غير المقدور لا تكليف فيه يقينا وبالنسبة إلى المقدور نشك في حدوث التكليف فيه، الآن بحث آخر إذا خرج عن محل الابتلاء بعد فرض القدرة خرج بعض الأطراف عن محل الابتلاء هل نقول نفس الكلام الذي قلناه في المقدور؟ بمعنى أن الخارج عن محل الابتلاء لا تكليف فيه يقيناً وبالنسبة إلى الداخل في محل الابتلاء نشك في حدوث التكليف فيه أو لا؟

النقطة الرابعة: أن عنوان الخروج عن محل الابتلاء لا بد أن يلاحظ كعنوان مستقل من دون أن يدخل فيه عنوان الحرج مثلاً أو هنوان آخر من العناوين الثانوية التي ترفع التكليف، إذا لزم منه الحرج فنفس دليل لا حرج هو ينفيه لا كلام لنا في ذلك، وعنوان الحرج لا يرتبط بدخوله في محل الابتلاء أو في خروجه عن محل الابتلاء، يعني ربما يكون الداخل ي محل الابتلاء استعماله حرجي مثلاً من باب المثال لو كان في شدة البرد وفي أول الفجر وعنده ماءان أحدهما بارد جداً والآخر يمكن الاغتسال به، هنا الماء البارد جدا ً فيه مشقة وفيه حرج ومع أنه داخل في محل الابتلاء، في مثل هذا المورد الآن لا نتكلم بل نتكلم فينا إذا خرج عن محل الابتلاء فقط، ولو عبرنا بالقدرة العرفية فيها مؤونة أو مشقة فلا تصل إلى درجة الحرج الرافع للتكليف، فإذاً هذه النقطة لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار، تقول هذا يلزم منه الحرج وذاك لا، بل فيه نحو من المشقة.

إذا اتضحت هذه النقاط التمهيدية الآن ندخل في محل البحث.

محل البحث: أن يخرج أحد أطراف الشبهة عن محل الابتلاء كما قد يُمثَّل بأنه دار الأمر بين حرمة أو نجاسة هذا الإناء الموجود عندي أو الإناء الموجود في أطراف الصين فعقلاً هذا مقدور وعادة أيضاً مقدور ولكن عرفاً يحتاج إلى مشقة حتى يكون تحت ابتلائي لو كان هناك داعٍ إلى أخذه وجلبه واستعماله فيكون فيه نوع من المشقة لا تصل قلنا إلى درجة الحرج، في مثل هذا المورد هل نقول بأن الخارج عن أطراف الشبهة لا تكليف فيه يقيناً بالنسبة لي؟ وما هو داخل تحت الابتلاء مشكوك فيه أو لا؟

هنا من خلال كلماتهم يتضح عندنا أن في المسألة ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن العلم الإجمالي هنا لا يكون منجزاً مطلقاً ونقصد بالمطلق يعني في الشبهة الوجوبية والشبهة التحريمية يعني إذا دار الأمر بين وجوب شيئين وخرج أحدهما عن محل الابتلاء أو كان في الشبهة التحريمية، العلم الإجمالي لا يكون منجزاً، وهذا هو صريح كلمات المحقق النائيني (ره) أن العلم الإجمالي هنا لا يكون منجزاً.

القول الثاني: على عكس الأول، يعني العلم الإجمالي منجز سواء كان في الشبهات الوجوبية أو كان في الشبهات التحريمية، وهذا الذي يظهر من كلمات المحقق الآخوند (قده).

القول الثالث: هو التفصيل بين الشبهات التحريمية فالعلم الإجمالي غير منجز وبين الشبهات الوجوبية فالعلم الإجمالي فيها يكون منجزاً، وهذا الذي يظهر من كلمات المحقق النائيني في إشكاله على الآخوند وربما يستظهر أيضا من كلمات الشيخ الانصاري فالشيخ الأنصاري (قده) ما ذكره كان يرتبط بالشبهات التحريمية والمحقق الآخوند قال هذا الملاك يسري في الشبهات الوجوبية، فإذاً يظهر من كلمات المحقق الشيخ الأنصاري (قده) يظهر أن البحث في خصوص الشبهة التحريمية وبعضهم نسب له ذلك صريحاً، والآخوند وسع الدائرة.

أما بالنسبة إلى قول الشيخ الذي هو الأساس في هذا البحث لما تعرض له في التنبيه الثالث كما ذكرنا، يقول بأنه إذا خرج أحد الأطراف عن محل الابتلاء في الشبهات التحريمية هنا لا تكليف فيه يقيناً وبالنسبة إلى الطرف الموجود نشك في حدوث التكليف فيه، هو ساق عدة أمثلة قد بعضهم يناقش في بعض الأمثلة والآن لا شأن لنا بالمثال.

الدليل الذي أفاده الشيخ: يقول بأن التكليف بالنسبة إلى الطرف الخارج عن محل الابتلاء أشبه ما يكون لغواً لأن المكلف في نفسه لا يوجد عنده داعٍ لفعله يعني إذا دار الأمر بين الإناء الموجود عندي أو الإناء الموجود في الصين أو عند السلطان ما عند المكلف داعٍ أن يذهب ويحاول أن يحصل هذا الإناء الموجود في الصين أو عند السلطان، إذاً هذا لما كان خارج عن محل الابتلاء لا يوجد عند المكلف داعٍ إلى فعله فهو تارك له بطبعه فالشارع يقول له يحرم عليك هذا الإناء هنا يكون لغواً أو قبيحاً، نفس هذا الخطاب صدوره يكون قبيحاً والشارع منزه عن ذلك، إذاً لا يوجد تكليف فيه، من باب الأمر به أو النهي عنه يكون من باب تحصيل الحاصل لأنه أساساً هو تارك له ولا يوجد عنده داعٍ له فكيف يقول له افعل أو اترك، ففي مثال الشيخ الترك فيقول له اترك هذا الإناء الذي أنت تارك له ولا يوجد عندك أي داعٍ لفعله، صدور هذا المعنى من الشارع يكون قبيحاً فلا يمكن فإذاً لا تكليف فيه وبالنسبة إلى الطرف الموجود يكون فيه تكليف، وبعبارة السيد الخوئي (ره) لتقريب كلام الشيخ الأنصاري يقول هنا الأمر يرجع إلى عدم المقتضي لا لوجود المانع يعني الشارع عندما ينهى المكلف عن الفعل يوجد المانع في نفسه عن فعله يوجد الرادع عن فعله فهو يوجد المانع، مرتبة المانعية بعد مرتبة الاقتضاء، في المقام لا يوجد مقتضي أصلاً لفعله فكيف توجد المانع لأمر لا يوجد فيه مقتضٍ، فهذا أمر يكون فيه القبيح ومن باب تحصيل الحاصل طبعاً القبيح بالنسبة إلى الشارع يستحيل صدوره منه، لهذا الشيخ في الشبهات التحريمية بأن الخروج عن محل الابتلاء يمنع من تنجيز العلم الإجمالي.

وبصياغة أخرى نقول: إن التكليف يكون مشروطاً بشرط القدرة العرفية أيضاً كما أنه مشروط بالقدرة العقلية والعادية يكون مشروطاً بالقدرة العرفية، هذا تمام كلام الشيخ (قده) وللحديث بقية إن شاء الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo