< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/04/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه الثامن، المقام الثاني:
كلام الشيخ الوحيد (حفظه الله) في المقام:

كان الكلام في المقام الثاني وهو ما إذا اضطر المكلف إلى أحد أطراف الشبهة غير المعين، وقلنا في هذا المقام عندنا قولان: القول الأول ما اختاره الشيخ (قده) وتبعه عليه المحقق النائيني (قده) وهو تنجيز العلم الإجمالي، والقول الثاني: قول المحقق صاحب الكفاية (قده) وهو عدم التنجيز للعلم الإجمالي، واستدل على ذلك بما ملخصه: أن الترخيص الواقعي لا يجتمع مع الحرمة الواقعية، باعتبار أنه يمكن أن ينطبق الحرام الواقعي على ما يختاره، فلا يكون محرماً عليه والآخر يجري فيه الأصل بلا معارض، فكأنه هكذا يقول: بعد أن نوجد منافاة بين الترخيص وبين الحرمة الواقعية ومن المقطوع به تحقق الترخيص لأجل الاضطرار فمعناه أن الشارع جعل الترخيص في حالة الاضطرار إذاً رفع اليد عن الحرمة الواقعية، كأنه الكلام يرجع إلى هذا.

وذكرنا إشكال السيد الخوئي (ره) عليه، وحاصله: أن هذا الكلام إنما يتم فيما إذا كان الترخيص واقعياً فالحرمة الواقعية لا تجتمع مع الترخيص الواقعي تتنافى معه متضادان، أما إذا كان الترخيص ظاهرياً فلا منافاة بين الحرمة الواقعية والترخيص الظاهري، ولذلك نرى أن في الشبهات البدوية الشارع حكم بالبراءة – رفع ما لا يعلمون- مع احتمال أن يكون هو حرام في الواقع، ولهذا أيضا بحثوا بحث الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري، فإذاً الترخيص الظاهري لا يتنافى مع الحرمة الواقعية وما نحن فيه الترخيص ظاهريٌ يعني هو رُخص له أن يطبق في حال الاضطرار على الأول أو على الثاني، هذا الترخيص ترخيص ظاهري فلهذا لا منافاة، هذا ما أفاده السيد الخوئي (ره).

الشيخ الوحيد (حفظه الله) عنده تعليق هنا على ما أفاده السيد الخوئي (ره):

هذا التعليق يتضح من خلال معرفة الترخيص في هذا المقام، الترخيص هنا فيه احتمالات أربعة: أن يكون الترخيص تعييني والاحتمال الثاني أن يكون الترخيص تخييري والاحتمال الثالث أن يكون الترخيص واقعي والاحتمال الرابع أن يكون الترخيص ظاهري، فما هو الترخيص في المقام؟ أي من هذه الأقسام؟

دعوى المستشكل أن الترخيص هنا ظاهري، ولهذا قال بأنه لا يتنافى الترخيص الظاهري مع التحريم الواقعي، فلهذا هنا يقع السؤال، هذا الترخيص الظاهري الشرعي لا يخلو أمره إما أن يكون تخييرياً وإما أن يكون تعيينياً، أما بالنسبة إلى الترخيص الظاهري التخييري فنقول هذا الترخيص التخييري مثله مثل سائر الأحكام الظاهرية يحتاج إلى دليل إثباتي في مقام الإثبات لا بد من أن يكون هناك دليل يدل عليه، في مقام الثبوت نحتمل لا مانع من ذلك ولكن في مقام الإثبات لا بد وأن يوجد دليل يدل على هذا الترخيص التخييري، مثله مثل ما ذُكر في بحث التعارض ففيه القاعدة الأولية هي التساقط ثم يبحثون في القاعدة الثانوية، إذا لم يوجد المرجح لأحد الدليلين على الآخر هنا قولان: أحد القولين يقول بالتخيير استناداً إلى ما ورد بأيهما أخذت من باب التسليم كان صواباً، فهنا عندنا الدليل قائم على هذا التخيير، في المقام أيضا إذا تختار أن الترخيص هنا تخييري لا بد أن يوجد دليل خاص يدل على هذا التخيير حتى نقول حكم شرعي ظاهري تخييري، ولا يوجد عندنا هذا الدليل الدال على التخيير، فإذاً هذا الاحتمال وهو الترخيص التخييري مرتفع.

أما الاحتمال الثاني: وهو أن يكون التخيير تعيينياً فهنا نقول: بأن الأحكام الشرعية جميعها سواء كانت تكليفية إلزامية أو كانت تخييرية جميع الأحكام لا بد أن تكون هذه الأحكام مما يترتب عليها الأثر بمعنى أنها جُعلت لترتيب الأثر عليها، يعني مثلاً الوجوب جُعل الحكم بالوجوب لأجل إحداث الداعي في نفس المكلف للإتيان بالعمل فيقول له الشارع صلِّ ليحدث الداعي في نفسه وينقاد ويأتي بالعمل، التحريم مثلاً جُعل لإحداث الزاجر في نفس المكلف حتى يرتدع عن العمل، أيضاً الأحكام الترخيصية الحكم بالإباحة أو الحلية هنا أيضاً يكون الأثر هكذا أن يكون المكلف في سعةٍ من حيث العمل يريد أن يأتي بالعمل أو لا يريد أن يأتي بالعمل، هكذا جميع الأحكام الشرعية لها أثر عملي بهذا النحو الذي قلناه، عليه: بعد هذه المقدمة الآن الاحتمال أن الترخيص هنا ظاهري تعييني هذا التعيين أحد أمرين إما أن يكون التعيين قبل الاختيار وإما أن يكون التعيين بعد الاختيار كأنك تقول أنت مخير ترخيص ولكن هذا الترخيص تعيين التعيين قبل الاختيار أو بعد الاختيار، إن كان قبل الاختيار فهنا تعيين أحدهما بعينه ترجيح بلا مرجح لأن الطرفين متساويان وأنت تقول أنت مخير ولكن بنحو التعيين أن تختار هذا الفرد بخصوصه، هذا الفرد بخصوصه ترجيح بلا مرجح، إذا قلت إنه التعيين هنا للفرد المردد، الفرد المردد حقيقة لا واقع لها لا ماهية له، مفهوم الفرد المردد واضح ولكن نفس الفرد المردد الفرد يعني مساوق للوجود الخارجي الوجود الخارجي يكون مرددا بين هو وغيره لا يكون، فإذاً الفرد المردد مستحيل، فإذا كان الفرد المردد مستحيل وتعيين أحدهما بالخصوص ترجيح بلا مرجح فيكون الترخيص التعييني باطل بهذا البرهان، طبعاً إضافة لا نغفلها، التعيين لأحدهما المعين ترجيح بلا مرجح والتعيين لكليهما يعني الترخيص بأن تفعل هذا وتفعل ذاك هذا يتنافى مع العلم الفرد المردد لا واقع له، فإذاً التخيير التعييني قبل الاختيار باطل بهذا البرهان.

التخيير التعييني بعد الاختيار: نقول بعد الاختيار لغو، لأنه فعل الفعل واختار وانتهى الآن تقول له أنت مخير بنحو التعيين هذا لغو، فأيضاً بما أنه لغو يكون باطلاً.

فالنتيجة: الترخيص الظاهري المدعى إما أن يكون ترخيص تخييري فيكون يحتاج إلى دليل إثباتي ولا دليل عليه، وإما أن يكو الترخيص تعييني فهذا التعيين قبل الاختيار باطل بالبرهان وبعد الاختيار باطل لأجل اللغوية، فإذاً الحكم الظاهري للترخيص باطل بجميع أنحائه فدعوى المستشكل بأن الترخيص هنا ظاهري لا يستند إلى دليل بل الدليل على خلافه، فيعود كلام المحقق صاحب الكفاية على قوته.

طبعاً أيضا نلتفت إلى شيء: الآن صاحب الكفاية يقول بأن الترخيص هنا واقعي وليس ترخيصاً ظاهرياً فإذا كان الترخيص واقعي يعني أن المكلف يعلم بعدم المانع شرعاً بالنسبة لأحدهما وأن الشارع بسبب هذا الاضطرار جعل الترخيص للمكلف وبما أنه جعل الترخيص للمكلف وهو يتنافى مع الحرمة الواقعية معنى ذلك أنه رفع يده عن الحرمة الواقعية الموجودة في البين، فيجري الأصل بلا معارض أو نقول لا يتنجز هذا العلم الإجمالي فهو غير منجز، هذا حاصل ما أفاده الشيخ الوحيد (حفظه الله).

هنا يمكن أن نقول: بأن الشيخ الوحيد (حفظه الله) في هذا المقام أغفل نقطة وهي الحكم العقلي للترخيص، يعني صب نظره على الحكم الشرعي، قال حكم شرعي السيد الخوئي قال ظاهري فجاءت هذه التفاصيل الحكم الظاهري تعييني تخييري قبل الاختيار بعد الاختيار وهكذا، أما لو صورنا الحكم العقلي للترخيص، الحكم العقلي لا يتنافى مع الحرمة الشرعية يعني عندنا حرام شرعي نعلم بوجود الحرام في أحد الإناءين وهناك ترخيص عقلي هذا الترخيص العقلي يقول أنت مرخص لك أن تأتي بهذا أو تأتي بذاك، بعبارة أصح نقول: العقل يقول أنت معذور في ارتكاب أحدهما، هذا العذر المعذورية فيه معذورية عقلية والذي ينبغي أن يقع الكلام فيه هل هناك منافاة بين هذه المعذورية العقلية وبين الحرمة الشرعية الواقعية أو لا توجد منافاة؟ المحقق صاحب الكفاية جعل المنافاة بين الحرمة الشرعية وبين الترخيص الشرعي ولهذا يأتي الظاهري الواقعي إلى آخره، إذا قلنا عندنا حكم عقلي وهو أن المكلف معذور في ارتكاب الفرد المضطر إليه وإن صادف الواقع، إذاً عندنا حكم عقلي هو المعذورية هذا الحكم العقلي ليس من جنس الحكم التكليفي حتى نقول يتنافى مع الحكم الشرعي أو لا يتنافى ليس من مقولة الحكم بهذا المعنى وإنما يقول أنت في عذر لو أتيت بالمضطر إليه وصادف الواقع هل هناك منافاة بين المعذورية العقلية وبين الحكم الشرعي بالحرمة؟ نقول لا توجد منافاة، الشارع يقول بأنه يحرم عليك شرب النجس، الآن ليس هذا النجس بما هو نجس الآن لا نعلم به يحرم عليك شرب النجس والعقل يقول أنت معذور حال الاضطرار في أن تأتي بأي فرد، هذه المعذورية التي هي حكم عقلي لا تتنافى مع الحكم الشرعي، لب إشكال المحقق صاحب الكفاية هو إثبات المنافاة، لما قال الترخيص موجود قطعاً والترخيص يتنافى مع الحكم بالحرمة إذاً الشارع رفع يده عن الحرمة، أما إذا قلنا الشارع على ما هو عليه يحرم شرب النجس لم يرفع اليد عنه والعقل يقول للمكلف في حالة الاضطرار أنت معذور في ارتكاب أي الطرفين شئت، هذا الحكم العقلي بالمعذورية لا يتنافى مع الحكم الشرعي بالحرمة وإذا لا يتنافى معه أساس الاستدلال يرتفع يبقى الحكم الشرعي متنجز في الطرف الآخر، المعذورية من ناحية العقل لأحد الطرفين الذي يرتفع به العذر والباقي على ما هو عليه، فلا يتقوى كلام المحقق صاحب الكفاية ربما نقول بهذا.

ثم نضيف إلى ذلك بأنه لو قلنا بأن الترخيص حكم شرعي وليس حكماً عقلياً، يعني الترخيص في حالة الاضطرار حكم شرعي وعندنا حكم شرعي بحفظ النفس الشارع يقول يجب عليك حفظ النفس شرعاً، ولكن وجوب حفظ النفس شرعاً لا يتوقف على شرب النجس بعينه يعني ليس مثل ما إذا كنت أعلم تفصيلاً بأن هذا نجس فمن جهة يجب حفظ النفس ومن جهة يحرم شرب النجس الشارع يقول في حالة الاضطرار رفعنا الحكم بالحرمة، هنا لا، هنا هو إنما اضطر إلى شرب أحدهما عندنا يجب حفظ النفس حكم شرعي وعندنا حرمة شرب النجس حكم شرعي اضطر إلى شرب أحدهما ولم يضطر إلى شرب النجس بعينه، الآن يأتي أيضا الحكم العقلي يقول بما أنك لا تعلم النجس بعينه ويجب حفظ النفس أنت معذور في ارتكاب أيٍ منهما، إذا كنت معذور في ارتكاب أي منهما هذا العذر والحكم بالمعذورية لا يتنافى أيضا مع الحكم الشرعي بالحرمة والفرق بين هذا وما ذكرناه أولاً، أن ما ذكرناه أولاً نقول أساساً الحكم بالترخيص عقلي، وهناك أيضا كلام الاضطرار حكم شرعي ورفع الحرمة لأجل الاضطرار حكم شرعي نأتي إلى الثاني إذا لم نقل بأن أصل الترخيص حكم عقلي بمعنى أن المكلف معذور نرجع إلى الجهة الثانية الحكم الشرعي موجود وهو حرمة النجس ولكن لا بعينه لم يقل هذا حرام بعينه، وأيضا الاضطرار ليس اضطراراً للنجس بشرب النجس وإنما اضطر لرفع الهلاك عن نفسه وغير متميز النجس عن غيره، هذا النجس أو ذاك النجس؟ غير متميز، فالعقل يقول: أنت معذور في التطبيق، تطبيق حفظ النفس من الهلكة بشرب هذا الإناء أو بشرب ذاك الإناء، هذه المعذورية العقلية لا تتنافى مع الحكم بحرمة النجس واقعاً، إذا كانت لا تتنافى أيضاً يرتفع دليل المحقق صاحب الكفاية لأنه كما قلنا أساس إشكال صاحب الكفاية يبتني على وجود المنافاة، السيد الخوئي أراد أن يرفع المنافاة بالحكم الظاهري فأورد عليه الشيخ الوحيد هذا الإيراد نحن نرفع المنافاة بالحكم العقلي هناك حكم عقلي وهذا الحكم العقلي في التطبيق لا أقل حتى لو قلنا لا يوجد عندي حكم عقلي لرفع الحرمة للاضطرار نقول في التطبيق قطعاً حكم عقلي، عندي يجب حفظ النفس من الهلكة، عندي أيضا يحرم شرب النجس لا أهلم بالنجس ويجب علي حفظ النفس فأنا عقلاً يقول أنت معذور في تطبيق حفظ النفس على هذا الفرد أو على ذاك الفرد، وهذا العذر أي الحكم العقلي للمعذورية لا يتنافى مع الحرمة فيرتفع أيضا استدلال المحقق صاحب الكفاية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo