< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/04/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه السادس:مناقشة الأقوال في منجزية العلم الإجمالي في التدريجيات:ملخص الكلام في تنجيز العلم الإجمالي في الأمور التدريجية: أنه يعتمد على حسب المباني، فعندنا ثلاثة مباني يدور الأمر مدار هذه المباني:

المبنى الأول: أن مدار التنجيز يدور مدار فعلية التكليف يعني نقول إذا علمنا إجمالا بالتكليف الفعلي بين هذين الأمرين فهنا يتنجز العلم الإجمالي، وإذا لم نعلم بالتكليف الفعلي لا يتنجز العلم الإجمالي، وهذا ما ذهب إليه المحقق صاحب الكفاية (قده) فلهذا هو لم ينجز العلم الإجمالي في جميع الصور، أما في صورة ما إذا علمت الحائض بأنها في هذا الشهر في حيض ثلاثة أيام ولكن لم تعلم أي الثلاثة، فهنا لم يتحقق التكليف الفعلي لأن التكليف الفعلي يدور مدار تحقق موضوعه، والموضوع لم يتحقق فعلا، الآن في الثلاثة الأولى لا تعلم هي في الحيض أم لا، وليس عندها تكليف فعلي بحرمة المكث في المسجد أو مس كتابة القرآن، وبالنسبة إلى الثلاثة الأيام الأخيرة أيضا لم يحن موضوعها فلا يوجد تكليف فعلي، وأما بالنسبة إلى صورة النذر لو نذر أو حلف أن يصوم في أحد اليومين إما الخميس وإما الجمعة، تردد الأمر لديه، هنا باعتبار أنه يرى استحالة الواجب المعلق الذي يكون الوجوب فيه فعليا والواجب استقباليا فهنا أيضا لا يوجد عندي تكليف فعلي، فإذا لم يوجد تكليف فعلي لم يتنجز العلم الإجمالي، فيجري الأصول المؤمنة في أطراف العلم الإجمالي، هذا مبنى صاحب الكفاية وما يترتب عليه.

المبنى الثاني: أن المدار في تنجيز العلم الإجمالي هو فعلية الملاك لا فعلية الحكم والتكليف، إذا كان الملاك فعليا يتنجز العلم الإجمالي حتى لو لم يكن الحكم فعليا، هذا المبنى هو الذي بنى عليه الشيخ الأنصاري (قده) ولهذا قال بالتفصيل، ففي مسألة المرأة الحائض لا علم بالملاك الآن فعلا لا تعلم بوجود الملاك فإذا لم تعلم به ولم يكن الملاك تاما هنا لا يتنجز العلم الإجمالي وتجري الأصول المؤمنة في الأطراف، أما في مسألة النذر فالملاك معلوم، عندما نذر فعلا بصوم أحد اليومين هنا الملاك قطعي والتكليف غير فعلي لأن موضوعه لم يتحقق ولم يحرز ولكن الملاك محرز وبما أنه محرز هنا يتنجز العلم الإجمالي ولا تجري الأصول في أطرافه فهو قال بالتفصيل، هنا نقطة يشترك فيها الشيخ الأنصاري مع الشيخ صاب الكفاية وهو في حال عدم فعلية الملاك ففي هذه الحال أيضا بالتبع لا توجد فعلية للتكليف، هنا كلاهما قالا بعدم تنجيز العلم الإجمالي وجريان الأصول المؤمنة في الأطراف فلهذا في مثال المرأة الحائض قالوا بجريان الأصول والشيخ والآخوند اشتركا في جهة واختلفا في جهة في هذا المثال، اشتركا في أن الأصل الجاري في الأيام الأولى قبل الثلاثة الأيام الأخيرة هو استصحاب عدم التكليف استصحاب عدم الحيضية، الثلاثة الأيام الأولى كانت قبلها على طهارة والآن تشك تستصحب عدم طرو الحيض والثلاثة الثانية والثالثة والرابعة إلى ما قبل الثلاثة الأخيرة بمجرد دخول الدم في الثلاثة الأيام الأخيرة الآن لا يجري الاستصحاب عند الطرفين لأنها تعلم الآن أنها دخلت في حيض وفي طهر ولكن لا تعلم أيهما الأسبق، الآن في الحيض لا تعلم فلا يجري الاستصحاب في الثلاثة الأيام الأخيرة، وإنما أجروا البراءة، هل هنا يحرم عليها المكث في المسجد أو لا يحرم؟ أجروا البراءة عن الحرمة، واتفقوا في عدم جريان الاستصحاب وجريان البراءة، واختلفوا في نقطة وهي فيما هو السبب في عدم جريان الاستصحاب في الأيام الثلاثة الأخيرة؟ الشيخ الأنصاري قال عدم جريان الاستصحاب لأجل التعارض بين الاستصحابين، عندنا كما قلنا مرت عليها حالتان حالة حيضية وحالة طهر، أيهما المتقدم وأيهما المتأخر؟ لا تعلم، استصحاب الحيضية يتعارض مع استصحاب الطهر وعدم الحيضية، لوجود هذا التعارض لا يجري الاستصحاب فننتقل إلى البراءة، أما صاحب الكفاية في مثل هذا المورد وفي غيره أيضا فهذا مورد سيال الخلاف أساسا في بحث الاستصحاب، فهو يشترط أن الاقتران بين زمان المتيقن والمشكوك أن لا يفصل بينهما فاصل، إذا مثلا كان في وقت على حدث وكان في وقت على طهارة هنا استصحاب الطهارة يتعارض مع استصحاب الحدث، نشترط اقتران الزمانين واتصال الزمانين زمان المتيقن وزمان المشكوك، إذا كان يعلم بأنه على طهارة والآن يشك، زمان المتيقن وزمان المشكوك يتصلان فيستصحب الطهارة، فلو كان على حدث والآن يشك هل توضأ أو لا؟ الآن زمان الشك مع زمان اليقين أيضا متصلان فيجري الاستصحاب، أما إذا تخلل أحدهما بعد الثاني ولا يعلم هنا لا يحرز اتصال زمان اليقين وزمان الشك، كان على يقين بالطهارة والآن يشك في الطهارة ولكن يحتمل أنه تخلل بين زمان اليقين والشك الحدث، فلم يحرز اتصال زمان اليقين والشك، أيضا كان يتيقن أنه على حدث الآن يشك في الطهارة هنا يحتمل أنه تطهر بعد الحدث فلم يتصل زمان اليقين بالشك، فلعدم اتصال زمان اليقين بالشك لا يجري الاستصحابين فكلا الاستصحابين لا يجريان.

الفرق إذاً في هذه النقطة بين الشيخ الأنصاري والآخوند أن الشيخ الأنصاري يقول بوجود المقتضي للاستصحابين ولكن المانع موجود لأن كل واحد يتعارض مع الآخر فالمانع بينهما موجود، الآخوند يقول لا يوجد مقتضي لجريان الاستصحاب أصلاً لأنه يشترط اتصال زمان اليقين بالشك وهذا غير موجود لا في الاستصحاب للحيضية ولا في استصحاب عدم الحيضية، وفي مثالنا الآخر لا في استصحاب الحدث ولا في استصحاب الطهارة، وهذا بحثه في محله إن شاء الله في الاستصحاب هناك يأتي البحث والخلاف بينهما.لكن هما في النتيجة يجتمعان، أن الاستصحاب لا يجري في الثلاثة الأيام الأخيرة، فننتقل إلى المرحلة الثانية وهي البراءة، هذا هو المبنى الثاني.

المبنى الثالث: هو أن تنجيز العلم الإجمالي لا يدور مدار فعلية التكليف ولا فعلية الملاك، وإنما يدور مدار وجود التكليف أو وجود الملاك، إذا علمنا بوجود التكليف لا تجري الأصول في الأطراف حتى ولو لم نعلم بفعليته الآن، أو إذا علمنا بوجود الملاك لا تجري الأصول حتى لو لم نعلم بفعليته الآن، فلهذا بناءً على هذا المبنى يتنجز العلم الإجمالي في كلا المثالين، في مثال الحيض الذي قال صاحب الكفاية لا نعلم بفعلية التكليف وقال الشيخ لا نعلم بفعلية الملاك ولا نحرز الملاك، هنا على هذا المبنى نقول يتنجز العلم وذلك لأن المرأة تعلم بوجود التكليف في خلال هذا الشهر تعلم بحرمة المكث في المسجد إما في الثلاثة الأيام الأولى أو في الثلاثة الأيام الأخيرة، هذا التكليف تعلم به، أو إذا لاحظنا الملاك تعلم بوجود ملاك مُلزم في إما في الثلاثة الأيام الأولى أو في الثلاثة الأيام الأخيرة، مع وجود العلم بالتكليف أو مع وجود العلم بالملاك هنا لا تجري الأصول المؤمنة، جريان الأصول المؤمنة مفوت لهذا التكليف وإن لم يكن فعليا، أو مفوت للملاك الملزم وإن لم يكن فعليا، لأنه يفوت العقل هنا الدور دور العقل لأن الكلام في التنجيز وعدمه، فالتنجيز وعدمه حكم عقلي وليس حرمة شرعية فالعقل يرى أو يُدرك عدم تفويت المصلحة الملزمة والملاك الملزم أو التكليف الموجود في البين، لوجود هذا الإدراك العقلي نقول جريان الأصول المؤمنة تتنافى مع حكم العقل فعليه لا تجري الأصول المؤمنة في الأطراف، في هذا المثال فضلا عن مثال النذر الذي يتفق فيه الشيخ الأنصاري مع غيره، هذا الأخير هو الصحيح وعليه المدار فلهذا قلنا سابقا أنه في منجزية العلم الإجمالي الركن الأول ليس هو العلم بالتكليف الفعلي.

نقول الصحيح أن نقول هذا الركن هو العلم بالتكليف والعلم بالجامع سواء كان فعلا فعلياً أو سيكون فعلياً ولكن تعلم المرأة بحرمة المكث في المسجد في الثلاثة الأيام إما الأولى أو الأخيرة، هذا المقدار تعلمه، العلم بالتكليف هذا كافي للركن الأول، عدم جريان الأصول في الأطراف لتعارضها، بعد وجود العلم الإجمالي تتعارض الأصول في الأطراف فاستصحاب عدم الحيضية في ما قبل الثلاثة الأيام الأخيرة يتعارض مع جريان أصالة البراءة في الثلاثة الأيام الأخيرة، فلهذا الركن الأول تام والركن الثالث تام وهذا هو المتصور في المقام لانحلال العلم الإجمالي أو عدم منجزيته، إما ينخرم الركن الأول أو الثالث بينما كلاهما موجود.وبهذا يتم الكلام في هذا التنبيه -تنجيز العلم الإجمالي في الأمور التدريجية- والصحيح هو التنجيز وعدم جريان الأصول.

استدراك: ثم قبل الدخول في التنبيه الآخر وهو الشبهة المحصورة وغير المحصورة، هنا نستدرك نقطة ذكرناها في التنبيه السابق، ففي التنبيه السابق ذكرنا إذا كان الطرف المشترك له أثر زائد، إذا علمت بنجاسة الثوب إما بالدم أو بالبول هنا على حسب ما ذكرنا سابقا أنه بعد غسل الثوب مرة واحدة الدم يحتاج إلى غسله مرة واحدة طبعاً بعد إزالة عين النجاسة والبول يحتاج إلى غسله مرتين في غير الماء الجاري، بعد غسله مرة واحدة هل يجب غسله مرة ثانية لاحتمال تنجسه بالبول أو لا يجب؟ هناك ذكرنا بأن استصحاب عدم وجوب غسله مرة ثانية أو البراءة عن وجوب غسله مرة ثانية معارَض بأصل موضوعي- كما نقلنا الكلام عن السيد الخوئي- وهو أصالة بقاء النجاسة، يعني الآن هذا الثوب غسل مرة واحدة هل يجب غسله مرة ثانية أو لا؟ هنا نشك وكنا نعلم بنجاسته الآن نشك في بقاء النجاسة نستصحب بقاء النجاسة واستصحاب بقاء النجاسة مقدم على البراءة من وجوب الغسل، أصل موضوعي حتى مقدم على استصحاب عدم وجوب الغسل فإنه أصل الحكمي واستصحاب بقاء النجاسة أصل موضوعي والأصل الموضوعي مقدم هذا ما نقلناه عن السيد الخوئي، أشكلنا عليه بأنه في المقام في خصوص هذا المثال نتصور استصحاب موضوعي آخر مقدم على استصحاب بقاء النجاسة وهو استصحاب عدم ملاقاة الثوب للبول، إنما شككنا في النجاسة وعدمها لأننا نشك في تنجسه بالبول، إذا تنجس بالبول نجس وإذا لم يتنجس بالبول لا يكون نجس، فلما نجري استصحاب عدم ملاقاة الثوب للبول لا يأتِ الدور إلى استصحاب بقاء النجاسة، هذا ما أوردناه سابقاً.

الآن نقول: وجدت في مسودات دروس الشيخ الأستاذ الوحيد (حفظه الله) وهو أورد هذا الإشكال الذي أوردناه ودفعه، فنستدرك هذه الجهة.فنقول: استصحاب عدم ملاقاة الثوب للبول، هذا الاستصحاب لا يجري أساساً لأنه هذا خُلف العلم الإجمالي، هذا الاستصحاب خُلف العلم الإجمالي، أنا أعلم إجمالا إما بنجاسة الثوب بالدم أو نجاسة الثوب بالبول، هذا علم إجمالي أول أساسي، هذا العلم الإجمالي باقٍ ما لم يقم هناك علم تفصيلي بنجاسته بالبول مثلاً أو حجة شرعية بنجاسته بالبول أو بالدم أو بعدم أحدهما، إذا قامت الحجة ينحل العلم الإجمالي أساساً، فأنت الآن تقول عندي علم إجمالي بنجاسة الثوب إما بالدم أو بالبول، فلهذا تقول لا يجري أصالة عدم التنجس بالدم لأنه يتعارض مع استصحاب عدم التنجس بالبول، وتقول استصحاب عدم تنجسه بالدم هنا الآن بعد غسله مرة واحدة لا أثر له وذاك له أثر فتريد أن تجريه، إذا أجريت استصحاب عدم ملاقاته بالبول أساسا ينحل العلم الإجمالي لأنه قامت الحجة على عدم تنجسه بالبول يعني هذا الطرف قام المؤمن ومع وجود الحجة على هذا الطرف العلم الإجمالي لا وجود له، فجريانه هنا يستلزم من وجوده عدمه، أنت من جهة تقول استصحاب عدم الدم لا يجري لأنه مقترن بعلم إجمالي وعنده علم آخر، إذا قلت الآن باستصحاب عدم ملاقاته بالبول استصحاب عدم ملاقاته بالدم لا معارض له فيجري، فحين ما تثبت العلم الإجمالي أنت تنفي وحين ما تمنع من جريان أصالة عدم ملاقاته للدم أنت تجريه، فيلزم من وجوده عدمه، إذاً هذا الاستصحاب استصحاب عدم ملاقاة الثوب للبول الذي تريد أن تقدمه على استصحاب بقاء النجاسة هذا الاستصحاب أساساً لا يجري في نفسه لأنه خُلف وجود علم إجمالي بنجاسة الثوب إما بالدم أو بالبول، فعليه: يتأكد كلام السيد الخوئي الذي ذكرناه سابقا أن استصحاب بقاء النجاسة باقٍ ولا يأتي الدور إلى استصحاب عدم وجوب غسله ثانية فالنتيجة يجب غسله مرة ثانية، هذا ما أحببنا الاستدراك به، ويأتي الكلام في الشبهة غير المحصورة إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo