< فهرست دروس

درس خارج فقه استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

99/11/25

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدقيق والتأمّل في الطائفتين من الأخبار يرشدنا إلى إمكان الجمع بينهما

 

والتحقيق: التدقيق والتأمّل في الطائفتين من الأخبار يرشدنا إلى إمكان الجمع بينهما، بما يوجب العمل بهما بصورة القضيّة الموجبة الجزئيّة في كلّ من الطرفين، كما هو نتيجة ما توصّل اليه صاحبي «الجواهر» و«المصباح»، بعد ملاحظة كلامهما من أوّله إلى آخره، ونذكر :

أوّلاً: اشتمال القول الأوّل بما يوجب وهنه وضعفه، مع الغضّ عن أسانيد هذه الأخبار، فنقول :

المناقشة الأولى: هذه الأخبار مدلولها موافقة لفتوى العامّة والنادرة كابن سيرين والثّوري وأحمد وإسحاق، وأصحاب الرأي، وابن المنذر؛ الذين ذكر صاحب «الجواهر» اسماءهم.

الثانية: عدم حجيّة الثاني منها عندنا ـ وقصد به خبر الفقه الرضوي ـ.

الثالثة: تقديم الهجرة على الأقرأ، وهذا مخالف للنصوص والفتاوى.

الرابعة: اشتمال الخبر الأوّل وهو خبر أبي عبيدة من تأخير الفقه عن سائر الصفات، وهو أيضاً مخالف للنصوص والفتاوى.

مضافاً إلى إمكان احتمال اختصاصها بالصّدر الأول، وزمن النَّبيّ (ص)، ممّا كان أمر الفقه فيه بسيطاً سهلاً.

ثمّ اتّجه صاحب «الجواهر» بعد ذكر هذه الأُمور المضعّفة، ببيان المؤيّدات للقول الثاني فقال ما خلاصة :

بأنّ الإمام الأفقه أعرف وأعلم بأركان الصلاة وأحكامها، ولذا استحبّ أن يقف الفضلاء في الصفّ الأوّل، كي يقوّموا الإمام وينبّهوه.

وبأنّ المحتاج إليه من القراءة محصورٌ، والفرض معرفة الفقيه به، بخلاف الفقه فإنّه غير محصور، إذ قد يعرض في الصلاة ما لا يكون قد استعدّ له الأقرأ قبل ذلک.

ثمّ استدلّ لتأييد القول الثاني: بأنّه ممّا دلَّ عليه العقل والنقل، كتاباً وسُنّةً، من عظم مراتب العلماء، وعدم استواء من يعلم مع من لا يعلم، وأنّهم كأنبياء بني إسرائيل، وأنّه ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾، وأنّ مَن ﴿يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى﴾، وأنّ مَن أَمَّ قوماً وفيهم مَن هو أعلم منه، لم يزَل أمرهم إلى السفال إلى يوم القيامة، وأنّ إمام القوم وافدهم فقدّموا أفضلكم، وأنّ مَن يصلِّي خلف عالمٍ، فكأنّما صلّى خلف رسول اللّه (ص)، وأنّ أئمّتكم وفدكم وقادتكم إلى اللّه، فانظروا مَن تُوفِدون، ومن تقتدون به في دينكم وصلاتكم.. إلى غير ذلک ممّا لا يمكن إحصائه.

بل أضاف على ما سبق تأييداً؛ بأنّه ورد في العبد والأعمى فضلاً عن غيرهما، أنّهما يؤمّان الناس إذا كانا أفقه، خصوصاً بالنسبة للمجتهدين الذين جعلوهم : حُكّاماً على العباد، وأنّهم بمنزلتهم.

بل يمكن دعوى دخولهم تحت عنوان الأُمراء والنوّاب، وفي الخبر: «نحن حُجج اللّه على العلماء، وهم حُجج اللّه على الناس». وفي خبرٍ آخر عن الرِّضا(ع) : «أنّه قدّم العالم الهاشميّ، قائلاً له: انّكم سادات الناس، والعلماء ساداتكم».

وخصوصاً إذا أجمعوا مع ذلک باقي الصِّفات الأُخَر، من الورع والتقوى والرياضات النفسانيّة، حتّى تشرّحت أذهانهم، وصاروا يعرفون من اللّه ما لا يعرفه غيرهم.

مضافاً إلى ما في إمامة المفضول بالفاضل من الاستنكار عقلاً وعادةً، حتّى أنّه حَكى في «الذكرى»، عن ابن أبي عقيل منع ذلک، ومنع إمامة الجاهل بالعالم، وقال :

(إن أراد الكراهية فحسن، وإن أراد به التحريم، أمكن استناده إلى أَنَّ ذلک يقبح عقلاً، وهو الَّذي اعتمد عليه محقّقوا الأُصوليّين في الإمامة الكبرى، ولقوله جلّ اسمه: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾[1] ، وللخبرين المتقدِّمين في كلام ابن بابويه إلى آخره).

 

وهو ظاهرٌ في أنّه هو أيضاً محتملٌ له، فتأمّل)[2] . انتهى كلامه رفع مقامه.

 

أقول: الدّاعي إلى نقل كلامه بطوله، أنّه رحمة اللّه عليه قد أتعب نفسه الشريف في جمع جميع المرجّحات والمؤيّدات، حتّى بلغ قريب عشرين وجهاً لترجيح القول الثاني، وهو أنّ الأفقه يكون مقدّماً في الامامة على الأقرأ، خلاف ما عليه المشهور بعكس ذلک، والقول بتقديم الأقرأ على الأفقه، والقائلون بهذا القول هم عدّة من أفاضل المُتأَخِّرين وفقهائهم، كالسيِّد السند في «المدارک»، والفاضل الخراساني في «الذخيرة»، والمحدّث الكاشاني، والمحدّث الشيخ محمّد بن الحسن الحُرّ العاملي، تبعاً للعلّامة الحلِّي في «المختلف»، وتبعهم صاحب «الحدائق»، حيث قال: (وهو الحَقّ الحقيق بالاتّباع، وإن كان قليل الأتباع، للأدلّة العقليّة والنقليّة، كتاباً وسُنّةً، كما سيظهر لک إن شاء اللّه تعالى). انتهى كلامه[3] .

 

أقول : الذي يظهر من مجموع كلام العَلَمين المتبحِّرَين في الفقه، وهما صاحب «الجواهر» و«مصباح الفقيه»، هو عدم التنافي بين الطائفتين من الأخبار، وهو المختار عندنا، إذ الظاهر أَنَّ المقصود من تلک الأخبار بيان المرجّحات التي ينبغي مراعاتها، فيما إذا دارَ الأمر بين أشخاصٍ يصلح كلّهم للإمامة، بأن كان كلّ منهم من شأنه أن يتقدّم للإمامة، هذا لا ما يكون فيما إذا كان أحدهما عامّيّاً والآخر فقيهاً كاملاً؛ لوضوح عدم مساواة العالم مع الجاهل، وقبح تقديم الجاهل على العالم عند العقلاء والمتشرّعة، بل هو من الفطريّات التي لا يبقى معه مجالٌ لتوهّم المكافئة، حتّى يلتفت إلى المرجّحات من الفقاهة والزهد والصلاح، فحينئذٍ لا مانع من ملاحظة المرجّحات في هذه الطائفة بعضهم مع بعض، من أكبرهم سِنّاً أو علماً من جهة القراءة أو الفقاهة أو السِّيادَة أو الورع وغيرها، فإنَّ كلّاً من هذه الجهات أيضاً فيها جهة فضل، ربّما تترجّح شرعاً وعرفاً على جهة الأفقهيّة، خصوصاً في صدر الإسلام وفي زمن النَّبيّ (ص) الَّذي كان الفضل كلّه في حفظ القرآن، حيث كان (ص) يهتمّ كثيراً بتعليم القرآن وحفظه، وكان يؤكّد على قراءة القرآن وتلاوته، وكان الصحابة يحفظون القرآن عن بصيرة، ويتلونها آناء الليل وأطراف النهار، وكانوا يسألون عن معاني الآيات النازلة، وقد جاء في بعض الأخبار أنّ سلمان رضى اللّه عنه علّم القرآن أعرابياً، حتّى بلغ في سورة الزلزال إلى قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرآ يَرَه﴾ الآية[4] ، فقام الرجل الأعرابي وقال: كفاني هذه الآية، وليس

ذلک إلّا أنّهم كانوا قد أقبلوا الى الاسلام بقلوبهم فوعوا آيات القرآن وأحكامه.

وكيف كان، فلم يقصد النَّبيّ (ص) بالأقرأ الَّذي أمرَ به، خصوص كونه أجود قراءةً، ولا أكثر حفظاً لألفاظ القرآن، من غير تعقّل مفاهيمها، بل المراد هو الأكثر حفظاً على بصيرة وتعقّل، كما هو الغالب في ذلک العصر، فعنوان (الأفضل) في ذلک الزمان في الحقيقة لم يكن إِلاَّ الأقرأ بهذا المعنى، فلم يكن حينئذٍ تنافٍ بين الطائفتين من الأخبار، كما لا تنافي بين تلک الأخبار، وبين ما دلّ على فضل العالم وفضيلة الصلاة خلفه، وعدم أهليّة غيره للتقدّم عليه.

 


[1] سورة الزلزلة، الآية(ع).
[2] الوسائل، الباب16 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
[3] الوسائل، الباب21 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3.
[4] فقه الرضا، نقلاً عن المستدرک الباب25 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo