< فهرست دروس

درس خارج فقه استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

97/09/06

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: شرائط صحّة الجماعة

 

فإنْ قيل: ما المراد من قوله(ع): (ما لا يُتخطّى)، المذكور في الموردين، أحدهما بين الإمام والمأموم حتّى مع المرأة، والآخر بين الصَّفّين؟

نقول: الذي يظهر من عبارة صاحب «الغُنية» أنّه مستعملٌ في الأَعَمّ من المسافة أو بناء أو نهر، حيث قال: (ولا يجوز أن يكون بين الإمام والمأمومين، ولا بين الصفّين، ما لا يُتخطّى مثله من مسافةٍ أو بناءٍ أو نهرٍ، بدليل الإجماع الماضي ذِكره). انتهى كلامه[1] .

 

وقد أورد عليه في «مصباح الفقيه» بقوله: (وتوهّم: أَنَّ هذا يستلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى، فإنّه على تقدير إرادة الحائط يكون معنى (ما لا يتخطّى) أي ما لا يمكن المرور عليه ماشياً، وعلى تقدير إرادة المسافة، معناه عدم صلاحية جعله خطوةً، أي مسافة يقطعها قدم، إذ الخطوة قد تستعمل بمعنى المشي، وقد يراد منها البُعد الواقع بين القدمين، وهما معنيان متغايران، لا يصحّ إرادتهما من عبارة واحدة.

مدفوعٌ بإمكان إرادة الأَعَمّ، فإنَّ ما يمتنع أن يصير خطوة، قد يكون لأجل طول المسافة زائداً عمّا يقطعها قدمٌ، وقد يكون بواسطة مانعٍ خارجي من جدارٍ ونحوه، فلا امتناع في إرادة القدر المشترک منه. ولكنّه خلاف الظاهر، بل المتبادر منه إنّما هو إرادته من حيث المسافة، خصوصاً في الفقرة الثانية التي وقع فيها التعبير بقدر ما لا يُتخطّى، فإنّه كالنّصّ في ذلک)، انتهى محلّ الحاجة[2] .

 

بل نحن نزيد عليه تأييداً، بأنّه لا يمكن أن يُراد من الخطوة معنى الستر في حقّ المرأة، لوضوح أَنَّ الستر بين الإمام والمرأة غير ضائر، فلابدَّ أن يراد به المسافة.

قلنا: ولقد أجاد فيما أفاد، لأجل المناسبة الموجودة في المقام، لأنّه بصدد بيان المورد الذي يكون فيه الفصلُ مضرّاً للاتّصال، كما قد يؤيّد بيان تفسير ذلک في قوله: (لا يكون بين الصفّين ما لا يُتخطّى يكون قدر ذلک مسقط جسد إنسان إذا سجد). فإنَّ قوله: (يكون قدر ذلک)، أي إن زاد على هذا المقدار تفسد الجماعة، بخلاف ما لو كان أقلّ، فالجماعة تكون صحيحة.

فظهر ممّا ذكرنا أنّ اللفظ مستعملٌ في معنى واحد، وهو المسافة، لا عدّة معاني مشتركة، كما لا يخفى .

نعم، جاء في الخبر المرويّ عن ابن الجهم ما يُخالف ذلک، قال :

«سألتُ الرِّضا(ع) عن الرجل يصلِّي بالقوم في مكان ضيّق، ويكون بينهم وبينه ستر، أيجوز أن يصلِّي بهم؟ قال: نعم»[3] .

 

حيث يدلّ بأنَّ الستر المانع لا يضرّ بالاتّصال وقيام الجماعة، وهذا الخبر لا يساعد مع ما عرفت، فلابدَّ من حمله: إمّا على ما لا يمنع المشاهدة لقصوره، أو على الأساطين أو على التقيّة، هذا كما في «الوسائل». هذا بناءً على كون الكلمة المذكورة في الخبر هو الستر.

ولكن قال صاحب «الجواهر»: (على أَنَّ الموجود فيما حَضَرَني من نسخة «الوافي» بالشين المعجمة، والباء الموحّدة (أي شِبْراً)، نعم حكى هو في بيانه عن بعض النسخ السين المهملة، والتاء المثنّاة من فوق، واحتَمل تصحيفه)، انتهى كلامه .

 

قلنا : حمله بما جاء في «الوافي» بأن يكون مع الشين المعجمة، حتّى يناسب ويجمع مع سائر الأخبار، وباعتبار كونه مع ما في الخبر من ضيق مكان أراد السؤال بأنَّ الفصل بمقدار شبر هل يضرّ بالاتّصال أم لا؟ بل تصحّ الجماعة لصدق الاتّصال، فتصديق الإمام كان بياناً بأنَّ الجماعة بهذه الحالة تكون صحيحة ولا إشكال فيها، فلا يكون الحديث حينئذٍ معارضاً لما سبق، ويكون الحمل على ذلک حتّى لا يعارض الصحيحة أَوْلى من طرحه، أو الحمل على التقيّة لموافقته مع مذهب العامّة.

ومع التنزّل عن ذلک، فلا أقلّ من الشکّ والترديد، فلم يثبت كونه مع السين كي يقاوم بالمعارضة مع الصحيحة، كما لا يخفى.

موضوع: فروع تتعلّق بموانع صفوف الجماعة حكم المانع عن الرؤية حال الجلوس

الفرع الأوّل: إذا كان الحائل قصيراً لا يمنع المشاهدة في حالٍ من الحالات، فلا إشكال ولا خلاف في عدم قادحيّته؛ لوضوح أَنَّ الملاک في القادحيّة هو المانعيّة عن المشاهدة، فإذا فرض مانعاً قصيراً لا يمنع عن المشاهدة، فلا يبقى وجه في المانعيّة بمجرّد وجود مسمّى الحائل، الفاقد لتلک الصفة، وهو واضح لا سترة فيه.

الفرع الثاني: إذا فرض كون الحائل مانعاً عن المشاهدة في حال الجلوس فقط دون القيام لأجل قصره، فهل يكون مثله مانعاً، أم لا؟

قد يتوقّف في حكمه كما عن «المصابيح»، لصدق السترة والجدار عليه رغم قصره وتوقيفيّة الجماعة. فنتيجته عدم الجواز، خلافاً لجماعة كثيرة من الفقهاء على الجواز وعدم قاحديّته، منهم الفاضل والشهيدان والكركي وولده، وأبو العبّاس والمقداد والخراساني وعن غيرهم، بل في «الجواهر»: (لا أجد فيه خلافاً ولا إشكال، ممّن عدا من عرفت بينهم)، ثمّ أمضى ذلک صاحب «الجواهر» وقال : (ولعلّه كذلک، لعدم الشکّ في شمول إطلاق الجماعة له، وعدم إرادة ما يشمله من السترة والجدار)، انتهى محلّ الحاجة.

أقول: لكن بعد التأمّل والدقّة، ربّما يوجب ذلک صدق دعوى المانعيّة على مثل هذا الحائل في حال الجلوس؛ لأنَّ الظاهر من تلک العبارة هو ملاحظة جميع الحالات، خصوصاً إذا كان الحائل مانعاً لجزء من البدن، حيث إذا اشتمل جزءٌ يصدق معه أنّه مانعٌ من الرؤية، بل لابدّ من الحكم بالمنع أيضاً، فيما لو أمكنَ المشاهدة في بعض الحالات، لأجل وجود ثقب في جانبٍ من الحائل، أو يتمكن المصلّي الرؤية في حال الركوع أو في حال الجلوس، وليس ذلک إِلاَّ لأجل صدق الستر عرفاً في مثل ذلک، وعليه فالحكم بالجواز لا يخلو عن تأمّل، خصوصاً إذا قلنا بأنَّ عدم المانع عن الرؤية يعدّ من قبيل شرائط الصحّة في الجماعة، لا من الموانع حتّى نرجع عند الشکّ فيه إلى أصالة العدم، وعلى هذا كان التوقّف الصادر عن صاحب «المصابيح» في ذلک وجيهاً، ولهذا ذهب أكثر أصحاب التعليق على «العروة» من المُتأَخِّرين إلى المنع في هذا الفرع.

 


[1] الجواهر، ج13 / 155.
[2] الحدائق، ج11 / (ص)7.
[3] و (2) الجواهر، ج13 / 155 و 157.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo